حماية المستهلك والتجارة الإلكترونية: تذكير بالقواعد من قبل وزارة التجارة وتنمية الصادرات    وائل نوار: الرهان المستقبلي لقافلة الصمود حشد مئات الآلاف والتوجه مجددا لكسر الحصار    وزير السياحة يؤدي زيارة إلى ولاية جندوبة    مقترح قانون لتنقيح قانون الإبلاغ عن الفساد وحماية المبلّغين    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    خبير يوضح: الأمطار تفرح الزياتين وتقلق الحصاد... هذا ما ينتظرنا في قادم الأيام    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    بداية من 172 ألف دينار : Cupra Terramar أخيرا في تونس ....كل ما تريد معرفته    بلومبيرغ: إيران تخترق كاميرات المراقبة المنزلية للتجسّس داخل إسرائيل    عاجل: القلق الإسرائيلي يتصاعد بسبب تأجيل القرار الأميركي بشأن الحرب على إيران    النادي الإفريقي يعلن عن موعد الجلسة العامة الانتخابية    صلاح وماك أليستر ضمن ستة مرشحين لجائزة أفضل لاعب من رابطة المحترفين في إنقلترا    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    الحماية المدنية: 552 تدخلا منها 98 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    عاجل: اتحاد الشغل يطالب بفتح مفاوضات اجتماعية جديدة في القطاعين العام والوظيفة العمومية    عودة التقلّبات الجوّية في تونس في ''عزّ الصيف'': الأسباب    ''مرة الصباح مرة ظهر''.. كيف يتغيّر توقيت اعلان نتيجة الباكالوريا عبر السنوات وما المنتظر في 2025؟    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    من مكة إلى المدينة... لماذا يحتفل التونسيون برأس السنة الهجرية؟    وزير الإقتصاد في المنتدى الإقتصادى الدولي بسان بيترسبورغ.    ميسي يقود إنتر ميامي لفوز مثير على بورتو في كأس العالم للأندية    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    روسيا تحذّر أمريكا: "لا تعبثوا بالنار النووية"    عامان سجناً لمعتمد سابق و15 سنة سجناً لنائب سابق بالبرلمان المنحل    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق والحرارة في ارتفاع طفيف    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    صاروخ إيراني يضرب بئر السبع وفشل تام للقبة الحديدية...''شنو صار''؟    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي يواجه الليلة لوس أنجلوس الأمريكي    بطولة برلين للتنس: أنس جابر توانجه اليوم التشيكية "فوندروسوفا"    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    ما تستهينش ''بالذبانة''... أنواع تلدغ وتنقل جراثيم خطيرة    عاجل/ سعيّد يكشف: مسؤولون يعطلون تنفيذ عدد من المشاريع لتأجيج الأوضاع    خامنئي: "العدو الصهيوني يتلقى عقابه الآن"    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    إيران تطلق موجتين صاروخيتين جديدتين وارتفاع عدد المصابين بإسرائيل    كأس العالم للأندية: أتليتيكو مدريد يلتحق بكوكبة الصدارة..ترتيب المجموعة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    موسم الحبوب: تجميع4.572 مليون قنطار إلى غاية 18 جوان 2025    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد ب21 بالمائة في 2024 في تونس (تقرير أممي)    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    عاجل: أمل جديد لمرضى البروستات في تونس: علاج دون جراحة في مستشفى عمومي    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    قافلة الصمود تُشعل الجدل: لماذا طُلب ترحيل هند صبري من مصر؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الاستاذ علي بن عرفة
نشر في الحوار نت يوم 04 - 11 - 2009

الفجر نيوز تحاور الكاتب الصحفي والناشط السياسي والحقوقي الاستاذ علي بن عرفة

حاوره : الحبيب لعماري

الفجر نيوز: بعد صدور كتاب حاكمة قرطاج وتفشي المعلومات الواردة فيه لدى الشعب كثفت زوجة الرئيس من تحركاتها فهي التي قادت حملته الانتخابية الاخيرة وكانها بذلك تريد ان تاكد من انها هي الحاكم الفعلي ومع ورود تقارير تشير الى ان وراثة الحكم في تونس تدور بينها وبين صهرها صخر الماطري كيف ترون مستقبل الحكم في تونس؟

علي بن عرفة : بسم الله الرحمان الرحيم
في البداية اشكركم على هذه الدعوة للحوار والتحية والسلام للقراء. وان كنت لا ارى نفسي صحفيا كما ورد في تعريفكم فما اكتبه يندرج ضمن النشاط السياسي والحقوقي الذي اجتهد في اداء ما يليني منه من واجب.

