تأخير النظر في قضية التآمر إلى يوم 2 ماي المقبل    ارتفاع نوايا الاستثمار المصرح بها خلال الثلاثية الأولى من السنة الحالية ب6.9 %    عاجل/ عقوبات امريكية وبريطانية ضد إيران    الداخلية.. قوات الأمن تبذل جهدها للتصدي لكل ما من شأنه تهديد المجتمع في إطار التمسك بالسيادة واحترام حقوق الإنسان    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    يتزعمها عربي ...ولية عهد هولندا تهرب من بلدها خوفا من مافيا    عاجل/ وزير خارجية تركيا: حماس قبلت نزع سلاحها مقابل هذا الشرط    تونس: وضعية السدود مقلقة ولابد من ترشيد استهلاك المياه    جامعيون تونسيون يطلقون مبادرة لتدريس الطلبة الفلسطينيين في قطاع غزة عن بعد    الرابطة الثانية: إستقالة رئيس نادي أمل جربة من منصبه    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    تمكين 21 عائلة ذات وضعية خاصة من منح مالية لبعث موارد رزق في بنزرت    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    إلزام جوفنتوس بدفع 7ر9 ملايين أورو لكريستيانو رونالدو كرواتب متأخرة    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    عاجل/ قرار هام لهيئة الدفاع عن المتهمين في قضية التآمر..    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    البنك المركزي : ضرورة مراجعة آليات التمويل المتاحة لدعم البلدان التي تتعرض لصعوبات اقتصادية    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    توريد 457 ألف طن من القمح اللين.. مضاعفة الكميات في السوق    نادال يودع الدور الثاني من بطولة برشلونة للتنس    الهوارية : انهار عليه الرّدم في بئر و هو بصدد الحفر    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    اليمن: سيول وفيضانات وانهيارات أرضية    رماد بركان ثائر يغلق مطارا في إندونيسيا    تعيين أوسمان ديون نائبا جديدا لرئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تتاهل الى الدور ثمن النهائي    خمسة عروض من تونس وبلجيكا وفرنسا في الدورة الثانية لتظاهرة المنستير تعزف الجاز    أطفال من بوعرادة بالشمال الغربي يوقعون إصدارين جماعيين لهم في معرض تونس الدولي للكتاب 2024    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    الفضيلة    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    حالة الطقس ليوم الخميس 18 أفريل 2024    غدا افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب...إمضِ أبْعد ممّا ترى عيناك...!    أخبار المال والأعمال    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    سيلين ديون تكشف عن موعد عرض فيلمها الجديد    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرية بقلم خَالِدْ الشُّوَيْحِي
نشر في الحوار نت يوم 22 - 02 - 2011

نقْسِمُ - جَمِيعًا - بِاللَّهِ الْعَظِيمِ جَلَّ جَلَالُهُ عَلَى خِدْمَةِ هَذَا الْوَطَنِ الْعَظِيمِ وَالْوَفَاءِ لَهُ، مَهْمَا كَلَّفَنَا ذَلِكَ مِنْ تَضْحِيَّاتٍ غَالِيَةٍ، وَمَهْمَا تَكُنْ قَسْوَةُ الظُّرُوفِ، دُونَ النَّظَرِ إِلَى أَيِّ مَصَالِحَ شَخْصِيَّةٍ أَبَدًا أَبَدًا، وَأَنَّ مَصْلَحَةَ الْوَطَنِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ ..
*** مَلْحُوظَةٌ: مَا يَزَالُ هَذَا الْبَحْثُ يَحْتَاجُ - كُلَّ يَوْمٍ، بَلْ كُلَّ سَاعَةٍ - إِلَى إِضَافَةٍ وَحَذْفٍ وَتَعْدِيلٍ ..
الْحُرِّيَّةُ ..
حَقِيقَةٌ مِمْكِنَةٌ، وَوَاقِعٌ عَظِيمٌ، فَلَمْ تَعُدْ حُلْمًا وَلَا خَيَالًا
أَثْبَتَ حَقِيقَتَهَا مَجْمُوعَةٌ مِنَ الشَّبَابِ ، كُنَّا نَحْسَبُهُمْ فَوْضَوِيِّينَ وَلَا هَدَفَ لَهُمْ
لَكِنَّهُمْ خَيَّبُوا آَمَالَ الْمُفْتَرِينَ، وَحَقَّقُوا الْحُرِّيَّةَ لِلْمَقْهُورِينَ
نَرْجُو مِنَ اللَّهِ دَوَامَهَا، وَعَدَمَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ فِيهَا
خَالِدْ عَبْدُ الرَّازِقِ الشُّوَيْحِي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد : 7]

وَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد : 11]

وَقَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب : 72]

وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) [رواه البخاري]

لَيْتَنَا نُفَكِّرُ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي الْعَظِيمَةِ جَيِّدًا، لِنَسْتَطِيعَ الْحْكُمَ عَلَى الْأُمُورِ جَيِّدًا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيْدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، وَبَعْدُ:
فَهَذِهِ كَلِمَاتٌ فِي الْبِدَايَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ مُبَاشَرَةً إِلَى أَسَاسِ الْمُوضُوعِ
بِدَايَةً: أَدْعُو الشَّعْبَ كُلَّهُ إلى صلاةِ الغائبِ على الشُّرَفَاءِ الأبطالِ الذي قُتِلُوا - ظُلْمًا وَعُدْوَانًا – وَاسْتُشْهِدُوا في ميادينِ المطالبةِ بحقوقِهم المشروعةِ وحقوقِ وطنِهم الغالي العظيمِ على أيدي السَّفَلَةِ السَّفَّاحِينَ وَالمُجْرِمِينَ المُفْتَرِينَ.
كما أَطْلُبُ أَنْ تُعْلَنَ أسماءُ وَصُوَرُ هؤلاءِ العظماءِ، وَتُرَدَّدَ دائمًا في إعلامِنَا المرئيِّ والمسموعِ والمكتوبِ، لِيَعْلَمَ الشعبُ بأكملِه أن حُرِّيَّتَهُ ما تحققتْ إلا على أيدي هؤلاءِ الأبرارِ الشُّرَفَاءِ، وعلى أيدي غيرِهم من الجَرْحَى الأبطالِ، وعلى أيدي الآخَرِينَ من الشَّبَابِ الشَّرِيفِ الشُّجَاعِ الذي نَاضَلَ وَصَمَدَ حتى انصاعَ المتكبرون لهم، أولئك الذين لَمْ يَكُنْ في حُسْبَانِهِمْ أن يَسْمَعُوا لهم أبدًا، لأنهم - أَصْلًا - مَا سَمِعُوا لغيرِهم من قَبْلُ أبدًا، وما كانوا لِيَسْمَعُوا، وما كان ذلك في حُسْبَانِهِمْ أَصْلًا. فَتَحَقَّقَ لهم جزءٌ من الحريةِ وشيءٌ من الديمقراطيةِ وبعضٌ من الاحترامِ، وَلَا يَكْفِي، وخوفٌ شديدٌ ورعبٌ رهيبٌ مَلَأَ قلوبَ الفاسدينَ .. وهي خُطْوَةٌ كبيرةٌ تَلِيهَا - إن شاءَ اللهُ تبارك وتعالى - باقي الخطواتِ في طريقِ تحقيقِ الحريةِ الكاملةِ للفردِ والمجتمعِ والوطنِ العظيمِ.
وَلَا يَكْفِي مَا دَعَوْتُ إِلَيْهِ .. فَهُنَاكَ الْكَثِيرُ وَالْكَثِيرُ مِمَّا يَنْبَغِي عَمْلُهُ لِهَؤُلَاءِ الْعُظَمَاءِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء : 23] ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف : 54] ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [هود : 123] ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران : 26] ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس : 83] ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران : 57 و 140] ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر : 44] ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة : 205] ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص : 77] ...
مع كل ذلك وغيره، ومع إطلاق القدرة والقوة والمُلك والحياة والبقاء والحُكم والسلطان .. لله الواحد القهار، ومع أنه تعالى هو الإله الحق والرب الحق والخالق العظيم والمالك العظيم للدنيا والآخرة .. إلى آخر هذه المعاني الجليلة، مع كل ذلك، فإنه سبحانه وتعالى قد حَرَّمَ على نَفْسِهِ ظلمَ العبادِ، وجعله مُحَرَّمًا بين عباده، وقضى على نَفْسِهِ العدلَ، وهو سبحانه لا يحب الظالمين المفسدين، وقضى على الظالمين المفترين الخيبة والهلاك.
ويأتي خَلْقٌ مِن خَلْقِ اللهِ تبارك وتعالى، لا يملكون شيئًا من أَمْرِ أَنْفُسِهم ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾ [الفرقان : 3] يأتي هؤلاء فيفرضون لأنفسهم ما حَرَّمَهُ الله تبارك وتعالى على نَفْسِهِ، يَفْرِضُونَ الظُّلْمَ على العبادِ فرضًا، وَيُوجِبُونَ عليهم الْقَمْعَ أيضًا، ويتخذون ذلك أساسًا متينًا من أساسيات حُكمهم الغاشم المستبد، يعتمدون عليه بشكلٍ تامٍّ ورئيسيٍّ، ليقهروا به العباد، ويضمنوا به عدم تدخلهم في شئون البلاد، فَيُسْكِتُونَ ألسنتَهم الصادقةَ النَّقِيَّةَ، وَيُرْهِبُونَهُمْ بكل ما أوتوا من قوة وسلطان، وَيَعِيثُونَ في الأرض فسادًا واستكبارًا. سبحان الله! فإذا كان هذا حالَهم وهم لا يَمْلِكُونَ أَيَّ شيءٍ! فكيف كان يكون حالُهم لو كان لهم من الأمر شيءٌ؟! فالحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ.
حَوَّلَ هؤلاءِ دَوْلَتَنَا المصريةَ العظيمةَ إلى دَوْلَةٍ بُولِيسِيَّةٍ مستبدةٍ، يحكمها رجلٌ واحدٌ في حمايةِ حزبٍ واحدٍ، فَرَضَ لِنَفِسِهِ كلَّ شيءٍ، ولم يتركْ للشعبِ مِن الكرامةِ أَيَّ شيءٍ، فَفَرَضَ عليهم أن يُسَبِّحُوا بحمدِهِ بُكْرَةُ وَعَشِيًّا. ألم يسمعْ هؤلاءِ قولَ الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف : 29]. حتى لو سمعوه فلن يفهموه، ولو فهموه فلن يتحرك فيهم ساكنٌ. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وَأَشْكُرُ بِشِدَّةٍ الإعلام المصري بكافة أشكاله وألوانه. أقصد - طبعًا - ذلك الإعلام الموالي للنظام الحاكم، ذلك الإعلام الهائل العظيم، النقي الشفاف، والرائع البديع، والأكثر من رائع، على بديع إخفائه وعظيم تعتيمه على الحقيقة بأكملها، والذي قام بأعظم الأدوار في كتمان الحق والحقيقة، وكان واضحًا للعالمين وضوح الشمس في رائعة النهار. كما أشكره على تزييف الحقيقة بأكملِها واستبدالها بالأكاذيب والأباطيل الواضحة التي لا تحتاج إلى دليل ليؤكدها. فقد كان ظاهرًا جدًّا، ووالله العظيم لقد كنا نُحِسُّ وَنَرَى النفاقَ والكذبَ يُشِعُّ مِن وجوهِ هؤلاءِ الإعلاميينَ الكذابينَ على شاشاتِ التليفازِ. نَعَمْ واللهِ!
وَلَا يَفُوتُنِي أن أشكره أيضًا على عظيم استخفافه بعقول الشعب المصري العظيم، وعدم احترامه لهذا الشعب النبيل بأي شكل من أشكال الاحترام. فكما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ)) (رواه أحمد وغيره) فإنه لَمْ يَسْتَحِ أبدًا في وَصْفِهِ الإعلامَ الآخَرَ الصادقَ الحقَّ بأنه كذابٌ وباطلٌ فيما يَعْرِضُهُ مِن أخبارٍ ويشعل نار الفتنة في الشعوب، وأنه وحده هو الصادق الوحيد في هذا المجال، وليس غيره. وَأَخَذَ يُنَبِّهُ المشاهدينَ ويحذرُهم من القنوات الأخرى، مُنْتَهَى السفاهةِ والتفاهةِ. وَ لَمْ يَسْتَحِ أن يَسْتَخِفَّ كُلَّ هذا الاستخفافِ العظيمِ بالشعبِ المصريِّ العظيمِ.
فَشُكْرًا لك إعلامنا العظيم على عظيم ما فعلتَ ونبيلِ ما نشرتَ وَصِدْقِ ما أعلنتَ، لقد ازْدَدتَّ احترامًا - أيها الإعلام المصري العظيم - في نظر الجميع، وعلى الأقل في نظر أبناء هذا الوطن المصري العظيم. شكرًا لك. وَأَنَا عَنْ نَفْسِي لَنْ أُصَدِّقَ - بَعْدَ الْيَومِ - إِعْلَامًا غَيْرَكَ، وَلَنْ أَسْتَمِعَ وَلَنْ أَقْرَأَ وَلَنْ أَرَى إِعْلَامًا غَيْرَكَ. فَهَنِيئًا لَكَ.
ثم لما بدأ البعض يحاول - عَبَثًا - الدفاع عن نَفْسِهِ عندما انكشف أمره وظهرت الحقيقة واضحةً، لكن بعد ماذا؟ وحتى لما حاول أن يدافع عن نفسه، أخذ مَرَّةً أخرى يَكذب على الناس، ويؤكد أنه لم يكن يكذب، وأخذ مرة أخرى في الاستخفاف بهم والسخرية منهم، فَبَدَلًا مِن أن يعترفَ بالحقيقة ويعتذر لهم ويقول - وإن كان كلامه وعذره غير مقبول - لقد كنتُ مخطئًا، أو كان رَغْمًا عني، وكنتُ مأمورًا بأوامرَ عُلْيَا مِن أجهزة الشرطة (الغبية الغاشمة) .. إلخ، أخذ يستخف بهم وبعقولهم مرة أخرى.
على العموم: شكرًا لك شكرًا جزيلًا، فَقَدْ عَوَّدتَّنا على ذلك طِيلَةَ الْعُمُرِ، فليس هذا بجديدٍ عليكَ، وهذا شَأْنُكَ دائمًا، وَلَا تَثْرِيبَ عليكَ. فإلى المزيد والمزيد، وإلى الأمام دائما ...
وَيُسْتَنْتَجُ مِنْ ذَلِكَ: أن ذلك الإعلام القذر قد قام بحرب إعلامية قذرة بتوجيه من النظام القذر والمسئولين القذرين في محاولة قذرة لتضليل الرأي العامِّ - المصري بشكل خاص والعربي والعالمي بشكل عام - وبلبلة فكره وآرائه، وتفكيك صفوف الشباب في ميادين الثورة الكريمة، والمشاركة العلنية والصريحة في قتل الثوريين في ميادين العزة والكرامة، ونحملهم حالات القتل المتعمد على أيدي أجهزة الشرطة الفاسدة والمرتزقة من البلطجيين وغيرهم. فإنه - على سبيل المثال لا الحصر - لما كانت البغال والجمال في ميدان التحرير يمتطيها مرتزقة قذرة بتوجيه من أناس قذرين يقتلون شعبنا هناك كان الإعلام المصري العظيم يحجب تلك الصورة نهائيًّا ويصرح بعدم وجودها - أصلًا - في ميدان التحرير وَيُكَذِّبُ مَن ينشرها ويتحدث عنها. بئس أنت أيها الإعلام القذر، بئس أنت ..
وَأَفْضَلُهُمْ حَالًا (يِضْرَبْ وِيْلَاقِي) كما نقول في مصر: يقول على الشباب إنه شباب رائع، ويطالب بحقوقه المشروعة، في شكل حضاري بديع، وكل ما يطالب به هو حقه فعلًا، ولا أحد ينكر عليه ذلك، وهؤلاء الشباب هم فخر الأمة، وهم الذين فتحوا الأبواب للحرية والديمقراطية ... ثم يقول: لكن ليس بهذه الطريقة يا شباب مصر الشرفاء، وإنَّ طريقتكم هذه ليست لائقة!!
