إن انتخاب المجلس الوطني التأسيسي يوم 24 جويلية هو مطلب شعبي ورغبة جماهيرية وثمرة إيجابية لثورة يوم 14 جانفي 2011 لا ينازع أي طرف سياسي أو حزب أو حركة أو نقابة بأن هذا المطلب الثوري كان من انتاجه أو جاء بدعم منه أو بقيادته ولا يراهن أي أحد بأنه قاد الثورة وتزعمها أو خطط لها. فالثورة كانت شعبية تلقائية جاءت نتيجة تراكمات وإهمال وإقصاء وتجاوزات وفساد مالي واستبداد طغى على الساحة حتى فاض الكأس واندلعت الثورة من يوم 17 12 2010 في سيدي بوزيد بعد حادثة حرق المرحوم محمد البوعزيزي رحمه اللّه . وكانت الشرارة الأولى التي أججت الاحتجاجات في سيدي بوزيد والرقاب والمكناسي ومنزل بوزيان وتالة والقصرين ووصلت إلى قابس وصفاقس ثم إلى العاصمة وتلاحم الشعب مع الشباب وبرزت الوحدة الوطنية في هذه الثورة التي رفضت الظلم والاستبداد والافتراءات والفساد والطغيان والتجاوزات التي شملت الأخضر واليابس.. فكان الغضب والشجاعة والتمرد على الظلم أقوى وأعظم ولا قوة في العالم تقف في وجه الشعب وقوة الشعب هي مستمدة من قوة اللّه الذي قال: {لا يغيّر اللّه ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} صدق اللّه تعالى العظيم. وبعد هروب الرئيس المخلوع الذي نفذ فيه وعد اللّه ووعد اللّه حق. جاءت إرادة الشعب للمطالبة بحل المجلسين ورحيل حكومة السيد محمد الغنوشي وحل «التجمع». والمطالبة بانتخاب مجلس تأسيسي ديمقراطي ينتخبه الشعب التونسي مباشرة دون ترجمان أو لجان أو تعليمات أو تمليحات فالشعب هو سيد الموقف وقوله هو القول الفصل. والحمد للّه أعادت الثورة المجيدة الاعتبار إلى المواطن الذي هو الحكم يوم 24 جويلية 2011. واحتراما لإرادة الشعب نرجو من كل الأطراف أن تحترم إرادة شعبنا وأن لا تركب على الثورة أو تحدد إلينا هذه الأطراف شروطا تعجيزية أو لباسا لا يتماشى مع اختياراتنا وتوجهاتنا وما نريده فالشعب هو صاحب السيادة فلا هيئة عليا أو حزب أو نقابة تملي علينا قياسا محددا في الزمان والعدد والشروط فالشعب هو الذي يحدد عدد المقاعد النيابية سواء بواسطة استفتاء شعبي أو من خلال سبر الآراء بواسطة جهاز ديمقراطي نزيه. وفي هذا الاطار يتنزل مقالي هذا والذي جاء نتيجة مخاض الهيئة العليا لحماية الثورة والاصلاح السياسي برئاسة الدكتور عياض بن عاشور وجماعته وبمشاركة بعض الأطراف والتي لا تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب ولا تمثل كل الشرائح والفئات الاجتماعية وبالتالي فأعمالها ومقترحاتها لا تستجيب لطموحاتنا ومشاغلنا وهي من البداية بدأت بطريقة وعقلية الاقصاء: أولا: إقصاء بقية الأحزاب السياسية المعترف بها حسب التأشيرات القانونية للأحزاب. ثانيا: إقصاء عديد الجمعيات من المشاركة الفعلية. ثالثا: إقصاء كل من هب ودب من الدستوريين الفاعلين الذين كانوا هم وآباؤهم وأجدادهم وراء الاصلاح والحركة التحريرية وتأسيس أول مجلس قومي تأسيسي عام 1956 منتخب بصفة عادلة وشفافة هذا المجلس التاريخي الهام والمؤقر أنجر دستورا في مستوى وحجم الطموحات وفي مستوى عالمي. مع الأسف وقع تعليقه دون استشارة شعبية واسعة ورجعنا إلى الحكم الفردي وكأن الدستور كله لا يصلح بينما هناك بعض الاقفال التي وضعها نظام الرئيس المخلوع هي التي يمكن الغاؤها بواسطة استفتاء شعبي مباشر مثلما حصل في مصر وقع دعوة الشعب المصري وصوت على إلغاء 8 فصول وفي النظام المصري الفصول تسمى مادة، عوضا عن فصل.. ولو تم هذا الاستفتاء في غضون شهر مارس 2011 لكان الوضع أسلم والجدل أقل واللحمة أقوى والمسؤولية أوسع والشمل والديمقراطية الحق أعطت أكلها لولا فكرة الاقصاء والتعالي والأنانية وحب الكرسي، وإطالة مدة اللاشرعية للنظام المؤقت، الذي سمح لنفسه باصدار مرسوم ينظم السلطات المؤقتة دون استشارة الشعب وأصبح المرسوم يحل محل إرادة الشعب.. أعتقد أن هناك بعض الأخطاء والغموض حيث أن مرسوم تنظيم السلطة من المفروض أن يعرض على الاستشارة الشعبية. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن أعمال الهيئة المكلفة بالاصلاح السياسي لا تستجيب لمطالب شعبنا ولمبادئ الثورة من ذلك النقاط التالية: الاقصاء والجدل الطويل الذي أخذ وقتا طويلا، المناصفة بين الرجال والنساء وهو أمر من مشمولات إرادة الشعب وتحديد المقاعد حسب تعداد السكان كان المعمول به في الدستور على كل 48 ألف نسمة نائب. وقد تغيرت هذه النسبة وارتفعت إلى 60 ألف نسمة. النقطة الرابعة والتي وقع تغييرها دون استشارة الشعب والأحزاب التي تمثل 70٪ خارجة عن الهيئة العليا. هي التي تتعلق بالمدة الفاصلة بين موعد الانتخابات وتقديم الترشحات لعضوية المجلس التأسيسي المعمول به في السابق الفترة مضبوطة ب 29 يوما قبل موعد إجراء الانتخابات أما المقترح الجديد لمزيد التعقيد والتضييق فقد أصبح 45 يوما قبل اجراء الانتخابات وهذا لا يخدم الأحزاب التي مازالت تقوم بالاتصالات والمشاورات مع منخرطيها. وفترة 25 يوما كافية لو كانت هناك مرونة في وضع الشروط التي تسهل ولا تعقد الأمور.