للأسف الشديد مستقبل الحكم في تونس لا يبعث على الإطمئنان فليس هناك تقاليد معروفة لإنتقال السلطة، فالمرة الوحيدة التي تم فيها نقل السلطة سنة 1987 كانت بانقلاب مفاجئ لإبن علي على الرئيس بورقيبة، ونظرا لما كان عليه الوضع في البلاد في تلك الفترة قدرت النخبة السياسية التجاوب مع وعود الإصلاح التي اطلقها الرئيس الجديد، فتجاوزت قضية الشرعية، ولم تشترط ضمانات اوالتزامات بإصلاحات دستورية حقيقية تجنب البلاد مثل تلك المنزلقات في المستقبل. واليوم وبعد عقدين من ذلك التاريخ يتهددنا نفس المصير، فنحن مجددا نستقبل مرحلة صراع على الخلافة ولكنها اليوم بشكل اسوء لأنها تدور بين افراد العائلة الحاكمة او المالكة بعد ان كانت بين نخبة الحكم، بما يعني ان البلاد صارت متاعا يورث و في ذلك إهانة بالغة للشعب التونسي. ولا ارى الخلاف حول الجكم بين ليلى الطرابلسي و صهرها صخر الماطري كما يشير سؤالكم فهذا الجذع من تلك الشجرة، بل هو مرشحها الرئيس في حال تعذر وصولها، فهناك مرشحين آخرين من أصهار الرئيس وغيرهم وقد نفاجئ بشخص جديد يمثل دور المنقذ من حالة عدم الإستقرار التي ستدفع اليها البلاد في السنوات القادمة تماما مثلما حصل مع ابن علي سنة 87، فيلقى القبول والإرتياح ليس لذاته، وانما لغيره أي لإزاحته كابوس الخيارات السيئة التي سترافق التونسيين الى حين حصول التغيير، وليس من المستبعد ان يكون تسليط الضوء في هذه الفترة على ليلى بن علي وصهرها الماطري الا لعبة في خطة جهنمية أعدت لتهيئة الأجواء للمنقذ الذي يهيء له المسرح الآن، مما يعني أن مستقبل البلاد سيضل رهينا للمفاجئات التي ستضعها أو تزكيها على الأقل القوى الخارجية، وهذا يحمل القوى الوطنية مسؤولية كبيرة في حماية البلاد من 7 نوفمبر جديد.


الفجر نيوز: انتهت ما اعتادت السلطة على تسميته بالانتخابات والتي هي معلومة النتائج وما كانت لتؤدي الا لتأبيد الرئاسة ماهي قرائتكم لها؟

علي بن عرفة : رغم أن نتائج الانتخابات لم تكن مفاجئة، لأنها جرت في ظل قوانين استثنائية أقصت الكفاءات الوطنية مثل الأستاذ أحمد نجيب الشابي والدكتور مصطفى بن جعفر وغيرهم من الكفاءات الوطنية المستقلة، فضلا عن كفاءات الأحزاب غير المعترف بها، وفي ظل تعتيم إعلامي حتى على حملة معارضة الديكور، التي وجدت نفسها تستجدي عقد لقاء ختامي لحملة انتخابية لم تبدأ كما قال أحد المرشحين، بالإضافة الى اقصاء 65% من قائمات المعارضة المشاركة واستبعادها من 80% من مناطق البلاد، ومع ذلك شعرت بحزن عميق يوم اعلان النتائج، فهذه فرصة أخرى مهدورة عن الشعب التونسي، المتشوف لحياة سياسية متقدمة تليق بتطوره الحضاري، حتى بات يتحسر على الماضي القريب مثل سنوات الثمانينات، فيما شعوب الأرض قاطبة تتجه بأنظارها الى المستقبل وتحقق خطوات على طريق التقدم والتحرر السياسي، لقد تخلفت البلاد عن دول الجوار في هذا المجال، و تجاوزتنا حتى موريتانيا وهي دولة ناشئة، بينما كانت بلادنا والى وقت قريب، رائدة في محيطها العربي والإفريقي في مجال الحريات وتطور الحياة السياسية والنقابية والحقوقية والإعلامية.

