مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    رابطة الهواة لكرة القدم (المستوى 1) (الجولة 7 إيابا) قصور الساف وبوشمة يواصلان الهروب    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    المسرحيون يودعون انور الشعافي    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    الطبوبي: المفاوضات الاجتماعية حقّ وليست منّة ويجب فتحها في أقرب الآجال    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    Bâtisseurs – دولة و بناوها: فيلم وثائقي يخلّد رموزًا وطنية    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ردا علي بعض أدعياء العلمانية وأعداء الإسلام: فصام يصعب علاج اصحابه
نشر في الحوار نت يوم 22 - 03 - 2011


ابويعرب المرزوقي/
تمهيد: قرأت تصريحا للسيدة وفاء سلطان تناقلته الصحف والمواقع الالكترونية واطلعت عليه في موقع الف بتاريخ 17 نيسان (ابريل) 2007 يستحق التعليق ليس لذاته بل لتمثيله الغاية في المآل العاجز الذي الم بالمكر السييء عند اعداء الاسلام وازلامهم من ادعياء العلمانية من غير فهم.
لذلك فالتعليق لن يهتم بمعتقدات صاحبته ولا بالتزاماتها الشخصية. فهي في المعتقد والالتزام كاملة الحرية: لها ان تؤمن بالاسلام او بغيره من الاديان او ان تكفر بكل دين. فلن يضير الاسلام خروج مثلها منه كما لن ينفعه بقاؤها فيه كما لن ينتفع مستعملوها بشيء مما تقول وسيرمونها كما ترمي المناديل. وكان يمكن لكلام السيدة وفاء ان يكون مسموعا بقدر ما لو كان نقدا لواقع المسلمين في المجالات التي استمدت منها ما تتصوره حججا تبرر مواقفها: كمآل منزلة المراة او بعض التأويلات التفسيرية للقرآن تبريرا لبعض السلوكات التي تخلط بين اعراف القبائل وقيم الاسلام فآلت الي حصرها في تخلف الفهم الطالباني. لكنها تزعم ان كل ما تعيبه علي الواقع تسليما بان لها بعض الحق فيه اذا اخذ في معناه كواقع ابتعد عن العقيدة ليس له من تفسير الا العقيدة الاسلامية ذاتها. لذلك فلا تثريب علي من يعلق علي مواقفها بنفس المنطق فينظر في العقائد الاخري بمنطقها ليحملها ما يحدث في الواقع الذي لها ويدحض العلاقة بين العقيدة الاسلامية وتشوهات الواقع الخلقي والروحي عند المسلمين لئلا يسلم لها بصحة الاستنتاج من العقيدة الي الواقع. وقد اتصفت حججها جميعا بخاصيتين مضاعفتين من الاعياء يكتمل في خاصية عامة توحد بينها في حجة عليها لا لها هي سذاجة الظن بان في نقدها للاسلام امرا طريفا وليس من مبتذلات كل المعارضين للاصلاح في كل التاريخ الروحي للبشرية كما يصفه القرآن في قصصه:
الخاصية الاولي هي ان صاحبة التصريح لم تأت بأي جديد في ثلب الاسلام ورسوله بل هي تردد ادني الحجج التي سبقها اليها غيرها منذ فجر الاسلام. ومهما حاولت ان تبالغ في القذف فلن تصل الي ما وصل اليه عبد المسيح الكندي.
الخاصية الثانية ان التصريح ليس له الا اثر واحد يمكن وصفه بالمفعول العكسي ككل دعاية فاسدة ترتد سهما قاتلة الي صدر صاحبها. فكل حججها مع خلوها من العلم بما تتكلم فيه ومن المنطق السليم جعلت المسألة بينها وبين الاسلام والرسول تصفية حساب شخصي لتجارب نفسيه مرت بها وهي الطبيبة النفسية كما يزعمون وليست فكرا ينقد فكرا طلبا للحقيقة او موقفا يعلق علي موقف سعيا للصلاح.