وَفِي وَسَطِ الْكَلَامِ النَّاعِمِ المَعْسُولِ تأتي عِبَارَاتٌ في حَشْوِ الكلامِ، فَيَتَّهِمُهُمُ البعضُ بتخريب البلاد وينسب إليهم أعمال حرق المنشآت المختلفة وهو يَعْلَمُ يقينًا أن أتباع النظام الفاسد هم الذين قاموا بهذا الحرق والتخريب. ثم يَصِفُهُمْ بِقِلَّةِ الأدبِ حين يُذَكِّرُهُمْ بأن الرئيسَ أَبٌ لِكُلِّ المصريين، وَيَجِبُ عليهم تَبْجِيلُهُ. وَنَسِيَ هؤلاءِ المنافقين أَنْ يقولوا للأبِ المحترمِ: حَرَاااااااااااااامْ عَلِيكْ .. كِفَايَة اللِّي بْتِعْمِلُوا في أولادك.
كَلَامٌ سَخِيفٌ يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا: شيء من اثنين، لا ثالث لهما، وأن واحدًا منهما فقط هو الصواب والآخَر خطأ، هو إما أن الشباب على صواب وإما أنهم على خطأ. فإذا كانوا على صواب، فإن ما طلبوه حق ويجب تحقيقه، وأن الرئيس فاقد لمشروعية سلطته، وأن النظام فاسد، وأن الحكومة فاسدة، وأن مجلسي الشعب والشورى فاسدانِ مُزَوَّرَانِ، وأن وأن وأن ... ويجب الإطاحة بهم جميعًا دون استثناءٍ.
وإذا كان الشباب على خطأ فإن ما يفعله خطأ، وأن مشروعية الرئيس قائمة وصالحة، وأن النظام صالح، وأن مجلسي الشعب والشورى غيرُ فاسدينِ وغيرُ مُزَوَّرَيْنِ، وأن وأن وأن ... فإن الشباب غير محق، ويجب عليه أن يَعُودَ أَدْرَاجَهُ ويرجعَ من حيثُ أَتَى.
فجاء البعض ليحاول أن يجمع بين القولين لينتج منهما قول ثالث: الشباب صح، والنظام صح، الشباب رائعون يطالبون بحقوقهم المشروعة، لكن لابد وأن يكون هناك حوار مع الحكومة. أتساءل فأقول: كيف يكون هناك حوار مع شباب رائعين محقين يطالبون بحقوقهم مع حكومة غير مشروعة؟؟!!
وَأَشْكُرُ أَيْضًا بِشِدَّةٍ بعض المسئولين الذين ظهروا - أخيرًا - بعد اختباء طويل واختفاء مَهين، ليس في هذه الأزمة فقط، ولكن على طول الزمان وفي كل المصائب والأزمات، أو على الأقل في السنوات الطويلة التي قضوها في مسئولية البلاد، والذين لم يتكلموا عن أي إصلاح فيما سبق، وكأن الفساد بكافة أشكاله وألوانه والذي عاشت فيه البلاد عقودًا مديدةً من الزمان لم يظهر إلا فجأة. فقد ظهر الذين نادوا مؤخرًا ببعض الإصلاحات في الدستور وغيره، ومحاسبة ومحاكمة المتسببين في الأزمة، والمتسببين في اختفاء الشرطة من الشارع المصري بشكل سافر وبطريقة شيطانية خسيسة خبيثة قذرة، والمتسببين في الحرب التي نشبت في ميدان التحرير وغيره باعتداء المأجورين من البلطجية والمرتزقة وبعض قوات الشرطة المدافعين عن النظام الفاسد بطريقتهم الهمجية الفاسدة على المعارضة المحترمة للنظام الغاشم.
ثم إصدار قرار بعدم مغادرة الشرفاء من وزراء الداخلية والإسكان والسياحة البلاد لحين محاسبتهم على فسادهم، مضافًا إليهم الملياردير الشريف/ أحمد عز! والبقية تأتي إن شاء الله تبارك وتعالى.
أَيْنَ كَانُوا قَبْلَ الْيَوْمِ؟! أين كان الذين يشتمون مبارك اليوم، ويسبون نظامه، ويصفونه بالفاسد الغاشم المجرم الظالم .. ويظهرون مساوئه وينشرونه على العامَّة، ويتكلمون عن الأسرار الرهيبة عن فساد النظام .. أقصد الذين كانوا - قبل ذلك - في خدمة هذا النظام إلى أن ابتعدوا عنه بطريقة أو بأخرى، ومنهم مَن هُمْ داخل الوطن، ومنهم مَن هُمْ خارجه. أقول وأتساءل وأستفهم وأستعجب: أين كان كل هؤلاء قبل اليوم؟ لماذا لم يذكر هؤلاء تلك المساوئ وتلك الأسرار قبل أن يخرجوا من البلد؟ أين كان هؤلاء الذين يُظهرون تلك المساوئ طيلة هذا العمر، وطيلة هذه الفترة؟ لماذا لم يظهروا قبل ذلك؟؟ فجأة ظهروا، ولماذا ظهروا؟ هل هذا من قبيل الوطنية؟؟؟
وَأَيْنَ كان العلماء البارزون الذين ظهروا فجأة ليتكلموا عن الإصلاح وفساد النظام ..؟؟ وأقصد بالعلماء، كل العلماء، علماء الدين والدنيا ..
سُؤَالٌ مُهِمٌّ: هل كان شيء من هذا سيحدث، وأن يأتي مسئولٌ حاليٌّ أو قديمٌ أو عالمٌ مِن هؤلاء، يقول ما قال أو يَذْكُرُ مَا يَذْكُرُ، إذا لم يكن حدث ما حدث على أيدي هؤلاء الشباب العظماء؟
أعتقد أنه من المستحيل أن يَحْدُثَ ذلك، أو أن أحدًا من هؤلاء المسئولين كان ليتكلم أبدًا عن محاسبتهم ومحاكمتهم. لكنْ: سبحان الله! سبحان مغير الأحوال!!!
أيام الرئيس الراحل عبد الناصر، لم يكن أحد من هؤلاء وأمثالهم يجرؤ على أن يتفوه إليه أو أمامه أو وراءه بكلمة فيها شيء من سوء، ونفس الحال مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وبعد رحيلهما جاء هؤلاء وأولئك لِيَقُصُّوا على الناس مساوئ هذين الرجلين وفسادهما العظيم.
وَنَفْسُ الحال في عهد مبارك، فمنذ أيام قليلة لم يظهر واحد من هؤلاء ليقول ما قال، ثم لما رأى الأمر على ما هو عليه الآن، لم يصبر حتى على رحيله، لأن رحيله أصبح على وَشَكٍ، فقام وانتفض وفض الغبار عنه وأخذ يقول ويقول ويتحدث ويتحدث عن مساوئ الرجل وفساده العظيم. سبحان الله!!!
سُؤَالٌ آَخَرُ أَهَمُّ وَأَهَمُّ: هل يُكْتَفَى - فعلًا - بمحاسبة (الباشا الكبير/ أحمد عز، والباشوات الكبار وزراء الداخلية والإسكان والسياحة فقط؟) أم هناك الكثير والكثير جدًّا خَرَّبُوا البلد وسرقوا ثرواته وساهموا في تخلفه مساهمة غير طبيعية؟ مضافًا إليهم الكثير والكثير من رجال الأعمال الذين ساهموا هم أيضًا في سرقة أموال وثروات البلاد ... والذين ينبغي محاسبتهم ومحاكمتهم ..؟؟
فأين هؤلاء من العقاب؟ وأين الباشا/ جمال مبارك؟ والباشا/ علاء مبارك؟ وأمهم الست الهانم/ سوزان مبارك. والباشا الكبير جدًّا جدًّا .../ محمد حسني مبارك؟؟؟ وغيرهم وغيرهم وغيرهم ... كثير كثير كثير
لكن للأسف لا يستطيعون فعل شيء مع الأسرة الحاكمة. لأنَّ لها قداسةً خاصةً، تسرق ما تشاء، وتنهب ما تريد، دُونَ تَدَخُّلِ أَيِّ أحدٍ في ذلك، وَدُونَ أن يجرؤَ إنسانٌ على ذِكْرِ شيءٍ من ذلك، والخوف الرهيب من مجرد الاقتراب، الاقتراب فقط من الخط الأحمر العريض.
يجب على الشعوب أن تستعيد أموالها المنهوبة على أيدي اللصوص المجرمين أمثال مبارك وعائلته المفسدين وحزبه المجرمين.
وَأُطْلُبُ: من السادة الشرفاء من أبناء هذا الوطن العظيم، وما أكثرهم في وطننا هذا! وهم كثير وكثير جدًّا .. أطلب منهم وممن عندهم معلومات دقيقة عن هؤلاء الفاسدين، أسماؤهم، والرشاوى التي أخذوها أو دفعوها، والثروات التي نهبوها .. إلى آخر هذه المعلومات، ويتقدمون بها إلى السيد النائب العام، لينظر في الأمر، ويحاسب أولئك اللصوص .. وتعود ثروات الوطن العظيم إلى أبنائه الشرفاء.
لَكِنْ لِلْأَمَانَةِ: أنا أحسب أن هؤلاء وأولئك - أقصدُ المتهمينَ بِالنَّهْبِ وَالسَّلْبِ - ما فعلوا ذلك إلا ليحافظوا لنا على أموال البلاد من (إِدِينَا السَّايْبَهْ)، لأنهم خافوا علينا وعلى البلاد من أن تُنْفَقَ أموالُ البلاد فيما لا يفيد، واكتفوا وسمحوا بأقل القليل من أساسيات الحياة للمواطن الفقير، فشكرًا لهم، فاكتفوا وجاهدوا واجتهدوا من ألا يَصِلَ إليه في اليوم أكثر من 5 - 10 جنيهات، والأفضل حالًا فيهم يصل إليه من 10 - 20 جنيها. كلُّ ذلك حتى يحافظَ الْفَرْدُ على نَفْسِهِ مِن الفسادِ. (لَأَنِّ كٌتْرِ الْفُلُوسْ بِتْعَلِّمِ الْبَوَظَانْ) كما نقول في مصر.
هذا وإن هناك - والله العظيم - مَن لا يجد الجنيه الواحد، معدومون، ومن لم يصدق ذلك فليأتني وأنا أعرض عليه في بلدتي - فقط - العشرات والعشرات، فما بالكم بباقي بلادنا الحبيبة وما فيها مِن هَمٍّ عظيمٍ وَكَرْبٍ شديدٍ، إلا أن هؤلاء لا يعرفون شيئًا عن ذلك، لأنهم لا ينزلون إلى الناس، ولا يتعرفون على حياتهم ومشاكلهم وأحوالهم، لكثرة مشاغلهم في المحافظة على الوطن والشعوب.
يبدو أن هؤلاء وأولئك (هَيِفْضَلُوا يِحَوِّشُولْنَا فُلُوسْنَا) لغاية يوم القيامة.
عِتَابٌ، لَسْتُ مُحِقًّا فِيهِ: أَعْتِبُ على بعض الجهات الرسمية والقوية، أو التي ينبغي أن تكون قوية، وفي الحقيقة أنني لست محقًّا في هذا العتاب، فعندنا مَثَلٌ صريحٌ واضحٌ في مصرَ يقول: (عِتَابُ النَّدْلِ اجْتِنَابُهُ):
* عتابي على بعض علماء الأمة، وَلَا أُعَمِّمُ، فقد ظهر منهم في هذه الآونة عظماء فعلًا. لكنني قَصَدتُّ بكلامي وبعتابي - صراحةً - شيخ الأزهر والمفتي وشيخ عموم المقارئ المصرية، أين ذهبوا؟ أين اختفوا، أين أين؟؟؟ لم يتواجدوا وسط العظماء من شبابنا وفتياتنا، وكان واجبًا عليهم أن يكونوا في مقدمتهم. بل هم لم يتفوهوا - حتى - بكلمة حق، ولا أقول بكلمة الحق، ولكن أقول بكلمة حق، كلمة حق واحدة فقط من بين كلمات الحق الكثيرة والكبيرة والكثيرة، خَنَعُوا وَدَاهَنُوا المجرمين الفاسدين، وتآمروا معه على قتل هذا الشعب الشريف وإحراق الوطن العظيم وكتم أنفاس الناس، من أجل دنيا زائلة. فسكوتهم جريمة في حق الشعب والوطن، ليست بأقلَّ جُرْمًا من جرائم المستبدين.
كذلك أين باقي علماء الأمة؟ أين علماء الحرمين الشريفين؟ أين بقية علماء العالم؟ أين علماؤنا في القنوات الفضائية الذين صَدَّعُوا - آسف على اللفظ - رءوسَ الأُمَّةِ عن فروعِ الدِّين، وأكثروا في ذلك وأكثروا، ولم يكن لهم حديث إلا فيها، ولا أُنْقِصُ مِن قَدْرِ أَيِّ حُكْمٍ في الإسلامِ. لكنْ: أليس من الواجب أن ينظروا في واقع الأُمَّةِ، وواجبات المِلَّةِ، ويوجهوا كلامهم في الشأن الحالي، بل وَيَنْزِلُوا إلى ميادين المعركة مع هؤلاء الشباب والفتيات ويكونوا في مقدمتهم .. أين ذهبوا؟؟ لا أدري. عذرا وعفوا، أنا أدري أين ذهبوا ..
وسبحان الله! عندما سمعتُ شيخًا مشهورًا، ينادي الجيش بألا يطلق الذخيرة الحية مهما كان الثمن، وبغض النظر عن اتفاقنا أو خلافنا معه في ذلك، أليس من الواجب أن تتطلب من الجيش أن يحمي الثوريين، الذين ثاروا من أجلي وأجلك، ومن أجل أولادي وأولادك، ومن أجل الجميع، والذين اختاروا أن يكونوا في قلب المعركة، نيابة عن الجميع ..؟؟؟
وآخَرُ يقول: إذا كانت الفتنةُ، لَزِمْتُ بيتي .. وجلوسي أفضل من وقوفي، ونومي أفضل من جلوسي، لكن يبدو أنه نسي أن يقول شيئًا آخَر، أترك لخيالاتكم الواسعة أن تَسْبَحَ في بحر الخيالات الواسع العميق ليعرف ما كنتُ أقصد ..
وآخَرُ من قارئي القرآن الكريم، والمشهورين جدًّا، يتصل بإحدى القنوات، ويتظاهر بالبكاء - على الأقل في نظري أنه كان يتظاهر بالبكاء - وطُلب منه أن يدعو كعادته، وكان فضيلته يساندُ السيدَ الطاغيةَ المفتريَ المجرمَ السَّفَّاحَ.
وآخَرُون يقولون إن في ذلك خرابًا للوطن. ولم نسمع طيلة عمرنا أَنَّ أحدَهم وَجَّهَ كلامه هذا للنظام الغاشم، وَذَكَّرَهُ باللهِ العظيمِ جل جلاله، وقال كلمة الحق أمامه بأنه يُخَرِّبُ في البلادِ وَيَعِيثُ فيها فسادًا واستكبارًا ..
ثم يقول إنَّ فيما يَحْدُثُ تراجعًا للوطن وَتَخَلُّفًا له، وخسارةً في الأموال. ولم نسمع من أحدهم أنه نادى يومًا بالإصلاح،والتنبيه من سرقة ثروات البلاد، وأن المجتمع يتخلف عن طريق سيادة سياسة الفقر والجهل والمرض، وسوء حالة التعليم والصحة .. إلخ.
فيا أسفى على كثير من علماء الأمة وقرائها، إما أنهم اختفوا من الساحة في أمور غامضة، أو أنهم - بحال أو بآخَرَ - يساندون المجرمين في حربهم ضد الشعب وإحراقهم للوطن، وإن حاولوا أن يُدْهِنُوا كلامهم بشيء من الثناء على الشباب الذي يطالب بحقه كما يقولون، وأن النظام قد استجاب لهم، فينبغي عليهم أن يعودا لبيوتهم حقنًا للدماء، ونسي الجميع أو تناسوا أو جهلوا أو تجاهلوا أو غفلوا أو تغافلوا أن الشباب هذا لم يحصلوا على ما طلبوه. كما أنهم نَسُوا أن النظام الفاسد هو الذي يقتل بكل جبروت ويسلط عليهم سفهاء القوم وبلطجيتهم وفي مقدمتهم أمن الدولة، أقصد أمن النظام الغاشم وإرهاب الشعب المسالم وإحراق الوطن الغالي.
* عتابي على كثير من أفراد الشرطة، والذين أعلم أنهم نَفَّذُوا الأوامر رَغْمًا عنهم، كان من المفروض عليهم ألا ينفذوا الأمر وأن يعلنوا عصيانهم وتمردهم على أولئك السفاحين المجرمين، حتى لو قُتِلُوا في سبيل ذلك، فَقَتْلُهُمْ يومئذ شهادة في سبيل الله تعالى، وفخر لهم، وأفضل حالًا لهم من الانصياع التام والانحناء التام أمام أوامر الظالمين وَقَتْلِ إخوانهم وأخواتهم وإحراق بلدهم وأوطانهم.
