تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العودة وادب الاختلاف :عابر سبيل
نشر في الحوار نت يوم 27 - 10 - 2009

الحمد لله الذي لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة ، وله الحكم وإليه ترجعون ، والصلاة والسلام على النبي الكريم الذي كان يستفتح صلاته بقوله‏:‏ الله رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، وعلى آله وأصحابه ومن سار على هداهم من أهل الحق والدين إلى يوم البعث والنشور .‏‏.‏
لا شك أن الخلاف في الاراء بين المسلمين من الامور الطبيعية لهذا قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59 فالله لم يأمر بعدم الاختلاف بل أمر بالتحاكم إلى الشرع عند وجود الاختلاف.
ومن نعمة الله تبارك وتعالى على هذه الأُمَّة أن الخلاف بينها لم يكن في أصول دينها، ومصادره الأصيلة، وإنما كان الخلاف في أشياء لا تمس وحدة المسلمين الحقيقية ..

أنواع الخلاف:

خلاف غير السائغ:

وهو الخلاف الذي يكون في قطعيات وثوابت العقيدة والفقه (الأصول)، وهو من الخلاف المذموم، ومنه خلاف الخوارج والرافضة والمعتزلة والقرآنيين، كالقول بعصمة الأولياء أو أئمة أهل البيت، أو ترك الاحتجاج بالسنة..
ومن الخلاف الذي لا يسوغ خلاف الجاهل للعالم، أو بالجملة خلاف من لا يملك أهلية الاجتهاد والنظر في الأدلة الشرعية، فليس من الخلاف المعتبر اجتهاد من ليس له بأهل.
وفيه قصة الرجل الذي أصابته جنابة في سفر وقد شج فأمره بعضهم بالاغتسال فمات فقال صلى الله عليه وسلم: ((قتلوه قتلهم الله، هلا سألوا إذا لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال)) [رواه أبو داود ح326].


الخلاف السائغ:

ويكون في فروع العقيدة والفقه. ومنه خلاف المذاهب الفقهية، وخلاف الدعاة على بعض الوسائل الحديثة للدعوة، وكذلك فروع العقيدة كرؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج، وكنه المعراج بنبينا، هل هو بالروح أم بالجسد.
والخلاف جائز في هذا الباب وهو ما يسمى بالأمور الاجتهادية وهذا الخلاف وقع التنازع فيه بين الأمة في عصور الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا، ولا يجوز الحكم على من اتبع قولاً منها بكفر ولا فسق ولا بدعة ..
والاختلاف في الأمور الاجتهادية الظنية ليس شر دائما بل فيه خير كثير. فقد اقتضت حكمة الله أن يكون الإسلام صالح لكل زمان و مكان لأنه مبني على الاجتهاد و باب الا جتهاد سيبقى مفتوحا إلى يوم القيامة للعلماء الذين تتوفر فيهم شروط الاجتهاد.


كذلك اختلاف العلماء في اجتهادتهم إنما هو ثروة فقهية لا تقدر بثمن.. وذلك أنه من لوازم غير المعصوم ، ولا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأما من بعده فلا عصمة لأحد منهم ، والخطأ واقع منهم لا محالة‏.‏ وهذا الخلاف الجائز ، أو السائغ ، قد نص كثير من سلف الأمة أن فيه أنواعاً من الرحمة لهذه الأمة‏:

أ) الرحمة في عدم المؤاخذة‏:‏
‏(‏ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا‏)‏
فالمجتهد المخطئ معذور ، بل مأجور أجراً واحداً كما جاء في الصحيحين :‏ إذا حكم الحاكم فاجتهد وأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد فأخطا فله أجر واحد‏.‏ متفق عليه‏.‏
ب‏)‏ الرحمة والسعة في جواز أخذ القول الاجتهادي:
كما نص على ذلك غير واحد من الأئمة المجتهدين‏
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :‏ (‏أن رجلاً صنف كتاباً في الاختلاف فقال أحمد :‏ لا تُسمِّه كتاب الاختلاف، ولكن سمه كتاب السعة‏)‏ .‏ الفتاوى 79/30


إنما الشر كل الشر هو أن يؤدي ذلك إلى الشجار و العداوة والفرقة بين المسلمين.
لهذا وجب علينا أن نتعلم آدب الخلاف..


