ما من شك في أن التحركات الشعبية الأخيرة في تونس قد أجمع الخبراء السياسيون و علماء الاجتماع في اوروبا على نعتها بصفة الثورة الشعبية. و إطلاق عبارة الثورة على أي تحرك يعطي ذلك التحرك صفة الشرعية لما فيه من إجماع عفوي وشعبي على الوسائل المتبعة و الأهداف المطلوب تحقيقها. [1] وهذا الإجماع على هده التسمية لم يحصل خلال سهرات خمرية ختمت ببيانات عنصرية و إنما جاءت بعد ملاحظات و متابعات ميدانية لمجريات الأحداث و المسار الذي اتبعته و المراحل التي مرت بها فليس هنالك إذا من يستطيع أن يغير اسم الثورة الشعبية التونسية إلى انتفاضة خبز أو أعمال شغب إلى غير ذلك من النعوت المحقرة لمجهود الشعب التونسي لأن مثل هده المحاولات لبخس الشعب التونسي حقه في الثورة إنما غايتها زرع الوهن في صفوف المناضلين الأحرار أينما كانوا وزعزعة ثقتهم في قدرة الشعوب على تحقيق الثورة الوطنية. إن المتابعين لأوضاع الممالك و الجمهوريات العربية يلاحظون أن هناك نوع من الوهن أخذ يدب في مفاصل هده الأنظمة و لكن ألأكثر إصابة بهذا الوهن هي الخمس جمهوريات التالية: 1 جمهورية اليمن: و كانت هي المصنفة الأولى لما فيها من حراك جنوبا و شرقا و قد زادتها الحركة الحوثية وهنا وكشفت ضعف النظام الإيديولوجي و المادي في المقاومة للاستمرار و قد عملت القوى العالمية مرارا على ضخ وسائل القوة في نظام اليمن ولكنه لم يستطع الوقوف على رجليه ولا حتى جمع الشعب حوله, فقد وهنت الإيديولوجيا بوهن جهاز القمع القائمة عليه 2 جمهورية مصر العربية: وهي من أكبر الجمهوريات سكانا إلا ان هذا العدد الهائل من السكان أصبح لعنة على الحكام فعوض استغلاله في العمل وفتح فرص الإنتاج أمامه أصبح جزء كبير من هذا الجسم مشلولا عن الحركة فلم يجدوا له من وسيلة إلا تكبيله بأجهزة بوليسية أشد بشاعة من أجهزة بن علي تبعا لتوصيات الراحل بوش وقد زاد هذا الوضع تأزما مرض الرئيس الذي تناقلته وسائل الإعلام العالمية [2]
3 الجماهيرية الليبية : بحكم ترهل زعيمها الأوحد منذ 1969 وغلق جميع منافذ التنفس أمام مؤسسات المجتمع المدني المستقلة عن اللجان الشعبية فقد أصبحت الوضعية مختنقة والصراع بدأ علنا أحيانا و خفية أخرى بين مختلف أبناء العقيد ونتمنى أن لا تحدث حربا بين مختلف الجيوش التي يمتلكها الأبناء قبل رحيل الأب [3]
4 الجمهورية الجزائرية 5 الجمهورية التونسية ولئن وضعنا تونس في المرتبة الخامسة فذلك لأنه لم يكن هناك أي مؤشر يمكتن أن يجعل المراقبين يتكهنون بهذه السرعة التي انطلق فيها الشعب لانجاز ثورته. كان هناك أصوات كثيرة تشير إلى تعفن الأوضاع في تونس و إلى ضرورة وضع حد لممارسات هذا الدكتاتور الفاسد ولكن لم يكن هناك تنبؤ بتاريخ سقوطه بهذه السرعة وذلك لقوة القبضة الحديدية التي أحكمها الدكتاتور على أجهزة الدولة و المجتمع حتى أن وزراءه لم يصدقوا رحيله و كانوا خائفين من الوقوف ضده لأنهم يعرفون ما فعله بالإسلاميين و غير الإسلاميين من المعارضين الوطنيين و لنا عودة للحديث عن أعمال هدا الطاغية[4]. هذه الجمهوريات كلها آيلة إلى التغيير ولكن متى و كيف فذلك لم يعد بعيدا. و لعل هذه بعض الأسباب التي جعلت البعض يقف موقف المناهض بل و المعادي لثورة الشعب التونسي إنه الخوف من العدوى, الخوف من خسران كرسي الحكم, عدم الثقة في الشعارات الجوفاء المرفوعة طيلة عقود, هذا الخوف الذي يشوبه انعدام الثقة في الشعوب هو بداية تزحزح عن المواقف الثورية المرفوعة آنفا من قبل هذا النظام أو ذاك و لكن ما هي حدود الثورة التونسية؟ يجب التنبيه إلى : أولا أن الحدود الجغرافية لا دخل لها في إشعاع الثورة نظرا لتوسع شبكة الإعلام العالمية ودخول تقنيات حديثة تمكن من وصول المعلومة لمن يطلبها ولم تعد عبارات من قبيل أقاصي الأرض تصلح لأن الأرض نفسها فقدت انبساطها من عهد غاليليو فأصبحت معلومة الأركان محدودة المكان والشيء إذا حدّ صغر.