وَأَيْنَ الْجَيْشُ؟! الجيشُ المصريُّ عظيمٌ حقيقةً، لا خلافَ ولا شك في ذلك، ورجالُه لا غُبَارَ عليهم أبدًا على مَدَارِ التاريخِ، ونحن على يقينٍ تامٍّ مِن أنه لن يَقْتُلَ شَعْبَهُ، لكنْ يبقى سؤالٌ مُهِمٌّ جدًّا في ذلك الشأن: أين أنت يا جيشَنا العظيمَ!؟ ولماذا هذا الموقفُ السلبيُّ وغيرُ الجادِّ!!؟؟
نَعَمْ .. هو سلبي للغاية في اتجاه الشعب، وإيجابي في صالح النظام الغاشم.
ولا أقصد بكلامي العسكريين البسطاء وصغار الضباط، بل أقصد الكبار، والكبار جدًّا الذي قد يهمهم بقاء هذا النظام بصورة أو بأخرى لمكاسب ومصالح قد يحصل عليها كبار المسئولين عن الجيش مقابل عدم تعرضه أو اعتراضه على النظام بشكل أو بآخَرَ ..
نُقَدِّرُ الأزمةَ حقيقةً، وَنُقَدِّرُ الآراءَ ونحترمُها، لكن ما يزالُ السؤالُ قائمًا: أين أنت يا جيشنا العظيم من هذا الهُرَاءِ وتلك المهازل؟ سؤالٌ يحتاجُ إجابةً صريحةً بِنَعَمْ أَوْ لَا. مَن على صوابٍ وَمَن على خطأٍ؟ هل هو الشعبُ أَمِ النظامُ؟ فإذا كان الشعبُ مُخْطِئًا فلماذا لا يُكَلِّمُونَهُ بالحسنى، وَيَنْصَحُونَهُ بالانسحابِ؟ وإذا كان النظامُ مُخْطِئًا فلماذا تقفُ بجانبِه بعدمِ حمايةِ الشعبِ حمايةً كاملةً؟ إلى غيرِ ذلك من الأمورِ التي ينبغي أن يَقُومَ بها. وفي رأيي الشخصيِّ هناك أمورٌ كبيرةٌ أكبرٌ مما يَقُومُ به ينبغي عليه عَمَلُهُ ...
فالحق حق، والباطل باطل، وليس هناك نصف نصف. فإذا اختلط الحق بالباطل صار باطلًا، وإذا اختلط الباطل بالحق فإنه ما يزال محتفظًا بإطلاق لفظ ومعنى الباطل عليه. فالحق كله حق، وليس فيه أي باطل. أما الباطل فهو كله باطل، ويمكن أن يستخدم بعض الحق في الظاهر ليراد به باطل، فلا يخرجه وجود ذلك فيه عن كونه باطلًا.
شُكْرٌ وَامْتِنَانٌ: إنني - كمصري - أتقدم بخالص الشكر وعظيم الاحترام والتقدير والامتنان إلى كل إخواننا وأخواتنا الشرفاء في وطننا العربي الإسلامي العظيم، وإلى كل الشرفاء في العالم كله في أوروبا وآسيا وأمريكا، وفي كل بلاد الدنيا، الذين وقفوا مع الشباب بدعمهم معنويًّا وبث روح العزيمة والهمة في نفوسهم. فَشُكْرًا لكم.
ونحن بِدَوْرِنَا معكم نؤازركم وندعمكم - بإذن الله تعالى - عندما تتحركون وتثورون في وجوه الظالمين في باقي وطننا العربي العظيم ابتغاء الحرية وحياة كريمة.
وَالْآَنَ إِلَى الْمَوْضُوعِ الْأَسَاسِيِّ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيْدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، وَبَعْدُ:

فقد حاول المجرمون طيلة فترة بقائهم في سلطتهم الغاشمة و المضللون السفلة من أعوانهم أن يحبطوا شعوبهم ويوصلوا إليهم - بكل سبيل ممكن - أن أدنى فكرة للوصول إلى الحرية أو على الأقل إلى الحصول على بعض كرامتهم فإنما هو شيء من قبيل المستحيل، هذا مع كلامهم المستمر حول الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي، لكنه كُلُّهُ هُرَاءٌ وَاسْتِغْبَاءٌ وَحَمَاقَةٌ وَسَفَاهَةٌ.
لقد حَوَّلُوا هذا الوطن العظيم إلى دولة الرجل الواحد، والفرد الواحد، والحاكم الواحد، والذي بيده مقاليد كل شيء في البلاد، ولا صوت يعلو فوق صوته، ولا رأي يتقدم رأيه، والحكومات المتعاقبة عبارة عن دُمًى في يده يتلاعب بها كيف يشاء، يأتي بحكومة ويذهب بأخرى .. وتتحمل الحكومات المتعاقبة الذنب كله من تخلفٍ وجهل ومرض وفقر، لكن دون محاسبة أحدٍ من المذنبين. ومن علا صوته مطالبًا بمحاسبة أحد الباشوات الفاسدين زُجَّ به في غياباتِ المعتقلاتِ والسجونِ ظلمًا وعدوانًا، يظل فيها إلى أجل غير مسمى، يذوق فيها شتى أنواع العذاب المُهين الأليم.
ساعده الخادمون الفاسدون في نهب ثروات البلاد وإذلال العباد، ساعده في ذلك حزبه الفاسد المجرم، تلك الشرذمة القذرون الحقيرة، فاضطر سيادته إلى أن يترك لهم بعض لقيمات حتى يخدموه جيدًا ويبيعوا له الوطن والمواطنين، كل ذلك من أجل ثمن بخس رخيص. والعجيب أن تلك اللقيمات التي تركها لهم اللص الكبير وذلك الثمن البخس الرخيص عبارة عن مئات مليارات الدولارات ومئات الآلاف من أراضي الوطن والشركات والمصانع و .. و .. و .. فما بالكم بما أخذه هو وسرقه هو ونهبه هو من ثروات هذا الوطن الغالي العظيم!!؟؟
لكنْ: قد أتى اليوم وحانت الساعة التي لا بد من أن زلزلة هذا النظام الغاشم والوصول إلى الحرية حقيقة يمكن تصديقها، بل يمكن تواجدها فعليًّا على أرض الحقيقة والواقع، وليست زيفًا أو حُلْمًا أو خيالًا كما كان يردده البعض، فقد أصبح حقيقة - لا شك فيها - بين الناس، وصدقه الجميع بعد أن فقدوا الآمال كلها، تحققت بعد أن ظنوا أن الحرية أمر غير ممكن، وشيء من الخيال، وأن تحقيقها أو الوصول إليها مستحيل.
وجاء شباب الأمة وفتياتها العظماء فضربوا للأمة أعظم الأمثلة في الوفاء وحب الوطن والشجاعة .. إلخ، مما لم يستطع الجميع فعله، من أساتذة جامعات ورجال دين وسياسيين .. وغيرهم.
فعلوا ما لم يستطع فعله أي أحد مهما كان اسمه أو شأنه أو مكانته العلمية والاجتماعية ...
فهم أفضل من الجميع، نعم: أفضل من الجميع، بمعنى ما تعنيه كلمة أفضل مِنْ مَعَانٍ سَامِيَةٍ.
لا أدري كلمةً في الدنيا، عربيةً أو عجميةً، أستطيع أن أصف بها هؤلاء المجرمين، فقد نَفِدَ قاموسُ اللُّغَةِ عندي في إيجاد تلك الكلمة التي يُسْتَحَقُّ أن نُطْلِقَهَا على كل خَسِيسٍ دَنِيءٍ باع دِينَ اللهِ تعالى والوطنَ والشعوبَ.
تَمْهِيدٌ
قال الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [يوسف : 110 - 111].
وفي هاتين الآيتين الكريمتين الكثير والكثير من العبر والأمل وإمكانية حدوث النصر، وعلو الحق على الباطل مهما وصل الأمر إلى ظلام دامس لا يرى منه أي نور ولا يرتجى من ورائه أي خير. ونخرج من هذا العنوان وهذه الكلمة اليسيرة عنه إلى العنوان الآتي:
﴿وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه : 61]
﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه : 111]
لو قرأنا الآية الأولى من أولها: ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه : 61] فإنا نجد أن سيدنا موسى عليه السلام قد نَبَّهَ فرعون الظالم وحزبه الحاكم المتكبر على عقوبة المفترين، وحذرهم من أن الله تعالى سيسحتهم بعذاب، لكنهم لم ينصتوا، فكان ما كان، وتحقق وعد الله تعالى لموسى عليه السلام ووقع العذاب الأليم على القوم المفترين.
والآية الثانية من أولها: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه : 111] إلا أن الظالمين لم ينتبهوا أصلًا إلى شيء اسمه التوبة والرجوع والندم والتذلل للواحد القهار جل جلاله، وأصروا على ظلم أنفسهم بظلمهم للعباد، فَحَمَلُوا الظلمَ، فخابوا وما أفلحوا.
فإذا وصل أي إنسان، أو أية جهة، أو أية مؤسسة، أو أية دولة، إلى مرتبة الافتراء وبلوغ الحد في الطغيان فقد حكم على نفسه بالفناء، وتمكين أهل الحق منه ..
سأضرب هنا قصة واحدة فقط، كافية في رأيي في إثبات هذا الأمر، هي قصة فرعون، والتي أشرنا إليها في التعقيب على الآية الأولى، ولن أطيل في سردها فهي معلومة لدى الجميع، لكن أركز على نقطة واحدة فقط، ربما لم يتنبه إليها إلا القليل. وهي أن فرعون لم يبلغ درجة الافتراء بسبب أنه قال أنا ربكم الأعلى، وفرض على الناس أن يعبدوه، وإن كان في ذلك كفاية، ولكن وصل به الأمر إلى أبعدَ من ذلك. والقارئ للقصة - جيدا - يرى أن فرعون لما وصل إلى البحر ليمسك بموسى ومن معه ليقضي عليهم، ووجد البحر قد انفلق وأن موسى ومن معه قد مَرُّوا وَنَجَوْا، صمم الطاغية على النزول في البحر وراءهم وجيشه من خلفه، منتهى الافتراء والعتو والتجبر، فكانت النهاية الحتمية لذلك الطاغية المتكبر، ولا ننفي أن الله تعالى قد أعماه عن فهم الحقيقة، فنزل البحر، ولكن ما الذي أوصله إلى العمى، إنه الطغيان والافتراء.
كذلك الأمر هنا في قضية ذلك النظام الطاغي المفتري - وإن كنت أرى أن تسميته بالنظام شيء غير صحيح - فقد بلغ الحد والنهاية في الطغيان والافتراء، فوجب عليه أن يزول بما يرى أنه في مصلحته كما سنذكر في النقطة الآتية.
﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال : 30]
﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق : 15 - 17]
نعم .. فقد تسبب مكرهم وظنهم الخطأ - وذلك بسبب جهلهم المفرط ووصولهم إلى أعلى مراتب الافتراء - في أنهم قد أحكموا كل الأمور وسدوا كل الأبواب في وجوه المصلحين، ظنوا أنهم بذلك قد نجوا ونجحوا وأفلحوا وأنهم بذلك قد أمسكوا بزمام الأمور، فإذا بهم ينقلب الأمر عليهم، وتتبدل الأحوال من حال إلى حال، وسبحان الله القائل: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر : 31]
فقد كانوا هُمْ أنفسُهم والمكرُ الذي مَكَرُوهُ، كان ذلك هو الجندَ الأكبرَ من جنودِ اللهِ تعالى في إهلاكِهم والحُكْمِ عليهم بنهايتِهم.
ولو تفكرنا قليلًا، قليلًا فقط في بعض الأحداث السابقة، لَتَيَقَّنَّا وَلَعَرَفْنَا وَلَفَهِمْنَا معنى الآيات السابقة فهمًا صحيحًا جيدًا ..
حاولتْ قواتُ الشرطيةُ المعتديةُ - عَبَثًا - أن تقضي على الثورة في أول لحظاتها وإجهاضها في أول أيامها، فاعتدوا على الثورين اعتداءً سافرًا .. أخذوا يخوفونهم ويرهبونهم ويرعبونهم بكل ما أوتوا من قوة، وسبحان الله العظيم! إذا بالأمر ينقلب على المجرمين، وانخلع الخوف من صدور الشباب خلعًا، وازدادوا قوة وشجاعةً وتصميمًا على مواصلة الطريق، وعزموا على ألا يعودوا إلى بيوتهم إلى بعد أن يزيحوا النظام الغاشم من بلادهم وينجزوا المهمة التي خرجوا من أجلها.
قتل الظالمون من الثوريين عددًا، وجرحوا أعدادًا، واعتقلوا أعدادًا أخرى. كما حاول المضللون أن يبلبلوا الرأي العام ضد الشباب، وسبحان الله العظيم! إذا بالأمر ينقلب عليهم ويزداد الشباب تصميمًا على مواصلة النضال، وازدادوا عددًا ومناصرةً من جميع أفراد الشعب أو غالبيته في ميادين الحرية والنضال.
وسبحان الله العظيم! إذا بالمعتدين يُفْتَضَحُ أمرُهم يومًا بعد يومٍ، وَيَسْقُطُونَ واحدًا تلو الآخَر. فَيَنْكَشِفُ أمرُهم، وإذا بِأَكْبَاشِ الفداءِ تَكْثُرُ، بَعْدَمَا كانوا خُدَّامًا عندَ أسيادِهم، يَحْمُونَهُمْ وَيُقَبِّلُونَ أحذيتَهم، وَيَقْمَعُونَ الشعوبَ مِن أَجْلِهِمْ، فإذا بهم يُزَجُّونَ في السُّجُونِ، وَتُجَمَّدُ أرصدتُهم، وَيُمْنَعُونَ من مغادرةِ البلادِ. سبحانك رَبِّي .. مَا أَعْظَمَكَ! وَمَا أَهْوَن المجرمينَ في نَظَرِكَ! نسألُك يا مولانا العظيم العفو والعافية في الدنيا والدِّينِ.
تَخَلَّى عَنْهُ أَسْيَادُهُ. فَسُبْحَانَ اللهِ!
عندما يهون المرء في نظر الله تعالى يهون في نظر الخَلْقِ، حتى وإن كانوا أحبابه وأصحابه، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج : 18] نسأل الله تعالى العفو والعافية والسلامة، ولآ نسقط من نظره – عز وجل - أبدًا. وسبحان الله القائل: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران : 26]، وفي التاريخ مئات القصص تشهد على ذلك المعنى. فهل يُصَدِّقُ مُصَدِّقٌ أن السيد أوباما والسيدة كلينتون والسادة رؤساء دول أوربا والسيد (النتن ياهو) وغيرهم كثير قد سقط السيد مبارك من نظرهم وباعوه بسرعة عجيبة وبطريقة غريبة، بعدما كان الحليف الأكبر لهم، والحبيب الأعظم لهم، واليد اليمنى لهم في قمع أي إصلاح في الوطن العربي العظيم، وإجهاض أية محاولة للوصول إلى حرية هذه الأوطان الغالية العظيمة، وقمع كل محاولات دولة فلسطين العظيمة للوصول إلى حريتها ..
بعد كل هذا الذي فعله من أجلهم، وما فعله من أجلهم كثير جدًّا، لا يستطيع أحدٌ أن يصف حجمه، ومن المستحيل أن يفعل غيره لهم ويصنع لهم من المصالح مثلما فعل هو ومثلما صنع هو.
لو احتلت أمريكا وأوربا دولةً عربيةً ما استطاعوا أن يخدموا أنفسهم بمثل ما خدمهم السيد مبارك ونظراؤه من السادة رؤساء وملوك وسلاطين وأمراء العرب.
حقيقةٌ لابد أَنْ نَذْكُرَهَا: نشهد لهؤلاء، أقصد حكام العرب، نشهد لهم بأنهم كانوا عظماءَ جدًا، وشاطرين جدًّا، في خدمتهم لأسيادهم الأمريكان والأوربيين والصهاينة خدمةً جليلةً عظيمةً ما بعدها خدمةٌ، فقد وَفَّوْا ما أُمِرُوا به أَيُّمَا وَفَاءٍ، وأخذوا منهم أجرتهم على ذلك، وعندما تنتهي خدمتهم أو يقعون في مأزق يتخلى عنهم أسيادهم تَخَلِّيًا كُلِيًّا، ويأخذون في البحث عن خُدَّامٍ آخَرِينَ .. لكن هيهات هيهات، لن يَعُودَ هذا العهد مرة أخرى، ولن تَقْبَلَ الْأُمَّةُ بِمِثْلِ هؤلاء بعد الآن، بإذن الله رب العالمين جل جلاله.