‏آدب الخلاف:


إذا وقع الخلاف بين مسلم وآخر في المسائل التي يسوغ فيها الخلاف ، وهي الأمور الاجتهادية ، أو الأمور التي اختلف الصحابة والأئمة فيها قديماً فإن الواجب الشرعي هواتباع الآتي:

1- نبذ التعصب للمذهب أو الفرقة أو الشيخ أو الطائفة
فإن التعصب يكون لله ولرسوله، فالمتعصب أعمى لا يدري أسفل الوادي من أعلاها.
فقد قال أبن قيم الجوزية إن سألوك عن شيخك قل رسول الله إن سألوك عن منهجك قل هو الكتاب والسنة وإن سألوك عن بيتك فقل ألا إن بيوت الله في الأرض هي المساجد ... إنتهي


2- اخلاص النية لله والتجرد من الأهواء:
لتكن نيتك هي الوصول إلى الحق وإرضاء الله سبحانه وتعالى وليس الانتصار لرأيك وإذا كانت هذه نيتك فإنك تثاب على ما تبذله من جهد في هذا الصدد .وستصل للحق بعون الله.


3- لا تتهم النيات وأحسن الظن بالمخالف..
مهما كان مخالفك مخالفاً للحق في نظرك فإياك أن تتهم نيته ، افترض في المسلم الذي يؤمن بالقرآن والسنة الإخلاص ، ومحبة الله ورسوله ، والرغبة في الوصول إلى الحق ، وكن سليم الصدر نحوه‏.‏. قال الإمام القرطبي ظن السوء بمن ظاهرة الصلاح حرام .


‏4- قبول الحق من المخالف حق وفضيلة‏:‏
فالمؤمن يجب أن يذعن للحق عندما يتبينه ، ولا يجوز له رد الحق .. ورد الحق كبراً من العظائم ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الكبر فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏الكبر بطر الحق وغمط الناس‏)‏ رواه مسلم وبطر الحق رده .‏


‏5- اتهم رأيك‏:‏
وإن كنت متأكداً من رأيك أنه صواب ، ضع في الاحتمال أن الحق يمكن أن يكون مع مخالفك ، وبهذا الشعور يسهل عليك تقبل الحق عندما يظهر ويلوح .‏( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي خصمي خطأ يحتمل الصواب)


6- عدم الهجر والقطيعة بسبب الخلاف
لا يجوز لمسلم أن يقاطع أخاه المسلم لرأي ارتآه ، أو اجتهاد اجتهد فيه ما دام يعلم أنه تحرى الحق ، واتبع ما يظن أنه الصواب ، ولا يجوز في مثل هذه الحالة هجران أو تعزير ، ولا شك أنه لو أن كل مختلفين تهاجرا لم يبق مسلم مع مسلم .‏


‏7- لا تشنيع ولا تفسيق ولا تبديع للمخالف في الأمور الاجتهادية‏:‏
لا يجوز اتهام المخالف ولا الانكارعليه ، ولا تأثيمه، ولا تبديعه ، ولا تفسيقه ومن صنع شيئاً من ذلك فهو المبتدع المخالف لإجماع الصحابة‏..‏
كما أن العالم إذا اجتهد في المسألة فأخطأ فله أجر .. كذلك الشخص العادي (العامي) إذا اجتهد في البحث عن الحق باتباع أحد أقوال العلماء الثقاة ورأى أن الصواب مع هذا العالم فإنه مأجور بإذن الله وإن كان على خطأ ..


‏8- لا يجوز حمل الناس على الرأي الاجتهادي‏:‏
لا يجوز لعالم مجتهد ، ولا لإمام عام أن يحمل الناس على رأيه واجتهاده‏.‏
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن ولي أمراً من أمور المسلمين ، ومذهبه لا يجوِّز شركة الأبدان فهل يجوز له منع الناس ؟‏
فأجاب :‏ ليس له منع الناس من مثل ذلك ، ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد ، وليس معه بالمنع نص من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا ما هو في معنى ذلك ، لا سيما وأكثر العلماء على جواز مثل ذلك ، وهو مما يعمل به عامة المسلمين في عامة الأمصار .‏ .


