هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    تعرفش شكون أكثر لاعب سجل حضوره في دربي الترجي والإفريقي؟    سحب وأمطار بالشمال وانخفاض طفيف في الحرارة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    الأحد: أمطار رعدية والحرارة في انخفاض    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    وزارة الصحة: 1638 فحص أسنان: 731 حالة تحتاج متابعة و123 تلميذ تعالجوا فورياً    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    منتدى تونس لتطوير الطب الصيني الإفريقي يومي 21 و22 نوفمبر 2025    إعداد منير الزوابي .. غيابات بالجملة والبدائل جاهزة    الجولة 12 لبطولة النخب لكرة اليد :سبورتينغ المكنين وجمعية الحمامات ابرز مستفيدين    تونس تحتضن ندوة دولية حول التغيرات المناخية والانتقال الطاقي في أكتوبر 2026    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    رئيس الجمهورية يكلّف المهندس علي بن حمودة بتشكيل فريق لإيجاد حلول عاجلة في قابس    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025: فضية لجميلة بولكباش في سباق 800 متر سباحة حرة    ربع التوانسة بعد الأربعين مهدّدين بتآكل غضروف الركبة!    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    تونس - الصين: 39 طالبا وطالبة يحصلون على "منحة السفير" في معهد كونفوشيوس بجامعة قرطاج    الرابطة الثانية – الجولة 8 (الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    حريق في مستودع للعطور بتركيا يخلف 6 قتلى و5 مصابين    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    العلم يكشف سر في المقرونة : قداش لازمك تحط ملح ؟    عاجل/ محاولة اغتيال سفيرة إسرائيل بالمكسيك: ايران ترد على اتهامها..    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    عاجل: حدث نادر فالسماء القمر يلتقي بزحل ونبتون قدام عينيك..هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرائن تدعو إلى التوجس : رسالة إلى الوزير الأول
نشر في الحوار نت يوم 06 - 03 - 2011


الدكتور أبو يعرب المرزوقي

كلي رجاء ممن اقتنع بما جاء في خطاب رئيس الحكومة المعين والمؤقت أن يقنعني بما اقتنع به. وأول من يمكن أن يفعل صاحب الخطاب نفسه لأني لا أتصور نفسي الوحيد الذي لم يقتنع. ذلك أن الكثير من القرائن جعلتني أتوجس ليس خيفة إذ لا شيء بعد 14 جانفي يمكن أن يخيف أحدا بل حذرا ودعوة إلى اليقظة: فالشباب لم يعد مستسلما لتذاكي الساسة مهما كانت لهم من الخبرة التي يزعمونها. وهي خبرة وحصافة لو صح أنهما فعليتان لما جاء النظام الذي يتفصون منه الآن رغم سكوتهم عليه عقدين من الزمان ناهيك عمن لم يكتف منهم بالسكوت بل كان شاهد زور خلالهما على رأس المؤسسة التشريعية التي لا تشرع إلا لما هو غير شرعي بدءا بوجودها نفسه.
وليعذرني كل الذين اقتنعوا فدعوا إلى فض الاعتصام أو سكتوا فلم يعارضوا فضه. فليس في كلامي هذا تشكيكا في فهمهم لما يجري بل لعلهم أدرى مني بالساحة السياسية وبما يحاك من خلف ستار في الداخل والخارج فضلا عن أن يكون تشكيكا في ذكاء أي منهم. إنما أنا أسائل نفسي لأني لم أقتنع قبل أن أسائل أحدا غيري إلا من يشعر أنه لم يقتنع مثلي إذ قد آليت على نفسي أن أفكر بصوت عال في هذه الحقبة الحرجة من تاريخ الأمة العربية الإسلامية التي أنزل الأحداث فيها ولا أقتصر على النزعة القطرية الصرفة في الخطاب الذي استمعنا إليه أمس مع واضح التلميح إلى مواصلة سياسة التبعية خلال الكلام على الفصل السياحي. وسأذكر بعض القرائن التي جعلتني شديد الحذر من شيوخ السياسة المتمرسين بالخطاب المزدوج أعني الذين يعتبرهم "الاستابلشمنت=بطانة المسرح السياسي الرسمي" دهاة متناسين أن الحيلة هي في ترك الحيلة وخاصة في الملمات. وهذه القرائن صنفان:
الصنف الأول شكلي: وأهم عناصره عنصران هما :
1-كثرة الإحالات الدينية في نص الخطاب لكأننا في صلاة جمعة وليس في عرض خطة إنقاذ لبلد يئن تحت ضربات الأجهزة المتغولة .
