أصعب منظر يدفع اى انسان لديه ضمير لرفضه شكلا وموضوعا هو منظر رجل الشرطة وهو يقوم بضرب مواطن وسحله وركله بالأقدام .. هذا المنظر المثير للاشمئزاز والغضب فى آن يصب الزيت على نار انتفاضة الشباب المصرى ..ويدفع الجميع الى الاصرار على اعادة الكرامة المفقودة للإنسان المصرى ، استخدام العنف ضد المتظاهرين ربما يدفعهم أيضا الى استخدام العنف المضاد، فتتحول المظاهرات السلمية الى فوضى تعم البلاد يكون السبب فيها والمسؤول الأول عنها الأمن المصرى ، صورة رجل الشرطة الذى يتعامل بقسوة وعنف غير مبرر مع كل مصرى ماهى الا دليل دامغ على فشل النظام المصرى فى مواجهة ثورة الشارع بطريقة حضارية تليق بالمصريين ، ودليل اصراره على الإستهانة بمشاعر المصريين ومعاناتهم ، واصراره أيضا على تمسكه بسياسة القمع والضغط التى استخدمها طوال ثلاثة عقود ، والتى كانت احد الاسباب التى ولدت الإنفجار فى مصر ، ودفعت المصريين الى انتفاضتهم دفاعا عن كرامتهم ، خاصة بعد قتل شباب فى عمر الزهور على يد الجلادين فى أقسام الشرطة ، وبعد انتهاك كرامته على يد عصابات الأمن ، ودليل آخرعلى انه نظام مفلس لا يملك سوى تلك العقلية الامنية ليدير بها البلاد ، عندما ترك امر مواجهة فوران الشارع وغليانه لأجهزة الامن بدلا من مراجعة أخطائه وسياساته والإعتراف بالخطأ، وبدلا من إعطاء أوامره لعناصر الأمن بالكف عن تلك الممارسات التى لا تليق بشعب له كرامة أمعنت فى إهدار كرامته علنا وبدون اى خجل ، فكانت النتيجة هى ما نراه اليوم من تمرد وعصيان على تلك الممارسات المشينة ، وكسر حاجز الخوف فى نفوس المتظاهرين ، فخرجوا غاضبين فى تظاهرات عمت معظم المحافظات المصرية . ونتساءل ألا يملك النظام طريقة أخرى للعلاج سوى دفع قوات أمنه لطحن المتظاهرين وسحلهم وقتلهم ؟ وهل رموز النظام قاموا يوما بفتح قنوات حوار وتفاهم بينهم وبين الشعب المصرى اساسه المصداقية والشفافية ؟ شعوب العالم تحكم بالتفاهم والحوار الا فى مصر تجد الهوة تتسع بين جيل جديد عاش عقودا من القهر والضغط ، وبين جيل قديم يحكم بالحديد والنار.
عشرات الآلآف من الثائرين المصريين الذين خرجوا فى انتفاضة شعبية يوم 25 يناير 2011م .. الشرطة تعاملت فى بداية اليوم الاول للانتفاضة مع المتظاهرين بشكل حضارى ..ولكنها فى نهاية اليوم ليلا نزعت عن وجهها قناع الحمل الوديع الذى تجملت به طوال اليوم ليظهر وجهها القبيح ( لتعود ريما الى عادتها القديمة ) فتتغول وتتوحش ، وتطلق رصاصها الحى ، وخراطيم المياه ، والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين فى محاولة لتفريق شمل الآف المحتجين فى ميدان التحرير ، ومحاولة آخرى لتصدير كذبهم الى شعوب العالم بان مايحدث هو تعبير حقيقى عن الديمقراطية ( المزعومة ) التى أرسى قواعدها النظام ، تليها كذبة عودنا النظام على نشرها وهى ان المحتجين ماهم الا ثلة صغيرة من المضللين حركتها جماعات محظورة .
الانتفاضة عمت كافة المحافظات المصرية ، وقد أعلن المحتجون شعاراتهم المنددة بالنظام ، مطالبين بإسقاطه ، وهذا حقهم المشروع فى رفض الطريقة التى تدار بها شؤون بلادهم من قبل عقلية امنية عفا عليها الزمن ، وقانون طوارىء ظالم حكم البلاد بالنار والحديد مقارنة بشعوب آخرى يراها الشباب تتمتع بالاحترام والتقدير والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية من قبل حكوماتها .. هذه القيم التى لا يعرفها اى من رموز الحرس القديم المحيط برأس النظام ، ذلك الحرس الذى سخرأجهزة الأمن المصرية لحماية رموزه دون ان يلتفت الى أولوية حق المواطن فى تلك الحماية .. فكانت النتيجة حالة تمرد وعصيان على أسلوب تلك الاجهزة القمعية ، وتحدى واضح لقرارالداخلية الجائر بمنع التظاهر ، فخرج الشباب الى الشوارع ، وتم ازالة صور مبارك من قبل غاضبين مصريين ، والافواه التى كانت مكممة عرفت طريقها الى الصراخ فى وجه القمع .. ام مصرية عاجزة ترتكز على عكاز تصرخ فى وجه رجال الامن ( اخص عليكم ضيعتوا مصر ) .. نقيب شرطة يرفض تنفيذ الاوامر بضرب المحتجين فيرفعه الشباب والرجال على أكتافهم مهللين ( الله اكبر ..الله حى والتانى جاى ) فى فرحة عارمة بإنضمام أحد أبناء مصر الشرفاء اليهم رغم انه محسوب اسما على النظام .