أخيراً .. لنا فيهم قدوة وأسوة ..

خالف ابن مسعود عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما في أكثر من مائة مسألة في الفرائض وغيرها؛ ومع ذلك كان عمر رضي الله تعالى عنه من أحب الخلق لابن مسعود رضي الله تعالى عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وكان كل منهما يثني على صاحبه بما هو أهله، ولم نجد لهذه الخلافات أثراً في سلوكهما ومعاملتهما..
فقد كان عمر يقول عن ابن مسعود: (كنيِّف ملئ علماً)، وعندما استشهد عمر قال ابن مسعود: (لم يُصب الإسلام بمصيبة أفدح من هذه).. أوكما قالا.


عندما أتم عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه الصلاة الرباعية في موسم الحج بمنى متأولاً أتم معه ابن مسعود -وكان يرى قصر الصلاة الرباعية- ؛ فقيل له: (كيف تصلي أربعاً؛ وقد صليتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ركعتين؟!)؛ فقال: (الخلاف شر))
الذي حمل ابن مسعود على إتمام الصلاة الرباعية بمنى مع عثمان خوف الاختلاف والفرقة؛ الذي لا يأتي بخير، وإن كان المخالف محقاً؛ طالما أن عثمان فعل ذلك متأولاً؛ وهو إمام راشد؛ يُقتدى بفعله..

هذا والحمد لله على منه وإحسانه ..