2-كثرة الإحالات لضرب الأمثال الشعبية التي هي في الحقيقة منطلق تأويلي لهذا اللجوء للتضمين الديني في الخطاب كما هو بين من آخر الأمثلة التي ضربها: وأظن الأستاذ السبسي قد شفر رسالة لمن نصبوه في هذه المهمة دون أن يدري ربما أن العلاقة بين هاتين القرينتين يؤدي وظيفة تأويلية كما سنرى من مثال الحائكين اللذين خاطا لخروتشاف كسوته.
والصنف الثاني مضموني: وأهم عناصره عنصران كذلك هما:
3- الكلام على الاعتصامين اعتصام القصبة الذي وصف بكونه انفجارا مفهوما لا غير واعتصام القبة الذي اعتبر عين التشخيص الحقيقي للمشكل المطروح بعد الثورة.
4-ومفهوم هيبة الدولة الذي جعل مشروطا بالأمن بدلا من أن يكون الأمن من ثمراتها إذا كانت الهيبة مهابة (أعني قوة خلقية واستقامة تفرض الاحترام) وليس "تهييبا" أعني الأمن بالإكراه.
أما أصل الصنفين الجامع بين هذه القرائن الأربعة فهو:
5- طبيعة السياسة المقترحة والمتمثلة في العودة إلى ما تقدم على الثورة أي ما يسمى بإرجاع الأمور التي كانت سائدة قبل فترة بن علي إلى نصابها: فقد كان ذلك موضوع مرافعة بمعناها في المحاكم.
ولما كانت هذه المرافعة مستمدة من مادة كتابه الذي وجهه إلى الشباب فإن المحامي الذي يرافع بلهجة "الكنتية" يتصور الجيل الحالي لا منجاة له إلا بالعودة إلى ما كان عليه جيل المرافع أعني الحقبة التي بنت الدولة دون أن يدرك أن هذه الدولة هي التي أنجبت بن علي ومن لف لفه ومن ثم فهي تتضمن منذ نشأتها جرثومة ما حل بنا من نكبات.


وبذلك فالخطاب الذي استمعنا إليه وطبيعة الحضور للاستماع إليه أعني "الاستابلشمنت" الرسمي بينا دلالة الخطاب العامة بيناها لكل ذي بصيرة: فالعلاج عند المرافع هو العودة إلى البورقيبية وخياراتها السياسية والتربوية والاقتصادية والثقافية مع افتراض حلول سحرية الكل يعلم استحالتها أعني وصول النمو إلى 9 في المائة. وما أتصور المرافع يجهل أن الداء الذي أصاب الدولة التي يريد إرجاع هيبتها لم تمرض به في العقدين الأخيرين فحسب بل هي مريضة منذ ولادتها لكونها كانت في الحقيقة دولة ذات خطاب سياسي مزدوج من جنس الخطاب الذي سمعناه أمس:
1-فهي تكتب في دستورها تحت ضغط الشارع الذي كان لا يزال معتدا بأهداف ثورة التحرير أنها دولة حرة (أعني حرية المواطن والوطن) ومستقلة (أعني عدم التبعية) دينها الإسلام (أعني حرية العقد للشعب) ولغتها العربية (أعني جعل اللغة الوطنية الأداة الفعلية لكل أبعاد الحياة الوطنية وليس مجرد لغة خطب في المناسبات الدينية).
2-وتفعل في ممارستها بدهاء الساسة في مغالطة الشعب (أعني خروتشاف في مثال صاحبنا) نقائض ذلك كله حتى لا تكون حرة (الدكتاتورية) ولا مستقلة (التبعية لفرنسا) ولا عربية (بدليل ما آلت إليه لغة مؤسساتها الإعلامية من مالطية فضلا عن إدارتها التي لا تزال فرنسية) وتحاول ألا تبقي عليها إسلامية وهو الأمر الوحيد الذي عجزت دونه لأن الشعب لم يتبعها على الأقل في هذه وصمد إلى أن حصلت ثورته.
