ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نريد التحرر بالإسلام وليس من الإسلام
نشر في الحوار نت يوم 28 - 04 - 2011

لقد تعرضت المرأة على مر العصور إلى مظالم كثيرة بدرجات متفاوتة وتحملت من القيود الكثير. من المتفق عليه أن المرأة حمّلت تاريخيا والى اليوم، وفي كل الحضارات من القيود والمظالم أكثر مما حمل الرجل، لذلك هناك شبه إجماع على أنه هناك بالفعل قضية تطرح. تفاوتت الشعارات والمضامين التي تدور حول المسألة، لكن تقريبا يمكن أن نقول أن شعار تحرير المرأة وماالسبيل إلى ذلك رفع من طرف الجميع. جاء كرغبة في التأكيد على أهليتها وقدرتها على تحمل أعباء النهوض الحضاري الشامل. شعار تحرير المرأة تناولته أغلب المدارس الفكرية، تناوله الشعراء والأدباء والفلاسفة...كل من زاويته الخاصة، لكنه استفرد بالحيز الأكبر من الاهتمام من طرف التشريعات الدينية, كل منها تناوله بحسب نظرته ومنظومته الفلسفية الخاصة...
جاء الإسلام ورفع شعار تحرير الإنسان بصفة عامة، تحرير من كل قيود الجاهلية التي كانت تعيق تطوره ورقيه. ورد الخطاب القرآني كخطاب عام موجها للمرأة والرجل على حد سواء، تأكيدا للمساواة بينهما في الأهلية، أهلية حمل أمانات التكليف ورد بوضوح في آية عظيمة من القرآن الكريم في سورة الأحزاب الآية 35:"إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما" كل ذلك يندرج ضمن الأمانة العامة التي أبت السموات والأرض أن يحملنها وحملها الإنسان أمانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعناه الشامل لكل دقائق الحياة وتفصيلاتها، وليس فقط المناسك التعبدية المحدودة من صلاة وصيام وغيره، ثم النظر إلى القضية ضمن قضية الإصلاح العامة، إصلاح الأمة عموما واجتناب النظرة الجزئية التي تعزل القضية عن إطارها العام، عبر منهاج شامل يراعي في أمره ونهيه وتوجيهه وتربيته كل مناحي الحياة البشرية...أمانة كل يتحملها بقدر استطاعته وبقدر ما يتوفر لديه من إمكانيات ومؤهلات في هذا النشاط أو ذاك.
وان جاء تحرير المرأة ضمن هذا النسق العام والمنهج الشامل للتغيير وتحرير الإنسان، إلا أن القضية تحتاج إلى المزيد من الاهتمام والعناية والبحث. طرح قضية أهلية المرأة لحمل الأمانة جنبا إلى جنب مع الرجل اليوم بالذات أصبح من الضرورات الملحة للنهوض بالواقع المرير الذي نعيشه، وضرورة الخروج من الفهم التقليدي لدور المرأة ووظيفتها داخل مجتمعها للتوصل إلى فهم شامل يضع المرأة أو يحسسها بمسؤولياتها أمام الله بوضع بصمتها في البناء الحضاري و في المسار الشامل للنهوض بالأمة، والذي يتلخص في قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاءته أميمة بنت رقيقة لمبايعته مع وفد من النسوة, عندما سألت سيد الخلق عليه الصلاة والسلام عن كيفية مشاركتهن في الشأن العام بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية... فقال لها : فيما استطعتن وأطقتن . بهذه البلاغة التي لا نظير لها رسم لنا الرسول صلى الله عليه وسلم منهاجا ترك لنا فيه الباب مفتوحا على مصراعيه للمشاركة بما نستطيع وبما نطيق في نهضة الأمة ورقيها.
الاهتمام بهذا الموضوع اليوم بالذات لا يقل أهمية عن الاهتمام بالمشاريع التنموية الكبرى ...بل أراه من أولويات الأمة لأني أرى أن نصف المجتمع معطل (خاصة أن هذا النصف من المجتمع يتربى على يديه النصف الآخر ...)وهو يدخل كما قلت ضمن الدعوة لتحرير الإنسان بصفة عامة والدعوة لتحرير طاقات المرأة وملكاتها المعطلة للاستفادة منها في كل مجالات الحياة.