تصنيف الحجج
ولنبدأ بصنف الحجج الاول وينقسم الثلب في نصها الي فرعين لم يتغير فيهما الا التحديث المضموني بقصد افادة ان ما يعاب علي الاسلام لم يزل متواصلا منذ بداية الدعوة الي اليوم. والفرع الاول يتهم الرسول في اخلاقة بالمقارنة مع السيد المسيح وهو امر بدأ في المسيحية الشرقية وتواصل في المسيحية الغربية ولا تزال الواسطة بين المسيحيتين بعض المرتدين من المسلمين المتحالفين مع بعض بقايا الصليبيين في الشرق. والفرع الثاني يتهم التربية الاسلامية باعداد المسلمين علي الاخلاق العدوانية بالمقارنة مع التربية المسيحية السلمية. وهذا الفرع يعد العنصر الاساسي الذي ولد مع ردود فعل اوروبا القرون الوسطي خلال الفتح الاول وشب مع الحروب الصليبية واكتهل مع حروب الاسترداد ثم وشاخ مع حروب الفتح الثاني، وبلغ العجز في فترة الاستعمار عامة قبل حروب التحرير وخلالها وبعدها ثم بلغ ارذل العمر مع اليمين الجديد المعبر عن عنصرية المسيحية النازية الصهيونية.
ولنثن بالصنف الثاني فهو ينقسم الي فرعين مثل اخيه. ويتصف بصفات فرعي هذا الصنف كل من حاول تزييف الحقائق باختلاق بعد الاخبار وضعها اعداء المسلمين في فجر الاسلام او بتأويل بعض الوقائع حتي لو سلمنا بصحتها تأويلا يجعلها مثالب في حين انها من المحامد. لذلك فعند التحليل يتبين ان الاخبار الموضوعة او الوقائع المؤولة تفيد عكس ما قصد المزيف كما سنبين من خلال بعض الامثلة. فأما الفرع الاول فهو القبول بدور بوق الدعاية لمعتد يتصف بالصفات التي يحاول ان يلصقها بالاسلام. واما الفرع الثاني فهو النبرة الموتورة التي تجعل المسألة مسألة ثأر شخصي وليست مسألة طلب للحقيقة او دفاعا عن القيم. وقد ذهب الحقد بالسيدة وفاء وهذا من الاسماء الاضداد طبعا اذ لا وفاء لمن يتنكر لمعين ذاته سلطان وهذا ايضا من المبالغة في الضدية اذ لا سلطان للابواق الي حد المزايدة علي بوش: فهو يدعي انه لا يعادي الاسلام لذاته بل ما عند بعض اهله مما يسميه ارهابا وهي تريد ان تقنع الامريكيين بضرورة اقتلاع الاسلام كله من الجذور لانه ليس فيه ما يقبل الاصلاح او الابقاء عليه.
ويوحد بين هذه الفروع الاربعة اصل واحد ورئيس لو ادركوا دلالته لتخلوا عن سخافاتهم ولارتاحوا واراحوا: فالقرآن احصي اكثر واكبر من كل التهم التي يأتون بها واشنع منها وهو يعتبرها من المواقف الكونية التي يصد بها داعي الحق والخير كما يتبين ذلك في القص القرآني لتاريخ النبوات والرسالات.

