سوادٌ يَحطُّ علينا قبيل المخاضِ قُبيلَ انتهاءِ الفصولِ المعدَّةِ للرقصِ عند الحصادِ ، و قبلَ احتراقِ الفصولِ و قبلَ احتراقِ المراحلْ.. يُطِلُّ الخديجُ طرِيَّاً أتاهم وديعاً صبيّا.. عنِ النطقِ يَعْجَزُ ، يَخْجَلُ من نفسِهِ في الصباحِ..
سوادٌ على كلِّ أرصفةِ العمرِ فوق السفينِ و فوق البيارقْ. و ليلى بِقُرْبِ الحشودِ تُنقِّلُ أحزانَها و العيونُ سهامٌ تطارِدُ مَنْ كان شاردْ.. و خلفَ النوافِذِ فيضُ المهازلْ.. سوادٌ يداهِمُ صدري و لمّا يغادِرْ فأخشى عليَّ من البوحِ ، إنْ بُحْتُ أُمْسِ بعيداً بعيداً كأيِّ مُعارِضْ..
سوادٌ وراء الدروبِ التي أنكرَتْ نبضنا من زمانٍ و نامَتْ على زَنْدِ كلِّ الذينَ أهانوا المواقفْ. سوادٌ تنقَّلَ بينَ الجفونِ و بينَ امتشاقِ النفاقِ و بينَ اللواتي تمدَّدْنَ حزْناً، نتفْنَ الشعورَ ، رفَعْنَ الحياءَ و بَعْدَ دقائقَ أنْهَيْنَ فَصْلَ الحداد.. سوادٌ يَمجُّ الرِّياءَ و يَبْصُق في وجهِ ذاك المخاتلْ.
سوادٌ يكشِّفُ عوراتِ أهلِ النجومِ، و أهلِ المراتبِ فينا سوادٌ يُعرِّي الرصيفَ يعرِّي الرقيبَ و يكشِفُ ما كانَ خلفَ اللِّحى من مزابلْ.. سواداً أرى أم بياضاً ؟ قروداً أرى أم نِعاجاً ؟ سوادٌ بحجمِ القبابِ و قد لوَّثَتْها العمائمْ سوادٌ بحجمِ المساجدِ بعدَ خمودِ المآذنْ..
سوادٌ يغطّي مساماتِ جلدي و يَسْحَبُ منها بياضَ النهارِ يشدُّ العيونَ إليهِ ليَسْحَبَ منها الوميضَ سوادٌ يُميتُ أماني الكبارِ و قدْ حُوِّلوا لأرانبْ. أحالَ الذين أضاؤوا الظلامَ بومضِ النجومِ صراصيرَ تَمْضَغُ ذلَّ السوادِ و ذلَّ انتظارٍ أمامَ خديجٍ يخافُ خيالَهْ.. يخافُ الظلامَ فيوقظُ أمّاً تراقبُ كلَّ المداخلْ.
سوادٌ تلكَّأ حتَّى يعكِّرَ دَرْبَ النهارِ.. و ها أنْتَ تَصْعَدُ فوق الروابي و تَقْفِزُ فوقَ المسافاتِ حولَكَ ألفُ نَذْلٍ مراهقْ.. و ها أنْتَ تخطفُ ما كانَ فوق المناكبِ تجتاز كلَّ رهانٍ تُقَلَّدُ أعلى المناصبِ كلَّ المراتبْ تمزِّقُ روحَ القوانينِ تخنُقُ نبضَ الدساتيرِ تجتاز في ساعةٍ معجزاتِ الزمانِ.. و ترقى السلالِمَ دونَ انتظارٍ و دونَ اشتهاءٍ و تصْعَدُ فوق المنابرْ.. تبولُ حليباً ليَشْرَبَ منْهُ دُعاةُ المكارِمِ ، سوف يكونُ الدواءَ و عطراً لأهلِ المنازِلْ..
سوادٌ..سوادٌ..سوادٌ.. و نأتي إليكَ جراداً و نملاً ، سنأتي بعوضاً و قملا عجوزاً و طفلا نبيعُكَ كلَّ انتظارِ السنينَ و بينَ يديْكَ ننامُ نعاجاً و ظلّا، فهلَّا نكافيكَ يا زينَ زين الرجالِ.. سوادٌ.أراهُ يبوحُ بغيرِ شفاهٍ بغيرِ مقابلْ..