تَخَلَّى عَنْهُ خُدَّامُهُ. فَسُبْحَانَ اللهِ!
وكما أن الأسياد قد تخلوا عنهم، فقد تخلى عنهم أيضًا الخُدَّام، الخُدَّام الذين كانوا يُقَبِّلُونَ أقدامهم وأحذيتهم كي ينالوا عندهم بعض الرضا، الخُدَّام الذين فعلوا لهم الأفاعيل وقمعوا لهم الشعوب وضللوهم بإعلامهم الفاسد، وساعدوهم في نهب ثروات البلاد وكتم أنفاس العباد بكل سبيل ممكن وغير ممكن .. كان هؤلاء الخدام أول مَن تخلوا عنهم لما رأوا أنهم - جميعًا - قد وَقَعُوا في شر أعمالهم وَحَمَّلُوهم كل ما حَدَثَ في الدولة البوليسية مِن تخريب وشغب ونهب وظلم وفساد واستبداد وطغيان وخيانة. وسبحان الله القائل: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف : 67].
فِي أُمَّتِنَا خَيْرٌ كَبِيرٌ، فِي شَبَابِنَا، كُنَّا نَحْسَبُهُ غَيْرَ مَوْجُودٍ
قد ثبت - فعلًا - أنه متواجد في أهل الحق والشرفاء، ووجد أكثر في شبابنا وفتياتنا الذين كان يحسبهم الكثيرون أنهم شباب فاسد أفسدهم الإنترنت والفضائيات الهزيلة، لكنهم أثبتوا للجميع أنهم أفضل من الجميع. بدأوا الأمر، وهم أول من تحركوا، وكانوا في قلب المعركة، ولم ترهبهم قوات الشرطة الغاشمة بسلاحها المجرم، فوقفوا في وجوه المجرمين وقفة الرجال العظماء الشرفاء، واستقبلوا الموت في عزة وإباء، وصمموا على المضي قُدُمًا في سبيل تحقيق الهدف الأكبر الذي جاءوا من أجله ..
ثَوْرِيُّونَ لَا مُتَظَاهِرُونَ
ما قام به شبابنا العظيم ليس مظاهرة، وإنما هو ثورة بمعنى تحتويه الكلمة مِن مَعَانٍ سَامِيَةٍ. فالمظاهرة مجموعة تخرد لتعبر عن شيء ما، أو تطلب شيء ما، أو تعترض عن شيء ما، ثم تعود أدراجها، ويذهب كل منهم إلى بيته وعمله .. وتنفض المظاهرة بطريقة أو بأخرى، سواء سمع أحد لمطالبهم أو لم يسمع، وسواء استجاب أحد لمطالبهم أو لم يستجب.
أما الثورة فعناها أعظم من ذلك بكثير، وهي كما نرى ونسمع ونشاهد ليست مجموعة خرجت لتعبر عن رأي وسرعان ما انتهت وتلاشت، أو سرعان ما انفضت، لا، ولكنها مستمرة أيامًا وليالي، مستميتة ومصرة على على شيء ما، تموت من أجله، وتدفع في سبيل إنجاز ثورتها كل غال ونفيس، ويتزلزل النظام بأكمله، ويسارع إلى الاعتراف بفساده، وإلى إرضائهم بكل سبيل، مع بعض المحاولات منه بالكذب والتضليل، إلا أنهم لم يَعُودُوا كسابق العهود، يسمعون ويصفقون، ثم ما يلبث النظام ألا يفي بوعوده كما اعتاد ذلك، ولكنهم مصممون على تنفيذ مطالبهم كاملة دون أي نقص منها، مصرون إصرارًا هز العالم بأسره، مما جعل أصحاب وأحباب النظام يطلبون منه أن يمشي ويترك لهم البلاد والأوطان. سبحان الله!
الثَّوْرَةُ وَالْجُوعُ
هذا .. وما يزال بعض المضللين - في الإعلام وغيره - يريدون أن يُنْقِصُوا مِن قِيمَةِ وَقَدْرِ هذه الثورة الكريمة الشريفة، ويتهمون أصحابها بالجوع والبطالة، وأن الجوع هو الذي أخرجهم، وأن البطالة هي التي جمعتهم على أخذ هذا القرار العظيم. ويتهمون هؤلاء الشرفاء بأنهم خرجوا ويخرجون من أجل بعض الجنيهات ووجبة الفراخ والكنتاكي. مَهْزَلَةٌ وَقِلَّةُ أَدَبٍ مِمَّنَ قَالَ، وَمِمَّن نَقَلَ، وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ، مِنْ تِلْكَ الْعِصَابَةِ المُجْرِمَةِ.
فليس الجوع أيها السفهاء ولا البطالة أيها الأغبياء هما اللذان حركا الثوريين، ولكنها الحرية، الحرية التي حَرَمَنَا منها الظالمون المستبدون عقودًا طويلةً من الزمان.
الحرية .. تلك الكلمة العظيمة التي لا يعرف معناها على حقيقته إلا مَن حُرِمَ منها، وذاق الذل والهوان طيلة عمره على أيدي شرذمة حقيرة استبدوا بحكم البلاد واستعبدوا بظلمِهم العبادَ.
خرج هؤلاء يريدون إسقاط رأس النظام الظالم المستبد، وأذياله المجرمين، الذي حرصوا كل الحرص في إخراص كل لسان شريف وحرق كل قلم نظيف، آخذين في حسابهم كل السبل الممكنة وما أوتوا من قوة من أجل المحافظة على نظامهم المجرم والسيطرة التامة على أمنهم وثروات البلاد والعباد.
خرجوا يريدون لأنفسهم ولشعوبهم ولأوطانهم الخير كل الخير، في شيء نُسِيَ - تقريبًا - من قاموس الشعوب، شيء عظيم اسمه الحرية ..
احْذَرُوا السُّوسَ يَا شَبَابُ
في مثل هذه الثورات العظيمة والشريفة يَكْثُرُ السُّوسُ الذي يحاولُ أَنْ يَنْخُرَ في العَظْمِ، وَأَقْصِدُ بالسُّوسِ الفئةَ الغوغاءَ التي تحاولُ أَنْ تَنْخُرَ في عِظَامِ شبابِ الثورةِ للوصول إلى أمر من أمرين: إما أن تجهض الثورة نهائيًّا. وإما أن تقلل من شأنها. وذلك عن طريق الفئة الغوغاء التي ذكرناها والمضللين الذي يحاولون تضعيف الصف القوي وتعكير صفوه، كالآتي بيانه.
أولًا: عن طريق التثبيط والإحباط بشتى الطرق، كقولهم إن ما تفعلونه لن يأتي بخير، والخروج على الناس عبر إعلامهم الغبي بعبارات وخطب وشعارات غبية لتضليل الرأي العام وبلبلة فكره وقلبه على الثوريين، واعتقالات الثورين وخصوصًا رموزهم والناشطين فيهم، ومحاولات تخويف وترهيب الثوريين بإطلاق بلطجية النظام المستبد والحزب المجرم على الثوريين الشرفاء لينفضوا .. إلى غير ذلك من الطرق المعهودة لدى النظام الفاشل الغاشم.
ثانيًا: عن طريق شن حرب الفرقة الثوريين، وذلك عن طريق محاولة الإيقاع بين صفوف الثوريين، باللعب على دور البطل. فيطلقون غوغاءهم من الإعلاميين الفاشلين وغيرهم من الأغبياء ليبثوا روح الفرقة بينهم، فيقولون يا شباب أنتم الأبطال، وأنتم أصحاب الفضل، فلا تسمحوا للقوى المعارضة أن يتواجدوا بينكم، أو أن ينسبوا الفضل لهم، أو أن يتكلموا بأسمائكم، أو أن يأخذوا الراية منكم .. إلخ. وذلك واضح جدًّا.
وللأمانة نقول: إن الشباب هم أصحاب الفضل الأول بعد الله تبارك وتعالى في هذه الثورة العظيمة الكريمة.
لكنْ، وللأمانة أيضًا نقول: يا شباب: لن تستطيعوا الصمود وحدكم، لا بد من تأييد الشعب لكم، وما كنتم تستطيعون الصمود لولا وقوف العجائز والشيوخ والأطفال والرجال وأصحاب الكلمة الصادقة والقلم النظيف والقنوات الفضائية المحترمة والمؤيدين لكم من جميع الطوائف المختلفة.
فلا تسمحوا للغوغائيين أن ينشروا روح الفرقة بينكم، واعلموا أنهم لن يهدأوا أبدًا في نشر هذه الروح الخبيثة بينكم، واطمئنوا، فإنهم لن يستطيعوا أن يصلوا إلى أهدافهم - بإذن الله تعالى - ما دمتم فاهمين لمقاصدهم الغبية ومتضامنين ومتعاونين فيما بينكم. ربما ينجحون أحيانًا في بث روح الفرقة، فهي حرب، وفيها كَرٌّ وَفَرٌّ، والناس متفاوتون في الفهم والفكر والعقل، وأيضًا في طيبة القلب التي تلعب أحيانًا في الرجوع والتنحي عن المقد الذي كانت تنادي به، والتي خرجت من أجل تحقيقه. هذا وارد جدًّا، ولا مشكلة فيه، وربما يكون خيرًا، لأن وجود هذه الفئة الطيبة ربما تكون غير إيجابية في الصف المتحمس، لأنها ربما بلبلت الفكر وغيرت الرأي. لكن المهم في النهاية أنكم لا تسمحوا أبدًا لِأَيٍّ مَن كان أن يهدم هذا الصرح العظيم الذي بنيتموه، ولا تسمحوا لهم أبدًا بإثارة روح اليأس بينكم، ولا بتحطيم هذه الحقيقة العظيمة وهذا الواقع العظيم الذي كان في ذات الأيام حُلْمًا جميلًا يراود هذا الشعب العظيم. واعلموا أن الصادقين الحقيقيين والرجال الحقيقيين والمخلصين الحقيقيين هم الذي يثبتون في ميدان المعركة حتى النهاية، إما النصر وهو تحقيق الهدف، وإما الشهادة، ويا لها من شرف عظيم. قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [البقرة : 249 - 252]. وقال جل جلاله: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [يوسف : 110 - 111].
إِيَّاكُمْ وَالتَّقَهْقُرَ
يريد الفاسدون أن يستمروا في حكمهم طول الزمن، أو لأكبر مدة ممكنة، إبقاءً على مصالحهم الشخصية والدنيوية والتي لا تمت بأي صلة إلى أي مصلحة للوطن والمواطنين. وذلك واضح جدًّا.
يدعون الشباب بالعودة إلى منازلهم، مدعين كذبًا أن غالب مطالبهم قد تحققت، وما يزال النظام يحقق بقيتها، ويتخذون كل وسائل الاستغباء والاستعباط والاستهبال والاستحمار والاستبقار والاستجماس والسفاهة في محاولة إقناع الناس وأخص الشباب، وإصرارًا منه هؤلاء البهائم في معاملة الشعب وخطابه على أنه شعب ما يزال سفيهًا غبيًّا، وواضح جدًّا أنهم هم الذين ما يزالون أغبياء وسفهاء وبهائم ..
فلا تَدَعُوا لهؤلاء السفهاء الفاسدين أية فرصة في التنحي عن موقفكم أو التنازل عن أي مطلب من مطالبكم العادلة، فهي فرصتكم للوصول إلى مطلبكم. فلا تثقوا في الفاسدين المفسدين، فإنه لا يوجد أي دليل واضح لتوبتهم وإعلان ندمهم وأسفهم على ما أجرموا، ولا توجد أية إشارة منهم في اعترافهم بالذنب والفساد طيلة هذه العقود العصيبة في عمر هذا الشعب العظيم.
واحذروا الوقوع في شبكة الحوارات ومجالس الحكماء وغير ذلك، فإنها خديعة لمحاولة البقاء بقدر المستطاع، ولسوف يذيقونكم سوء العذاب بعد التمكن ولو قليلًا. فإنه لا يمكن أن ينقلب الكذاب الكبير طول عمره صادقًا فجأة، ولو كانوا صادقين لتركوا البلاد للعباد، ولكنهم ثعابين سامة في صورة مصلحين للأمة، أعني محاولين أن يصوروا أنفسهم صالحين مصلحين. وكلهم رعب شديد من أن يطالب ب: مِن أين لك هذا؟ ولماذا فعلتَ هذا وهذا .. ؟؟
التَّكَافُلُ الْعَظِيمُ، وَالشَّرَفُ وَالطَّهَارَةُ وَالنَّقَاءُ
ما يحدث في ميادين الثورة لهؤلاء الشرفاء يؤكد شرف هذه الثورة وشرف من قاموا بها، هم في ميادين الثورة يتكافلون ويتضامنون ويتحابون .. وطبعا هذا لا يرضي المضللين، فيأتي المضللون ليتهموا هؤلاء الشرفاء بالجوع والشحاتة، وأنهم ما خرجوا إلا احتجاجًا على سياسة التجويع، أو ابتغاء لقمةً في ميدان التحرير أو وجبة يقدمها لهم زيد أو عبيد. منتهى الوقاحة.
وما سمعناه وما تردد كثيرًا من تكافل الْأُسَرِ المصرية، مسلمين ونصارى، من تقديم الطعام والدواء للمحتاجين، شيء أكثر من رائع، ويدلل على طيبة هذا الشعب المصري العظيم، كما أن التكافلَ دِينٌ، وقد حَثَّ عليه الإسلامُ العظيم، خصوصًا في مثل هذه الأوقات العصيبة والحرجة التي يمر بها الشعب المصري العظيم، وأنا على يقين تامٍّ بأن المصريين الشرفاء سيتكافلون فيما بينهم، سواء في ميادين الثورة، وفي غير ذلك.
وكذلك كلام السفهاء التافهين مِن أن ميدان الشجاعة والثورة والمطالبة بالحقوق أصبح وَكْرًا للدعارة والزنا، ومتنزهًا للشباب والفتيات، وغير ذلك مِن الكلام السافل الذي يخرج مِن أَلْسِنَةٍ باطلة كاذبة ..
والله لقد كانوا قِمَّةً في الأدب والطهارة، ولم يكن في بال أحدهم أو حسبان بعضهم أن ينظر إلى الآخَر إلا على سبيل أنها أخته أو هو أخوها، أو أنها ابنه أو هو أبوها، ورأينا بأعيننا ما لم نكن نستطيع تصديقه، لولا أن رأيناه بأعيننا وسمعناه بآذاننا وَحَدَّثَنَا به الْعُدُولُ الثِّقَاتُ، فقد رأينا جِيلًا بَدِيعًا في الْأَدَبِ، وَنُمُوذَجًا زَاهِرًا زَخِرًا بِالشَّرَفِ .. شبابًا نَقِيًّا طاهرًا رائعًا في المطالبة بحقوقه المشروعة في حكمةٍ وَعِلْمٍ وَفَهْمٍ وَرُقِيٍّ وَإِبَاءٍ ..

دِمَاؤُكُمْ طَاهِرَةٌ يَا شَبَابُ، غَالِيَةٌ عَلَى الشُّرَفَاءِ
لكل طالب للحرية ضحايا، هذا مفهوم لا بد أن يَعِيَهُ مُرِيدُو الحريةِ، فمن أراد الحرية دون أن يقدم ضحايا فليجلس في بيته، فذلك أفضل له.
فالمستبدون المجرمون لن يسمحوا للشرفاء أن يستعيدوا حريتهم بسهولة، أبدًا، سوف يحاربونهم ويقفون ضدهم مستخدمين في ذلك كل قوة ووسيلة القذرة، من بطش وتضليل وإعلام تافه فاسد مشوه.
ويأتي السيد الرئيس والسيد رئيس الوزراء ليأسفوا ويعتذروا عن الدَّمِ الطاهرِ الذي سال في معركة الشرف والمطالبة بالحرية، ولما افتضح النظام الفاسد، وظهر إجرامه لكل الناس، ظهر المسئولون ليعتذروا عن دَمِ الشرفاء إلي قتلوا في معركة الكرامة.
دَمٌ رخيصٌ جدًّا في أعينهم العمياء وفي قاموسهم اللغوي والمعنوي والنظري والحسي، الغبي، والغبي جدًّا، واكتفوا بكلمة اعتذار فقط. هكذا هو ثمن الدم الطاهر عند هؤلاء، يساوي كلمة اعتذار، وربما أنهم ما تنازلوا عن كبرهم واضروا أن يقولوها إلا بعدما انكشف أمرهم، فحاولوا - خائبين وعابثين- أن يضحكوا ثانيةً على شاب واعٍ وشعبٍ أفاق مِن غَفْلَتِهِ ..