السياق الذي أفهم من خلاله هذه القرائن
ولأبدأ فأقول إني أرجو من كل قلبي ألا أكون على صواب في ما فهمت بشرط أن يقنعني من اقتنع بالخطاب بأساليب تحليل الخطاب ضمن السياق الذي يجعل كل الذين يريدون تسيير دفة الإنقاذ المقترح هم ممن ساهم بالفعل أو بالسكوت في جعل ما يسعى الشباب لإنقاذ البلاد منه جعله ممكنا ويبعد منها كل الذين قاموا بالثورة بالقول أو بالفعل المباشر (في الأحداث الأخيرة التي أطاحت ببن علي) أو غير المباشر (أعني في كل الأحداث التي صمدت أمام نظام بن علي طيلة العقدين بالشهادة والتشريد والتعذيب والحرمان من شروط الحياة أدناها). لذلك فأول ما أريد أن أسأل عنه بإلحاح وتدقيق هو:
ما الذي يجعل هذه البطانة تتصور أن الإنقاذ لا يمكن أن يحصل من دونها ؟ وما الذي يجعلهم يغالطون فيتصورون رفض الثوار لوصايتهم يعني أنهم لا يدركون أن البلاد بحاجة إلى الاستقرار والأمن وبأن وضعها الاقتصادي هش ويحتاج إلى الكثير من الصبر والحذر لئلا تفسد الأمور أكثر مما كانت فاسدة في عهد بن علي؟ فمطالب معتصمي القبة كلمات حق يراد بها باطل: ليس الاستقرار والعمل هو مطلبهم بل الاستقرار والعمل اللذين من جنس ما كان متوفرا لهم دون سواهم ذلك هو مطلبهم. مطلبهم يمكن أن يلخص في جملة واحدة: من هؤلاء النازحين الذين يريدون أن يغيروا قواعد اللعب في تونس فيجعلوا الاستقرار والعمل حقا للجميع وليس للمتظاهرين في القبة وحدهم؟.
وما الذي يجعلها تتصور أن الشباب التونسي من دونها عاجز عن تدبير شؤون ثورته بنفسه ؟ كيف لمن أهموا في إصابة البلد بالدائين اللذين أنهيا الدولة بأن جعلاها هشة تزعزعها رعشة نسيم دائي الاستبداد والفساد: ما قبل بن علي أعني ما جعله يكون ممكنا ثم ما بعد بن علي أعني ما جعل الوضعية الحالية تصبح ممكنة ؟ ألا يدرك أصحاب هذا التصور أن الثورة لو كانت تريد أن يدير شؤونها من كان يديرها في عهد بن علي وحتى قبله لكان من الأفضل لهم ألا يثوروا: لأن من صنع الأجهزة أقدر على التحكم فيها من هؤلاء الذين كانوا بيادق في رقعته يحركها كما يريد ثم ها هم الآن يتفاحلون علينا لينقذوا البلاد كما يزعمون ؟ أما خطر على بالهم هذا السؤال: ما لهؤلاء الدهاة والشجعان في آخر الزمان لم ينقذوا البلاد طيلة العقدين بل وقبل ذلك بكثير ؟ أليس ما يريدون إنقاذ البلاد منه هو في الحقيقة ما عبر عنه بوقاحة أحد المعلقين مباشرة بعد الخطاب إذ دعته التلفزة التي ما تزال "ابنعلوية" حتى وإن تخلت عن البنفسج معتبرة إياه بجرة قلم خبيرا استراتيجيا رغم أميته: فتكلم عن هيجان الشعب وليس عن ثورته ؟ إنهم يرون الأمور بعين المروض للحيوانات وليس بعين السائس للشعوب الحرة .
في دلالة القرينتين المضمونيتين
ولأبدأ بالعنصرين المضمونيين (الكلام على الاعتصامين ومفهوم هيبة الدولة) رغم أن العنصرين الشكليين (التضمين الديني والأمثلة الشعبية) أهم بكثير من حيث الدلالة على ما جعلني أتوجس فأدعو إلى المزيد من الحذر واليقظة.