مطلوب التحليل وليس الرد
لكني مع ذلك لن اهتم بأي من هذه الفروع لاني لا انوي الرد علي مضمون قولها ولا رده بل سأقتصر علي الكلام في طبيعة فهمها لما تتصوره تعليلا فلسفيا لمواقفها. لذلك فسأمر مباشرة الي علة الغفلة عن هذا الاصل في التاريخ الروحي للبشرية الاصل الذي لو عقلته المتكلمة لخجلت من نفسها ولعرضت حالها علي طبيب نفسي اكثر منها مهارة عله يجد لها علاجا رغم يأسي من علاج مثل هذه الامراض تصديقا لتاريخ مثل هذه المواقف. سأكتفي بمسألتين وردتا في تعليلها لمواقفها لتحليل دلالتهما وليس للرد عليهما. فكلتا المسالتين تصلح دليلا علي مرض تضخم الشخصية عند السيدة وفاء سلطان ومن ثم تجعل محاولة الرد عليها مما يضاعف التضخم لانها ستتصور نفسها بلغت من المقام ما يجعلها اهلا للنقاش الفلسفي في جليل المسائل الروحية للامم.
فأما المسألة الاولي فهي كلامها عن معيار الحقيقة التي يكون فيها الفرد علي حق ضد الجماعة: فهذا تعليل فلسفي لتاسيس موقفها الذي تقيسه ببطل المثال الذي ستضربه. ضربت مثال جاليليو الفيزياء تضمينا الي كونها جاليليو الاخلاق والاديان! طبعا لو كانت تعي ما تقول لما ضربت هذا المثال. فهو قياس سوفسطائي يدل علي عدم ادراك الفرق بين طبيعة المعايير الخلقية وطبيعة الحقائق العلمية. فلا يوجد عاقل واحد يعتبر راي الجماعة غير العالمة مصدرا للحقيقة العلمية. لكني لست افهم كيف يمكن ان يوجد شخص واحد عاقل يعتقد انه يمكن ان يكون علي حق في تحديد قيم امة ضد اجماع تلك الامة. قد يوجد في الامة من يكون اكثر التزاما من الجماعة بقيم الجماعة او اكثر فهما لما يعتمل في روح الامة كما هو الشأن بالنسبة الي كل المصلحين، لكن نجاحهم في الاصلاح يدل علي ان توحدهم ليس في انفرادهم بتلك القيم بل في قدرتهم علي التعبير الداعي اليها. ولعل مثال سقراط هو الغاية القصوي في هذا النوع من المواقف. فسقراط كان يفهم ان القانون الذي حكم عليه بالاعدام مقدس وينبغي ان يحترم: لم يزعم ان رايه في هذا القانون فوقه. رأيه فوق راي الحكام في فهمه وتطبيقه.
لكنه لم يكن الوحيد الذي كان علي حق بدليل كل تلامذته وبدليل ان الحكم عليه لم يكن باجماع المجلس!
واما المسألة الثانية فهي دعواها ان حاجة القرآن للتفسير دليل علي كونه ليس كتابا مبينا او مقدسا.
وهذا ايضا تعليل فلسفي: الرسالة لا تكون رسالة الا اذا كانت مفهومة من المرسل اليه. وهذا لعمري دليل علي جهلين ليس يعقل ان تتصف بهما طبيبة حتي في الطب النفسي اذا كانت حقا تعي ما تقول. فهو دليل علي انها لم تفتح كتابا مقدسا واحدا في حياتها وهي صاحية سواء كان منزلا او غير منزل. وطبعا فهو دليل كذلك علي انها لم تقرأ التفاسير لا بعضها ولا كلها كما تزعم لانها لو فعلت لوجدت ان شرح بعض اسرار هذه الكتب تملأ تفاسيرها خزائن المكتبات وخاصة اسرار الكتاب الذي يؤمن به اهل الدين الذي تعتبره الاول في العالم.
وهو دليل اخيرا علي عدم فهم مستويات الفهم وطبيعة تلقي الرسالات. فكل كتاب يمكن ان يُكتفي فيه بالفهم الغني عن التفاسير وان يُرتفع فيه الي الفهم المحتاج اليه. فما كان فيه مما هو ضروري للحياة العادية يمكن ان يكون مستغنيا عن المفسرين. وما كان ضروريا لمن يريد ان ينظر في اعماق الاشياء وان يفكر تفكيرا نظريا يحتاج اليهم: لكن هذا لا يفهمه الا من يفهم ان العلم عبادة وليس عبودية لمن يدفع اكثر.