حاول الإعلام المصري العظيم تعتيم الحقيقة بأكملها – كما تقدم وذكرنا – كعادته، ونحمد الله تعالى أن هناك قنوات أخرى كانت موجودة في قلب الحدث بقدر مستطاعها، فقد أجبرتها الشرطة والبوليس المصري العظيم على عدم التواجد في قلب الحدث، إلا أنهم تواجدوا بقدر ما استطاعوا أن يتواجدوا، ولولا ذلك لَمَا كان عند جهاز الشرطة الشريف العظيم أي مانع في إبادة هؤلاء الشباب جميعًا إبادة جماعية، ولصنع بحرًا من دماء أبناء هذا الوطن العظيم، دون النظر أو الالتفات إلى أي شيء. وَلَمَا كان هذا الدم الطاهر يساوي عندهم جناح بعوضة، ولما سمعنا من أحدهم – حتى – مجرد الاعتذار عن دم طاهر سال ولا عن غيره من الاعتداءات التي لا تعد ولا تحصى.
وُجُوبُ نُصْرَةِ الْحَقِّ
وجوب نصرة هؤلاء، ووجوب نصرة هذا الوطن وهذا الشعب، ووجوب العمل المستمر لتحقيق التغيير، فالأمر أصبح واجبًا على الجميع، وليس على هؤلاء الموجودين في ميادين الثورة وحدهم ,أخص ميدان التحرير .. كل في ميدانه يجاهد ويناضل ويعمل .. حتى يتم النصر، ويتغير الحال، ويعم الخير على وطننا ومواطنينا.
فإذا كان المبذول في تحقيق النصر والحرية شيئًا عظيمًا من جهد وتضحياتٍ، فإن المحافظة على النصر والحرية يحتاج جهدًا أعظم وعملًا مستمرًّا ونضالًا متواصلًا مما قُدِّمَ في تحقيقهما مئات المرات ...
لِذَا:
فإني أطلب من الجميع الوقوف يدًا واحدةً قويةً في مواجهة الصعاب، والمرور بهذا البلد العظيم إلى شاطئ الأمن وبر الأمان، وهذا الأمر يحتاج إلى: الاتحاد، وعدم الفرقة، والتجرد التام لخدم هذا الوطن العظيم وترك المصالح الشخصية وراء الظهور، وعدم الانتهازية، فإن انتهاز الفرص للصعود عاليًا وبسرعة كبيرة فوق مصلحة الوطن والمواطنين لسوف تكون أعظم السبل في تحطيم المنتهزين المحبين لأنفسهم فقط، كما فعل الْأَوَّلُونَ ..
عَلَى الْأُمَّةِ جَمِيعًا أَنْ تَصْحُوَ، وَأَنْ تَفِيقَ مِنْ غَفْلَتِهَا
فقد بدأت بالأمس تونس، واليوم مصر، وغدًا – بإذن الله تعالى – بقية أمتنا العربية، فواجب على كل بلادنا العربية والإسلامية أن تصحو اليوم قبل غد وتطالب بحقوقها ..
تفهم ما لها وما عليها، وما ينبغي عليها عمله، حتى يتغير الحال إلى الأفضل، ولا نبقى دائمًا هكذا في أذيال الأمم، وكان من الواجب علينا أن نكون نحن ساداتهم، لكن الفضل في كوننا أذيال الأمم يرجع - بلا شك - إلى حكامنا الذي أصروا على مبادئهم البليدة الخائبة .. إلا أن الأمر قد تغير فعلًا.
تَغْيِيرُ الدُّسْتُورِ جِذْرِيًّا
وهو أمر لا كلام فيه ولا نقاش، فليس محل أخذ ورد.
فالدساتير في الأنظمة العربية، والتي هي في صالح رئيس الدولة فقط وحزبه وأصحاب المصالح الخاصة، والتي لا تمس بأي صلة صالح الوطن والشعب في حقيقة الأمر وواقعه، فما فيها من مصلحة للوطن والشعب فهو فقط عبارة عن حبر على ورق، تضحك بها الفئة المستفيدة على المستضعفين في الأوطان، وتتشدق بها الفئة الغبية عندما تتحدث عن حب الوطن والوفاء له والموت في سبيله وعلى أرضه وأن يدفنوا في ترابه، والعمل الدائم والمستمر والدءوب وسهر الليالي الطويلة والتفكر دائما في مصلحة المواطنين، خصوصًا محدودي الدخل. تلك الكلمات الغبية في واقعها لا في معناها، فقد أوجعوا رءوسنا طيلة حكمهم وصدعونا كثيرا واستهتروا بنا طويلًا وسخروا منا دائمًا وهم يقولون لنا على الدوام: أنتم شُغْلُنَا الشَّاغِلُ، وأنتم هَمُّنَا الكبيرُ. وإذا تَفَكَّرْنَا جيدًا في العبارتين الأخيرتين، وَجَدْنَا أننا بالفعل كنا شُغْلَهُمُ الشاغلَ وَهَمَّهُمُ الكبيرَ في الوصول بنا إلى أقصى درجات الانحطاط والفقر والمرض والجهل والخوف ..
لكن نحمد الله تعالى أن هيأ لنا الفرصة العظمى لكي نفيق، لكن جاء ذلك على أيدي شبابنا، وإن كان ذلك شرف كبير إلا أنه وللأسف الكبير أيضًا قد غفل عن تحقيقه الكبار من العلماء والأساتذة والإعلاميون ورجال الدين من شرفاء هذا الوطن الغالي. لكن - عمومًا - نحمد الله تعالى أنه الأمر قد حدث وأصبح واقعًا - فعلًا - لا حُلْمًا ولا خَيَالًا.
وهذه فرصة كبيرة جدًّا جدًّا لفرض دساتير جديدة ومجالس شعبية وشورى جديدة وعصر وحرية حقيقية، بدءا من هذه اللحظة الحاسمة في عمر هذه الأمة، وعدم السماح بالتلاعب فيها أبدا أبدا، والشعب والوطن فوق كل نظام مهما كان، واحترام حرية المواطنين وسلامتهم .. أصبح واجبًا على كل نظام تنفيذه، وأي نظام يجب أن يكون في خدمة وطنه وشعبه، ووجب - في رأيي - أن يكتب على صدره دائمًا وأبدًا - حتى لا ينسى أو يتناسى أو يتجاهل أو يتغابى - أنا خادم الشعب والوطن ..
كلمة أخيرة في الدساتير: يقولون إن الدساتير لكي تتغير ويحدث فيها إصلاح ما لا بد من أخذ الوقت الكافي لحدوث ذلك، وهو كذب ونفاق، فقد مر عشرات العقود من الزمان، وليس هناك كلام إلا على الدستور، أو كان يأخذ الحيز الأكبر من الأحاديث، وأصغر شاب في مصر يستطيع أن يغير الدستور ويصلح ما فيه من خلل واضح في خمس دقائق، فما بالكم بأساتذة الجامعات ومن السياسيين والقانون وغيرهم!! كم من الوقت يأخذون في تعديل تلك المواد الهابطة من هذا الدستور الهابط الذي لا يخدم إلا شخصًا واحدًا في الشعب، وفئة واحدة من الناس، ألا وهو شخص رئيس الجمهورية، وألا وهم فئة الحزب الوطني الحاكم!!!
وُجُوبُ مُحَاكَمَةِ كُلٌّ الظَّالِمِينَ الْمُجْرِمِينَ
وجوب محاكمة كل الظالمين المجرمين السفاحين مهما كانت أسماؤهم وشخصياتهم، تلك الفئة الغبية من البائعين الذين باعوا الشعب والوطن والدين، واستبدلوا ذلك بثمن بخس زهيد. وينبغي عدم أخذ مبدأ الرأفة والمسامحة في حقهم أبدا، وهذا من الدين لا محالة، وليس من الإرهاب والتعصب وجمود القلب كما يدعي البعض، وليس نابعًا من غضب ما أو تصفية حسابات، إنه الدين يا إخواني، والقانون أيضًا الذي لا يتعارض مع الدين في ذلك بشيء.
فإن سارقًا لأقل مبلغ من المال، أو متهاونًا أو متكاسلًا أو ناسيًا لسداد فاتورة كهرباء مثلا، ورفع شأنه إلى القضاء، سواء علم أو لم يعلم بأن شأنه قد رفع إلى القضاء، وفي الغالب لا يعلم، ويحكم عليه غيابيًّا، يُزَجُّ به في غيابات السجون دون أن يعرف جريمته إلا بعد حينٍ، وإلى أن يظهر له صاحب. هذا الأمر لا أبالغ فيه، وأستطيع أن أؤكده بعشرات القضايا التي حدثت بالفعل في نحو ما ذكرتُ، ويستطيع غيري أن يسرد مئات القصص الحقيقية في هذا الشأن.
فإذا كان الأمر كذلك، أفلا ينبغي على من سرق المليارات واحتكر السلع وكانت أراضي الوطن تحت أمره يتصرف فيها كيفما شاء، ومن تسبب في سرطنة الأكل والشرب حتى انتقل إلى أجساد العباد، ومات في ذلك الملايينُ من الشعب، ومن اعتقل المظلومين فقضوا في سجونهم عشرات السنين، فحبس حرياتهم وقتل منهم من قتل .. أفلا ينبغي أن يحاكم هؤلاء؟؟
ومن باع الوطن لليهود الصهانية الغاشمين، وتآمر معهم على هذه الأوطان العظيمة والشعوب الشريفة، أفلا ينبغي أن يحاكموا على إجرامهم؟؟؟
كلمة حق وشهادة صدق من الشرفاء، هل يستطيع أحد أن يصدق أن الدولة تصدر أفضل ما عندها من مواد غذائية وغيرها للخارج، أما أبناء الوطن فلا يبقى لهم إلا بقايا مواد أقل جودة بكثير جدا مما صدر للخارج، أدنى مواد غذائية يأكله أبناء هذا الوطن، طعام فاسد وماء فاسد، أدنى قطن لأبناء الوطن، كل شيء أدنى فهو لأبناء هذا الوطن الذين هم في الأصل الأصحاب الحقيقيون لهذا الوطن ..
هل يستطيع أحد أن يصدق أن الغاز يباع لأعداء الوطن والدين، أعني الصهاينة، يباع لهم بثلث ما يباع لأبناء هذا الوطن، يعني يباع لأصحابه الأصليين بثلاثة أضعاف ما يباع لأعداء الوطن. سبحان الله! معادلة عجيبة فعلًا. وكلكم يعرف جيدًا اتفاقية الغاز التي بين مصر وبني صهيون.
كلمة حق وشهادة صدق .. كيف يكون هذا ؟ والأمر أعظم بكثير من هذا ومما ذكرت، فإن ما ذكرته نقطة صغيرة من بحر عظيم تموج أمواجه بفساد عجيب ومدهش، كيف استطاع هؤلاء الغاصبون أن يتحولوا إلى كل هذا الإجرام العجيب!!!
فواجب على أهل الحق الذين مكنهم الله تعالى ونصرهم ألا يكتفوا أبدًا بالسماح لأهل الباطل بأن يرحلوا عن الأوطان مُحَمِّلِينَ معهم أموال والشعوب، فالمال المنهوب كثير، وكثير جدا، يحتاج إلى تحميل وتحميل. حتى وإن استطاع الخائنون الهروب، وتمكن المجرمون من مغادرة البلاد بطريقة أو بأخرى، فينبغي على المصلحين أن يتعقبوهم دائمًا وأبدًا، وألا يهدأوا أبدا عن المطالبة بالإمساك بهم والقبض عليهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة ..
ومن هؤلاء المجرمين: الذين ضللوا الناس، وضللوا الرأي العام، أو حاولوا أن يفعلوا كما سيأتي في النقطة الآتية.
كَلَامٌ عَنْ تَضْلِيلِ النَّاسِ إِعْلَامِيًّا لِكَسْبِ تَعَاطُفِهِمْ
حدثني بعض إخواني أن الخطاب التافه - الذي ألقاه مبارك - والقنوات المصرية الكاذبة قد بلبلت فكر بعض الناس وكسبت تعاطفهم، فقلت له: إن هذا شيء طبيعي، فهي معركة بين حق وباطل، فالحق لا يحارب نفسه، بل يحارب باطلا، وباطلا قويا جدا، على الأقل في ظاهر الأمر، وهذا الباطل يمتلك كل أجهزة الدولة، من إعلام وبوليس علني وسري، ومعه كثير من رجال الأعمال غير الشرفاء والذي استحوذوا على البلاد والعباد أيضًا، والذين ليس في مصلحتهم سقوط النظام الغاشم، فهؤلاء السفهاء التافهون لن يهدأوا أبدا ولن يسكتوا أبدا عن اتخاذ كل الوسائل الممكنة في بلبلة الرأي العام من البسطاء والمساكين الطيبين الذين تحركهم الكلمات الرقيقة في ظاهرها والتي تحمل السم لهم في باطنها، وهم لا يعلمون. وكذلك في استخدام البلطجية وخريجي السجون من المجرمين الحقيقيين والمجرمين من الشرطة الذين ينبغي أن يكونوا في خدمة الشعب كما يطلقونه على أنفسم، لا كما يطلق عليهم الناس، لأنهم يعلمون والناس يعلمون كذلك أن هؤلاء شرذمة قذرة من الناس يعيشون حياتهم الدنيا خداما عند خنازير، وأعتذر - حقيقة - للخنازير لأنني شبهت هؤلاء القذرين بها، والمفروض أن هؤلاء ينبغي أن يكونوا في خدمة الشعب فعلًا لا آلهة تعبد ..
وَمِنْهُ التَّلَاعِبُ بِالْأَلْفَاظِ
يحاولون اللعب بالألفاظ واستمالة هذا الشعب الطيب البسيط ببعض الكلمات والألفاظ وبعض الخطابات والبيانات، والتي قد يظهر في بعضها الصدق أو الخير ..
الرئيس أب لكل المصريينَ، ولدت وعشت وسأموت في هذا الوطن، الضربة الجوية، جنبنا الحرب طيلة فترة رئاسته، بنى المدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات والطرق والكباري .. إلخ.
أليس واجبًا على كل رئيس وأي رئيس وأي مسئول أن يعمل ويجتهد في خدمة شعبه ووطنه؟! ولماذا يختار الناس رؤساءهم؟ هل يختارونهم ليناموا؟ وليسكنوا القصور؟ وليأكلوا اللحوم والطيور؟ ولينغمسوا في اللهو واللعب ونسيان الأوطان والشعوب؟ أَمْ أنهم يختارونهم ليعملوا ويجتهدوا في خدمة شعوبهم ويسعون مجتهدين في مصالح الأوطان والشعوب. وزعماؤنا – ما شاء الله عليه – قد أخذوا على عملهم رؤساء أجرهم وزيادة، بل أخذوا أجرهم ومليارات الزيادات على ذلك ..
ليس ذلك فحسب، بل ساهموا أكبر مساهمة في تخلف البلاد والعباد.
لماذا علينا كل هذه المليارات الجبارة من الديون؟ ولماذا تزيد عامًا بعد عامٍ؟ لَمْ نسمعْ في سنة من السنين أن الديون تقل، أو أن الديون قد اقترب الأجل لكي تسد نهائيًّا. إنها تزيد عامًا بعد عامٍ بشكل مذهل وشنيع.
أين عائد قناة السويس الذي بمفرده يسد حاجة فقر المصريين جميعًا؟
أين عائد الغاز والبترول وغيره مِن موارد الدولة؟
لماذا نصدر الغاز لليهود بثلث ما يباع للمصريين أنفسهم أصحاب البلد وأصحاب الغاز؟
ألم يسمعوا يومًا عن التزوير الرهيب في مجلسي الشعب والشورى وغيرهما؟ بالتأكيد سمعوا عنه وعن غيره، لكنهم لم يلتفتوا إليه ولا إلى غيره.
ألم يسمعوا عن الباشوات رجال الأعمال الذين أصبحوا أصحاب الدولة بعدما استولوا على ثرواتها وأموالها وأراضيها ومصانعها وشركاتها و .. و .. و ..؟
ألم يعرفوا أن الحكومات السابقة جميعًا كانت حكومات ضالة مضلة فاسدة مفسدة؟ بالطبع علموا ذلك، وبالرغم من ذلك لم يفعلوا شيئًا.
