علوش العيد : اتحاد الفلاحة يطمئن... والقصّابون يحذرون    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    قفصة : القبض على مروّج مخدّرات وحجز 16 لفّافة من '' الكوكايين''    عاجل/ العاصمة: احتراق حافلة نقل حضري    وزير الشؤون الدينية يشرف على يوم الحجّ التدريبي الخاص بولايات سوسة المنستير والمهدية والقيروان    تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي في هذه الولاية..    تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوها فإنها منتنة خالد الشافعى
نشر في الحوار نت يوم 15 - 02 - 2011


دعوها فإنها منتنة

خالد الشافعى
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان على الظالمين وبعد
فيعلم الله أننى لا أستسيغ الكتابة فى هذه الأيام ، وأننى - والذى نصر عباده فى ميدان التحرير - أجد الكلام - أى كلام - لا يمكن قط أن يكون على مستوى الحدث ، ويعلم الله كم حاولت أن أكتب شيئاً طوال هذه الأيام فما هو إلا أن أجلس إلى مكتبى وأكتب بعض السطور ، حتى أغلق الحاسوب ، وأصرف النظر عن الكتابة ، وأدخل فى نوبة بكاء ، لم أعرفها قط فى حياتى ، ووالله ما شهدت زوجتى دموعى منذ عرفتنى إلا هذه الأيام ، حتى أن بكاءى فقد وقعه لديها ، إذ تكاد لا ترانى فى هذه الأيام إلا باكياً .
كنت قد نويت أن أتوقف عن الكتابة ، وأن أكتفى بطول التأمل ، والتدبر لإستخلاص الدروس والعبر ، فما الذى أجلسنى مجلسى هذا ؟
الذى أجلسنى هذا المجلس ، وأقامنى هذا المقام ، وجعلنى فى وسط هذا الشعور الطاغى - بعد دقائق من رحيل الطاغية- الذى جعلنى أحمل نفسى على الكتابة حملاً مع كراهتها لذلك ، هو خوفى على أبناء الصحوة المباركة ، بجناحيها الإخوانى والسلفى ، ذلك أننى - وللأسف - صدمنى طوفان من التعليقات المرعبة من الطرفين ، وهالنى هذا الكم الرهيب من التراشق البغيض بالإتهامات ، وأفزعتنى حرب التعليقات المتبادلة ، واكتشفت أن هناك قدراً عجيباً من الغل وسوء الظن الذى لا يليق - أبداً أبداً أبداً - بفريقين – فى رأيي – أن ما يجمعهما أكثر بكثير مما يفرقهما .
كيف يمكن تفسير هذه الحرب المشتعلة بين السلفيين والإخوان على المواقع والمنتديات ، بل وفى بعض المساجد ، واللقاءات ؟ كيف يمكن تفسير ذلك ؟ وهما يرفعان شعار- إن الحكم إلا لله ، ويؤمنان بأن الإسلام هو الحل ، ويعتقدان إعتقاداً جازماً أنه لا نهضة ، ولا تقدم ، ولا نصر لهذه الأمة إلا إذا عادت إلى دينها وشريعتها ؟!
قولوا لى بالله عليكم : كيف لمن يتفقون على هذا ، أن يكون بينهم كل هذا السباب والتراشق والتخوين والتسفيه ؟وإذا كان هذا حالنا ونحن ما زلنا على ( البر ) كما يقولون ،فكيف لو وصل فريق منا إلى السلطة ؟ بل كيف لو جمعتنا حكومة أو برلمان ؟ ربما ساعتها سنجعل العالم يضحك علينا ! ربما ساعتها سيشمت بنا رفعت السعيد ، وجابر عصفور ، وعبدالله كمال ، وحجازى ، والدقاق !! وسيقولون للدنيا : أرأيتم ؟ أتبينتم ؟ أصدقتم أن هؤلاء طلاب دنيا ، وأدعياء دين ؟
أسوأ ما فى هذه الحرب ، أنها تقوم على أسوأ خصلتين ، وأقبح وأشنع رذيلتين ، الخلق الأول : سوء الظن ، والحكم على النيات ، والخلق الثانى : هو تصور إحتكار الحقيقة ، والعجيب أن هذين الجريمتين هما ما عانى منهما كلانا من خصومنا الهالكين !! والأسوأ أن هذه الرذائل تخالف أبجديات الإسلام الذى يقف كل منا تحت رايته .