كل ذلك يعد محفزا لنا للاهتمام بدور المرأة وما يستوجب عليها من واجبات في سياق البناء الحضاري العام ...ليس تجنيا أن يرى الكثير من العلماء انه ليس هناك من قول فصل وحاسم في عديد المسائل المتفرعة عن هذه القضية , ورغم أن هذا طبيعي لان التفكير في ذلك لا ينتهي ما دامت الحياة على تجددها وحركيتها تفرز باستمرار معطيات وأسئلة متجددة, فالأمر يستوجب علينا إعادة النظر والتفكر باستمرار لامتلاك القول أو الخطاب الذي يحقق التقدم فيكون دليلا على حدوث نقلة نوعية في التفكير وفي أداة المقاربة ووضع مشروع شامل لفهم القضية عبر منهج جديد يدرس موضوع المرأة بعقلية علمية مرتبطة بأصولها الفكرية وتعيش عصرها وتتفاعل مع متغيراته و مستجداته , في حدود ما رسمه لها شرعها....
إن إشكال الخطاب السائد اليوم إلا من بعض الاستثناءات انه يقع بين كفي كماشة، اذ نجد أنفسنا أمام فصام نكد أفرز نماذج فكرية متعددة وأحيانا متنافرة (حتى في الوسط الإسلامي): المتغربون وإصرارهم على استيراد الحلول لمشاكلنا .حلول هي بنت زمانها ومكانها , من المحال تنزيلها وتطبيقها في مجتمع مغاير لتلك التي نشأت فيه, أفكار قائمة أساسا على المطالبة بالمساواة المطلقة والندية. التحرر عندهم يساوي التحرر من كل المنظومات القيمية والدينية منها على وجه الخصوص إلى درجة المناداة بالتحرر من الأسرة بمفهومها الشامل أسوة بالحركات النسوية الغربية...
وبين متزمت لا يعتبر أنه هناك أصلا مشكلة بخصوص المرأة. لا يرى المرأة إلا من خلال تراث لا يريد أن يتزحزح عنه قيد أنملة ويضفي على ما فيه من أحكام فقهية هي في الأصل بنت عصرها قداسة القرآن نفسه. رغم أن هناك الكثير من الخرافات والبدع والإضافات التي تسللت في غفلة من الأمة وفي زمن انكسارها وانحطاطها إلى الفكر والفقه الإسلامي، فأن الكثيرين يعتبرون أن كل عاداتنا وتقاليدنا الموروثة خير وبركة والمرأة هي زينة البيت، من بيت أبيها إلى بيت زوجها ومن هناك إلى القبر، هي متعة الفراش الحلال، و"معمل لتفريخ النسل لبقاء النوع الإنساني" ولا شأن لها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعناه الشامل الذي يهم كل مناحي الحياة. للأسف هذه الأفكار سائدة في أوساط كثيرة، أوساط عادية من عامة الناس أو وهذا مؤسف حقا أننا نجدها في طيات العديد من الكتب والمجلدات....
طبعا تراثنا الإسلامي هو ثروة فكرية وعلمية ليس لها ما يعادلها في عصرنا, لكن لا يعني ذلك أن كل ما فيه صالح لزماننا, هناك أفكار هي بنت عصرها, وهناك تسلل لإسرائيليات وأفكار مغشوشة أو منزوعة من سياقها وأحاديث غير صحيحة ولا سند لها، وللأسف تعامل معها البعض على أنها محكمات من الدين ومسلمات. التجديد في الفقه والاجتهاد فيه هو من الواجبات الشرعية، ومطلوب لتجدد الحياة...تراثنا الإسلامي هو جوهر هويتنا، لكن كما أن للهوية جوهر ثابت "كالنواة بالنسبة للشجرة"فأن هناك متغيرات ومستجدات في داخل أي شخصية إنسانية أو قومية أو حضارية تجعلها في حركية مستمرة وتجدد كتجدد الخلايا داخل جسم الإنسان، ما دون ذلك يعني الجمود والركود وتوقف مسيرة أي نهضة إنسانية...
