تونس : ثورة الحرية والانعتاق في وجوب الحفاظ على مكتسبات هذه الثورة و انجاح مسارها لقد تابعت جمعية الحقيقة والعمل أحداث ثورة الشعب التونسي المجيدة والتي انطلقت شرارتها بإشعال النار في جسد الشاب محمد البوعزيزي يوم 17 ديسمبر 2010 والذي بحركته هذه أشعل نار الحرية والانعتاق في كل البلاد ومنها في سائر بلدان الوطن العربي. إن إقدام الشاب محمد البوعزيزي على إحراق نفسه أمام الملأ كان تعبيرا احتجاجيا ذا طابع نضالي يعكس الحد الذي بلغه انسداد الافق في بلد أبدعت سلطاته في الدجل و المغالطة حتى فيما يتعلق بالاعتراف بأكثر الظواهر بداهة كوجود البطالة او الفوارق الجهوية و ما إلى ذلك من النقائص. إلا أن هذا الشكل غير المعهود من الاحتجاج الذي صدم به محمد البوعزيزي الشعب التونسي ، ذي المرجعية الإسلامية، أيقظ وعي الناس على بلوغ الظلم والحكم الفردي الاستبدادي حدا غير مسبوق جعلهم يهبون بسرعة فائقة الى نصرته و تحمل قضيته. و لقد تتابعت حركة الاحتجاج على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بعد هذه الحادثة لتصبح خلال أيام ثورة شعبية عارمة على وضع سياسي محتقن وأفق تعايش ديمقراطي منسد الآفاق، توج مساء يوم 14 جانفي 2011 برحيل زين العابدين بن علي "صانع تغيير السابع من نوفمبر"، هذه الأكذوبة التي ما فتئ التجمع الدستوري الديمقراطي يرددها ويرهب بها الناس حتى أصبحت كابوسا يقض مضجع التونسيين والتونسيات منذ انقلاب بن علي على السلطة صبيحة 7 نوفمبر 1987. هذا و قد ساهمت عنجهية السلطة و اعتمادها على نفس الاساليب في الرد على هذه الاحتجاجات ( انكار حقيقة الفساد المالي و السياسي، العنف الاقصى بإطلاق الرصاص الحي على المواطنين العزل، التوجيه الاعلامي الخشبي و اشتراء صمت الدول الغربية بالتأكيد على فزاعة الارهاب) في اقناع المترددين بأن النظام قد تحول فعلا الى آلة قمعية تدافع فقط عن مصالح فئة ضيقة من المتنفذين من أسرتي الرئيس المخلوع و زوجته و مؤسستي الأمن و الحزب الحاكم اللتين كانتا في خدمتهما. و لذلك، وبعد ظهوره للشعب التونسي في ثلاث خطابات متتالية في محاولة لامتصاص غضب الشعب الثائر، وأمام إصرار الشعب التونسي على مواصلة الثورة حتى النصر، هرب زين العابدين بن علي لاجئا إلى المملكة العربية السعودية تاركا وراءه ثورة شعبية أذهلت العالم وخلطت أوراق كل الديبلوماسيات العربية والدولية، ثورة على كل الأوضاع وعلى رأسها "التجمع الدستوري الديمقراطي" وعلى كل الأجهزة الأمنية التي أرهبت الناس خلال 23 سنة من الحكم البوليسي و55 سنة من هيمنة الحزب الواحد. تعاقبت بعد هروب بن علي الحلول السياسية المفبركة (بين فلول الحزب و المؤسسة الأمنية مدعومين من بعض الدول التي لم تدرك ان الشعب التونسي بثورته قد اتم استقلاله عنها) فصار فؤاد المبزع رئيس البرلمان الحالي رئيسا مؤقتا للبلاد والذي كلف بدوره رئيس حكومة بن علي نفسه السيد محمد الغنوشي بتشكيل حكومة وطنية، فأضاف بعض وجوه المعارضة وأبقى على حكومته القديمة. الا ان اتحاد اغلب اطياف الشعب التونسي و معارضته حول مطلب القطع مع كل رموز الماضي الاستبدادي فرض واقعا نضاليا و سياسيا جديدا لخصته بروعة مقولة الحفاظ على مكتسبات الثورة التونسية. خلال كل هذه الفترة ومنذ انطلاق الثورة الشعبية، اعتبرت جمعية الحقيقة والعمل، وفاءا لرصيدها من النضال الحقوقي الذي امتد على مدى 14 سنة، أن الكلمة