ناشدتكم منذ مدة، كتبت لكم نداء "يا شباب تونس الحارق الجنة ليست هناك" [موقع اللقاء، 13/02/2011] كانت صيحة فزع وصعودا فوق الربوة حتى يصل النداء، كان ذلك في الأيام الأولى بعد الثورة، كانت قوارب الموت تتلاحق مغتنمة حالة الفوضى والانفلات العام. أجدد اليوم هذه المناشدة إليكم ياشباب تونس، بعد أن أدمعتم عيوني واحمرت مقلتاي...لقد شاهدت لكم برنامجا قامت به احدى القنوات الفرنسية، حيث صاحبَتْكم في رحلة العذاب نحو أرض الميعاد، نحو الأراضي الإيطالية صحافية شجاعة، فكانت شاهدا لكم وعليكم، شاهدا على عصر يتدحرج في مستنقعات الظلم والجور والاستبداد، وفي زمن رديء من أزمنة آخر الزمان! رحلة بدأت بابتسامة عريضة يتخللها صمت الأموات ووجوه متوجسة تقاوم اليأس والإحباط، وركبتم قارب النجاة الحامل لفشل الأوطان وخيبتها حين يقبض على المقود لصوص وشياطين ومافيا، وحين يسقط كل الوطن بين براثن الضباع ولسع الحيات... وسار المركب حاملا لمائة وأربعين حلما يرتع فوق الأمواج، حتى إذا استوت السفينة وحل الظلام هبت العاصفة وجاء الموج من كل مكان، وتعالت الأصوات والتفت الساق بالساق وبلغت القلوب الحناجر، ولم يعد من ولي ولا صاحب ولا رفيق...لقد رأيتكم يا أبناء بلدي وأنتم تستغيثون السماء، الأرض لفظتكم والماء يسعى لابتلاعكم، ولم يبق لكم إلا هذا الخيط الحريري مع السماء... كانت ظلمة المكان وظلم الزمان ووحشة الأيام، والتقى عليكم الأسودان ماء فوار وريح عاصف... وتمايل القارب وحان موعد الرحيل نحو المجهول، مجهول السماء بعد أن تخلى عنكم مجهول الأرض، وجاءت الكوابيس تترى، وزحف الموت يناطح الأمل في جنان الأرض، ويفتح أبواب الفناء... أدمعتم عيناي يا أبناء الوطن، كنت أتحسس مقعدي، كنت أريد عونكم، أرتمي في الماء من أجلكم، أناطح السحاب لنجدتكم..، لكن الواقع المر حبسني عنكم، ألعن الاستبداد وأهله وفصيله وكل مشتقاته أفعالا وأسماء ونعوتا...دعوت معكم حين كنتم تدعون، أتضرع في داخلي حين كنتم تتضرعون، كنت معكم في القارب وأنتم لا تشعرون... ولبت السماء دعائي أو دعاءكم، وخفتت العاصفة واستوت الألواح على بحر الظلمات، وسكن الجميع في انتظار الإرساء في ميناء الجزيرة لتنتهي قصة وتبدأ أخرى... تعسا لهذا الزمن فأنتم ضحايا ولستم المتهم، تعسا لعهد رمى بأبنائه في البحر وهو يكنز الذهب والفضة في الصناديق والخبايا، حديثي إليكم يا أبناء وطني يلتقي فيه العقل بالنقل والوجدان، أرض الميعاد هنا وليست هناك ولو بشظفها وحنظلها، أرض الميعاد هنا بكرامتها ومواطنتها، إني أتفهمكم ولكن لا أوافقكم، ألم تكن شعارات ثورتكم وثورتنا المباركة خبز وماء والاستبداد لا، خبز وماء والذل لا! إن ما يقع الآن من مآسي يومية يدفع ثمنها شباب بلدي الذي كانت آماله ولا تزال حياة كريمة، ولقد جاءت الثورة لتؤكد هذا المطلب وتعمق أولويته وتدفع أصحاب القرار والنخب المعارضة إلى تحمل المسؤولية كاملة لتجعل من هدف كل حكومة مؤقتة أو نهائية قضية البطالة وتشغيل الشباب أولوية الأولويات. لقد كان العهد البائد خائبا في كل ميدان، نمو كاذب تنمية مغشوشة بطالة متفاقمة، وفي المقابل ثراء فاحش وعصابات استيلاء واغتصاب وتفقير شعب. والكرامة ليست حرية وديمقراطية فقط ولكن إشباع بطن وشغل يد واستقرار وأمن. دمت يا شباب تونس فخرا لشعبها، ودمت يا شعب تونس فخرا لشبابها. *الدكتورخالد الطراولي مؤسس حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي أفريل 2011 مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=17145&t=يا شباب تونس "الحارق"... أدمعتم عيناي! &src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"