من المؤسف اليوم أننا مازلنا لا نملك بالقدر الكافي تصورا علميا لدور المرأة وكيف يمكن أن نستفيد من طاقة معطلة , طاقة هي في الأصل نصف طاقة المجتمع , وأرى أن الحركات الإسلامية اهتمت بالرجال أكثر من النساء هناك نماذج لكنها ليس بالعدد المطلوب وليست بحجم التحدي وهذه المعضلة لا تقع كلها على عاتق الرجال أو قادة الحركات الإسلامية, من الظلم والإجحاف إلقاء كامل المسئولية على عاتقهم. أرى أن أعباء المسؤولية تقع على عاتق المرأة بالدرجة الأولى ...المتابع لعهد النبوة وما بعده، وما كان يزخر به من نماذج نسوية(سنذكر البعض منها لاحقا) جسدن مفهوما فريدا من نوعه لما يمكن أن تكون عليه المرأة في مسيرة العلاقة التكاملية مع الرجل، المتأمل أيضا للمسيرة النضالية للمرأة الفلسطينية، خنساوات فلسطين (أردت هنا أن اربط الماضي بالحاضر لإبراز أن عطاء الأمة والمرأة المسلمة بالخصوص لم ينقطع رغم بعد المسافة بين نسيبة بنت كعب وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها والشفاء بنت عبد الله القرشية والرميساء أم سليم...بين كل هؤلاء وأم الشهداء فاطمة النجار وأم نزار ريان وأم إسماعيل هنية أو زوجته أو ابنته وكل أمهات وزوجات الشهداء على كامل تراب فلسطين ...) وما لها اليوم من دور ريادي جنبا إلى جنب مع شقيقها الرجل بقدر استطاعتها وبقدر ما تطيقه, وضعت المرأة الفلسطينية بصماتها داخل واقع أساسه الكدح والجهاد والنضال على مختلف الأصعدة: كانت أما في البيت تربي وترعى بحنانها، كانت المقاتلة والمجاهدة في الساحات، كانت السجينة والمطاردة ..قلت المتابع أو المتأمل في التاريخ وفي الحاضر الفلسطيني بدرجة أولى يلحظ أن النساء اللواتي سطرن ملاحم رائعة في مجالات مختلفة: في التأليف والكتابة وكل مجالات الفكر والعلم ، في ميادين الجهاد والغزوات، في التجارة والنشاط الاقتصادي، في النشاط السياسي، في المواقف البطولية أمام سلاطين الظلم والجور...لم يجلسن مكتوفي الأيدي في انتظار من ينتشلهن من وضعهن أو يسند لهن نسبة مشاركة أو "كوتا" كتأشيرة يقتحمن من خلالها ميادين السياسة أو الفكر أو الاقتصاد وغيره...
لا يمكن أن تسقط علينا مطر التحرير من السماء... وإيجاد موطئ قدم لنا داخل مسار العمل الإسلامي يتطلب منا أن نكون أولا كفئا لذلك ولنا الزاد لاقتحام ميدان هو قبل كل شيء مسؤولية أمام الخالق عز وجل وليس شغلا في شركة أو مؤسسة . إن التكوين الداخلي هو التحصين الوحيد لنا لنكون جنبا إلى جنب مع الرجل في البناء الحضاري الشامل. وبقدر ما تنمو الملكات والإمكانات تنمو المشاركة وينمو العطاء بصورة تلقائية ... ننمي بداخلنا قوة دفع تكون المحرك لنا للأخذ بزمام المبادرة، ننمي بداخلنا الشعور بالمسئولية عما حولنا من ثغرات، ننمي بداخلنا الشعور بالخوف من محاسبة الله عما حولنا ونطيق ونستطيع تغييره نحو الأمثل، لكننا نتقاعس على ذلك...ليكن شعارنا "لأباشر ما هو ممكن...لتكن البداية عندي..."