حين تنظر إلى التعليقات ، وحين تقرأ الإتهامات ، وحين تتأمل الحوار الدائر ، فالغالب أن قلبك سينقبض ، وربما حاك فى صدرك ، أنه لو مُكن لفريق منا ، أو لكلانا فسيكون أول ما يفعله ، هو تصفية حسابه مع الآخر .
الإتهامات المتبادلة كلها - وأكرر كلها - قائمة على سوء الظن ، وكلها- أكرر كلها - كان يمكن مع أقل- وأكرر – مع أقل حسن ظن أن يجد لها الناقم مسلكاً ، ومع رذيلة سوء الظن برفيق الدرب ،فإن الناقم يقع فيما هو أرذل ، حين يقطع أنه على الحق ولا شك ، وأن الآخر على الباطل ولا شك !!
وأقبح وأشنع من ذلك ، أنه ينزع من الآخر كل فضيلة ، ويغفل تاريخه ، ويجعله بلا محاسن ، فأين فى كتاب الإسلام هذه الرذائل ؟ ثم وأسخف من ذلك : أن الناقم ،ينتقى أبشع الألفاظ وأقذعها ، وأشد العبارات وأشنعها ، كأنه يكلم رجلاً من أعداء الدين وليس مثله ، يؤمن بكل ما يؤمن به من مقاصد ، وكليات ، وأهداف ، ومعظم الإختلاف - إن لم يكن كله - فى الوسائل ، والأدوات ، والأولويات ، يشنع هذا التشنيع ويستخدم هذه العبارات ، بينما كان يسعه أن يبعث رسالته ، ويعبر عن مآخذه ، بعبارات ألطف ، وكلمات أرفق ، دون أن يؤثر ذلك على مضمون كلامه .
ثم والأهم من ذلك ، أن الوقت ليس وقت إتهام ، وسباب ، وسخرية ، واستهزاء ، ولا هو وقت معايرة ، ولا وقت تسجيل مواقف ، وإنما الوقت وقت : وماذا بعد ؟ أيعقل أن نترك ألوف من الأشرار المتربصين فى الداخل والخارج لنقول : أنت لم تشارك : وأنت كنت جباناً ، وأنت كنت عميلاً ، وأنت قلت للناس : صلوا على النبى ، فيرد الآخر بل أنت مبتدع ، ومتعجل واصبر لترى !! أيعقل أن نفعل هذا والبلد تمر بلحظة من أحرج لحظات تاريخها ؟ أهذا وقت عتاب ؟ ثم لو فرضنا أنه وقت عتاب ، أهذا هو أدب العتاب ؟
أهذا وقت : كنتم مشغولين بالحيض والنفاس ، ونحن نتعرض للقمع والبطش ، وكنتم أداة للنظام فى تخدير الجماهير ، فيرد السلفى : كل شيوخنا قضوا زهرة شبابهم فى المعتقلات ، وشباب السلفيين هم أيضاً وقود المعتقلات ، وأنتم تريدون التغيير من القمة ونحن نرى التغيير من القاعدة ؟ أيعقل أن يكون هذا هو النقاش الدائر بيننا الآن ؟ ثم وإن دار ، أيعقل أن يكون بهذا الإسفاف ؟ أرجو مراجعة التعليقات على مقالة الدكتور كمال حبيب ( ثوار وسلفيون ) ، بل راجعوا التعليقات على مقال الإخوانى السابق إبراهيم الديب ( أيها الإخوان اتركوا التفاوض فوراً ) هل يعقل أن كل من يختلف معى فهو خائن وعميل وجاهل ودرويش ومتخاذل ،راجعوا التعليقات على مقالة الشيخ خالد عبدالله ( الرئيس والطوفان ) و مقالته ( دوائر العقول المغلقة) مهما اختلفت معه فى مضمون المقالة ، لكن ألا يحق لخالد عبد الله الذى أعرفه وتعرفونه ، الذى لا أعرف رجلاً فى العالم الإسلامى من الدعاة الإسلاميين ، أيا كان توجهه ، قدم فى قناة فضائية تتبع النايل سات ما قدمه خالد عبد الله فى سهرة خاصة من طرح ، يعد من وجهة نظرى فى وقتها إنتحار ، وراجعوا ما أقول وحلقاته موثقة على الشبكة العنكبوتية ، هذا الرجل بهذا التاريخ ، وهذه السابقة ، طرح وجهة نظر مخالفة ، هب أنها بالغة الشذوذ ، وصادمة ، فالواجب أن يكون الرد بإحسان ولطف ، هب أنه أخطأ ، بل هب أنه أساء الأدب ، فما هو الواجب على من قام ليرد ؟ أيدفع بالتى هى أحسن ، أم يقابل الجهل بالجهل ، هذا مع أن الرجل لم يجهل ، ولا أساء الأدب ، بل طرح وجهة نظر مخالفة فقط ، فسقط بالقاضية ، وبدلاً من أن نقول له أخطأت يرحمك الله ، قلنا له : يا خائن ، يا عميل ، يا درويش ، خذلك مسبحة وارحل مع السلفيين الدراويش أمثالك ، الواقع أن هناك أزمة وجفوة وسوء ظن وجرح متقيح ينبغى أن ينظف بعلم ويغلق على نظافة للأبد .
هما سؤالان لا ثالث لهما : هل فعلاً هناك من الطرفين من يشك فى نوايا الفريق الآخر فى الجملة ؟ خاصة نوايا الكبار ؟ أعنى هل يمكن أن يكون حسان والحوينى ويعقوب والعدوى وبرهامى والمقدم وغيرهم من السلفيين عملاء للنظام ، أو هل يمكن أن يكون بديع و عاكف وأبو الفتوح والعريان والشاطر وغيرهم إلا مجتهدون فيما ننقمه عليهم ؟ لا أظن أن منصفاً ، عاقلاً ، يدرى ما يقول ، يمكن أن يظن بهؤلاء إلا خيراً فى الظاهر ، والسرائر موكولة إلى الله ، فإذا كان الأمر كذلك ، فلم يبق إلا أن الخلاف فى وجهات النظر وتأويل النصوص ، وتقدير المصالح والمفاسد طبيعى ومفهوم وحدث بين الصحابة ، هل يمكن أن نكون مثل الهالك ( بوش ) فيكون من ليس على رأيي ورؤيتى ، فهو عدوى ؟؟!!
وإذا كان المنصف يسلم أن الفريقين - فى الظاهر - هما من أهل الصلاح ، والإصلاح ، وأن خلافهما فى كثير من مساءله هو خلاف : لا يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة ، لا والله بل إن منطقية الخلاف بين السلفيين والإخوان – لإحتمال الأدلة وجسامة النوازل - أعظم من منطقية الخلاف فى نص واضح قاطع لا إستثناء فيه ،إذا كان المنصف يظن بالفريقين - فى الجملة - أنهم مريدوا خير ، وأنهما أهل شريعة ، وشرع ، وكتاب ، وسنة ، فكان أولى من التجهيل ، والتسفيه ، والتخوين ، والتنقيص ، والسباب ، أن يكون هناك حسن الظن ، وإلتماس الأعذار ، وسعة الصدر ، وأدب الخلاف ، فإن لم أجد لأخى عذراً ، قلت لعل له عذراً لا أعرفه ، هب أننى جبان ، هب أنك البطل ، هب أنك الذى أسقطه ، هب أنك الذى كنت على الحق ، فلك أجران ولى أجر ، يشفع لى عندك أننى كنت مريد للخير ، طالب للإصلاح ، وأن هذا فهمى ، ومبلغ علمى ونتيجة اجتهادى ، هب أنك صليت العصر فى الطريق إلى بنى قريظة فى وقته ، بناءاً على إجتهادك فى فهم المراد من الأمر ، وأننى صليته فى بنى قريظة بناء على تعظيمى للنص ، ومنهجى فى الإلتزام بحرفيته ، وبناءاً على فهمى للمراد من الأمر أيضاً ، مادام لم ترد قرينة صارفة ، ثم تبين أن الحق معك ، فعلى ماذا أُلام ، هنيئاً لك الأجران ، والحمد لله على الأجر الواحد ، هب أنك ( علياً رضى الله عنه ) فى الجمل ، فأنا فى أقل حالاتى معاوية رضى الله عنه .