ان ممارسات اجهزة الامن ضد " الانتفاضة الشعبية " تؤكد للجميع بلا شك ان العقلية الامنية التى يتمتع بها النظام ووزيرالداخلية لمعالجة الأمور والأزمات، ستكون السبب المباشر لانهيار هذا النظام ، وربما القشة التى ستقصم ظهر البعير كما يقال ، فكلما زاد عنف الشرطة ، جوبه بعنف مماثل من قبل المتظاهرين ، وما حدث فى سوق الاربعين وشوارع محافظة السويس لهو خير دليل على ذلك حيث تحولت المواجهات بين المتظاهرين ورجال الشرطة الى حرب شوارع وتخريب وتدمير ، وحرائق هنا وهناك ، وأدى كل ذلك الى سقوط ضحايا ، وسيطرة مئات المواطنين علي قسم شرطة ومقر امن الدولة بالسلوم بمحافظة مطروح ، وحرب شوارع بين متظاهرين وافراد الشرطة فى الهرم وبولاق وغيرها من المناطق ..فهل سياسة القمع أثمرت اى نتائج سوى مزيد من التحدى والصمود تمسك بهما المحتجون ؟
الشعب المصرى قبل يوم 25 يناير ليس كبعده .. وثوب الخوف والرهبة الذى ألبسه النظام للمصريين على مدى ثلاثة عقود قد خلعوه ، ولم يعد يجدى معه لا سياسة القمع ولا التخويف ولا الارهاب ، وما لا تدركه اليوم وزارة الداخلية المصرية ، ولم يصل الى وعي عناصرها هو ان العالم اليوم قد تغير وبات يراقب الوضع فى مصر، وأصبح أكثر تعاطفا مع الشعب المصرى ، الذى سلطت عليه الاضواء وينتظر كل صحفى او جمعية حقوقية أو مراقب تجاوزا هنا او هناك من قبل عناصر الشرطة تجاه المتظاهرين ، ليصبح مادة دسمة لعناوين الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية ، ومن ثم يتحول الى دافع قوى لردات الفعل الغير محسوبة التى تمكن الوضع من التفجير ، ومن هذا المنطلق نتمنى على جهاز الشرطة ان يتحل بالحكمة والرؤية الصحيحة ، ويتفهم دوافع المتظاهرين ويقدر حقهم فى التعبير عن مواقفهم بعيدا عن العنف والضغط وامتهان كرامة اى مصرى ... نقول هذا حرصا على مصر وامنها ، فلا احد يتمنى ان تكون نتائج تلك الانتفاضة دموية ، يذهب فيها ضحايا من الجانبين ( الجماهير الغاضبة – عناصرالشرطة ) والنظام فى مكانه يتفرج وينتظر النتيجة ، وليكن معلوم لكل اجهزة النظام ان الغاضبين والثائرين لن يمنعهم من تظاهرهم واحتجاجاتهم الا تلبية مطالبهم ، ومن يدعى ان الثورة الشعبية ماهى الا هبة غضب وقتى ، وعملية تنفيس عن حالة احتقان وتمر مرور الكرام .. فهو مخطىء ، انها إنتفاضة شعبية لشعب تحمل الكثير ، واليوم لم يعد لديه اى استعداد للتحمل أكثر ولا لديه الرغبة فى قبول الاوضاع ان تبقى على ماهى عليه ، وخروجه الى الشارع بهذه الصورة التى حركت مواجعنا لا يمكن باى حال من الأحوال ان نتراجع عنها الا بإحداث التغيير المنشود وضمان الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة ... فعقلية الماضى عليها أن تعى انها فشلت فشلا ذريعا فى ادارة الحاضر وستفشل فى المستقبل .
النظام المصرى بكل مؤسساته اهتز أمام أنتفاضة الشباب ، وبدأ أولى مراحل الانهيار والترنح ، ووزارة الداخلية بممارستها البشعة أظهرت للعالم انها أضعف من ان تتصدى لثورة شعب أراد الحياة بكرامة ، على عكس ما يدعية السيد حبيب العادلى من ان( نظام مصر ليس هامشياً أو هشاً، نحن دولة كبيرة فيها إدارة تحظى بتأييد شعبى، فالملايين هى التى تقرر مستقبل هذا البلد وليس مظاهرة حتى لو كانت بالآلاف"، مشدداً على أن "بلدنا مستقر ولا تهزه مثل تلك التفاعلات" ) تلك التصريحات التى تدل على عقلية أمنية استمدت شرعية وجودها من القبضة الحديدية التى تحكم البلاد وتتحكم فى العباد ، فى الوقت الذى نرى فيه دول أسست الشرعية على اساس احترام حقوق الانسان وصيانة كرامته ، وسيادة القانون ، فهل يعى النظام المصرى الدرس ؟ وهل راجعت اجهزة الامن نفسها قبل حدوث مالايحمد عقباه ؟