بالتوفيق للجميع

------------------------------------------------------------------------


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
آداب المتخالفين
أرجو أن تكون نافعة لإخواني كما انتفعت بها وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستعمون القول فيتبعون أحسنه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الأدب الأول: البدء بنقاط الاتفاق قبل نقاط الخلاف، فإذا حصرنا نقاط الاتفاق هانت نقاط الخلاف وذابت وسهل تجاوزها، وإنما تشتد شقة الخلاف وتكثر الفجوة فيه بسبب البدء بنقاط الخلاف أولا وتجاهل نقاط الاتفاق التي قد تكون أكبر.
الأدب الثاني:عدم الجرح والاستطالة، فالمتخالفان لا بد أن يتأدبا بأدب شرعي فلا يستطيل أحدهما على الآخر ولا يجرحه قال الله تعالى في مخاصمة الكفار ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) وقال لموسى وهارون حينما أرسلهما إلى فرعون (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)
وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله)
الأدب الثالث:عدم رفع الصوت، فرفع الصوت في حال الخلاف مدعاة لدخول الشيطان ومدعاة للاستطالة ولهذا حذر الله منه فقال تعالى ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)
الأدب الرابع: قبول الحق والإنصات له، فلا بد أن يكونا المختلفان يطلبان الحق وينصتان له ويقبلانه، فالذي يصم عن الحق ولا يقبله لا يمكن أن يتأدب بأدب الخلاف أصلا، ولهذا قال الله تعالى ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) فهم يستمعون أولا ثم يتبعون وعدم الاصغاء والاستماع بل التنفير منه صفة
من صفات الكفار الذين قال الله عنهم (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن ولغوا فيه لعلكم تغلبون)
فلا بد من الاصغاء للخصم حتى يسمع الإنسان ما عنده، ولا بد أن يقبل ما فيه من الحق ولهذا علمنا الله في مجادلة المشركين أدبا عجيبا فقال تعالى
( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي على الهدى وأن المشركين هم الذين على ضلال مبين، لكن أتى ب (أو) في هذا الأسلوب لأدب الخلاف
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في الخلاف مع المشركين يخاطبهم بأحب أسمائهم إليهم فلما أتاه عتبة بن ربيعة قال له : اسمع أبا الوليد،
انظر إلى التكنية، فهذا يقتضي الأدب مع كل مخالف فلا فائدة من نقص الأدب معه وإنما يزيده نفرة ولا يزيد الحق ظهورا، ولهذا قال الشافعي رحمه الله تعالى
ما ناظرت أحدا إلا سألت الله أن يظهر الحق على لسانه قيل ولم؟ قال:إن ظهر على لسانه عرفت الحق ولم يفتن وإن ظهر على لساني خشيت أن أفتن.
وقد بين الله سبحانه وتعالى أن الخلاف لا يقتضي استنكافا عن الحق وإنكاراله فقال: ( ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوااعدلوا هو أقرب للتقوى)
ولذلك فإن عروة بن مسعودكما في صحيح مسلم أثنى على الروم بما علم فيهممن الخير، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عددا من المشركين فأثنى عليهم ببعض الصفات الحميدة التي كانت فيهم كالمطعم بن عدي وغيره.
الأدب السادس: عدم التعصب والاحتكار، فلا بد أن يأتي المتناظران المختلفان منطلقين من مبدأ طلب الحق وللاستسلام له إذا حصل، والرجوع إليه إذا استبان، فإذا أتيا وكل واحد منهما يريد أن يفرض قوله على صاحبه ويحتكر الحق لنفسه ولا يريد أن يغير موقفه بحال من الأحوال فلا يمكن أن يتفقا بوجه من الوجوه
والتعصب مقيت مذموم وقد كان مالك رحمه الله تعالى يقول في المسائل الاجتهادية ( إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) ويقول: ما منا من أحد إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم، واحتكار الحق فيه خطورة عظيمة لأنه يقتضي أن الإنسان يدعي العصمة لنفسه، والشافعي رحمه الله كان يقول: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، فأي صواب عندي يحتمل الخطأ لأنه غير منزل من عند الله إنما هو اجتهاد مني،
ورأي غيري خطأ عندي لأن الحق لا يمكن أن يختلف اختلاف تضاد يحتمل الصواب لأنه اجتهاد شخص محترم كذلك،
ومن هنا كنا العلماء يحترم بعضهم أقوال بعض احتراما عجيبا، فهذا أبو يوسف صاحب أبي حنيفة مذهبه أن العلة القاصرة لا تصلح للتعليل وأن أي نجس خرج من البدن إذا تفاحش ناقض الوضوء، فقرر ذلك يوما في مجلسه فقال له رجل: أرأيت إن كان الإمام قد جرحت ساقه فخرج منها دم فتفاحش فصلى بالناس من غير وضوء أأصلي وراءه قال: سبحان الله ألا تصلي خلف مالك، فمالك كان يرى أن العلة القاصرة تصلح للتعليل ، وأن الناقض إنما هو الخارج من أحد السبيلين فقط، وأن ما سواه من الأنجاس لا ينقض الوضوء.
وكذلك فإن الإمام أحمد رحمه الله تعالى عندما سئل عن تعليق الطلاق على النكاح ذلك أنه لا ينفذ قيل: أرأيت إن مررت على حلقة أهل المدينة فأفتوا بخلاف ما تقول فآخذ بقولهم؟ فقال سبحان الله ألا تأخذ بقول مالك.
فقد كان جمهور أهل السنة يحترمون أقوال المجتهدين ويقدرونها، ولهذا قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا أرد شهادة أحد من أهل الأهواء إلا الخطابية، فإن من مذهبهم أنهم يستبحون الكذب لنصرة من وافقهم في مذهبهم.
الأدب السابع: الإنصاف، بمعنى أن يكون الإنسان منصفا لخصمه فإذا وقع هو في خطأ سهل عليه الاعتراف به، وإذا كان دليله ضعيفا اعترف بذلك والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه إلى أبي موسى الأشعري: ولا يمنعك قضاء قضيته فيه بالأمس فراجعت فيه نفسك فهديت فيه إلى رشدك أن تراجع إلى الحق فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، وإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
الأدب الثامن: الأمانة في النقل، فعل كل واحد من المتخالفين أن يكون أمينا على نقله وأن لا ينقل على الآخر ما لم يقله حتى ولو كان لازما لقوله فإن لازم القول لا يعد قولا ولا ينسب لساكت قول، واللوازم كثير منها لا يخطر على البال، فلا يمكن أن يلزم به أصحابه ولا ينسب إليهم، وهذا ما تساهل فيه كثير من الناس مع الأسف، فيأخذون بعض اللوازم التي بعضها لا يلزم فينسبونها إلى صاحب ذلك المذهب ويجعلونها من مذهبه وهذا هو من التجني والكذب، فيجب على المؤمن أن يكون أمينا في نقله، والأمانة أخت الدين ولا إيمان لمن لا أمانة له، فقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى يحذرون جدا من نسبة الأقوال ويتأدبون غاية الأدب، فيقول مثلا مسلم في الصحيح، قال فلان، أخبرنا فلان، حدثنا فلان حتى لا ينسب إلى أحد قولا لم يقله