أولا الكلام على الاعتصامين:
فاعتصام القصبة يصفه السيد قائد السبسي بحق الشعب في الانفجار ثم يمر عليه مرور الكرام في حين أنه هو الذي جعل ما يريد هو وغيره الالتفاف عليه ممكنا. أما اعتصام القبة فهو البوصلة التي توجه حكومته نحو الحل وإنقاذ البلاد. والمعادلة بسيطة: حل أزمة البطالة يعني ضرورة الاستقرار والعمل حتى تصبح تونس مثل الصين معدل النمو فيها 9 في المائة. برافو. صارت الجماعة تفكر في توفير فرص الشغل للبطالين وما على هؤلاء لا أن يتركوهم يعملون ويوفروا لهم الاستقرار وهدوء البال. ومعنى ذلك أن نمط التنمية والسياسة الاقتصادية والثقافية والتربوية والسياسية كل ذلك ليس مشكلا بل المشكل هو من يريد أن يعيد النظر فيها فيكون بذلك ليس ثائرا على قوسي بن علي فسحب بل على ما جعل مثله يكون ممكنا بل ويريد أن يحافظ على نفس الشروط بدعوى المحافظة على الاستقرار لتوفير الأمن و شروط تمويل الاستثمار حتى يتغلبوا على بطالة النازحين ويزول الخطر.
تونس فيها بطالة لأن النازحين جاءوا ومنعوا العاملين من العمل وحالوا دون الحكومة التي لم تعالج المشكل طيلة عقدي حكمها. لكنها تحولت إلى ساحرة تحقق المعجزات بعد الثورة إذ هي قد كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح ثورية هي بدروها فتحقق ما وعدت به الثورة لولا نازحي القصبة. فهؤلاء النازحون هداهم الله منعوها من العمل فاستقال وزيرها الأول الذي ينسى أنه كان شاهد زور على النهب والسلب عقدا كاملا ثم صار شجاعا مع وزيريه المعارضين المزعومين وممثلي فرنسا والفاسد من اليمين واليسار فيدعو الأغلبية الصامتة للتحرك ما ولد اعتصام القبة أعني الذين يريدون حماية الثورة بتوفير شرطي حل مشاكل البلد أي الاستقرار والأمن للعمل المنتج: عجبي لماذا لم يدعهم السيد الغنوشي قبل ذلك عندما كان بيدقا تحركه وصيفة الملكة فيعني زيدا أو عمرا في وزارته ؟ ألم يكونوا صامتين صمت القبور وهو حارس المقبرة التي لم يرجع إليها الحياة إلا هؤلاء النازحين في القصبة وأمثالهم في كل جهات الوطن ؟
المشكل عند هؤلاء هو النزوح ولا مشكل عداه. نسوا أنهم كانوا يعملون وينعمون بالأمن والاستقرار خمسة عقود وكانت النتيجة أنهم جعلوا البلاد تنقسم إلى جالية من المعمرين وانديجان من المستعمَرين بحيث إن عينة مما آلت إليه أمورها هو ما يحصل في قصر هلال: أصحاب اعتصام القبة من جالية المعمرين وأصحاب اعتصام القصبة من الانديجان.
ثانيا الكلام على هيبة الدولة:
مفهوم الهيبة سواء نسب إلى الأشخاص أو إلى الدول يجمع بين وجهين أحدهما خلقي هو استقامة الباطن والثاني جمالي هو أناقة الظاهر وعنهما تصدر المهابة التي يعتبرها ابن خلدون شرط الرئاسة أعني السلطان المعنوي لمن يطاع لمجرد اتصافه بهذين الوصفين. لذلك فالأمن الذي هو طاعة القانون بعد أن يكون قد أصبح عادة في سلوك الناس الذي ربوا على احترامه وصيانته فرض عين هو العلامة الأساسية على تمتع الدولة بخاصية الهيبة بل لإت استتباب الأمن في أرض الدولة كلها يدل على وجود الدولة أولا وعلى هيبتها ثانيا. ولهذه العلة جاء في الأثر ما معناه أن من يبيت ليلة من دون أمير كمن يبيت على كفر: أعني أن أولى علامات الهيبة انعدام الحاجة إلى الخروج على الدولة.
لذلك فالدولة بمجرد حصول الخروج فإن ولى قوالجماعة تكون بعد قد وصلت إلى حال أخرجتها من عهد القانون إلى عهد الفوضى: وذلك هو المشكل وليس الأمن. ومن ثم فالعلاج ليس استعادة الأمن إلا بصورة ظرفية أما بنيويا فهو علاج العلل التي أخرجت الجماعة: القانون الظالم وانخرام شروط الأمن (أي بالذات ما يحتج ضده معتصمو القصبة) انخرامها الذي أدى إلى فقدان الهيبة بمعيينها الخلقي والجمالي (أي بالذات ما يدافع عنه معتصمو القبة): استرداد الهيبة ليس بمواصلة ما كان موجودا ولا بالعودة إلى ما تقدم عليه في العهد البورقيبي بل شيء آخر هو مطالب الثورة.