هل سمعنا أنهم حاكموا مسئولًا ثبتت عليه التهمة بالسرقة والنهب لثروات البلاد؟ حتى إنهم رفضوا أن يسمعوا لأهل الإصلاح والمطالبين بمحاسبة ومحاكمة الفاسدين.
أتدرون لماذا لم يلتفتوا إلى أصوات المصلحين الذين يطالبون بمحاسبة ومحاكمة الفاسدين؟ الإجابة: لأنهم الرءوس القذرة في الفساد والإفساد والسرقة والنهب. أما الآخَرُون فهم أذيالهم النجسة في النهب والسرقة والفساد والإفساد ..
لماذا نستورد القمح بمليارات الدولارات، وعندنا من الأراضي ما يكفي لزراعة القمح، وسد العجز، بل والتصدير منه أيضا. ويا ليت ما يستوردونه يصلح للاستخدام الآدمي .. مهازل والله
ألف مليون سؤال على البال، وبالتأكيد حضراتكم تعرفونها جميعًا، وتدور في خلدكم، لسنا هنا لتعدد تلك التساؤلات، ولكن بعض الردود البسيطة على المتلاعبين بالألفاظ.
يَبْقَى سُؤَالٌ وَاحِدٌ مُهِمٌّ: لَوْ وُجِدَ موظفٌ شريفٌ يشهد له الجميع بالنزاهة طيلة عمره، ثم أخطأ في عمله بطريقة أو بأخرى، هل تحاسبه الدولة على خطأه وتقصيره وتعاقبه على ذلك؟ أم تعطيه هدية وعلاوة ومكافأة وترقية؟ ماذا تفعل به؟ بالطبع ستعاقبه على خطأه، لا ليأخذ عليه مكافأة. فما الفرق إذن؟
وَمِنْهُ: - بمساعدة الإعلام الفاسد وغيره كما تقدم - اتهام الآخَرِين بتحريض الشباب بما يصنعون. والشباب يقسمون بالله العظيم أنهم هم الذين قاموا بالموضوع بأكمله. كل دقيقة وكل ثانية يظهر متخلف من المتخلفين الكُثُرِ ويقول: الجماعة المحظورة - يقصدون الإخوان المسلمين - هم الذين يحرضون الشباب على هذه التظاهرات والاعتصامات، بلاهة وسفاهة ليس لهما حدود.
ويجدون أن الناس لا يقبلون هذه التهمة، فيتهمون المتظاهرين أنهم يأخذون على ذلك مئات الدولارات. وسفيه خرج على الناس ويقول إنهم خرجوا إلى المظاهرات منتظرين وجبة من الطعام، وصفها سفيه منهم بأنه نصف فرخة، وظل يردد ويتشدق ويقول: تبيع وطنك يا مصري بنصف فرخة!!
وهم أنفسهم يعلمون أنهم كاذبون، لكنها حرب بين حق وباطل، وطبيعي أن يتخذ الباطل كل الوسائل الممكنة في حربه ضد الحق، وهذا أمر بديهي.
وَمِنْهُ: تلاعب رئيس الوزراء المصري بالألفاظ لما قال إن الرئيس مبارك قد تنحى بالفعل عن الحكم، أو في حكم التنحي، لما اتخذ قراره بعدم ترشيح نفسه مرة أخرى ..
ما يزال هؤلاء مُصِرِّينَ على الاستخفاف بعقول الناس، لا يا سيادة رئيس الوزراء، ليس وجوده في السلطة لانتهاء فترة انتخابه تنحيًّا عن الحكم، وإنما هو منتهى الكبر والعناد والاستبداد في البقاء في الحكم رغم كل شيء، رغم الفساد الذي تعرض له الوطن بسببه وبسبب النظام الفاسد الذي خلقه لنا سيادته، وبسبب كل المتلاعبين بالألفاظ، وبسبب كل الكاتمين للحق والحقيقة.
ليس بقاؤه يا سيادة رئيس الوزراء في الحكم حتى النهاية تنحيًّا، وإنما وجوده فيه حتى النهاية إنما هو لإبقاء مصالح اليهود وأعداء الشعب والوطن سارية وباقية في أمان تامٍّ، والتي لن تكون في أمان تامٍّ في غير حكمه، إلا إذا سار غيره على نفس طريقته ودربه وطريقه، والذي لن يكون أبدا بإذن الله تعالى، فقد انتهى ذلك الزمن ومضى ذلك العهد.
ليس بقاؤه يا سيادة رئيس الوزراء في الحكم حتى النهاية تنحيًّا، وإنما وجوده فيه حتى النهاية إنما هو فرصة لنهب باقي ثروات البلاد بقدر المستطاع، لأنه كان في البداية ينهب وهو يعلم أنه موجود، وأن ابنه سيخلفه من بعده، فلا خوف من أحد. أما الآن وهو يعلم أنه سيغادر، وأن ابنه لن يقبله الشارع المصري بحال من الأحوال، فإن ثروات البلاد التي كان تحت أمره وأمر زوجته وأولاده لن تكون تحت سيطرته، فلا بد من بقائه مدة من الزمن يستطيع أو يحاول فيها أن يجمع من ثروات البلاد وينهب من أموال الشعب ما يستطيع أن يجمعه. وسبحان الله!! عجبًا على نفس لا تشبع!! وكيف تشبع وقد زين لها الشيطان أنها الإله الأكبر والسلطان الأعظم والمالك الحقيقي للشعب والوطن.
وأنتم بذلك يا سيادة رئيس الوزراء تشاركونه في الإثم وتساعدونه في الذنب، بتضليلكم الناس، وتلاعبكم بالألفاظ، واستخفافكم بعقول الشعب، وهذا لا يدل على نزاهة منكم، بل يدل على مساعدتكم إياه بنهب البلاد واستعباد العباد.
ومنه: تلاعبهم، وما يزالون يتلاعبون ويستغبون ويستخفون بالشعب، يقولون: أنتم تنادون بالديمقراطية، والديمقراطية تعني الأغلبية، والأغلبية يريدون بقاء الرئيس ونظامه.
أقول: أنتم تكذبون كذبًا واضحًا لا يحتاج إلى دليل، لأننا لو افترضنا أن في شوارع البلاد ملايين الناس كما تقولون أنتم، أفليس لهؤلاء الملايين أسر وعائلات، وعائلاتهم وأسرهم يتفقون معهم في نفس الرأي، ولو جئنا نحصي الثوريين وعلائلاتهم في البيوت لتعدى العدد عشرات الملايين.
ثم إن الكثيرين من الشباب في بيوتهم يساندون المعارضين بكل قوة، ثم إن الشباب مقسم بين متظاهرين في الميادين، وبين لجان شعبية تحرس الوطن وتنظم أموره. لما تعدون باقي هؤلاء الشباب!!؟؟
ثم إن الأهم والأهم والأهم: إن هؤلاء الشباب الذين تتكلمون عن أقليتهم هم عصب الأمة، وليس شيوخها والمنون فيها، وليس الأطفال، وليس الأمهات، وليس العجائز، وليس المرضى، وليس وليس وليس، فبقي أن تعترفوا أن الاستجابة لمطالب وحقوق الشباب فرض عين عليكم يجب تحقيقه.
ولو افترضنا - مثلًا وجدلًا واستغباءً واستحقارًا - لما تقولونه من أن الأغلبية تريد النظام، أليس عليكم أن تنظروا وتسمعوا لهؤلاء القليلين المصلحين الشرفاء – كما تصفونهم أنتم - المطالبين بحقوقهم، كما تقولون أنتم، والتخلص من جميع الرموز الفاسدين كما اعترفتم أنتم، وحل مجلسي الشعب والشورى المزورين كما اعترفتم أنتم، ومحاكمة الفاسدين جميعًا كما اعترفتم أنتم.
ما زلتم تتلاعبون بالشعوب وتقولون سنحقق في الأمر، وسنحاكم الفاسدين .. كلام فارغ، الفاسدون معروفون، وفسادهم ظاهر للجميع، وإنما هي فرصة منكم لكسب بعض والزمن، محاولة منكم في لملمة أوراقكم من جديد .. أملًا منكم في تحقيق أهدافكم وما ترمون إليه.
رُعْبُ الْغَرْبِ مِنْ ثَوْرَاتِ الْعَرَبِ
فالصهاينة مرعوبون من حاكم جديد نزيه وحكومة جديدة نزيهة، وشباب نزيه جديد في كل شيء، يعرف حقوقه وواجباته. مرعوبون من اتفاقيات الحكام الذين كانوا يعملون عندهم خدامًا، من أن يقوم يتقطيعها حكام نزيهون شرفاء.
كذلك أمريكا وغيرها من الدول الغربية والتي لها علاقات مع مصر، بدأوا يغيرون نظرتهم ولهجتهم حتى يسترضوا الشعب المصري عليهم بعدما افتضح أمرهم وهم يحاولون عبثًا أن يساعدوا السلطة الغاشمة ويقفوا بجانبها ويساندوها حتى تكمل مسيرة السند الكبير لهم ولمصالحهم.
رُعْبُ الْأَنْظِمَةِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الثَّوْرَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَعَاقِبَةِ
كما نسمع ونشاهد يوميًّا، هنا وهناك في بلادنا العربية الحبيبة، الأردن، واليمن، وغيرهما وغيرهما، رعب يسود الأنظمة من خروج ثورات شعوبهم عليها، كما فعلت تونس ومصر، ويبدأون في محاولات لإرضاء شعوبهم بقدر تافه من مطالبهم، محاولين إرضاءهم بتغيير حكومة واستبدالها بحكومة أخرى لا تقل غباءً عن الحكومة التي سبقتها. ومحاولين إرضاءهم بتخفيض في الأسعار وزيادة زهيدة في المرتبات، ظنًّا منهم أن الشعوب سترضى بهذا القدر التافه الذي اضطر الأنظمة الفاسدة إلى التنازل عنه للشعوب. فما زالت بعض الأنظمة تعامل شعوبها على أنهم كلاب، يرمون إليهم عظمة فينتهون عن النبيح ويعودوا إلى أدراجهم، فإذا جاعوا رموا إليهم عظمة أخرى، ويستولون هم على الوليمة بأكملها.
عذرا أيها العرب، فلم أقصد أبدًا تشبيهكم بالكلاب، فأنا منكم، وأنا عربي مثلكم، فلو شبهتكم بالكلاب لشبهت نفسي أيضا بالكلاب، ولكن كما هو واضح جدًّا من كلامي، إنها الأنظمة التي عاملتنا طيلة هذه العقود من السنين كالكلاب، والتي ما تزال مصرة على معاملتنا كالكلاب، وصدقوني إن قلت لكم إننا لا نساوي عندهم – أصلًا – شعرةً في جسم كلب، ولولا اضطرارهم لوجودنا لنخدمهم ما أبقوا علينا أصلًا، فهم يبقون علينا لسببين: الأول ليجدوا قومًا يحكمونهم. والثاني ليجدوا قومًا يخدمونهم.
لكن – والله العظيم – لن نسمح لهم بعد الآن أن يعاملونا إلا بكل أدب واحترام، وأي نظام يأتي بعد هذه الأنظمة الفاسدة، إن لم يُكِنَّ لنا كل احترام، وإن لم يعاملنا بكل أدب، وأن يكون هو الخادم عندنا، وأن يكون الرأي الأول والأخير لنا، وأن يعلم أنه مندوب فقط عنا معلنًا لآرائنا، فلن نسمح له بعد الآن أن يكون زعيمنا، ولا أن يعيش بيننا، فقد مضى زمن الاستعباد ونهب ثروات البلاد وخدمة الأعداء. مضى إلى غير رجعة.
احْتِرَامُ الْعَالَمِ كُلِّهِ لِثَوْرَاتِ الْعَرَبِ
بطريقة أو بأخرى، أبدى العالم كله إعجابه بالثورة المصرية الخالدة، ثورة 25 يناير 2011، مِن بدايتها إلى نهايتها، كيف بدأت، وكيف سارت، وإلى أي شيء انتهت إليه! كيف نجحت! كيف استطاعت أن تستمر رغم كل هذه الحروب القذرة من أهل الباطل ضدهم، رغم ما لاقوه خلال عشرين يومًا تقريبًا من تعتيم إعلامي وتضليل للرأي العام، وإخفاء لكل الحقائق، وقلب كل شيء إلى ضده، رغم الكلاب التي خرجت تنبح من كل فج تطالب بإحراق الثوريين الموجودين في ميدان التحرير، رغم عِظَمِ ما قد يحدث على أيدي السفاحين القتلة، رغم كل ما يمكن أن يتخذوه من قرارات إبادة لأهل الشرف المتواجدين في ميادين المطالبة بالحق والحقوق والكرامة، رغم كل شيء، فقد نجحت الثورة العظيمة، ثورة 25 يناير 2011 نجاحًا مبهرًا، أبهر العالم بأسره، نسأل الله تعالى إكمال الطريق إلى نهايته بكل عزة وفخر وتضحية وإيثار وتقديم مصلحة الوطن والمواطنين على كل مصلحة شخصية .. فالحمد لله رب العالمين.
النِّظَامُ خَادِمٌ عِنْدَ الشَّعْبِ وَالْوَطَنِ، لَا الْعَكْسُ
على كل نظام أن يعلم جيدًا أنه - كما تقدم - خادم عند الشعب والوطن، وأن يشارك الشعب في القرار، بل الشعب سيد القرار، ورئيس الجمهورية أو المَلك أو الأمير أو السلطان ينفذ ما يقرره الشعب فورًا .. فقد مضى وانتهى زمن الفرد الواحد، والحزب الواحد، وصار كل شيء في يد الشعب .. حمدًَا لك يا رب.
هَؤُلَاءِ الشَّبَابُ هُمْ أَفْضَلُ وَأَعْظَمُ مَا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ الْعَظِيمَةِ
ولا نزكيهم على الله تعالى، فعلى الجميع أن يعلم يقينا أن هؤلاء الشباب الواقف في قلب المعركة والذي يتعرض مباشرة إلى الموت والضرب هو الأفضل على الإطلاق من الجميع، مهما كان هؤلاء الجميع، أساتذة جامعات، علماء دنيا ودين، شيوخ الأمة، أي من كان، هم الأفضل وهم فخر أمتنا، ونفخر بهم دائما وأبدا، ولا يسمح لإنسان مهما كان أن يتجاهلهم في ضمير أو قرار بعد الآن
لِذَا: فقد وجب أن يكون أهل الحل والربط منهم، مهما كان صغر سنهم، فقد أثبتوا أنهم أفقه من الجميع وأعلم من الجميع وأشجع من الجميع، وأقصد بذلك أن يكون الرئيس منهم وأعضاء مجالس الشعب والشورى والمحلي والشعبي والنقابات منهم .. ولا ضير أن يتخذوا من أهل الخبرة والرأي مشيرين لهم ويستمعوا لآرائهم وتنفيذ ما يصح منها بعد الشورى.
وَيَبْقَى التَّارِيخُ شَاهِدًا وَشَهِيدًا
وَيَبْقَى التاريخُ شاهدًا على الجميعِ وشهيدًا عليهم، الشُّرَفَاءِ منهم والفاسدينَ، يُسَجِّلُ مَا قَدَّمُوهُ، وَيَكْتُبُ مَا فَعَلُوهُ، فَيُثْنِي على قومٍ، وَيَلْعَنُ آخَرِينَ.
يَوْمُ الْقِيَامَةِ الْعَظِيمِ، يَوْمُ الْحِسَابِ
وَيَبْقَى أعظمُ مِن هذا وذاك، يَبْقَى يومُ القيامةِ العظيمِ الذي يُجْمَعُ فيه هؤلاءِ جميعًا أمامَ اللهِ تعالى ليحاسبَهم على ما قَدَّمُوا في حياتِهم الدنيا ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة : 6 - 8].
سِلَاحُ الدُّعَاءِ الْعَجِيبُ
قد يَسْتَقِلُّهُ وَيَسْتَصْغِرُهُ بعضُ الناسِ الذين لا دراية لهم بقوة هذا السلاح المتين، ويقولون: ماذا يفعل الدعاء في مثل هذه المواقف العصيبة؟ وهل يكفي لنواجه به هؤلاء الحكام المستبدين المجرمين؟ نقول: إن المتتبع للسيرة والتاريخ يجد أن الدعاء كان له شأن عظيم جدًّا، ففي بدر وأحد وسائر الغزوات وغيرها من المواقف العصيبة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء. ففي رحلة الطائف وما أصابه صلى الله عليه وسلم على يد سفهائها وغلمانها من أذى، دعا صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى قائلًا: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ: أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي، إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنْ عَافِيَتُكَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّتِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِيَ غَضَبُكَ، أَوْ أَنْ تُحِلَّ عَلَيَّ سَخَطَكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)). هو حديثٌ مشهورٌ عندَ أهلِ السِّيَرِ. وفي ضَعْفِهِ وَصِحَّتِهِ كلامٌ كثيرٌ عندَ أهلِ الحديثِ.