الأدب التاسع: حسن الظن والتماس أحسن المخارج فالمختلفان إن كانا من أهل العلم والإيمان والتقوى فينبغي أن يحسن كل واحد منهما الظن بصاحبه، وأن الظن به أنه ما قصد به إلا إعلاء كلمة الله ونصرة دينه وأنه إنما أعمل اجتهاده، وهذا الذي أداه إليه علمه واجتهاده وأنه مكلف بمقتضى عقله لا بمقتضى عقول الآخرين، ويظن به أنه ما أراد إلا الخير، والتماس أحسن المخارج مطلوب دائما كما التمس أحسن المخارج لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بعضهم يلتمس ذلك لبعض ولهذا قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا) قال: نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين اختلفنا واقتتلنا. وعندما وقف يوم الجمل على طلحة بن عبيد الله قتيلا وقف عليه يبكي وهو يقول: فتى كان يدنية الغنى من صديقه إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر فتى لا يعد المال ربآ ولا يرى به نخوة إن نال مالا ولا كبر فتى كان يعطي السيف في الروع حقه فشهد له بهذه الصفات العظيمة التي يشهد بها الجميع لطلحة رضي الله عنه، وهكذا فقد كانوا جميعا يقر بعضهم لبعض بما فيه من الخير، ولذلك في كتاب معاوية رضي الله عنه إلى علي رضي الله عنه حين أرسل إليه ليلزمه بالبيعة ذكر سبب عدم البيعة له وأن بيعة أهل المدينة وأهل العراق غير ملزمة لأهل الشام، وقال في آخر كتابه وأما قربك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر لست أنكره أو فأمر لست أدفعه. فهذا إقرار له بالفضل بالسابقة في الإسلام والقرب من الرسول صلى الله عليه وسلم
الأدب العاشر: عدم التشديد مع المؤمنين، فالتشدد إنما يكون مع الكفار، أما المؤمنون فحقهم الرحمة كما قال تعالى ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ) وكما قال تعالى ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) فالتشدد مع المؤمنين والتساهل مع الكافرين إنما هو دأب الخوارج والملحدين ولذلك فإن الخوارج حين قتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت رضي الله عنهما فذبحوه على شاطئ الفرات فاستطال دمه حتى قطع النهر جلسوا تحت ظل نخل لرجل من أهل الذمة يختصون فيما بينهم فقال بعضهم لبعض: إنكم قد جلستم في ظل هذه النخلة ولم تستأذنوا صاحبها وهو من أهل الذمة فإما أن ترضوه وإن أن تكفروا، فذهبوا إليه يريدون أن يرضوه عن ظل النخلة بما أراد من المال فقال: عجبا لقوم يتورعون عن ظل نخلة لرجل يهودي ويستبيحون قبل عبد الله بن خباب. ولذلك قال لهم ابن عباس : يا أهل العراق تستبحون قتل الحسين في الشهر الحرام وتسألون عن دم ذبابة في الحرم.
إلى هنا انتهى ما أردت نقله وقد تكون بعض المسائل تحتاج إلى شرح أكثر أو تفصيل فمن عنده باع فيه فلا يبخل على إخوانه والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.