الأمن ليس هو هيبة الدولة. والعلاقة بين الأمن والهيبة إذا نظرنا إليها بمنظور العلاقة السببية فهي بالأحرى في الاتجاه لمقابل تمام المقابلة لما جاء في الخطاب بسبب طبيعة العلاقة بين بعدي الأمن بعديه المادي والرمزي. فاسترداد الدولة للأمن إذ ينخرم قد يتقدم فيه الأمن المادي على الأمن الرمزي تقدما ظرفيا وبصورة شديدة المؤقتية كما يتم ذلك في كل علاج استعجالي لأي عطب.
لكن ذلك لا ينبغي أن يصبح سياسة انقاذية فضلا عن أن يكون سياسة دائمة إذ هو عندئذ يعني أن شروط الأمن الحقيقي أي الوازع الباطن- العائد في الأصل إلى القبول والرضا العام لما هو في ذاته قابل لذلك-قد انعدمت فلم يبق إلا الأمن المعتمد على البوليس والأجهزة: وفي هذا لا أتصور أحدا ممن يحكم الآن سيفوق ما ثار عليه شباب تونس ه وزعزع أركانه إذ تلك هي الوضعية التي كانت عليها تونس قبل الثورة. لذلك فمشكل هيبة الدولة ينبغي أن يكون بالذات ما تسعى إليه جماعة الاعتصام في القصبة وليس ما تدعو إليه جماعة القبة: ولعل دلالة المكانين بينة فجد القصبة ورهان الأصالة يقابله لعب القبة وقمار كاريكاتور الحداثة.
في دلالة القرينتين الشكليتين
لما كان المثال مثال الحائكين المضروب قد بدا لي مفتاح الفهم للتضمين الديني الوارد في الخطاب فإني سأبدأ به لأمر بعده إلى هذا العنصر الثاني راجيا ألا يكون في ما أقول اتهاما للنوايا بل هو مجرد اجتهاد لفهم الخطاب فهما يجعله متناسقا بالاستناد إلى ما جاء في القرينتين المضمونيتين لأن صاحبه ليس ممن يلقي بالكلام على عوانهه بل هو محام مجرب قدم لنا مرافعة نسقية -مع خيلاء زيادة عن اللزوم وتضخم الأنا لا يخلو منه زعماء المدرسة البورقيبية وإحالة إلى ما كتب فيه كتابا جعل الكثير يتصور أن حل أمراض تونس متمثلا في العودة إلى ما يشبه السياسة المتقدمة على العقدين الأخيرين اللذين يتبرأ منهما السيد الباجي قائد السبسي.
ثالثا مثال خروتشوف:
من يكون يكون نظير خروتشوف في وضعيتنا ؟ ومن الحائكان التارزي الأول والتارزي الثاني ؟ ثم ما هما قطعتا قماش "الدورموي" اللذين أهدتهما مملكة بريطانيا العظمى لخروتشوف؟ خروتشوف كما يعلم الجميع رمز الشعب الذي وصل إلى الحكم بما في هذا الرمز من "قُعرية" أي بداوة وجلفية وتخلف و"نزوح". بعبارة وجيزة إنه رمز معتصمي القصبة. لكن الرمز في حالتنا يذهب إلى ما هو أكثر: إنه الشعب التونسي بطبقاته الدنيا. ولعلي لا أفرط في ما أجده من تناظر شبه تام بين المثال والممثول: فأضيف أن قطعتي القماش هما الدستوران والتاريزيان هما من فصل الدستور الأول ومن سيفصل الدستور الثاني. والفاهم يفهم.