إن نتائج الإنتخابات الأخيرة تكرس مبدأ الرئاسة مدى الحياة، فالذي يحصل على 89.27% من الأصوات بإمكانه تغيير الدستور سنة 2014 للتمديد، أما نزول نسبة الأصوات التي تحصل عليها الرئيس لما دون التسعينات المعتادة، فيكشف أن قدر الحياء عند النخبة الحاكمة لم يتجاوز 0.69%، وقديما قالت العرب "اذا لم تستح فافعل ما شئت".

الملاحظ أيضا أن حزب التجديد عوقب بتخفيض عدد نوابه لمشاكساته أثناء الحملة الإنتخابية، وتوهم مرشحه احمد ابراهم انه في منافسة حقيقية، بينما كوفئت الأحزاب التي تنافست في اظهار موالاتها بزيادة عدد مقاعدها، وهذا يعني أنه على المعارضة أن تختار بين الموالاة الكاملة أو الإقصاء والتهميش، وعندما ظهر رئيس الدولة ليلة الإنتخابات متوعدا الشعب في حال التشكيك في النتائج فقد كنا أمام مشهد فريد في العالم، مصدقا قول أنصار الرئيس أثناء الحملة الإنتخابية " ما كيفو حد".

الفجر نيوز: يقول البعض انه لا مفر للنظام من اجراء اصلاح سياسي هل هذا حقيقة أم وهم؟

علي بن عرفة : لا يمكن الحديث عن نظام في تونس، فلا يوجد نظام بمعنى مؤسسات، وإنما هناك سلطة بسطت هيمنها على جميع السلطات التشريعية والقضائية، ومنحت جهاز الأمن الصلوحية الكاملة لإدارة شؤون البلاد، وعلى رأس هذا الجهاز شخص واحد هو إبن علي نفسه، وبالتالي من الخطأ الوهم أن هناك نظاما يتيح التقدير السياسي لملامح المرحلة المقبلة، وليس هناك من لا يتمنى أن تشهد تونس خطوات جادة على طريق الإصلاح السياسي، فالبلاد في اأمس الحاجة الى انفراج يخفف من حدة التوتر الإجتماعي والسياسي، ويفسح المجال للحوار والتصالح وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات، ولكن مجال السياسة للأسف ليس مجال الأمنيات، خاصة في ظل موازين للقوة مختلة بالكامل لصالح السلطة، فلك أن تتمنى ما تشاء ولن يغير ذلك في الواقع شيئا لأنك لست الفاعل الرئيسي، فماذا نعني بسؤال لا مفر للنظام من إصلاح سياسي هل هناك ما يجبره على ذلك؟ أم المقصود الترتيبات الضرورية لتمرير عملية التوريث؟ ان طبيعة السلطة الأمنية انها لا تبالي بالترتيبات التي يراها السياسيون ضرورية، وإنما هي تفرض واقعها فرضا، وخير مثال على ذلك تحويرها للدستور وتمديدها للرئيس واجرائها لإنتخابات يجمع الجميع انها مهزلة، فهل اضطرت السلطة إلى تقديم أي تنازل لتمرير كل ذلك؟، ام أنها مارست العنف الأهوج أثناء الحملة الإنتخابية في المطار وأمام انظار الجميع من مواطنين وأجانب غير مبالية، بل انها اسقطت 68% من قائمات المعارضة في انتخابات اعتقد البعض ان السلطة في أمس الحاجة لإضفاء قدر من المصداقية عليها.

الفجر نيوز: النخبة السياسية واقعها وافاقها المستقبلية من حيث التشكل والفعل والوجود؟