لن تكون نهضتنا إلا بما نهض به الأولون من أجدادنا وجداتنا من الصحابة والصحابيات ...وليس بالتقليد الذي يعطل ملكة الإبداع والابتكار...لقد حدد المنهج القرآني دور المرأة فسوى بينها وبين الرجل في مناط التكليف تأكيدا للمساواة بينهما في أهلية حمل الأمانة. لم يشمل هذا التكليف الفروض والتكاليف الفردية، بل تعداها ليشمل فروض الكفايات التي تخص كل مناحي الحياة, فكانت المرأة حاضرة في الغزوات وفي المعترك السياسي ، في الحياة العامة بكل تجلياتها...المساواة في التكليف هي قمة التكريم للمرأة , مرتبة لم يصل إليها الغرب إلا في العصر الحديث، لكنه طبقها بصورة منحرفة مما خلق له مشاكل اجتماعية جمة أولها تفكك الأسرة... ثم جاءت السنة النبوية لتجسد هذا المنهاج , فكان أول من استجاب للرسالة هي امرأة : خديجة بنت خويلد، وأول من استشهد في سبيل إعلاء كلمة الله هي امرأة، سمية بنت خباط أم الصحابي الجليل عمار بن ياسر، فالاستشهاد هو قمة العطاء والتضحية. بل قبل الرسالة المحمدية، أول من طاف بالكعبة وأول من شرب ماء زمزم وأول من سعى بين الصفا والمروة هذه الشعائر العظيمة التي يأتيها ملايين المسلمين يوميا أول من طبق ذلك امرأة وهي أمنا هاجر أم إسماعيل...لم يقدر الله سبحانه تلك الأحداث من باب الصدفة، بل فيها من الحكم والدلالات الكثير...
شاركت المرأة وبقوة منذ فجر الإسلام في مشروع التمكين للإسلام وبناء الدولة. كانت مشاركتها من باب الشعور بالمسئولية، برز حضورها في العمل السياسي حتى قبل قيام الدولة, وان كان تأسيس الدولة ووضع أساساتها هو مما يعتبر قمة المشاركة في صنع القرار السياسي , فلقد كانت المرأة المسلمة حاضرة في بيعة العقبة (قبل قيام الدولة الإسلامية)وتعتبر هذه البيعة عبارة عن الجمعية العمومية لعقد تأسيس الدولة الإسلامية كان عدد أعضاء هذه الجمعية خمسة وسبعين من بينهم اثنتان من النساء هما :أم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي الأنصارية وأم عمارة نسيبة بنت كعب . نلاحظ هنا أن شخصية المرأة وقرارها مستقل عن الرجل وهو لم ينب عليها في المبايعة وهذه المشاركة لم تكن منحة أو نسبة"أهديت" لها من طرف مجلس أو جمعية أو حزب، بل كانت هي ذاتها من فتح تلك القلاع والحصون استجابة لنداء الواجب وليس مجرد تسجيل للحضور أو ديكور للتفاخر والتباهي
كما أن العمل ألجمعياتي النسائي كان موجودا وبقوة وهو جدير بان يكون نموذجا للاقتداء به من طرف الحركات الإسلامية النسائية المعاصرة والأمثلة عديدة وموجود الكثير منها في صحيح البخاري ضمن الأبواب التي خصصها لجهاد النساء. مثال واقعة وافدة النساء التي وردت في كتب السيرة يستدل منها انه كانت هناك جمعية نسائية تنشط داخل المجتمع، يجتمعن ويقررن ويخترن من يمثلهن في المنتديات والناسبات والمطالبة بحقوقهن لها عضواتها وأنصارها وقد اجتمعن واخترن وافدة أو ممثلة أو مندوبة لهن لمقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم للمطالبة بحقوقهن وكيف يمكن لهن أن يشاركن في الحياة او في العمل السياسي والاجتماعي والدعوي ..وافدة النساء هي أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها. شاركت مع أم عمارة نسيبة بنت كعب في "عقد تأسيس الدولة الإسلامية الأولى ببيعة العقبة؛ وشهدت يوم الفتح الأعظم (فتح مكة)، وقاتلت يوم اليرموك في فتوحات الشام، وقتلت تسعة من الروم بعمود خيمتها؛ وكانت من ذوات الرأي والعقل والحكمة والدين، خطيبة فصيحة تهز أعواد المنابر إذا خطبت، وتقوم على تنظيم النساء المؤمنات، وتتزعم المطالبة بما لهن من حقوق. " ( منقول من مقالة للدكتور محمد عمارة : النموذج الإسلامي لتحرير المرأة)لذلك سميت في كتب السنة والسيرة ب"وافدة النساء"، أي مندوبة وزعيمة النساء في المطالبة بحقوقهن.