ومن هنا وجب أن يكون تأثير الثورة التونسية غير محدود وسيصل إلى كل أركان الأرض متى توفرت الظروف و المعلومة فالإشعاع عالمي ثانيا إن هذه الثورة هي اعلان عن وجوب بداية علاقات انتاج جديدة في تونس يصاحبها جملة من القوانين تسمح بسلسلة غير متناهية من المكاسب الشعبية وهذا يعني حتمية وصول الثمار المتنوعة للثورة إلى المواطن أينما كان زمانا و مكانا ثالثا إن هذه الثورة هي بمثابة الإعلان عن وجوب انطلاق علاقات جديدة نوعية بين الرأسمالية العالمية و الرأسمالية الوطنية لبلدان العالم الفقير وهو تغيير تحتمه مصلحة الرأسمال نفسه فالهيمنة العسكرية عن طريق أنظمة غير وطنية على العالم الفقير لم تعد ناجعة بل و إن التدهور ألقيمي الذي ظهر لدى الزمر الحاكمة شكل عقبة كأداء أمام محاولة التظاهر بنجاح تجربة مثل التجربة التونسية نتيجة لذلك من المستحيل أن تترك الإمبريالية العالمية مثل هذه الثورات تنجح حاليا لأنها وزمرة مفكريها لم يصلوا بعد إلى ضبط نموذج اقتصادي وسياسي استغلالي جديد فالثورة أخذتهم على حين غرة و أحدثت لديهم ارتباكا في الفهم نتج عنه ارتباك في المواقف [5] وحلول تقليدية من قبيل إرسال فلتمان رجل الأمن الأمريكي المختص في شؤون الشرق الأوسط وصاحب المناورات العديدة في العراق و لبنان واسرائيل وهذا دليل على انعدام الفهم الصحيح لخصوصيات الأوضاع في المغرب العربي من ناحية و من ناحية أخرى قد يدل على التسرع في أخذ المواقف وإن كانت خاطئة وضارة قبل فوات القطار ثم اللعب على عامل الزمن بعد ذلك لإصلاح هذه المواقف. لقد عرف الإستعمار بمواقفه المحافظة على ما هو موجود وعدم المخاطرة بالتعويل على ما هو آت باعتبار أن الموجود قد سبق التعامل معه ويصعب التخلص منه بسرعة ما لم يبرز خليفته في العمالة ومن هنا عملت القوى الأجنبية على مساندة الحكومة المؤقتة بكل قواها وتمسكت قدر جهدها لتظفر و لو برجل واحد على أن يكون له وزن مستمد من وزن الوزارة التي يتولى تسييرها إن الرجة التي أحدثتها الثورة التونسية في مختلف الحكومات و الشعوب العربية رجة لم يحدث لها مثيل وشكلت في نخب هذه البلدان حلما واجب التحقيق
[1] انظر مقال في الجريدة الفرنسية الإلكترونية البريد بعنوان : تونس بن علي و الثورة" كيف قلبت فرنسا الميدعة: http://www.lepost.fr/article/2011/01/18/2375024_tunisie-ben-ali-et-la-revolution-comment-la-france-a-retourne-sa-veste.html [2] انظر مقال : حسني مبارك مريض على الموقع التالي: http://www.afrik.com/article7394.html بتاريخ 22 جوان 2004Moubarak malade Son Premier ministre assure l'intérim [3] اشارت احدى البرقيات الدبلوماسية التي نشرها موقع ويكيليكس مؤخرا الى صراع بين سيف الاسلام وشقيقه المعتصم بالذات. [انظر موقع جريدة الوطن على الرابط التالي http://www.al-watan.com/viewnews.aspx?n=E66F76B6-7623-43B8-9E7D-AE523FA33ACF&d=20101225 [4] http://www.popxibaar.com/LA-CONTESTATION-POPULAIRE-PRECIPITE-LA-CHUTE-DE-L-AUTOCRATE [5] Lundi, le président Nicolas Sarkozy avait admis que la France avait «sous-estimé (les) aspirations du peuple tunisien à la liberté». Mais la France continue d'être sévèrement critiquée pour avoir tardé à soutenir les aspirations démocratiques du peuple tunisien. Ce n'est qu'après la chute de l'ex-président que Paris a explicitement appuyé le soulèvement populaire. Trop peu, trop tard, trop mollement, et, surtout, sans conviction.[ http://kapitalis.com/fokus/62-national/2430-lambassadeur-de-france-lvictimer-de-la-revolution-tunisienne-.html