هل تكون دكتورتنا المسكينة تجهل ان المرء يمكن ان يحيا كامل حياته في العالم وهو مستغن عن علم الفلك اذا كان يريد ان يعيش كالبهيمة دون تعميق الفهم قبولا لما استندت اليه من قيس الموقف من المصنفات الخلقية علي الموقف من المصنفات العلمية؟ لكن الانسان الذي يريد ان يفهم العالم يحتاج الي علم الرياضيات والفلك والفيزياء والكيمياء والبايولوجيا الخ.. وكذلك الشأن بالنسبة الي الاديان والاخلاق: فالبعض يرضي بمجرد الوصفات التي يعيش بها والبعض الآخر يريد ان يفهم فيسعي الي العلم. ويبدو ان كلامها يفيد انها من الفن الذي اختصت فيه اكتفت بالوصفات ولم تسم معرفتها الي العلم السمو الذي لو تحقق منه القدر الكافي لعلمها كيف تكون حذرة في تقويم عظماء الانسانية فلا تقبل حكم بوشا علما في الاديان.
ولعلها لا تنكر ان اغلب الناس الذين يعيشون حياتهم العادية لم يدرسوا حتي بالحد الدي درسته به هي علم النفس لفهم انفسهم او لفهم اسمي ما في حياة الناس قصدت الحياة الروحية. ولعلها لم تفعل هي ايضا لان علمها قد اوصلها الي هذه الحال التعيسة التي ليس من شك في انها تعاني منها اكثر من كل سواها بدليل كثرة كلامها عن صيرورتها نجما؟ هل يمكن ان يكون المرء سعيدا ثم يحتاج الي ان يصبح نجما ليحيا لو لم يكن قد وصل الي اليأس من العلل الذاتية للحياة؟ انما الخطأ ليس فيها بل في الشيخ الذي حاورها بمنطق لا يقل سقما عن منطقها فتصورت نفسها قد صارت نجما في الحوار الذي مكنتها منه الجزيرة فمكنتها من وهم النجومية لمجرد ان مقابلها كان من جنسها وان في الحد المقابل.

مثالان عليها ان تتدبرهما
وحتي لا اطيل فلأذكر لها مثالين مما لو فهمته لكانت اول المدركين لقيمة الثورة المحمدية وهما مثالان نوردهما لانهما ينقلان كلام المسلمين من الدفاع بمنطق الاعداء الي الهجوم بمنطق الرسالة التي صار بفضلها ما يعتبرونه مثالب عين المحامد لانها علمتنا قبل الآخرين باربعة عشر قرنا معني الفطرة البشرية ما هي ودعتنا الي تحرير اهم مقومات الوجود السوي:
الاول: مصدره المقارنة بين محمد والمسيح. لا يستطيع المسلم ان يتكلم في المسيح الكلام الذي قاله فيه وفي امه اهله ممن وقفوا منه الموقف الذي تقفه هي من محمد: الاسلام ينزه معتنقيه من المس بمقدسات الآخرين بل هو وصل الي حد اعتبارها من مقدساته تجنبا للصراع الروحي بين الامم ولم يستثن دينا واحدا بما في ذلك الشرك كما تبين الآية 17 من الحجرات . ولو فكرت الطبيبة النفسية في هذا الكلام لأدركت انه بمعاييرها وبمعايير امثالها ممن ثلب المسيح عليه السلام فان محمدا رجل معروف الاصل والفصل. له اب معروف. اما المسيح فعليها ان تسأل عن اصله ومفصله كما عرفه امثالها هذا ان سلمنا انه وجد اصلا. ومحمد تزوج وعاش حياة سوية. والمسيح لعله مثل كل الرهبان.