ويكفي أن نربط ذلك بالعهد بالفترة الانتقالية إلى من كان رئيس مجلس شهادة الزور الرسمي طيلة العقدين الأخيرين أعني مجلس نواب المافيا لمغالطة الشعب وليس نواب الشعب لمحاسبة حكامه مع من عينهم للحكومة المؤقتة بمن فيهم رئيسها الذي يكلمنا بلغة "الكنتية" والنظافة المزعومة لكأنه يمكن لرجل الدولة بحق أن يسكت عقدين ثم يتكلم اليوم عن الخيانة العظمى التي حصرها في ترك البلاد بن علي الذي "زرتا". فضمير هذا الكلام هو أنه ترك جماعة القبة لجماعة القصبة أي نظام أهل البلد لفوضى النزوح: لم يدر بخلد المحامي أن الخيانة العظمى متقدمة على ذلك أعني كل ما جعل البلاد تصبح فوضى قبل الثورة بحيث عم سرطان الاستبداد والفساد في كل أوصال البلاد تشريعا وقضاء وتنفيذا وإدارة سياسية وتربوية وثقافية واقتصادية.
رابعا التضمين الديني:
تلك هي بداية عمل التارزي الثاني الذي أخد لخروتشاف"سَيْ جوست موزير" الخياطة على "قد اللّبّاس". والترجمة هذا منطقها: المعلوم أن النخب المتأوربة أو البلدية تعتقد أن "الشعب المحتحت" والنازح سواء في الأحواز الشعبية أو في القصبة يؤمن بالخرافات المستمدة من الدين وانخرام الأمن مصدره هؤلاء (لأن الأجهزة بريئة ). وإذن فالحل هو تنويمنه بها في الخطاب ومظاهر الحياة و"اللي في القلب في القلب".
فلننومه بالبعض منها في أساليب كلامنا تماما كما فعل بورقيبة طيلة عهود الكفاح حتى كان رمز جريدته آية قرآنية ليست بعيدة عما افتتح به المحامي ندوته الصحفية. وكما يرضى جروتشاف بخياطة الروماني وينفي الخياط الأنيق فعلينا أن نبحث له عن خياط روماني يصنع له خرقة تناسب قياسه فيرضى عنها وكفي المؤمنين شر القتال: يريد دستورا جديدا بخياطة على قياسه لأن الدستور السابق كانت مما لا يرقى له ذوقه.
وأخيرا ما أصل كل هذه القرائن الدافعة إلى توجس الحذر:
إذا كان جل المعارضين قد عينوا شخصا يثق فيه الجميع وأبى الرئيس تعيينه بل عين صاحب هذه المرافعة عن البورقيبية والقطرية والحداثة اللقيطة التي تواصل علل الهشاشة وتوطيد التبعية في مادة العمران (الاقتصاد والثقافة) وفي صورته (السياسة والتربية) فإن وراء الأكمة ما وراءها. وهذا الماوراء لم يبق مخفيا لأن صاحب المرافعة عينه: إنه بالذات اعتبار الحل في العودة إلى السياسة البورقيبية التي جعلت تونس حسب زعمه ينتظرها غيرها لكي يقف من القضايا الدولية. وطبعا فالمحامي نسي في مرافعته أن كل من يدرك حجمه كان هو بدوره ينتظر غيره لكي يقف مواقفه من القضايا الدولية لأن عكس ذلك يعني أن بورقيبة لم يكن واقعيا بحيث كان يتوهم أنه رئيس دولة عظمى مثل القدافي.
لست أشك في أن أي مواطن تونسي من حقه أن يتصور مستقبل تونس وعلاج مشاكلها على النحو الذي يراه ويقتنع به. لكن لا يحق لأي إنسان وخاصة إذا عين ليقود البلاد في أكثر مراحل تاريخها حراجة أن يقدم تصوراته على أنها ما تطلبه الثورة في حين أنه عكس ما تطلبه بصورة مطلقة: الشباب لا يريد العودة إلى السياسة التي أدت إلى أن يكون بن علي ممكنا فضلا عن أن يقبل بأن يقود ثورته من كان مسهما في تلك السياسة ناهيك عمن شارك بن علي طيلة عهده على رأس المؤسسة التي من واجبها مراقبة السلطة التنفيذية لا التغطية على المافيا ثم يدعي الآن أنه حريص على حماية الثورة التي لو حاسبت أحدا لكان عليها أن تفعل ما فعل جحا مع حماره المقيد. فمن ساهم في حكم بن علي ولو في منزلة الدمية أحق بالمحاسبة ممن ساهم في منزلة الفاعل لأنه يضيف إلى المشاركة في الجريمة انتحال صفة السياسي من دون فضائل السياسيين المتحملين للمسؤولية. والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.