وفي بدر دعا ربه سبحانه وتعالى كما في حديث عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: ((لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدتَّنِي، اللَّهُمَّ آَتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ)). رواه الإمام مسلم.
وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة : 186] وأمر تعالى عباده بالدعاء ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر : 60]
لِذَا: فإنه يجب الدعاء دائمًا لأهل الحق أن يعجل الله بنصرهم، وعلى أهل الباطل أن يعجل الله في أخذهم أخذ عزيز مقتدر. الدعاء يا إخواني، وما أدراكم ما الدعاء ..
مَاذَا بَعْدَ النَّصْرِ؟ مَاذَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ؟
سبق أن تكلمنا على أهمية ووجوب مواصلة المسير والحث على ضرورة وجود الفئة الصالحة المصلحة التي يستجاب لرأيها في الحال، ولا بد من مواصلة العمل والنضال، فالمحافظة على النتيجة التي وصلنا إليها لا تدوم بمجرد تحقيقها، ولا يكفي التوقف عندها، ولكن دوامها والزيادة لا يكونان إلا إذا حافظنا عليها بالجد والاجتهاد والاستمرار والوصول دائمًا إلى الأفضل في شتى ميادين العلم والعمل والتجرد من المصالح الشخصية والطموحات الشخصية والفرص الشخصية التي يتربص البعض لاقتناصها ..
مَكَاسِبُ الثَّوْرَةِ
ظل الغرب في الزمن السابق - وكذلك في الزمن الحاضر - يرددون مقولة شهيرة عنا نحن العرب، مستهزئين بنا ساخرين منا، والمقولة تقول: إن العرب لا يسمعون، وإذا سمعوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يعملون.
وجاءت أدواتهم، أقصد الحكام الخادمين لهم، فأقروا تلك المقولة الغبية وأكدوها بقوة سلطانهم وحكمهم الناس بالحديد والنار، وقمعهم بسلاحهم وخدامهم، وإخراس ألسنتهم، واعتقال وإعدام المصلحين منهم عن طريق أجهزة الأمن، آسف، أقصد أجهزة الإرهاب، وتفشي سياسة القهر والذل والتعتيم والفقر والمرض والجهل، وكثير كثير من هذه الألفاظ والمعاني البغيضة.
وقد حانت لحظة الخلاص والتحرر من تلك المقولة الكاذبة، وأكد العرب أنهم يسمعون ويفهمون ويعملون، ولن يعود ذلك الزمن الذي كانوا فيه مقيدين بقيود من حديد و مسلسلين بسلاسل من نار، لقد تحرروا من النوم العميق، والغفلة العجيبة، والخوف الدفين، والسلطان الغاشم المجرم المستبد.
فلا تسمحوا لأحد أن يسلب منكم حريتكم، وقد جنيتم من وراء ثورتكم هذه الكثير من المكاسب والحمد لله رب العالمين، فاحرصوا على الحصول على بقية المكاسب، ولا تتوقفوا عند هذا الحد، وتقولوا: هذا كافٍ، أو لم نكن نحلم بأكثر من هذا. فما وصلتم إليه رائع، ولكنه غير كافٍ، ولو توقفتم عنده فإنه سرعان ما يذهب مرة أخرى وتعودوا إلى أسوأ مما كنتم عليه مِن استعباد وقهر ..
الْوَطَنُ الْعَرَبِيُّ الْكَبِيرُ
دعوتي لوطني العربي الكبير أن يكملوا المسيرة التي بدأت من تونس الحبيبة وشعب تونس العظيم، ثم مصر الحبيبة والمصريين العظماء .. فلابد لباقي أمتنا العربية أن تبدأ هي الأخرى في السير على نفس الدرب لتحقيق آمال شعوبها بتحقيق الحرية الغائبة عنا جميعًا منذ عشرات السنين، فقد نِمْنَا طويلًا، وَغَفَلْنَا كثيرًا، وَاسْتَكَنَّا زَمَنًا ليس بالقليل، مات في عهد هؤلاء الظالمين عشرات الملايين من شعوبنا العربية، ماتوا وهم يحترقون شوقًا للحرية، ماتوا ولم ير الكثير منهم غير حاكم واحد للبلاد، نَصَّبَ نَفْسَهُ رَغْمًا عن الجميع حاكمًا أبديًّا مستبدًا عليهم مسيطرًا عليهم بأجهزة السلطة الغاشمة الخائنة لله والأوطان والشعوب.
لكن أعتقد أنه قد حان الوقت للجميع، نعم للجميع، أن يسعى مجتهدا في الوصول والحصول على حريته التي غابت عنه عقودًا من الزمان. وقد جاءت الفرصة سانحة للجميع، فقد قام النائمون من نومتهم، وانتبه الغافلون من غفلتهم، وعلم هؤلاء وأولئك أن الوطن وطنهم والبلد بلدهم وأنه ليس للخائنين بينهم مكان، وأن على الحرية أن تأتي طواعية استجابة لإرادة الشعوب بعد غياب طويل.
كلنا يد واحدة، مصري وتونسي وسوري وعراقي وفلسطيني وسعودي وكويتي وجزائري ومغربي وسوداني وبحريني وإماراتي وأردني ... كلنا، كل بلادنا العربية العظيمة، كل الوطن العربي العظيم، يد واحدة، يساعد بعضنا بعضًا في القضاء على الاستعمار، نعم الاستعمار، على أيدي هؤلاء الشرذمة القذرة من خائني الأوطان والشعوب. فكما كنا من قبل نتعاون في القضاء على الاستعمار الخارجي، فواجب علينا أيضًا أن نتعاون في القضاء على الاستعمار الداخلي، وليس الاستعمار الداخلي بأقل شراسة من الاستعمار الخارجي، فقد ثبت للجميع أن الاستعمار الداخلي سفاح شرس جبار متكبر مستبد ظالم غاشم مجرم مفترٍ .. لا يحتاج إلى دليل ليثبت عليه هذه التهم وغيرها، ومن طلب الدليل اتهم بالغباء أو السفه أو العمالة، أو كلها جميعًا.
ولا ينبغي أبدًا بعد انكسار حاجز الخوف الذي سيطر على الشعوب أن نجلس مكتوفي الأيدي منتظرين غيرنا أن يغير لنا الحال، لابد على الجميع أن يتعاون في تحقيق الحرية والعيش في سلام بعيدًا عن هؤلاء الخائنين، بعيدًا عن ظلم الظالمين، بعيدًا عن هؤلاء المجرمين في حق الله والأوطان والشعوب.
والسعي كل السعي في الوصول بوطننا العربي الكبير إلى أقصى درجات الرقي والحضارة، لسنا أقل من أوربا، أوربا التي علمناها العلم والحضارة، سبقتنا بمئات السنين في كل العلوم، واستطاعوا أن يصنعوا إتحادًا أوربيًّا قويًّا، لسنا أقل منهم أبدًا أبدًا أبدًا، فنحن الذين علمناهم وفهمناهم ... فعيب على المعلم أن يتردى في ظلمات الجهل والاستعباد، ولا يحاول أن يأخذ بيد نفسه نحو حياة أفضل.
فهي دعوة للتعاون، دعوة لعمل اتحاد عربي يجعل العرب في مكان أفضل في العالم، يحترمنا الغير، ولا يحاول أن يأتي على ذهنه ولا أن يفكر في التهكم والتحكم بنا والاستيلاء على ثرواتنا وسلب حرياتنا على أيدي شرذمة قذرة مجرمة عميلة ملوثة بدماء الشرفاء من أبناء هذا الوطن العربي العظيم.
فإلى الاتحاد العربي، بكل قوة وإرادة إلى التحول إلى حياة أفضل، لا محالة، بإذن الله رب العالمين وتوفيقه جل جلاله.
وَهَذِهِ كَلِمَةٌ بَعْدَ نَجَاحِ الثَّوْرَةِ بِفَضْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
أُكْمِلُ موضوعي وَأَكْتُبُ عِبَارَاتِي هذه بعد عودتي - أنا وأخي العزيز فضيلة الشيخ محمود عبد الفتاح صالح، صديق الرحلة المباركة العظيمة، رحلة النصر والحرية، رحلة عودة الشعب المصري إلى طِيبَتِهِ وَوُدِّهِ وَحُبِّهِ وَأُخُوَّتِهِ وَجَمَالِهِ وَجَلَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَصَفَائِهِ وَنَقَائِهِ، وفي الحقيقة كل هذه الأشياء وأكثر كانت موجودة بالفعل مَنَعَ مِن ظهورها (عَلَانِيَةً) نظامٌ فاسدٌ مستبدٌ - من ميدان التحرير يوم السبت 12 / 2 / 2011 م، وبعدما سَعِدتُّ كثيرًا بنجاح الثورة بفضل الله تبارك وتعالى كما سَعِدَ بها شعب مصر العظيم والشعوب العربية العظيمة، ثم بفضل الشباب الرائع المتواجدين في ميدان التحرير والمتواجدين في كل ميادين ومحافظات مصرنا الحبيبة، ثم بفضل مَن ساندوا الثورة - بكل قوتهم - من الشيوخ والرجال والنساء والأطفال ..
بعدما شَرُفْتُ بتواجدي في ميدان التحرير متحديًّا الصعاب مع إخواني وأخواتي الذين وقفوا متحدين الصعاب ومتحملين كافة مسئولية وقوفهم في وجوه الظالمين المستبدين والذين لا يُعْلَمُ أَيُّ قرارٍ كان يًمْكِنُ أن يتخذوه، مهما يحدث ..
بعد عودتي من ميدان النصر والحرية، كتبت هذه الكلمات، بعد أن رأينا سقوط الظالمين واحدًا تلو الآخر، والكل مهم يتبرأ من الكل، ويقذف غيره بمسئولية الخيانة والتخريب والاستبداد والظلم والنهب والسلب على غيره، وسبحان الله القائل: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف : 67] وفي ذلك عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين. قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [آل عمران : 13] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [النازعات : 26] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق : 37].
وفي هذا رسالة إلى كل مسئول - يَتَوَلَّى مسئوليةً مَا في البلاد - أن يتقي الله تعالى في هذا الوطن العظيم وفي هذا الشعب الكريم، والسعيدُ مَنِ اعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ، فَيَنْظُرُ في أحوال مَنْ سَبَقُوهُ، وَيَعْتَبِرُ بِهِمْ، وَلَا يَقَعُ في الأخطاء التي وَقَعُوا فيها. ينظر في أمرهم فيفعل الصواب ويتجنب الخطأ، ينظر في أمرهم وَمَا آَلَ إليه حالهم، وَيَتَّعِظُ بِهِمْ وَيَعْتَبِرُ ويعيش حياة هنيئة في خدمة وطنه وشعبه العظيم، يبذل في سبيل ذلك كل غال ونفيس ..
وَعَلَى الْقُوَّاتِ الْمُسَلَّحَةِ
ألا تسمح للنظام السابق كاملًا، رئيسًا للجمهورية ومجلس الوزراء ومجلسي الشعب والشورى ورؤساء تحرير الجرائد القومية .. ونحو ذلك، لا يسمح لهم بمغادرة البلاد، حتى يتم محاسبتهم على ما سبق، فالبريء منهم والشريف والنظيف والعفيف نَضْرِبُ له تعظيمَ سلامٍ وَنُجِلُّهُ وَنَحْتَرِمُهُ، والمجرم يحاكَم محاكمة عادلة على إجرامه. وليس محاسبة الشريف بعيب في حَقِّهِ أو تقليلًا مِن شأنه أبدًا.
فإذا حَدَثَ وغادر أحد مِن هؤلاء البلاد، فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتحمل المسئولية كاملةً.
وَسُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ!!
لما نظرت في الأمر كله، ونظرت في عيون مبارك وهو يلقي الخطاب الأخير، ونظرت في عيون عمر سليمان وهو يلقي أيضًا كلمته الأخيرة بتخلي مبارك عن الرئاسة، والتي في الحقيقة لم تكن تخليًا منه، وإنما كانت خَلْعًا له وإسقاطًا لنظامه الفاسد على أيدي الباسلين الشرفاء في ميدان التحرير وغيره، ونظرات الذل، كل الذل الذي أذاقه لشعبه طيلة هذه العقود من الزمان

مَيْدَانُ الشُّهَدَاءِ
أعلن شباب الثورة تسمية ميدان التحرير بميدان الشهداء اعترافًا بجميل وشجاعة وجهد شهدائنا الأبرار الذي قتلوا في ميدان الشرف والفداء والشجاعة والحرية .. وَنِعْمَ مَا فَعَلُوا
وَأُضِيفُ إلى ذلك:
1- تسمية محطة مترو مبارك بمحطة الشهداء.
2- تسمية أي ميدان تَسَمَّى بمبارك إلى ميدان الشهداء.
3- تسمية أي مدينة أو قرية أو ما شابه .. بمدينة الشهداء ..
لكن يكتب تحت كلٍّ مِن ذلك بخط صغير: مبارك سابقًا، ليعتبر بذلك المعتبرون.
وَأَخِيرًا .. إِيَّاكُمْ وَالْغُرُورُ
أنا على يقين بأن هؤلاء الشباب الشرفاء الذين قاموا بهذا الثورة العظيمة ضد هذا الطغيان الجبار لن يتخلل إليهم الغرور من أي ناحية على الإطلاق بإذن الله تعالى وفضله جل جلاله، لكنه كلام وفقط، ونصيحة وفقط.
احذروا الفتنة، فتنة الحياة الدنيا، فتنة السلطة والمجد والشهرة، فتنة أن يشاور عليكم كل الناس، اتقوا ذلك الأمر الذي إذا تمكن من أحد أبعده كل البعد وأقصاه أعظم إقصاء عن فهم الأمور على حقيقتها، وتحول من حال إلى حال.
ما قمتم به كان عظيمًا جدًّا، فأكملوا الطريق إلى نهايته بعظمة وكرامة وخدمة حقيقية نابعة من قلوبكم لهذا الوطن العظيم وهذا الشعب الكريم. وَدَعُوا أي تفكير في مصلحة شخصية تتعارض مع مصالح الوطن والمواطنين، فإن ما أهلك مَن كان قبلكم هو الالتفات إلى المصالح الشخصية حتى وإن تعارضت مع مصلحة الوطن والمواطنين.
ما فعلتموه كان في سبيل الله تبارك وتعالى، ثم في سبيل الوطن والشعب، فأتموا نعمة الله تبارك وتعالى عليكم وواصلوا الطريق إلى نهايته، كله في سبيل الله عز وجل وخدمة الوطن والمواطنين، تؤجروا على ذلك في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة : 195] وقال عز شأنه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف : 30].
قلت ذلك من باب النصيحة كما تقدم، وأنا على يقين أنكم رجال ومتحملون المسئولية ومقدرون لظروف البلاد وما تمر به مصرنا الحبيبة من تحديات وصعاب، والعالم كله ينظر إلينا الآن، ويترقب ما الذي يمكن أن يقوم به هذا الشباب العظيم من خدمة لأوطانهم وشعوبهم .. فعلى بركة الله تعالى سيروا نحو حياة أفضل ومستقبل أفضل للوطن والمواطنين بإذن الله تعالى وفضله عز وجل ..
وَأَخِيرًا .. مُقْتَرَحَاتٌ وَآَرَاءٌ
بالنسبة للدستور: هناك بالفعل علماء من السياسيين والقانون والدين وغيرهم - أفضل مني ألف مرة - أقدر وأفضل في وضع دساتير هائلة تحفظ للشعب والوطن حقوقه، ولا أدعي أنني أفضل منهم في هذا الشأن، بل هم أقدر وأفهم وأعلم، وَلِكُلٍّ عِلْمٌ أَهْلُهُ. لكن هي بعض الملحوظات فقط، وأعلم أنهم لن يتغافلوها، لكن للتذكرة فقط.
إخواني المصريين وأخواتي المصريات، بغض النظر عَمَّنْ يكون الرئيس، وبغض النظر عَمَّنْ تكون الحكومة، وبغض النظر عن كل شيء وعن أي شيء، فإنه ينبغي على أية سلطة وحكومة تحكم مصر والمصريين أن تراعي ما نقترحه ونجتمع عليه نحن الشباب، والآتي ذكره بعد قليل.