شاركت المرأة في العزل الاقتصادي الذي فرض على بني هاشم في أول عهد الرسالة وصبرت على الجوع والعطش والعزلة الاجتماعية (العيش في عزلة في شعاب مكة ) وها هي معطاءة إلى اليوم...من الصامد اليوم في فلسطين ومن يرسم لنا صورا لا مثيل لها في التاريخ , عن جهاد النساء ؟ من ضرب بعرض الحائط كل مغريات عصرنا والتي ابتليت بها المرأة أكثر من غيرها أو لنقل مغريات وفتن وقع برمجتها خصيصا لإفساد نصف المجتمع ؟ من جلس على أنقاض منزله و افترش التراب والقش والحجر في تحد صارخ لعدو أراد لهم الرحيل والهجرة بأي ثمن ؟ إنها المرأة الفلسطينية حفيدة أم عمار(سمية ) وأم عمارة (نسيبة بنت كعب )...المرأة الفلسطينية اليوم تبدع، إذ تحيي في نفوسنا نماذج المجاهدات من الصحابيات والتابعيات ومن جاء بعدهن من سلف الأمة. المرأة الفلسطينية جسدت تلك النماذج التي كنا نعدها لوقت قريب من المآثر التي يصعب إحياؤها...
شاركت المرأة في الهجرة في سبيل الله وتحملت أعبائها ومتاعبها والمشقات الأمنية والنفسية والاجتماعية المترتبة عليها . شاركت الرجل وتحملت مسؤوليتها أمام الله وسدت الثغرات التي كانت يومها على مقاسها وكان عليها هي وليس غيرها أن يسدها ... شاركت أسماء بنت أبي بكر في مسيرة الهجرة، وهي "من أخطر التحولات في تاريخ الدعوة والدولة والأمة" شاركت أسماء في هذا الحدث العظيم حيث ائتمنت على سر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحبة أبيها . وقد سهرت من أجل تأمين الوسائل العملية لتلك الهجرة. سميت ذات النطاقين انطلاقا من هذه الحادثة، عندما أرادت أن تحضر لهما طعاما ولم تجد ما تربطه به، شقت نطاقها نصفين نصف تربط به الطعام ونصف لها. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة"...
ساهمت المرأة المسلمة وبقوة في ساحات الجهاد، بل كانت حريصة على الاستشهاد في سبيل الله: ما رواه الإمام أحمد في مسندهعَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِصلى الله عليه وسلم كَانَ يَزُورُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، وَأَنَّهَا قَالَتْ يَوْمَبَدْرٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتَأْذَنُ فَأَخْرُجُ مَعَكَ أُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْوَأُدَاوِي جَرْحَاكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ يُهْدِي لِي شَهَادَةً؟ قَالَ: قَرِّيفَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُهْدِي لَكِ شَهَادَةً، ولم يكتب الله لها الشهادةفي غزوة بدر، فكان رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أراد زيارتهايَقُولُ: انْطَلِقُوا نَزُورُ الشَّهِيدَةَ.
وروى كذلك الإمام البخاري عن أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: دَخَلَ رَسُولُاللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنَةِ مِلْحَانَ فَاتَّكَأَ عِنْدَهَا ثُمَّضَحِكَ، فَقَالَتْ: لِمَ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ نَاسٌ مِنْأُمَّتِي يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثَلُهُمْ مَثَلُالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ. فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْيَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ." كانت المرأة المسلمة تعد لذلك العدة وتنزل إلى الميدان، ولم يكن ذلك لديها مجرد شعارات أو تسجيل مواقف....