علي بن عرفة : مصيبة تونس يا أخي ليست فقط في نظام الاستبداد الذي بسط هيمنة جهازه الامني على كل المجالات وانما ايضا في تشتت المعارضة وضعفها وتعثرها في نهج سبيل قوتها ووحدتها لحسابات شخصية وفي احسن الأحوال لحسابات حزبية ضيقة، رغم الأزمة التي تعيشها البلاد، والأخطار التي تتهدد الجميع سواء من خلال التوريث القادم، او العنف الذي ظهرت بوادره في حادثة سليمان في الضاحية الجنوبية للعاصمة، بالإضافة الى الإحتقان الإجتماعي والذي يمكن أن تتوسع من خلاله دائرة الاحتجاج لتطال مناطق أخرى وضعها ليس أفضل من جهة قفصة والرديف، وأحسب أن تجربة الإنتخابات كانت درسا اخر للنخبة السياسة بأنه لا أمل لها في اصلاحات سياسية في ظل النظام القائم، وليس لها سوى التماهي مع خيارات السلطة او الاقصاء والتهميش، أي أن هناك رفضا مطلقا من جهة السلطة لأي تعاطي سياسي ايجابي مع كل من يطمع في حلحلة الأوضاع من داخل الإطار الذي وضعته ورسمت حدوده بعناية، وهذه يمكن ان نعدها "ايجابية" للسلطة، من جهة أنها لا تترك مجالا للوهم لمن تستهويهم الأوهام، بأنه يمكن الإصلاح من داخل منظومة الاستبداد، فهي شديدة الوضوح في رفض أي محاولة للتعاطي السياسي دون الموالاة الكاملة واللامشروطة، ومن المنتظر بعد تجربة الإنتخابات أن تستفيق قوى المعارضة التي داعبها الأمل في تغير ما في نهج السلطة، وتعود الى موقع المعارضة الجدية وتجدد تحالفها ضمن حركة 18 اكتوبر التي تكاد تتلاشى، بفعل الحسابات الخاطئة وغلبة المصالح الحزبية الضيقة ولابد من التسجيل هنا أن الحزب الديمقراطي التقدمي قد وفق في قرار لجنته المركزية بمقاطعة الانتخابات وهو ما يبشر بدور فاعل لهذا الحزب في بعث الحيوية لحركة 18 اكتوبر التي كان له إسهام كبير في بعثها وتأسيسها.

الفجر نيوز: نسمع من حين لآخر باستمرار دعواة للمصالحة من اتجاه واحد بعضها وصل الى درجة تجريم الضحية وتحميله مسؤولية سنين السلخ والحرق الذي ما زالت تونس تعيش على دخانه في مقابل تزكية المجرم الحقيقي والجلاد هل من تعليق على مثل هذه الدعوات؟

علي بن عرفة : دعوات المصالحة هي دعوات نبيلة، خاصة عندما تصدر من ضحايا القمع، فهي تنم عن روح عالية من التسامح والرقي والتضحية من أجل أهداف كبرى تتعلق بالدين والوطن، ولذلك نجد ان هذه الدعوات في طابعها تكون مبدئية وشاملة وليست ذاتية وجزئية، كما أنها تتأسس على تقدير سياسي يجد مسوغاته في ضعف المعارضة وعجزها أمام تغول السلطة التي تصبح في هذه الحالة الداء والدواء، ولا أحد يستطيع ان يزايد على الكثرين من دعاة المصالحة في النضال أو القدرة على التحليل والتقدير السياسي.
وبالتالي وجب التفريق في سؤالك بين من يدعو الى المصالحة، ومن يزكي النظام القائم، فالفريق الأول لا خلاف معه في الهدف، من حيث السعي الى تحقيق مصالحة وطنية شاملة، وانفراج سياسي يفكك حالة الإحتقان التي تشهدها البلاد، ولكن السؤال كيف الوصول الى ذلك بعيدا عن التمنيات والإستجداء الرخيص، في ظل نظام يرفض الحوار مع الجميع دعك من الإسلاميين؟ كيف يمكن الوصول الى المصالحة في ظل موازين للقوة مختلة بالكامل لصالح السلطة؟ المصالحة يا اخي تحتاج الى ارادة من الطرفين، والطرف الرئيسي المسؤول عن غياب المصالحة في تونس هو السلطة، فقد تحققت المصالحة في الجزائر رغم بلوغ الصراع الى درجة سفك الدماء ، كما تحققت المصالحة في ليبيا مع الجماعة الليبية المقاتلة وانتبه هنا الى صفة المقاتلة، فلماذا لم تتحقق في تونس؟ والجواب هو غياب الإرادة السياسية لدى السلطة، وحين توجد هذه الإرادة فكن على يقين أن المصالحة ستتحقق.
أما حديثك عن الذين يزكون السلطة ويجرمون الضحية، فهم فئة محدودة من الفئات الهامشية الكثيرة التي تدور في فلك النظام، ولكنها لبؤسها وسوء حظها ليس لها في المغنم نصيب، لأنها التحقت متأخرة جدا و في نهاية المرحلة، اذ النظام نفسه بدأ يعد لما بعدها، و ما يمنح هذه الفئة قليلا من الإعتبار هو ذلك السيل من الردود المتشجنة عليها، بينما كان من الأولى تجاهلها، لأن من يزكي نظام الإستبداد يكون قد كفاك مؤونة الرد، بعد أن أسفر عن وجهه ووضع نفسه في خدمة جلاده وفي مواجهة الشعب بأكمله.

