عندما اعلن عن فكرة انشاء مجلس حماية الثورة في تونس كنت في قرارة نفسي معارضا لها ... وكانت الفكرة التي استند عليها باستمرار هي ان هذا المجلس سيعمل عن قصد او عن غير قصد بين الحين والاخر على وضع العصى في عجلة الحكومة المؤقتة هذه ، كما انه لن يكون باي حال من الاحوال مجرد مراقب لسير الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد وينتهي دوره بتقديم بيان ، او تصريح صحفي ، او تنبيه شعبي بان هناك تجاوزا ما قد حصل او يحصل في هذا المجال او ذاك ... فهذا المجلس سيسعى في البداية الى تكديس الملفات المختلفة ، وسيرفع صوته ببيانات عقلية كي تسيجيب له العواطف ومنها سيكون لنفسه شعبية ومن ثمة سلطة للضغط ومنها للردع ...اذا سيحول نفسه بنفسه من مجرد (رقيب) ، الى وصي على الثورة وتبدا تدخلاته في كل كبيرة وصغيرة .. هذا موافق لروح الثورة ومبادئها وهذا غير موافق ، هذا يسمح له وهذا لا يسمح له ... وتنتهي المسالة الى ما كان عليه الوضع قبل الرابع عشر من جانفي 2011 .وفي ضرف زمني وجيز تتحول شهرة وثقة الشعب فيه الى شيء لا يصدقه الخيال ، بل ويتحول الى منافس تتضاءل امامه شعبية وبرامج الاحزاب والجمعيات المعترف بها في البلاد والغير معترف بها ... وربما ياخذ موقع التجمع الدستوري الديمقراطي بعد ان اضحى شاغرا ... هكذا بدات مسارات اغلب الاحزاب ، والحركات ، والتجمعات السياسية في البلاد العربية وفي العالم ، وللتاكد يمكن ان تراجع نشاة جمعيات العمال ، والحركات او الاحزاب الدينية ...ويمكن ان تراجع ايضا نشاة الاحزاب الشيوعية الاولى في مواطن نشاتها ... فالفكرة في البداية طيبة ومؤثرة ولكنها لا تبقى ابدا في مقامها الذي جاءت فيه بل تتوسع وتتشعب ، وتكسب من الانانية السوداء ما تحطم به دواعي وجودها وهي الانانية الخيرة ... قد يقال ان هذا المجلس (والواقع اني لا افهم لماذا اعطي هذه التسمية القريبة من مجلس قيادة الثورة ، ومجلس الثورة) يتكون من ممثلين عن الاحزاب والجمعيات ، ولكن هذا لا يكفي ، بل لا يكاد يعني شيئا لان التمثيل في هذا المجال لا يعنى رقابة منفصلة ، وتقديم تقرير للجهة التي يمثلها العضو بل تعني التدخل ، او بالاحرى التفاعل مع الوضع ، وهكذا لا نجد مواقف متعددة صادرة عن جهات التمثيل ، بل نجد موقفا واحدا او موحدا يصدر عن المجلس ، وهنا يكمن الخطر . ماذا كان يمكن ان يحصل ؟ رغم ان هذا المجلس قد ضم ثمان وعشرين حزبا وجمعية ، ورغم ان رئيس الدولة المؤقت هو من امضى على وثيقة عمل هذا المجلس الا انه في واقع الامر خال من المشروعية ، مشروعية العمل اولا لان المدى الزمني الذي يمكن ان يعمل فيه غير محدد بسنة او سنتين او غيرها وبالتالي يمكن ان يمتد على مدى عقود ، ثانيا لانه لا يتوفر على وثيقة ايداع لدى الوزارة المعنية . ثالثا لان رئيس الدولة مؤقت وبالتالي قد نقف عند نقطة هل المجلس يمكن ان يعمل بعد نهاية حكم الرئيس ام لا والى ماذا يمكن ان يتحول بعد ان يكون قد كون لنفسه قاعدة شعبية ؟ ... كان من الاجدر ان ياخذ هذا المجلس صفة الجمعية او بالاحرى المنظمة وان يمارس عمله وفق قانون الجمعيات وهكذا يضمن لنفسه وللشعب البقاء في الاطار الذي انشأ من اجله من ناحية ، وان يعمل بشكل منظم ووفق برنامج مسطر لا يحيد عنه من ناحية ثانية . وبالتالي يتجنب الاخفاق ، او التضخم المزري ... اضافة الى تجنب اضاعة الوقت لنفسه وللشعب ، وللرئيس.