نسيبة بنت كعب في يوم أحد "كانت ضمن أقل من عشرة هم الذين صمدوا لجيش الشرك فحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتل.. ويومئذ رآها الرسول وقد كسرت سنه وسالت دماؤه، وهي مشمرة قد ربطت ثوبها على وسطها تقاتل دونه وتتصدى لابن قميئة الذي اندفع نحو الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: أين محمد؟ لا نجوتُ إن نجا...! رآها الرسول وهي تتلقى في كتفها الطعنة التي أراد ابن قميئة توجيهها إلى الرسول.. وكانت أمها معها تعصب لها جراحها. وكان معها كذلك في هذه الملحمة ابنها الذي نزف فعصبت نزيفه ثم استنهضته للقتال. وعندما جُرحت جرحها الغائر في كتفها نادى الرسول على ابنها: "أمك، أمك! اعصب جرحها، بارك الله عليكم من أهل بيت". ثم قال لها في إعجاب: "من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟!.. لمقام نسيبة بنت كعب يوم أحد خير من فلان وفلان.. ما ألتفت يمينًا ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني. "أما هي، التي غادرت أرض المعركة يومئذ وفي جسدها ثلاثة عشر جرحًا فلقد قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن نرافقك في الجنة... فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة"، فقالت: ما أبالي بعد ذلك ما أصابني في الدنيا.
شهدت المرأة الغزوات , ونزلت بالفعل الى الميدان ووقفت أمام الطغاة وقالت كلمة حق في وجه سلطان جائر. أين نحن من قصة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه التي وردت في صحيح مسلم والتي تروي شجاعتها في مواجهة الحجاج ابن يوسف عندما قتل لها ابنها عبدالله بن الزبير بن العوام . أرسل إليها الحجاج لتحضر إليه , فرفضت ,بعث لها بإنذار يهددها فيه إن لم تأت سيبعث لها من يجرها من ضفائرها إليه, وفي تحد صارخ لا يجرأ عليه رجال اليوم ,كانت إجابتها : لن آتي إلا إذ ا بعثت من يجرني من ضفائري ...إلى أن جاءها بنفسه يتبختر , فما كان منها إلا أن إجابته إجابة تليق به وأفاعيله :رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسدت عليك آخرتك . أما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا (كثير القتل )فأما الكذاب فرأيناه (الثقفي ) واما المبير فلا أخالك إلا إياه رواه مسلم , وهل لنا اليوم ومن رجالنا لا نقول نسائنا من يقول كلمة حق في وجه سلطان جائر ...
شاركت المرأة في غزوة اليرموك , سلحهن خالد بن الوليد رضي الله عنه لحماية ظهور الرجال داخل المعركة وأمرهن ان يقطعن عنق كل مول للدبر , ويومها رفعت هند بنت عتبة سلاحها في وجه زوجها ابو سفيان , انه الإيمان بالقضية تهون أمامه المصالح الخاصة , وحتى الزوج ...وها هي خنساء فلسطين تدفع بابنها لساحة الجهاد وتهيؤه لذلك وتربيه على التضحية منذ نعومة أظافره، تودع الفلسطينية اليوم ابنها الاستشهادي بالقبلات والمعانقة وتودعه شهيدا بالزغاريد ... يروي الإمام البخاري كيف أن رأي أم سلمة يوم الحديبية هو الذي وقى المسلمين شر الفتنة ..وكان يوجد يومها العديد من قادة المسلمين من المعترضين على الصلح إذ يرون أن فيه اهانة للمسلمين ...لكن بعد الشورى أخذ برأي أم سلمة رضي الله عنها ,نستخلص هنا مشاركة المرأة والأخذ برأيها (ليس مجاملة طبعا ,بل لان هناك ترجيح لحكمة هذا الرأي وسداده )في الشورى العامة وفي مسائل كبرى تهم العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية آنذاك ...