الفجر نيوز: بوصفكم ناشط حقوقي ما هو المخرج والسبيل الناجع لايقاف هذا التردي المتزايد للحقوق في تونس؟

علي بن عرفة : هناك جهود كبيرة لمناضلي حقوق الإنسان في تونس للدفاع عن الحريات، وقد تشكلت لهذه الغاية جمعيات عديدة منها منظمة حرية وانصاف والجمعية الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين والمجلس الوطني للحريات وغيرها، ويتعرض مناضلو هذه المنظمات للحصار والمضايقات والإعتداءات، كتلك التي تعرض لها الأستاذ عبد الرؤوف العيادي، وزهير مخلوف وعبد الكريم الهاروني وسهام بن سدرين وغيرهم، وهذه الجهود اثمرت بحمد الله وستثمر في المستقبل المزيد من الجرأة في مواجهة عنف السلطة، ورفع حاجز الخوف لدى المواطنين، وبالتالي وجب تقدير هذه الجهود حق قدرها، وتغطيتها إعلاميا، ومساندتها والوقوف الى جانب ابطالها، لأنها في وضع مثل الوضع التونسي تعد في مقام العمليات الإستشهادية، ولكن الأزمة في تونس ليست مجرد تجاوزات حقوقية، وإنما هي أزمة سياسية تتلخص في الاستبداد، وقد انتبهت حركة النهضة لهذا المأزق منذ بداية التسعينات، فشخصت العلاج في مطلب الحريات، ولكنها مع سبقها ونجاحها في تشخيص الأزمة ورفعها لمطلب الحريات، فقد كانت سببا في تعميق الأزمة من حيث أرادت مواجهتها، وذلك بسبب الخطأ في تقدير موازين القوة، وتجاهلها لقوى المعارضة وتحملها بمفردها نيابة عن الشعب ضريبة الدفاع عن مطلب الحريات، وهو مطلب لا يمكن ان ينهض به فريق دون بقية اطراف المعارضة، ودون صاحب الشأن الحقيقي وهو الشعب، واليوم وبعد عقدين من الاستبداد يكاد يجمع الجميع حول تشخيص الازمة، وبات مطلب الحريات مطلب قوى المعارضة على اختلاف توجهاتها، واصبح من الضروري الإستفادة من تجربة التسعينات، بالعمل على توحيد جهود المعارضة، لانه لا سبيل للنهوض بمتطلبات المرحلة التي تعيشها البلاد والتي تتسم بالإنسداد السياسي والإحتقان الاجتماعي الذي بات يهدد الأمن والإستقرار، بالإضافة الى عملية التوريث التي تجري على قدم وساق، وما ترتبه القوى الخارجية لضمان مصالحها، دون توحيد جهود المعارضة الجادة حول بديل سياسي يحقق قدرا من الإجماع ويتيح بناء التفاف شعبي حول قيادات وطنية نزيهة، قادرة على خوض معركة الإصلاح السياسي ببرنامج واضح ومتفق عليه، وتحرك ميداني جماهيري يشكل ضغطا قويا على النظام، ويجبره على الإصلاح، ويشكل فيتو كبير امام شرعية اي تغيير لا يقدم التزامات وضمانات بإصلاحات دستورية وسياسية باتت ضرورية.

الفجر نيوز: هل يمكن ان يعتبر اعتقال الاعلامي والناشط الحقوقي عضو الحزب الديمقراطي التقدمي زهير مخلوف تخبط امني وسياسي لانه كما يقول بعض المتفائلين جاء في فترة كان النظام يحتاج فيها الى الهدوء الاعلامي ام انه اتمرار لسياسة القمع وتكميم الافواه كما يقول البعض الاخر؟