إخواني وأخواتي: لن أذكر - تفصيلًا - ما هو معلوم لدى الجميع من عامة ما يريده الناس من تغييرات مثل: تغيير مواد الدستور المصري بما يتناسب مع مصلحة الوطن والشعب، لا بما يتناسب مع مصلحة أي نظام مهما يكن. وأن الشعب دائما وأبدا هو سيد قراره، وهو الذي يأتي بمن يشاء ويذهب بمن يشاء. واحترام هذا الشعب العظيم، واحترام إنسانيته وآدميته وحريته. والتوازن بين الأسعار والمرتبات والأجور ودخل أقل فرد مصري. وحل مجلسي الشعب والشورى وإعادة الانتخابات فيهما، بشرط الإشراف القضائي الكامل عليها، وله كل السلطة في ذلك، ولا علاقة لقوات الشرطة بالانتخابات نهائيا بأي شكل من الأشكال.
ولكن هذه بعض أهم المقترحات والآراء والمطالب التي أدعوكم جميعا إلى قراءتها بقلوبكم قبل عيونكم، والتفكر فيها جيدا، وبما أنني إنسان أحترم نفسي، فإنني أحترمكم جميعًا وأحترم جميع آرائكم واقتراحاتكم، سواء وافقتموني عليها أو خالفتموني فيها، فالخلاف في الرأي مع الأدب والاحترام لا يفسد الود الذي يجمعنا، وأتمنى أن تذكروا اقتراحاتكم وآراءكم ومطالبكم ، وأتمنى إن اتفقنا على شيء أن ننشره ونطالب به حتى يتحقق بإذن الله تعالى.
وإليكم بعض آرائي واقتراحاتي ومطالبي في الوقت الحالي، لا تقبل الوعود الكاذبة ولا التأجيل التافه ولا التأخير الدنيء:
1) بالنسبة لتعديل الدستور، ينبغي تعديلُ سِنِّ كل من المرشح لمجلسي الشعب والشورى ورئيس الجمهورية، يبدأ من (20 سنة، أو 25 سنة على أقصى تقدير)، فقد أكد شبابنا قدرتهم على التغيير الجذري، ومن العيب ألا يسمح لهؤلاء الشباب من ترشيح أنفسهم بسبب صِغَرِ سِنِّهِمْ، فهناك من الشباب ما سِنُّهُ (20 سنة) ، وهو أفضل من ألف رجل سِنُّهُ (50 سنة، وأكثر).
2) تقليص مدة حكم رئيس الجمهورية إلى (4 سنوات فقط أو 5 سنوات فقط بدلا من 6 سنوات) في كل مرة من المرتين. ويحق للشعب إقالته - في أي وقت يجتمع فيه الشعب أو غالبيته على ذلك – لسبب أو لآخَرَ.
3) كما أن مدة أي حكومة ينبغي أن ينظر في مدتها أيضًا، وأرى ألا تزيد هي الأخرى عن (5 سنوات).
4) كما أرى أن على مرشحي مجلسي الشعب والشورى وغيرهما من المجالس المحلية والشعبية والنقابات ألا يرشحوا أنفسهم أكثر من مرتين فقط، كل منهما (5 سنوات، كما هو معهود).
5) إلغاء فوري لقانون الطوارئ الظالم، يعني بدون قبول أي تأخير أو تأجيل أو وعود كاذبة بإلغائه، لأننا لسنا بهائم ولا حميرًا يسوقنا هذا القانون الغاشم الخادم للسلطة المجرمة، أو يتحكم فينا بهذه الطريقة الغاشمة الغبية.
6) إلغاء جهاز أمن الدولة المجرم، الذي ليس أمنًا للدولة والوطن، وإنما هو جهاز أمن للنظام الفاسد، وإرهاب للمواطنين البسطاء الشرفاء. أو على الأقل يبقى خادمًا، يخدم الوطن - حقيقة - والمواطنين. وبعض المضللين يقول إن أية دولة متحضرة لا بد أن يوجد فيها جهاز أمن الدولة. نقول له: صَدَقْتَ، إذا كان ذلك فعلًا في صالح الدولة وأمنها.
7) إقالة كلٍّ مِن:
** الحكومة كاملة، وتكليف حكومة جديدة، مشهود لها بالنزاهة والشرف، تحافظ على مصالح البلاد والعباد.
** كافة المجالس المحلية والشعبية والنقابات المختلفة. واستبدالها بالشرفاء.
** كل رموز الإعلام الفاسد، ومحاسبتهم على فسادهم واستخدامهم إعلام الدولة في مصلحة النظام وتضليل الرأي العام وتزييف الحقيقة.
** رؤساء تحرير جميع الجرائد القومية. والذين عينهم الرئيس.
** رؤساء الجامعات وعمداء الكليات. والذين عينهم الرئيس.
** شيخ الأزهر والمفتي وشيخ عموم المقارئ المصرية. والذين عينهم الرئيس. ولا يتم التعيين في تلك المناصب، بل يكون هناك انتخابات بين العلماء لاختيار هؤلاء الثلاثة.
** ونضيف إليهم أيضًا وزير الأوقاف، لا بد أن يكون مُنْتَخَبًا لا مُعَيَّنًّا.
8) توزيع ثروات البلاد على المواطنين بالتساوي، بدون تفاضل لإنسان على إنسان، ولا لحزب على حزب، ولا لأي شيء على الإطلاق على أي شيء آخر. مثل عائد قناة السويس والبترول .. إلخ، والأموال والمنشآت والأراضي ... التي سرقها السارقون ونهبها اللصوص المغتصبون من هذا الوطن العظيم.
9) التوازن بين مرتبات جميع الجهات الحكومية، فلا يصح أبدًا أن يتقاضى موظف مَّا في وظيفة مَّا مرتبًا مَثَلًا (500 جنيه) وآخر أصغر منه سِنًّا وأقل منه خدمة في وظيفة أخرى يأخذ أكثر من (2000 أو 3000 أو 5000 جنيه) وأكثر وأكثر وأكثر، والأول يأخذ حوافز شهرية لا تزيد عن (100 جنيه تقريبًا)، والثاني تصل تقريبا ل (1000 جنيه تقريبًا). وهناك من يتقاضى عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف في الشهر، وآخر يأخذ (200 - 300 - 500 جنيه). شيء غير طبيعي أبدا وغير مقبول بأي شكل من الأشكال.
** وإليكم هذه القصة الحقيقية: حكى لي صديق يعمل في أحد المواني المصرية في شركة تابعة للبترول، أنه إذا فاز فريق إنبي في كرة القدم، فإن الشركة تعطيهم حوافز مجزية، وطبعا كل منهم يأخذ على حسب مرتبه أو على حسب أساسي مرتبه، وبالتأكيد فيهم من يصل إلى عشرات الآلاف، وطبعًا حضراتكم فاهمينَ لماذا عشرات الآلاف حوافز، لأن المرتب مئات الآلاف. ربنا يبارك. وطبعًا صديقنا يتمنى لفريق إنبي الفوز في جميع مبارياته، ويتمنى له أن يحصل دائمًا على دوري وكأس مصر، وإفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وأمريكا، وكأس العالم للأندية والمنتخبات، صَحّ!! وعلى فكرة: صديقي هذا لا يفهم شيئًا في الكرة، ولا يعرف أصلًا أن يلعب الكرة، ولا يعرف الفرق بين الدوري والكأس، ولا يعرف من فاز ولا من خسر إلا عن طريق إنبي والحوافز والأموال السايبة التي ليس لها صاحب. أعتقد أن هذه مهزلة عظمى، لا ينبغي أن تكون موجودة في دولة متحضرة كما يَدَّعِي المضللون. والموظفون في التعليم مثلًا، قد فضحتهم الدولة وأذلتهم على القروش الزهيدة التي يتقاضونها شهريًّا، وكذلك الحوافز، وكذلك مكافأة الامتحانات. إذا قمنا بمقارنة راتب السنة كاملة لمعلم ما براتب شهري لعامل في البترول مَثَلًا، ربما تعدى الراتب الشهري لعامل البترول الراتب السنوي للمعلم الذي يقوم بتأسيس أبناء الوطن وتربيتهم وتعليمهم، والذين سوف يأخذون بزمام أمور هذا الوطن العظيم في المستقبل القريب.
أليس للموظفين الذين يعملون في الحكومة في الوظائف البسيطة حق في البترول كغيرهم؟ هل البترول حق لوزير البترول فقط، وللعاملين في البترول فقط؟ سؤال مهم، يحتاج إلى جواب صحيح.
وبالنسبة للمرتبات: يجب لا يزيد دخل أكبر مرتب لموظف في مصر على أصغر راتب موظف فيها عن عشرة أضعاف، فإذا كان أصغر راتب مائة جنيه، فالراتب الأكبر ألف جنيه، ولا يزيد. فإذا أراد راتبًا أكبر ليصبح ثلاثين ألف جنيه مثلًا سيضطر إلى زيادة الراتب الأصغر ليصير ثلاثة آلاف جنيه .. وهكذا. ولا يكفي والله، وكلكم يعلم ذلك جيدًا.
10) مصالح الشعب والدولة والوطن مقدمة على مصالح الأفراد والمؤسسات الخاصة، ومقدمة على مصالح جميع الدول الأخرى على الإطلاق، ومقدمة على جميع اتفاقيات كانت بين مصر وبين الدول الأخرى. فما هو في صالح مصر أُبْقِيَ عليه، وما كان في غير صالحها يضرب به عرض الحائط.
11) عدم إرهاق ميزانية الدولة أبدًا على أي انتخابات، وعدم صرف جنيه واحدٍ للناجحين من أتباع الحزب الحاكم، ليتمكنوا مِن صرفها فيما يشاءون، وفتح باب النصب والسرقة.
ويا حبذا لو قامت الدولة بتخصيص قناة أو قناتين أو أكثر للدعاية إلى الانتخابات بشكل متساو وعادل بين المرشحين، وعدم إجهاض ميزانية الدولة في مثل هذه الانتخابات التي ترهقنا جميعًا، ولا يستفيد منها سوى بضعة أشخاص.
12) موضوع صورة الرئيس التي توضع في كل مكان، في كل وزارة ومؤسسة ومجلس ومديرية وإدارة ومدرسة وفصل وميدان عام .. إلخ، وإرهاق ميزانية الدولة في الإنفاق على تلك الصور التي يتجاوز عددها المليارات، وأحدث طباعة وفصل ألوان وغير ذلك، وبالتالي ينفق عليها المليارات من أموال الشعب، يلغى هذا الأمر نهائيًّا، وإذا أراد السيد الرئيس – أي رئيس - ذلك طبعه على نفقته الخاصة، ولا يُفْرَضُ على أحد وضعُ صورته، فمن أراد وضعها، ومن لم يرد فلا يُفْرَضُ عليه الأمرُ فَرْضًا.
13) قنوات وجرائد أي نظام .. والتي تسمى بالقومية، تلغى جميعًا، بمعنى أن تُحَوَّلَ جميعُها في خدمة الوطن والمواطنين.
14) أقترح أن يكون هناك شعار لرئيس الجمهورية، يطلق عليه: خادم الوطن والشعب، ليظل دائما في ذاكرة الحاكم أنه يعمل عند الشعب ويخدم هذا الوطن العظيم، لا أن الشعب عبيد عنده، أو أن الوطن ملكه الخاص وملك زوجته وأولاده وأقاربه وحزبه وأصدقائه.
15) أقترح أن يكون لكل وزارة ثلاثة أشخاص، وزير ومساعدان، ولا يتم الموافقة على أي قرار ينبع من الوزارة إلا بموافقة الثلاثة أو اثنان، يعني الأغلبية. وهكذا الأمر في المحافظات، محافظ ومساعدان. وهذا الأمر لن يرهق ميزانية الدولة أبدا، لأن راتب الثلاثة سيكون أقل بكثير جدًّا جدًّا مما كان يتقاضاه الوزير الواحد أو المحافظ الواحد في الزمن الماضي. كان يأخذ أكثر من ألف ضعف له وحده مقارنة بالثلاثة.
16) عدم التنازل أبدًا أبدًا عن المطالبة بكل قوة وبكل حزم إلى محاكمة كل فاسد محاكمة علنية، وأكرر: علنية، وعاجلة، يعود فيها حق الوطن والمواطنين. وعدم السكوت عن تحقيق هذا المطلب بأي شكل من الأشكال. وعدم قبول أي وعود بتنفيذ هذا الأمر، بل يجب تنفيذه في الحال.
17) حَبَّذَا لو أقامت الدولة مجلسا جديدًا على غرار مجلسي الشعب والشورى، ليس للمناقشات السياسية ومساءلة المقصرين وغير ذلك، ولكن للمساعدات الإنسانية والعلاجية ونحو ذلك. فلا يصح أن يصبح أعضاء البرلمانين الشعب والشورى منشغلينَ بمثل هذه الأمور، ويضيعون فيها أوقاتهم، ولكن ينبغي عليهم أن يدخروا أوقاتهم لخدمة الدولة ومناقشة أمورها المختلفة، خصوصًا السياسية، وما يخدم وطنهم وشعبهم.
18) حَبَّذَا لو توفر الدولة صندوقينِ، أحدهما للشكاوى، والآخر للاقتراحات المختلفة، دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية .. إلخ، ويخصص رقم تليفون مجاني أو أرقام مجانية أو بسعر رمزي، ويتم الإعلان عن هذه الشكاوى والاقتراحات، ويُرد عليها يوميًّا من جهة متخصصين في كل مجال، ولا يؤجل الرد عليها أبدًا.
19) مراجعة كافة مناحي الدولة، خصوصًا التعليم والصحة والاقتصاد، والإسراع في معالجة أي خلل، ونشره وطرق علاجه وما توصل إليه من نتائج.
20) كل ثلاثة أشهر، أو ستة أشهر على أقصى تقدير، تقوم الدولة عن طريق رئيسها مباشرة أو نائبه، ولا يقبل أقل من ذلك، تقوم بقراءة بيان شامل عن الدولة وما آل إليه حالها من إيجابيات وسلبيات، ليتعرف الشعب على كل شيء في وطنه، ولا يغيب بعد الآن أبدًا عن إدراك ما ينبغي عليه أن يدركه ويفهمه ويعلمه ويعرفه عن وطنه.
21) اللغة العربية العظيمة الفصحى السلسة السهلة البسيطة، هي اللغة الرسمية للرئيس وللوزراء ولكل متحدث مع أي أحد مهما كان لغة الآخر، حتى لو كان الرئيس أو الوزير أو المسئول يعرف كل لغات العالم، فلا ينبغي عليه أن يتحدث بغير لغته، فلغته قوميته وشخصيته وهيبته، يحترمها ويقدسها، فيحترمه غيره ويهابه، ويعلم أنه لا يفرط في لغته، إذن فلن يفرط في ذرة تراب واحدة من تراب وطنه.
ومَن ليس على علم باللغة، أعني الأساسيات المهمة، فَمِن الشرف أن يتعلمها. فتعلمها أفضل مِن عدمه، وليس تعلمها صعبًا على الإطلاق.
22) أتمنى وأرجو وأدعو إلغاء جميع الأحزاب والجماعات والحركات، ونصبح جميعًا إخوة وأخوات في هذا الوطن العظيم، وليكن شعارنا: ((أَنَا مِصْرِيٌّ، أَنَا مِصْرِيَّةٌ)). وإن كنتُ أَعْلَمُ أن إلغاء الأحزاب والجماعات والحركات شيء صعب جدًّا، لكنه ليس بالمستحيلِ.
ويظهر من كلامي - طبعًا - قمة التفاؤل بمستقبل أفضل، وإن كنت أرجو أن يتم عمل كل الاقتراحات والآراء، وأفضل منها، لكن يبدو - ولا بد أن نكون واقعيين - أن كل شيء من الصعب أن يتم كله مرة واحدة، لكن على الأقل نصر على أغلبه، والباقي على فترات متقاربة، مجدولة بجدول زَمَنِيٍّ مُعَيَّنٍ ينبغي تطبيقه على أرض الواقع، لا على أرض الوعود والكلام.
وللحديث بقية، ربما أضفنا بعض الفقرات، وربما تغيرت اللهجة، لأن الأمور الآن تغيرت، وهناك تصفية الآن للمتظاهرين في ميدان التحرير على أيدي السفهاء والمأجورين.
وَيَا أَسَفَى على أناس كنا نحسبهم محترمين، لكن ساعة الجد ظهر منهم النفاق الدفين ..
وَاللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - مِنْ وَرَاءِ الْقَصْدِ، وَهُوَ الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.
وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَبَرَكَاتُهُ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.