حول الخلفيات المتحكمة في قرار عباس عدم خوض الإنتخابات المقبلة إدريس الشامخ منذ مطلع هذا الشهر بدأت الأخبار حول إمكانية عدم خوض عباس للإنتخابات الرئاسية المقبلة تتسرب، وكان لوسائل الإعلام الإسرائيلية وخاصة القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي السبق الإعلامي بهذا الخصوص، وهوما حذا ببعض المقربين من محمود عباس إلى التشكيك في صحة هذه الأخبار، بل ونفيها تماما، وإطلاق الأحكام الجاهزة على مروجيها، ويمكن التذكير هنا بتصريح لافت لأمين عام الرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم، جاء فيه \" هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة ومحاولة لإحداث بلبلة وارتباك في الساحة الفلسطينية ومن باب الحملة الإسرائيلية التي تشن ضد الرئيس محمود عباس للتهرب من الالتزامات .. وللتشكيك بوجود شريك فلسطيني\" لكن ظهور محمود عباس بنفسه على وسائل الإعلام، وإعلانه رغبته في عدم ترشيح نفسه للإنتخابات الرئاسية المقبلة، قطع الشك باليقين، وجعل وجوه أمثال الطيب عبد الرحيم وغيره ممن ساروا على نهجه في نفي هذا الأمر تسود، وتفقد ما تبقى من ماء وجهها، هذا طبعا إن لم يكن قرار عباس تكتيكيا، يطمح من خلاله فقط إلى تحقيق أهداف مرحلية بعينها، وبعدها يتم العدول عنه، ومن هنا كان التساؤل حوال خلفيات هذا القرار مشروعا بالنظر كذلك إلى انعكاساته المحتملة على الساحة الفلسطينية الداخلية وعلى المحيط الإقليمي والدولي. أما بخصوص الخلفيات، فيمكن رصد ثلاث احتمالات ممكنة، لكل واحدة منها ما يسندها من دلائل ووقائع: الإحتمال الأول، أن يكون هذا القرار بمثابة بالون اختبار رمى به عباس داخل الساحة الفلسطينية لقياس شعبيته، والتأثير في توجهات الناخب الفلسطيني، قبل اتخاذ قرار جدي بالمشاركة، وخاصة بعدما أبانت الكثير من استطلاعات الرأي المستقلة عن تدن غير مسبوق في شعبية أبي مازن بسبب تورطه في فضيحة تأجيل التصويت على قرار غولدستون، وقد رأينا كيف خرجت مظاهرتين، في لمحة بصر، لأنصار فتح في كل من مدينة جنين ورام الله، مباشرة بعد انتهاء عباس من خطابه، لمطالبته بالعدول عن قراره عدم الترشح، وكأن كل شيء كان معدا له مسبقا، وسننتظر بدون شك، خروج مظاهرات أخرى شبيهة في باقي مدن الضفة الغربية، وحراك لمؤسسات فلسطينية محسوبة على السلطة، وحركة فتح للدفع في اتجاه إلغاء قرار الرئيس، وإلا فإن تمرير هذا القرار دون إحداث هكذا ضجة سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش عباس وحركته العتيدة فتح، بل نكاد نجزم أن عباس يحاول السير في اتجاه محاكاة تجربة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حينما عاد عن استقالته بعد نكسة العام 67 بفعل الضغط الشعبي الجماهيري الرافض للإستقالة، وحول بذلك هزيمته إلى انتصار. الإحتمال الثاني، أن يكون عباس يريد من خلال هذا القرار الضغط على الإدارة الأمريكية التي أخلت \" بوعودها \" له بحمل إسرائيل على وقف أنشطتها الإستيطانية في الضفة الغربية، وبخاصة في القدس الشريف، وتفهمت الموقف الإسرائيلي الذي ربط أي تجميد مؤقت للإستيطان بتطبيع عربي وإسلامي كامل مع كيان الإحتلال والإعتراف بيهوديته، وهو ما أثار كذلك حفيظة القادة العرب ومخاوفهم من أن يحشروا في زاوية الضغوط الأمريكية، فسارعوا إلى جانب لأمريكا في ممارسة الضغوط على محمود عباس للدخول في مفاوضات جديدة مع الإسرائيليين دون شرط وقف أو تجميد الإستيطان، هذا الإصطفاف العربي الرسمي إلى جانب الموقف الأمريكي والإسرائيلي هو الذي أغضب عباس كثيرا، وجعله يشعر بالوحدة، و الإهانة، وخيانة الأصدقاء والأشقاء على حد سواء، فرمى بكرة عدم الترشح للإنتخابات المقبلة، لابتزاز الإدارة الأمريكية، والرسالة هي: على أمريكا وإسرائيل أن تستعدا للأسوأ، لأنها لن تجد شريكا في مستوى خدماته، فهو عراب اتفاقية أوسلو، التي ضربت في العمق القضية الفلسطينية ، وهو من يقف في حلق كل حركات المقاومة، والمستعد لتقديم المزيد من التنازلات. الإحتمال الثالث، أن يكون عباس قد وصل فعلا مع الإسرائيليين إلى باب مسدود، أو إلى سقف لايمكنه النزول تحته، وأصبح أمام ثلاث خيارات: إما أن يستمر في مفاوضات عبثية لاتسمن ولاتغني من جوع، وقد تأتي على البقية الباقية من القضية الفلسطينية، وهنا يكون كمن يحفر قبره بيده. وإما أن يعلن فشل المسار التفاوضي، ويعود إلى أحضان الشعب ومقاومته الباسلة كما فعل الراحل ياسر عرفات بعد رفضه التنازل عن الحقوق الفلسطينية الثابتة في لقاء كامب ديفيد سنة 2000، لكن هذا الخيار يبقى مستبعدا جدا، لأن الرجل ليس من طينة الراحل ياسر عرفات، ويختلف عنه بالكلية والمطلق، وليس له أي استعداد للإستشهاد في سبيل القضية، كما فعل سلفه، لذا، فسيختار الخيار السهل، وهو الإنسحاب من اللعبة بهدوء تام، ودون تجرع سم إسرائيلي من هذا الخائن أو ذاك.