علي بن عرفة: المناضل زهير مخلوف من ابرز النشطاء الحقوقيين في تونس في الفترة الأخيرة ولعله في جهده يصدق فيه القول رجل كألف، وقد أزعج النظام بنشاطه الحقوقي وجهوده الإعلامية وخاصة بتقاريره المصورة عن اوضاع حقوق الانسان وآخرها عن المنطقة الصناعية بنابل، واعتقاله يندرج ضمن سياسة ممنهجة لدى السلطة بتكميم الأفواه والتعتيم عن كل الإخلالات وفي مختلف المجالات، لأنه بحسب السلطة لا صوت يجب ان يعلو فوق صوت الحمد والتمجيد لإنجازات النظام، وبالتالي لا يختلف اعتقال زهير مخلوف عن اعتقال الدكتور صادق شورو أوالأستاذ عدنان الحاجي، واذا كان اعتقال السيد مخلوف يفضح الازمة الحقوقية والاعلامية التي تشهدها البلاد وبالتالي وتدني سقف الحريات، فإن اعتقال شورو يرمز للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ عقدين، بينما يرمز اعتقال الاستاذ الحاجي الى الأزمة الإجتماعية و النقابية، وهذا يشير الى أن الازمة التونسية شملت مختلف المجالات، ومع ذلك فإن كل من يتحدث عن ازمة في تونس مصيره الاعتقال، بغض النظر عن انتمائه، وهذه طبيعة الانظمة الاستبدادية، فهي لا تقبل الحوار لرفضها من حيث المبدأ الرأي المخالف، وبالتالي تجتهد في اقصائه بشتى الطرق والوسائل للتعتيم على اخفاقاتها.

الفجر نيوز: مرت الان اربع اشهر على المؤتمر التاسيسي لمنظمة المهجرين وبعد الزخم الاعلامي الذي واكب ولادتها وامتعاض البعض من طغيان الوجود البارز للسياسيين خلال المؤتمر على حساب مطالب المؤتمرين الحقوقية برز ذلك من خلال التغطية الاعلامية حسب قولهم هل يمكن ان نعتبر النظمة اضافة دكانية الى الدكاكين التونسية الحقوقية والسياسية في الداخل او الخارج وهل يمكن ان تصل المنظمة الى تحقيق اهداف ومطالب اعضائها بالبيانات والتظاهر؟

علي بن عرفة: اعتقد ان حضور ممثلي التيارات السياسية لأي مولود وطني جديد امر طبيعي، كما لا يمكن ان تستضيف هذه القوى ثم تفرض عليها نوعية الخطاب الذي تريد ان تعبر من خلاله عن مواقفها، واذا كانت التغطية الاعلامية قد ركزت على الخطابات السياسية فلان طبيعة الاعلام اليوم التركيز على الاثارة، بالاضافة الى ان المؤتمر وباستثناء مداولات اعضائه لم يقدم خلاله مضمون يمكن التركيز عليه اعلاميا، ولقد كان يمكن تجاوز ذلك لو كانت الجهة المنظمة اعدت خطابا لتأطير المؤتمر، او تم التعقيب على مداخلات الضيوف بإبراز طبيعة اللقاء بالنسبة للمشرفين عليه، او اعداد البيان الختامي اعدادا جيدا بما يتيح تداوله من طرف وسائل الإعلام، او عقد ندوة صحفية تسلط الضوء على نتائج المؤتمر وتعلن أهداف المنظمة وطبيعتها، ولكن شيئا من ذلك لم يحصل، وهذا في اعتقادي لا يعود فقط لضعف تجربة القائمين على هذا المشروع، وإنما لعدم جديتهم، على خلاف المؤتمرين الذين ابدو حماسا والتفافا حول المشروع منقطع النظير، وكان الرأي الغالب في المؤتمر ان ملف العودة قد وصل سياسيا الى طريق مسدود، وأما حقوقيا فقد وقع تجاهله من قبل المنظمات الوطنية بحكم اكراهات الواقع، فكان لا بد من انشاء منظمة تتولى تنهض بهذا الملف الحقوقي والإنساني بعيدا عن التوظيف السياسي، كمدخل جديد يمكن بحسب تقدير المؤتمرين تحقيق مكاسب من خلاله، وبغض النظر عن الموقف من هذا الخيار الجماعي لأعلى هيئة في المنظمة ، كان الواجب احترام نتائج المؤتمر والعمل بمقتضاها، ضمن المؤسسات المنتخبة، ولكن تقديري ان مشكلة تضخم " الأنا"التي اورثها " المجاهد الأكبر" للنخبة التونسية كانت وراء اجهاض مشروع منظمة المهجرين، وهي وراء إعاقة كل عمل مؤسساتي وفشل كل جهود المعارضة للتوحد على مر تاريخها.

الفجر نيوز: في الاخير وبعد ان نشكركم لاتساع صدركم وقبول اجراء هذا الحوار معكم نترك لكم كلمة اخيرة تودون التوجه بها عبر جريدة الفجر نيوز

علي بن عرفة : اشكركم مرة اخرى على هذه الدعوة للحوار وأملي ان تكون فيه الإفادة مع التحية والتقدير مجددا للقراء


- نقلا عن موقع فجر نيوز بتاريخ 2 نوفمبر 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.