لا أظنّ أنّ المنستير مسقط رأس عبد السلام تريمش وهي تحيي اليوم عيد الشهداء الذين امتدّت إليهم أيادي جنود الاحتلال الفرنسي نسيت الحدث المروّع الذي دوّى في جميع أنحاء المدينة ليهزّ أركانها ويدفع بسكّانها بالقدوم إلى مقرّ البلدية كان ذلك يوم 3 مارس 2010، اليوم الذي قرّر فيه عبد السلام أن يكون آخر محاولة له للمطالبة بحقه وإقناع السلطات المعنيّة بمواصلة عمله في عربته التي منع من استعمالها رغم امتلاكه لترخيص يخوّل له نصبها قرب المستشفى. طلب و للمرّة الألف أن يقابل رئيس البلدية أو أحد المسؤولين، لكن الكاتبة أجابته بأنّ لا أحد من المسؤولين يمكنه مقابلته فهم مشغولون. لم يكن الجواب مفاجأ لعبد السلام و الدليل أنه في هذه المرّة جاء وهو مقرّر العزم على أنّها ستكون المرّة الأخيرة التي يأتي فيها إلى البلدية يستجدي فيها المسؤولين فأجابها بأنه سيحرق نفسه إن لم يقابل المسؤول فردّ عليه أحد الكتاب: احرق نفسك ماذا تريد أن نفعل لك؟ لا أحد كان يتصوّر أنّ الرجل لم يكن يمزح ذلك أنّهم تعودوا على أنّ المواطن في مثل هذه الحالة يهدد بأنه سينتظر حتى يفرغ المسؤول و يستقبله لكن دائما ينفذ صبره قبل أن يتفرّغ له المسؤول فيخرج غاضبا و ناقما. لكن ليس كل مرة تسلم الجرّة و لم يلاحظ أحد أنّ الرجل الذي أمامهم و في يده ولاّعة كان مبللاّ بالبنزين و تفاجأ الجميع باللهيب يلتهم الرّجل وأمام هذا المشهد الذي لم يكن يتخيله أحد و لأنّ البلدية تفتقر إلى تجهيزات لإطفاء الحرائق انتزع أحد الأعوان ستائر نافذة المكتب لنجدة الرجل. كنت في سيارة التاكسي عندما كانت إحدى بنات الشهيد على الهواء في إذاعة المنستير و لازال صوتها يرنّ في أذني : " أبي تمنيت أن تعيش لترى ما حصل لمن ظلموك و حرموننا منك "وأردت أن أعرف أكثر عن هذه الحادثة فسألت السائق إن كانت له معلومات حول ما حدث أجابني و كأنه يثأر لعزيز عليه : « أعرف عبد السلام جيدا فقد درسنا معا و هو يكبرني ببضع سنوات يوم الحادث كنت في المقهى القريب من البلدية و إذا بالنار تشتعل في إحدى المكاتب ظننا أن حريقا اندلع في مقرّ البلدية وهرع كل من كان بالمقهى و كانت صدمتنا كبيرة عندما وصلنا و عرفنا ما حدث. من منا لا يعرف عبد السلام و من منا لم يمرّ يعربته ليشتري منه بربكه المشهور؟ كم كنا نتحاور حول الإتحاد الرياضي المنستيري ناديه المحبّذ؟ جنازته كانت بحق جنازة شهيد شارك فيها عدد كبير من الناس من كل الأعمار ليس فقط من يعرفه و لكن حتى من لم يعرفه رغم محاصرة البوليس للطريق المؤدية إلى المقبرة لقد شيعت جماهير غفيرة و غاضبة جنازة عبد السلام تريمش قدّرت بالآلاف يوم الجمعة 12 مارس 2010 مطلقة هتافات سياسية تعبر عن غضب الجماهير من الوضع الذي تردّت إليه الأوضاع الإدارية و التي كانت السبب الرئيسي لإقدام الشهيد على حرق نفسه رغم حرص السلطات الأمنية على أن لا يحضر الجنازة إلاّ أقاربه. لقد حاصرت قوات الأمن منزل الشهيد منذ اليوم الأوّل و ازدادت المحاصرة أكثر يوم 6 مارس حين تعكرت حالته و نقل إلى مركز الحروق و الإصابات البليغة ببن عروس أين توفي يوم الخميس 11 مارس و لم تبلّغ العائلة بوفاته إلاّ في ساعة متأخرة من الليل و هدّد رجال الشرطة أباه إن هو لم يطلب من السكان أن يلتزموا الهدوء. لم يقدم عبد السلام على حرق نفسه بسبب الفقر كما يرى البعض فهو لم يطالب بأن يمتلك شركة تجارية أو قصرا على الكورنيش كل ما طالب به عمل يخوّل له كسب ما يمكّنه من القيام على مستلزمات عائلته الصغيرة زوحة و بنتان فرغم أنه في العقد الثالث لا يزال يقطن في بيت جده الشهيد عبد السلام مع والده لقد حرق نفسه من أجل كرامته التي أهينت ألف مرّة. فهل كان السيد فتحي تريمش والد الشهيد عبد السلام وابن الشهيد عبد السلام يتصور أنه سيحيي اليوم السبت 9 أفريل 2011 ذكرى شهيدين: أبوه شهيد تحرير أرض تونس وابنه شهيد كرامة الإنسان التونسي و شاءت الأقدار أن يحمل الشهيد الحفيد اسم الشهيد الجد فكلاهما حمل اسم السلام و لكنهما لم ينعما بالسلام.