اليوم هي للشعب التونسي وللشارع و ان لا أحد يستطيع أن يحتكر التعبير عن ارادة الشعب وذلك منذ بداية الأحداث، وان إعلان "الحكومة المؤقتة" عن جملة قراراتها المتمثلة أساسا في سن عفو تشريعي عام والاعتراف بكل الأحزاب السياسية وسحب الأمن الجامعي، لا يمكن ان ينتزع من الشعب حقه في رفع سقف مطالبه للانعتاق الكامل من الماضي نظاما و رموزا و مؤسسات. كما تعتبر جمعية الحقيقة و العمل العفو التشريعي العام الذي أعلنت عنه الحكومة المؤقتة ، استجابة لمطلب اجمع عليه كل التونسيين منذ أكثر من عقدين من الزمن، قرارا مرحبا به و لكنها تود التنبيه الى وجوب تجنب المغالطة بشأنه. فنحن اذ نسعد لخروج جل المساجين السياسيين، كصيرورة طبيعية للأحداث بمجرد انهيار هرم السلطة يوم 14 جانفي 2011، فإننا نذكر بان هذا القرار لا يمكن ان يكون مرضيا للشعب و قواه المناضلة الا بالإسراع في توضيح استتباعاته القانونية و الادارية العملية (اطلاق سراح المساجين السياسيين دون استثناء، اسقاط المتابعات القانونية عنهم و عن كل المهجرين والمغتربين لاعتبارات سياسية، ايجاد خطة توافقية واقعية تمكنهم من استعادة حقوقهم التي تم التعدي عليها من قبل الامن و توابعه). لذلك فإننا كجمعية تونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في تونس، ومقرها الحالي جنيف، نعلن ما يلي: - أولا: تمسكنا بتحقيق كل مطالب الشعب والطبقة السياسية والجمعيات الحقوقية الوطنية في جو من الحوار الوطني مع كل الأطراف، وعلى رأسها القطع مع حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الذي لا زال يحكم بالوكالة وتفكيك المنظومة الأمنية والسياسية والإعلامية والإدارية الموروثة من النظام البائد. - - ثانيا: ندعو إلى إعادة صياغة دستور البلاد ضمن رؤية تجديدية تعلي مشاركة الشعب في تنظيم الحياة السياسية من جديد وإعادة التنظيم الإداري والهيكلي للدولة والقطع مع الماضي بكل أشكاله، مع الحفاظ على المكتسبات الوطنية التي تحظى بإجماع وطني كامل. - - ثالثا: مساعدة شعبنا في الداخل والخارج وبشكل فوري وعاجل على إرجاع أمواله المسروقة ومتابعة الجلادين والمتورطين في قضايا تمس بالأفراد والبلاد والدفاع عن المظلومين وإرجاع الحقوق إلى أصحابها. - - رابعا: عزم جمعية الحقيقة والعمل إرسال وفد للبلاد لمعاينة الأحداث الجارية والمساهمة مع شعبنا في الدفاع عن شعارات الثورة و مطالبها، والمساهمة مع كافة الجمعيات الحقوقية والقوى الوطنية في البلاد لتحقيق إجماع وطني لا يقصي أحدا. - - خامسا: مواصلة الجمعية نضالها الحقوقي والسياسي في الداخل والخارج لكشف الحقائق في علاقة متكاملة بين الأجهزة القضائية الوطنية والمنظمات الدولية، ومد يد الحوار مع كل الأطراف الحقوقية والسياسية في البلاد لبناء ركائز الدولة الديمقراطية الحديثة. عاشت تونس حرة مستقلة.
جنيف في 21 جانفي 2011 عن جمعية الحقيقة والعمل عماد العبدلي رئيس الجمعية
جمعية الحقيقة والعمل هي جمعية غير حكومية ومستقلة عن كل الأحزاب السياسية، تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان في تونس وتعمل على نشر الحقيقة، تأسست سنة 1997 حسب قانون الجمعيات في سويسرا. Vérité-Action Case postale 1569 CH - 1701 Fribourg Tél: + 41 79 703 26 11 Fax: + 41 21 625 77 20 CCP: 17-554253-0 E-mail: [email protected] site : http://www. verite-action.org