لكن ما يعنيني ليس هذا. ما يعنيني هو المقارنة الخلقية عامة ومن منطلق علاقة الاخلاق بالجنس خاصة. فماذا نفعل مع طبيبة نفسية لم تفهم اهمية ان يبريء نبي الجنس فيحقق اول حرية لم تصل اليها البشرية الا في نهاية القرن العشرين فحلل الطلاق عندما لا يحصل توافق جنسي بين طرفي العلاقة؟ لم تدرك ان النبي الذي اولي اهمية كبري للجنس في حياة البشر وبرأه مما ينسب الي من فضلته عليه وينسب اليه تحريمه علي المخلصين له حتي صار خدمة دعوته رهبانا يعلم الجميع حكم القرآن فيهم. هل يمكن بعد هذا الجهل ان يعتد بكلام من اختص في علم النفس وشروط الحياة السوية؟
اي الشخصين اكثر خلقية؟ هل هو من يولي اهمية كبري لمقوم من مقومات الذوق والحياة عند الفرد والنوع ام من ينفي ذلك فيؤدي الي كل اصناف الشذوذ الجنسي التي تعلم هي اكثر من سواها بحكم اختصاصها صلته بكل امراض النفس؟ ثم هي لو ربطت ذلك كله بالثورتين المتعلقتين بالنظافة الصحية Hygiڈne اعني نظافة اهم المداخل (الفم) واهم المخارج (الشرج) الي حد جعل غسلهما جزءا من اهم عبادة اسلامية تتكرر يوميا فضلا عن الرياضة البدنية المصاحبة للصلاة التي فرضت بخلاف مجرد التأمل الصوفي بالجمع بين الكفين جلوسا علي كرسي او حثوا علي الركب في غرفة لفهمت اهمية الفكر الذي جاء به الرجل الذي تتجرأ عليه.
لكن الاهم من ذلك كله هل فهمت الطبيبة التي تحتاج الي تطبيب معني ان تكون كل الفروض التي اتي بها هذا الدين فاقدة لمعناها اذا لم تستند الي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اعني الي الجهاد الذي يعتبره اسيادها ارهابا: ما فائدة قيم لا يصحبها شرط تحقيقها اولا وشرط الدفاع عنها ثانيا؟ ثم كيف تفسر لنا ان الدين السلمي الذي دخلته (حتي وان ادعت انها ضد كل الاديان لجهلها باولي فضائح الباطنية ولعلها لم تسمع بالكتاب رغم قراءتها المزعومة لكل التفاسير ولا اعلم احدا قرأ جلها حتي لو كان مختصا في التفسير!) افضل من الدين الذي خرجت منه. فقد كانت المسيحية بكل فرقها وطوائفها ولا تزال قبل الاصلاح وبعده السلاح الرمزي والتبرير الروحي لكل طواغيت العالم الغربي بدءا بالحروب الصليبية وختما بحروب الاستعمار الاوروبي والامريكي وتوسطا بافناء شعبي امريكا واستراليا (هل بالصدفة ان يكون وراء كل دبابة مبشر مكشر يضيف الي الغزو المادي الغزو الروحي؟).
