الرئيس السوري بشار الأسد ليس بحاجة إلى نصيحة في المرحلة الحالكة التي تمر بها بلاده، فهو يعرف أسباب الاحتجاجات الجارية في المدن السورية ضده. حين استلم السلطة كوريث لوالده حافظ الأسد، قبل عشرة أعوام وكان يبلغ حينها 34 سنة من العمر قال العبارة التالية: إذا اعتمد مجتمع على حزب أو جماعة فإنه لن يتمكن من التطور والازدهار. وتحدث حول الشفافية وضرورة العمل بأفكار جديدة وتقبل نقد بناء، ونادى بحوار جريء. لكن سرعان ما تبخرت وعود رجل"الربيع الدمشقي" ولم يتم تنفيذ أي منها. فالرئيس الذي درس طب العيون في بريطانيا، لم يكن الوارث الوحيد لنظام والده وإنما أيضا، الحرس القديم من الضباط ورموز التركيبة الأمنية، الذين حرصوا خلال السنوات الماضية على حماية تركة حافظ الأسد، وأقنعوا بشار بصعوبة الحفاظ على السلطة إذا تمادى في إغداق الوعود. كانت سورية دولة بوليسية في عهد الرئيس الأب، ويجب أن تبقى في عهد بشار أيضا الذي على وشك أن يدفع ثمن تكالب السياسة التي وضعها والده. كما في الماضي، التركيبة الأمنية في سوريا، قوة ثانية في البلاد، يتعرف عليها كل من يقع في قبضة البوليس السري، والإيقاف يعني التعذيب، وعدم معرفة أقاربه مكان وجوده، ولو تدخلت منظمات دولية تدافع عن حقوق الإنسان. الخوف من البوليس السري في سوريا، منع تطور المجتمع السوري وقيام مجتمع مدني، الذي تم حرمانه حتى من الإنترنت، وكل ذلك بحجة الأمن، لاسيما وأن سوريا دولة مواجهة لإسرائيل، ولكن الأهم بالنسبة للأمن السوري هو حماية النظام وبذلك حال دون التطور والتغيير. لو لم يصغ بشار الأسد لنصائح الحرس القديم وباشر في تطوير المجتمع لكان اليوم إما خسر السلطة، أو أن الاحتجاجات الحالية ضده مبالغ بها. لقد بلغت ثقته بنظامه حدا تجاوز الحدود، ولم يكن يتصور أن شرارة"الربيع العربي" التي اندلعت من تونس، وأخذت معها مصر، سوف تصل إلى سوريا. حينما بدأت الاحتجاجات في العالم العربي بتحقيق نتائج بإقصاء الرئيسين زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، فسر أسباب الاحتجاجات على طريقته وقال متباهيا أن ثورة الشعوب في هذين البلدين كانت موجهة ضد نظامين متحالفين مع الولاياتالمتحدة وأضاف: إن سوريا على العكس، تحظى بمناعة، فهي مهد المقاومة ضد مصالح الولاياتالمتحدة وإسرائيل. بالغ بشار في الثقة بنفسه وبنظامه، وأصبح أسير الواقع العربي الذي أساء تقدير خطره على سلطته. ما يجري في دول عربية حاليا قد يجري في أي بلد. في سوريا، كما حصل في تونس حيث اندلعت الثورة من محافظة بعيدة، اندلعت شرارة الثورة الشعبية من محافظة درعا، ضد النظام في دمشق وضد الدولة البوليسية. في كلتا الحالتين، كان ظلم الدولة سببا في اندلاع الثورة. بينما صفعت شرطية تونسية محمد البوعزيزي الذي قام بإحراق نفسه احتجاجا، اندلعت الثورة في درعا بعد اعتقال عدد من الشبيبة قاموا بكتابة جمل سياسية على الجدران وتم الزج بهم في السجن. الجيش والأمن بأيدي"العلويين" الذين يشكلون نسبة أقل من خمسة عشر بالمائة من إجمالي الشعب السوري، وقد حصلوا على امتيازات أكثر من أي طائفة أخرى. أتت نيران الغضب في درعا على محلات رامي مخلوف أحد الذين انتفعوا من حقبة الأسد وبسبب قرابته من الرئيس الشاب حصل على امتيازات سياسية واقتصادية ساعدته في بناء إمبراطورية اقتصادية. في تونس أيضا فإن زين العابدين بن علي لم يكن مكروها فقط بسبب عنف أجهزة الأمن وإنما كذلك لأن أفراد عائلة طرابلسي التي تنتمي إليها زوجته ليلى، حققت الغنى الفاحش دون حياء على حساب أبناء الشعب التونسي. في تونس كما في سوريا حرصت الدولة البوليسية على توفير الحماية لنخبة صغيرة، حجبت أفرادها عن أبناء الشعب الذين يتظاهرون هذه الأيام في مختلف المدن السورية، ويتحدون رصاص البوليس السري، على الرغم من سقوط عشرات القتلى كل يوم. وقد ألهمهم الانتصار الذي حققه أشقائهم في تونس ومصر. بينما التغيير تم بسلام هناك، لا يدل سلوك النظام السوري على أن التغيير سيتم سلميا. فهو مستمر في أعمال القمع والقتل منا يزيد الأمور سوءا على بشار الأسد لأن هذه الجرائم تكفي لمحاسبته أمام محكمة الجزاء الدولية في لاهاي مثلما هو الأمر بالنسبة للزعيم الليبي معمر القذافي. أخطأ بشار الأسد في تقدير الواقع الجديد في العالم العربي وخاصة في سوريا حين قال أن بلاده تتعرض إلى مؤامرة خارجية هدفها إضعاف سوريا وتعبيد الطريق من أجل تنفيذ أهداف إسرائيل في المنطقة. مثلما فعل مبارك، تأخر بشار كثيرا في تقديم تنازلات، وما قدمه حتى الآن قليل جدا. كان الأحرى به عدم السماح بإطلاق النار على المتظاهرين في درعا، وإنما الإفراج عن الشبيبة المحتجزين في السجن. في البداية لم يطالب المتظاهرون برحيله، وإنما سياسة القتل هي التي جعلتهم يغيرون شعار الاحتجاجات. والآن أصبح كل تنازل غير الرحيل مسألة مرفوضة من المتظاهرين، لاسيما وأن بشار أضاع فرصة لإصلاح نظامه السياسي وإنهاء السلطة الخفية للحرس القديم وتحرير شعبه من العنف الستاليني للدولة البوليسية الموجودة في سوريا منذ عام 1963. في العالم العربي الجديد، كل نظام جديد، يتعين عليه العمل بسياسة تجمع بين الديمقراطية وحقوق الإنسان. وليس هناك مكان لأنظمة استبدادية بعد اليوم، وهذا كان على بشار الأسد أن يعرفه جيدا لو قرأ الأسباب الحقيقة التي أدت إلى سقوط نظامي بن علي ومبارك، واستجاب إلى مطالب المتظاهرين بدلا من السماح بإطلاق الرصاص عليهم.