صنوف الأحياء تواجه صروف الحياة باللامبالاة، بالموالاة، بالمعاداة أو مع المساواة أزعم أنّ الواحد منا، في تصرفاته وسلوكياته، سواء في معالجة أموره الخاصة، العائلية والمهنية، أو في تعامله مع الشأن العام، لا يخرج عن أحد الأصناف التالية. وأزعم أنّ هذا التصنيف ينسحب على الأحزاب والجماعات كذلك. فهو إما أن يكون: 1- "امْدنْكِسْ": أي ذليل ورأسه منكّس، كما تنكّس البلدان الأعلام، في المناسبات الحزينة والمآتم العظام. فهو الذي يطأطئ الرأس دائما، أكان قاعدا أم قائما. دلالة على استعداده للقيام بتنازلات، أمام أي صعوبات، حتى بدون ضغوطات. هي حالة تعبرعن نفس إما منطوية حزينة، أو استنفدت كل ما في الخزينة، وترغب في الركون الى الزينة. فلم تعد بالصبر تتجمل، لطول عهد فاق كل تحمل، أو هي منكسرة، وطموحاتها منحسرة، تقبل بالذل والهوان، وتجد فيه شيئا من الراحة والاطمئنان، ولا ترى في الاستسلام للواقع أي خذلان. وسياسيا هذا الصنف هو جزء من الموالاة، إما توظفه أو تسلمه بطاقة الوفاة! 2- أو "امْغنْفِسْ": أي منغمس غاطس، ومنهمك منهك. وهو الغارق في شغل استهلك كل طاقته، فلم يعد يعي بما يجري حوله أو في ساحته، وهوعادة ما يأخذ وضع الركوع، (أي منحني أو "مطبس") أو الجلوس في خنوع، مكوّر الظهر على الضلوع (وشكله "امْتَرْفِس" أو مقرْفِص). وهذا حال أغلب الناس، وعامتهم بالأساس، يلهثون ليلا ونهارا وراء لقمة العيش، ويرون أنّ غير ذلك هو ملهاة وطيش، لا وقت لأحدهم يخصصه للتفكير والتدبير، والمشاركة في الإصلاح أو التغيير. ومن يغرق منهم في الأوهام أو الأحلام، فلا أثر له في الواقع إلاّ كما تفعل الأصنام والأزلام. فهو من حزب اللاّمبالاة، لا يتابع الأحداث ولا تعنيه نتيجة المباراة! 3- أو "يرفس": ويتفلسف: وهذا إزاء أفعاله، ينقسم الى قسمين: • الأول "يغفّس" أو يعفّس، ويدُوس من يسُوس، إذ هو يحاول الفعل والكد، ولكن لاعقل له كي يجتهد. غالبا ما يكون مؤدلج، ولكن عقله بارد مثلج. فعمله لا يثمر، بل قد يكون مدمّر، لأنه عمل مقلوب الأولويات، متداخل المراحل والاتّجاهات، فلا يؤدي إلى نتيجة، ولا يؤوي إلى وليجة. تراه منتفخ الأوداج، إذ يعتقد أنه لغيره لا يحتاج. هو دائما متوتر، مزاجه معكّر، وجوّه مكدّر. هو متعطش للدماء، وفي تحركاته يخبط خبط عشواء. فقليلها صائب وكثير منها يجلب المصائب. وينتمي عادة إلى جماعة الجمود والتشدد والمغالاة، من يهرول إلى العنف والتقتيل والمعاداة، ينزع إليها بإجحاف، بدل الحوار والتسامح وقبول الاختلاف. • وأما الثاني، فلأنه مفلس فهو (امْطنِّشْ). لا يهتم بما يدور حوله، حتى وإن طلب منه فيه قوله، أو إن تناهى إلى سمعه، ما يعنيه مباشرة وما أذرف دمعه. وهو يفعل ذلك عن وعي، ولا يبذل إليه أي سعي. فموقفه هو التجاهل الدائم، وردّ الفعل عنده غير وارد ولا قائم. وهو موقف يقوم على أن المسائل سهلة، والتنفيذ أسهل ولكن يحتاج إلى مهلة. وفلسفته تقول: طنش، تعش، تنتعش. لا تضايق نفسك وتهتم بالأنام، هم لا يستحقون أصلا الاهتمام، ولماذا تهتم بشخص لا يستحق، وبه لا يمكن أن تثق. أول ما تستكين إليه وتعطيه ظهرك، يطعنك بسكين ترسلك إلى قبرك. وأنه أولى لك أن تترك الذي قد يجرحك أو يهينك، إلى ما يذهب عقلك وعلى نسيان همومك يعينك. وهؤلاء هم جماعة المسكرات، وحزب "الزطلة والشيخات". 4- أو هو كيِّس: وهذا النوع الرابع، هو الصنف الرابح، ذو العقل الراجح. فانتصاب القامة، وارتفاع الهمة والهامة، هو الوضع الطبيعي لكل كائن حي. فهذه الوضعية، هي السوية، وليس كمثلها شيء. فهي تسمح لكل جسم بإمكانية الحركة، تقدما أو تقهقرا لحسم المعركة. وضعية تسمح له بالجري، أو بالركض أو بالمشي، أو التوقف للاستراحة، إن دعت الحاجة. كل ذلك تبعا لما يصدر اليه من الدماغ، من الأوامر أو النواهي بعقل واع، يأخذ بعين الاعتبارات، المبادئ والمصالح وآخر المستجدات. وإلى هذا تنتمي أحزاب العدالة والتنمية والإصلاح والشورى والمساواة. فهل يستقر المرء على نفس الوضع، أم ينتقل في يومه بين الأربع؟ يصبح كيّس، ثم يبدأ يعفس، كي يمسي منكّس! ------------------------------------- الكلمات التي أوردت بين ظفرين هي من اللهجة العامية الدارجة في بعض جهات تونس، وقد يكون أصلها بربري.