والثاني مصدره المقارنة بين حضارة الاسلام وحضارة العلمانية. فالدعوة الديموقراطية لو حاكمنا تاريخها بما حاكمت به التاريخ الاسلامي هل يوجد دين بلغ ما بلغته من عدوان علي بني الانسان؟ كم قتل في كمبوديا؟ وفي فيتنام؟ وفي امريكا الجنوبية لتأسيس جمهوريات الموز؟ وفي العراق؟ وفي سورية اذا فعل امثالها من السوريين ما فعل امثالها من العراقيين فعادوا علي ظهر الدبابات الامريكية؟
وما دور العلمانية التي تنتسب اليها طبيبة النفس يمينية كانت ام يسارية في الحربين العالميتين اللتين افنتا اكثر من مائة مليون من البشر؟
من يجوع العالم الثالث؟ من ينشر الحروب الاهلية باهداء الاسلحة للقبائل التي كانت تتقاتل بالسهام والنبال فباتت تتفاني بالصواريخ والاهوال؟
من استبدل العبودية التي كان فيها العبيد يثورون لما كانوا يستوردون بالقوة الي بلاد مستبعديهم بالعبودية التي صار فيها العبيد يصفقون لمستعبديهم لانهم ياتونهم لاستعبادهم في بلادهم بما يسمي نقل العمل اليهم وتمويل التنمية اعني استغلال اليد العاملة الرخيصة والثروات البشرية التي تكونها الامم الفقيرة لتكون في خدمة الامم الغنية؟
اليس ذلك كله من فضائل الديموقراطية والعلمانية التي تباهي بالانتساب اليها هذه الثائرة الساذجة؟

اذل العباد لا يفهمون معني الجهاد
سأركز علي معني الجهاد بالذات لكونه هو الذي هزم الامبراطورية الامريكية ماديا والاسرائيلية روحيا: الجهاد في سبيل الله بمعنييه اعني حماية حرية العبادة وحياة المستضعفين في الارض. وتلكما هما العلتان الوحيدتان اللتان يستند اليهما واجب الجهاد الهجومي لان الجهاد الدفاعي لا يحتاج الي تبرير. فكل الكائنات الحية تدافع عن نفسها اذا هوجمت.
فالمسلم لا يحق له ان يحارب من لم يحاربه الا في هاتين الحالتين: اذا منع احد العبادة ايا كانت او استضعف البشر ايا كانوا.
عندئذ وعندئذ فقط يجب علي المسلم القادر ان يحارب من لم يحاربه اي ان يبدأه بالحرب اذا لم يستجب للدعوة فغير سلوكه ازاء هاتين المسألتين لان ذلك جزء من حماية حقوق الانسان الروحية (حرية العبادة) والمادية (الثورة علي العدوان او رد الاستضعاف). ذهب بعض المتحذلقين من الراغبين في ترضية امريكا الي اعتبار سلوك المسلمين في الجهاد الذي هو رهبانية الاسلام بصنفيه الدفاعي الآن والهجومي سابقا في بعض فترات تاريخهمم لما كانوا قادرين اعتبره سلوكا شاذا ينبغي الاعتذار عنه من مستعبدي البشرية. فالجهاد الهجومي بهذا المعني في ظنهم عدوان تحكمي ليس له معايير. لكنه في الحقيقة فرض من اجل غايتين نبيلتين حصرا فيهما لكونهما جوهر الشهادة علي العالمين او الواجب الكوني للامر بالمعروف والنهي عن المنكر: التصدي لمانعي حرية العبادة وللمعتدين علي المستضعفين. فقابلوا بين اسلامين مكي لا يقول بالجهاد مثل المسيحية المسالمة كما يزعمون ومدني عدواني يتنافي والدعوة الدينية.
وهذه المقابلة السطحية لا تطابق مبدأ العقيدة الاسلامية ولا تاريخ المسلمين. فتاريخيا لو صحت هذه المقابلة لكان موقف جمهور المسلمين من الخوارج غير مفهوم ولكان ينبغي ان يكون للخوارج في اسلام المدينة ما يؤيد موقفهم فلم يكن من اليسير ان يعتبرهم الغالبية خارجين عن الاسلام بكل معانيه: الجهاد غير العدوان وهو لا يكون مشروعا الا بالشرطين المشار اليهما. ويحتج اصحاب هذه التهمة بان الاسلام المدني قد تعرض لقوافل قريش ونكل باليهود وهو من التسليم المجاني بما يحاك ضد الاسلام من الاكاذيب: فليس رد الفعل علي من افتك املاكك بعد الهجرة تعرضا للقوافل بل هو عقاب للمعتدين وليس التصدي لمن خان العهد فغدر خلال الحرب تنكيلا بل عقاب لمن يستحق العقاب. هذا تاريخيا.