طبعاً أنا أقول هذا من باب التنزل ، وضرب المثل ، وتأكيداً على أن الواجب فى أسوأ الأحوال غير ما وقعنا فيه ، وإلا فعند التحقيق ، فالذى أدين به ، أن الحق موزع على الفريقين ، وأن مثلنا ومثل الإخوان ، كمثل معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ، لما جاءا للنبى صلى الله عليه وسلم يتنازعان فيمن قتل منهما أبا جهل ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم : كلاكما قتله ، والذى أدين لله به ، أن كل منا أكل من منسأة الطاغية حتى خر ، لكن أينا أكل أكثر ؟ وأينا قضم آخر قضمة؟ فأهل الإخلاص لا يتنازعا فى هذا قط ، المهم أنه سقط ، فهل يعقل أيها العقلاء ، وهل يليق أيها الفضلاء ، وهل يقبل أيها الحكماء ، بعد أن يسقط وفى هذا الظرف البالغ الخطورة ، أن نتفرغ للإتهامات ؟ هذا والله هو العجب ، العجيب ،العاجب ، العجاب !!!
هب أننى مخطأ ، هب أننى متأول ، هب أننى متحرف لقتال ، بل هب أننى جبان ، هب أن خطابى كان باهتاً وأحياناً نشازاً وأحياناً مضحكاً وأحياناً بالغ الغرابة والإستفزاز من سطحيته أو صدميته ، هب أى شىء إلا الطعن فى نيتى واتهامى أنى عميل وخائن ، وافعل أى شىء ، إلا التألى على الله وشق الصدور ، وقل ما شأت ، لكن فى حدود أخوة الإسلام .
هبوا أن السلفيين شاركوا فقط بتعليم أحكام الحيض ، والنفاس ، والرقائق ، والمواعظ ، هبوا أننا فقط كثرنا سواد الطائعين ، هبوا أن السلفيين لم يقدموا إلا ، سيد بلال ، هبوا ذلك ودعكم من ألوف المعتقلين من السلفيين كبارهم وصغارهم وهبوا أننا فقط علمنا الناس العلم الشرعى ، أفهذه عندكم جريمة ؟ أو لم يقل الله عز وجل (( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )) فنهى الله نهى تحريم تأثم الأمة جمعاء إن وقعت فيه ، نهى أن ينفر الجميع إلى القتال ، وأمر بأن تبقى طائفة تتعلم العلم ، وتعلمه للخلق ، فالذين نفروا للجهاد ، ليسوا بأفضل ممن نفروا ليتفقهوا فى الدين ، وكلاهما على خير .
هذا بفرض أن السلفيين لم ينفروا للقتال ، وهم قد نفروا وأوذوا وعذبوا ، لكن هب أنهم نفروا ليتفقهوا فقط فقد قاموا بدور لا يقل فضلاً عن دوركم .
إخوانى الإخوان : لو إتفقنا على أن علماء الدعوة السلفية ، فيما يبدو ، ويظهر ، وتشهد به أقوالهم ، وأفعالهم ، وثمار دعوتهم ، هم مخلصون فى الظاهر ، والله حسيبهم ، فليسوا عملاء ، وإذا إتفقنا أنهم من أهل العلم فليسوا جهلاء ، وإذا إتفقنا أنهم عقلاء فليسوا مجانين ولا سفهاء ، أقول إذا إتفقنا أنهم مخلصون ، علماء ، عقلاء ، فعلى أى محمل ينبغى أن يحمل كلام المخلص العالم العاقل ، إذا صدر منه ما هو من وجهة نظرك خطأ بل خطيئة ؟ ثم هم مع ذلك بشر كالبشر ، خطاءون ، وما زعموا أنهم معصومون ولا زعم أتباعهم ذلك ، بل هم مثلكم إن شاء الله ، يدورون بين أجرين ، وأجر واحد ، فكلانا إذن على خير .