اما من حيث المبدأ فان الدين الاسلامي فسر فشل الدعوات السابقة في تحقيق القيم السامية بعدم قيامها بواجب الجهاد من اجل تلكما الغايتين. هذا ايجابا. اما سلبا فالدين المسالم الذي يدعو اليه اصحاب هذه المقابلة مرحلة الدين المكي المفصولة عن مرحلة الديني المدني ليس هو المفهوم الاسلامي للدين اعني الدين التنويري والساعي الي تحرير البشرية من الطغيان بل هو التصور المنافق للدين الذي يصبح ايديولوجيا في خدمة الدول العدوانية كما هو شأن الدين المسيحي بعد ان حرفته الكنائس التي هي دائما في خدمة امبراطورية العصر كما يعلم كل من له اطلاع علي تاريخها وتاريخ الاستعمار الغربي الذي افني شعوبا بالجملة.
فأهله يزعمون انهم مسالمون لكن التاريخ كله يؤكد ان هذا الدين كان اداة ايديولوجية للقوة الغاصبة في كل عصر بدأ بالدولة البيزنطية والرومانية وتوسطا بالحروب الصليبية مرورا الي غزو امريكا وحرب الاسترداد وختما بحروب الاستعمار التي لم تتوقف منذ اكثر من خمسة قرون. ويكفيك ان تذهب الي الفيلبين وجل جزائر جنوب شرق آسيا لتعلم ان الكنيسة كانت دائما رديفا للاستعمار: وهذا كله قد سمعته من افواه طلبتي القادمين من بلدان جنوب شرقي آسيا لما درست في الجامعة العالمية الاسلامية بكوالالمبور. ثم لم الذهاب الي بعيد فلتنظروا حولكم في العراق وافغانستان والبوسنة وسترون الصليب الذي هو دائما معقوف في الحقيقة والانجيل المحرف مرافقا للدبابة رغم الكلام عن السلم. لكن ذلك كله ليس هو المهم. فالاسلام في القصص القرآني يبين ان كل الرسالات التي فشلت في التاريخ فشلت لما تصورت الدعوة الدينية يمكن ان تتحقق من دون شروط واسباب هي من سنن الكون والتاريخ الانساني. فلا يمكن للشر ان يزول بمجرد الدعوة الي الخير بل لا بد ان يدفع الله الناس بعضهم ببعض. وهذا هو الجهاد وقد علله القرآن الكريم باصلين لا ثالث لهما كما اسلفنا: العلة الاولي هي الحيلولة دون من يمنع حرية الدين والعبادة (وتلك هي علة الجهاد الاولي لان قريش منعت اصحاب محمد من العبادة) لكن القرآن عمم هذا المبدأ فلم يقتصر علي عبادة المسلمين وعدهم بل ذكر كل الاديان بالاشارة الي عدة انواع من المعابد دون حصر.
والعلة الثانية هي الفساد في الارض عامة وانتهاك حقوق المستضعفين خاصة. ولم يقصر القرآن ذلك علي العدوان علي المسلمين وحدهم بل هو جعله واجبا كونيا وهو ما صرنا اليوم نسميه التدخل للاسباب الانسانية.
اما الدين المسالم الذي يشير اليه ازلام بوش توطيدا لمزاعم محاولات الافساد الامريكية لقيم الحضارة الاسلامية والهجوم علي قيمة الجهاد منها خاصة فهي تعني التسليم للغزاة الماديين والروحيين بانتهاك ارض المسلمين وعرضهم باسم تصور مسيحي منافق للدين: كن مسالما حتي اغزوك بدين يزعم اصحابه انه مسالم وهو لا ينتشر الا ذيلا للدبابة او بالاغراء المادي للفقراء والجوعي بفعل الغزو المادي اوبالمغالطات المزعومة انسانية كما نراه في الشعوب التي يجوعونها وينشرون فيها الامراض ليمسحوا من يبقي حيا من اهلها، والغاية هي قبل كل شيء الاستحواذ علي الارض وما فيها من ثروات.