أقول لإخوانى الأخوان : والله إنى لأحبكم فى الله ، وأدعو لكم ، وأترضى عليكم ، وأعرف فضلكم ، وقدركم ، بل وأوافقكم فى بعض مآخذكم ، لكن حنانيكم ، فما كان الرفق فى شىء إلا زانه وما نزع من شىء إلا شانه ، أحسنوا الظن بإخوانكم ، الذين يعملون بما يرونه الحق ، وبما يرونه مقتضى الدليل ، فلا يسعهم مخالفته إلى رأى أحد ، كائنا من كان ، حتى لو جلب ذلك عليهم سخط الناس ، وحتى لو رضى عن أقوالهم فرعون ، لأنهم إنما يراقبون الله ، ولا أحد سواه .
وأقول لشباب السلفيين : إعرفوا لإخوانكم قدرهم ، وفضلهم ، وبذلهم ، فقد عبدوا لهذه الثورة الطريق ، وقدموا من المال والنفس والشباب ، ما لا يحتاج إلى دليل ، لينوا فى أيدى إخوانكم ، وأزيلوا هذه الجفوة ، وأحسنوا الظن بهم .
وإلى الفريقين أقول : دعوها فإنها منتنة ، جدير بمن يقفون تحت راية الإسلام ، ويصلون إلى القبلة ، ويقرأون القرآن ويتشرفون يالإنتساب إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، جدير بهم أن يكونوا مع بعضهم ، على حال غير هذا الحال ، وعلى أقوال غير هذه الأقوال ، دعوها فإنها منتنة . وتذكروا أن المفلس يوم القيامة من يعطى الناس من حسناته حتى تفنى ، تذكروا قول الله تبارك وتعالى : ولا تنابزوا بالألقاب ، وقوله : إن بعض الظن إثم ، وقول النبى صلى الله عليه وسلم : المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، وأن مقتضى الأخوة التى فهمها سعد حين آخى النبى صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن ، أن قال سعد لعبد الرحمن : خذ نصف مالى ونصف أهلى ، وأن السلف كانوا يقولون لا تتم الأخوة بين اثنين حتى يقول أحدهما للآخر : يا أنا ، فيا أنا الإخوانى غفر الله لى ولك ، سامحنى عما بدر منى فى حقك ، وقد سامحتك على ما بدر منك ، هيا نطوى هذه الصفحة ، ونبدأ معاً صفحة بيضاء ، لا تنابز فيها ، ولا معايرة ، ولا سوء ظن ، صفحة ليس فيها إلا أخلاق الجسد الواحد ، فيا أعضاء الجسد الواحد ، تذكروا أن كلنا نسعى للتمكين ،ونبحث عن النصر ، ونرجو إقامة دولة الإسلام فعلى أى شىء نتنابز ونتسافه ويحقر بعضاً بعضاً ، أحسنوا الظن ببعضكم ، وتفرغوا لأعداء الدين وأعدائكم وكونوا عباد الله إخواناً .
ليس عيباً أن نختلف ، ولكن العيب - كل العيب - أن يكون هذا هو مستوى الحوار بيننا ، والعيب - كل العيب - أن نتقاتل والأعداء - لا أقول على الأبواب- بل هم بيننا .
قال على بن أبى طالب وقد قُتل طلحة والزبير فى الجيش الذى كان يقاتله : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين )
يقول بعض السلف : ما رأيت أعقل من الشافعي , إختلفنا أنا وهو في مسأله ، فلقيني بعد مره فأخذ بيدي ، فقال لي : إذا كنا اختلفنا في مساله، ألا يسعنا أن نبقى إخواناً متحابين ؟ والشافعى هو القائل : ما ناظرت أحداً على الغلبة ، ولا ناظرت أحداً إلا وتمنيت أن يكون الحق معه ، ولا ناظرت أحداً فأحببت أن يخطأ ، رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب .
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ... ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين امنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.