اما ما قد يعاب من الخطاب العدواني عند بعض المشائخ وأئمة الجمعة احيانا او عند بعض رؤساء الاحزاب المغالية فهذا رد فعل دال علي ثقافة العجز لا علي ثقافة عدوانية لانه لا يعبر عن القوة وقصد التعدي بل هو يقبل التفسير النفسي الجمعي بأمرين لا علاقة لهما بالاسلام مدنيا كان او مكيا:
فأما الامر الاول فهو رد الفعل العاجز علي العنف الرسمي الذي يعيشه المسلم بعد ان أصبح في بلده محروما من ممارسة ادني الحقوق فيكون ذلك شبه تنفيس لا علاقة له بالاسلام حتي وان كان الخطيب يعلله بفهم عقيم لبعض آيات القرآن الكريم.
واما الامر الثاني فهو الظلم الذي يعاني منه المسلمون عامة منذ الحروب الصليبية وحروب الاسترداد والاستعمار الغربي الاول والحالي المباشر وغير المباشر فتكونت عند البعض عقلية رد الفعل العنيف ولو بالكلام نفيا لاهم ما في الدعوة الاسلامية من كونية كما سبق ان بينا في الكثير من اعمالنا.

الخاتمة
ليس هذا الكلام العاجز هو ما يخيف بوش وازلامه بدليل انه كان الخبز اليومي لما كان المسلمون يغطون في نوم اللامبالاة بالتاريخ الكوني.
ولكن بمجرد ان اصبح التاريخ الكوني يفرض عليهم قبول التحدي لان سيديه الحاليين يعتبرانهم العقبة الكأداء في الاستعداد لعماليق القرن الجديد فان ثقافة الاسلام الحقيقية وليس ردود الفعل التي من هذا الجنس هي التي يريدون تغييرها:
فاسرائيل تريد ان تبقي سيدة العالم الغربي روحيا (السيطرة علي نخب الراي العام الرمزي الي حد شل نخب التأثير الرمزي في الغرب عن التفكير في مصالح اوطانهم بدليل انحلال العقدة من لسانهم بمجرد الخروج من المسؤولية).
وامريكا تريد ان تبقي سيدة العالم الغربي ماديا (السيطرة علي نخب الراي العام المادي الي حد شل نخب التاثير المادي في الغرب عن التفكير في مصالح اوطانهم بدليل اندراجهم في المافيات الدولية الامريكية التي تسير الاقتصاديات الغربية كلها). وكلتا الارادتين بداتا تشعران بان ذلك ممتنع ما ظل المسلمون صامدين. لذلك فالاسلام بالذات اعني سر الصمود الاسلامي ينبغي ان يحاربه ممثلو هذين الطغيانين اللذين يركزان علي حصانة داره (جغرافية العالم الاسلامي التي يستعمرانها) وعلي حصانة روحه (تاريخ العامل الاسلامي الذي يحرفانه ومن المحرفين هذه الطبيبة المزعومة التي هي اداة لا واعية مثلها مثل كل الليبراليين العرب الجدد) لانه الدين الذي فضح هاتين السيطرتين تحت مسمي واحد هو الطاغوت الذي يمثله رمزان هما رمز التحريف الروحي او الربا الثقافي الذي يستبعد الانسان روحيا ورمز التحريف المادي او الربا الاقتصادي الذي يستعبد الانسان ماديا. والتصدي لهذين التحريفين هو بالذات المقصود بالجهاد او بالكفر بالطاغوت الذي جعلته الآية 256 من البقرة شرط الايمان الحر والذي لا اكراه فيه بعد تبين الرشد من الغي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.