شاركت المرأة في الحياة السياسية: بالمشاركة الفعلية، على سبيل المثال لا الحصر، الشّفاء بنت عبد الله القرشية العدوية رضي الله أن ولاها عمر بن الخطاب "ولاية الحسبة" أي بالمعنى الحديث وليت "وزارة" التجارة والأسواق، وأوزانها ومعاملاتها.. تراقب وتحاسب، وتفصل بين التجّار وأهل السوق، من الرجال والنساء. مرة أخرى أم عمارة نسيبة بنت كعب هذه المرأة العظيمة(أعطوني مثيلا لها في عصرنا أيها "المتنورون" ) "كانت ثمرة ناضجة متألقة من ثمرات هذا التحرير شاركت في بيعة العقبة الجمعية التأسيسية للدولة الإسلامية الأولى، فمارست في ظلال الإسلام وتحريره للمرأة قمة الولاية السياسية قبل أربعة عشر قرنًا؛ وشاركت في بيعة الرضوان -تحت الشجرة- عام الحديبية (6ه) "على الحرب والقتال" عندما شاع أن قريشًا قتلت مندوب المسلمين إليهم، عثمان بن عفان. وكانت أم عمارة ممن أوفى بما عاهد عليه الله.."...تلك مجرد نماذج، لو تعلمون..
إضافة إلى المشاركة الفعلية في المجال السياسي شاركت المرأة بإسداء النصيحة والإدلاء برأييها، حتى في القضايا الكبرى، يخبرنا البخاري في نفس السياق عن مشاركة حفصة برأيها في أمر الخلافة، مشاركة ليس لتقول إني هنا أو من اجل البروز ويقال عنها مناضلة فتنال الترقيات , بل لأنها تحمل فعلا هم الأمة وترى أنها مسئولة أمام الله عن ذلك وستسأل إن لم تقم بواجبها : أين كنت يومها حيث كان هناك ثغرة وأنت من يسدها وليس غيرك , ولو وقفت عليها لما حدث كذا وكذا ؟؟؟ مشكلتنا اليوم الاستهانة بسؤال كهذا ..نسأل الله حسن العاقبة . وما حدث بين علي ومعاوية حيث طلبت وأمرت أخيها عبد الله بن عمر حضور التحكيم في دومة الجندل بعد معركة صفين , قالت السيدة حفصة رضي الله عنها لأخيها : ليس لك أن تتخلف عن صلح يصلح الله به بين أمة محمد وأنت صهر رسول الله وأبن عمر .. لقد وعت حفصة يومها أنها هي أيضا معنية بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الساكت عن الحق شيطان أخرس وان الله سيحاسبها إن لم تدفع بأخيها إلى فعل ذلك ... فقامت بواجبها : قول الحق والحث على فعله.
رأي أم سلمة يوم الحديبية: يروي الإمام البخاري كيف أن رأي أم سلمة يوم الحديبية هو الذي وقى المسلمين شر الفتنة ..وكان يوجد يومها العديد من قادة المسلمين من المعترضين على الصلح إذ يرون أن فيه اهانة للمسلمين ...لكن بعد الشورى أخذ برأي أم سلمة رضي الله عنها ,نستخلص هنا مشاركة المرأة والأخذ برأيها (ليس مجاملة طبعا ,بل لان هناك ترجيح لحكمة هذا الرأي وسداده )في الشورى العامة وفي مسائل كبرى تهم العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية آنذاك ...
شاركت المرأة في النهوض بالآمة بعلمها وثقافتها، كان العديد منهن بمثابة مدارس متنقلة يأخذ عنهن العلم من طرف الرجال قبل النساء: عائشة بنت أبي بكر الصديق -زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين- رضي الله عنهما، "ثمرة من ثمرات هذا التحرير الإسلامي للنساء" كانت راوية الأحاديث وحافظة السنة؛ و"الفقيهة التي تراجع القرّاء والرواة والفقهاء والمجتهدين؛ والمشيرة في الشؤون العامة؛ والمتذوقة للفنون التي تعرضها فرقة فنية -من الأحباش- في مسجد النبوة؛ والممارسة لرياضة الجري مع زوجها صلى الله عليه وسلم أثناء السفر إلى الغزو والجهاد". الشفاء بنت عبدالله (مرة أخرى)كانت مدرسة تعلم القراءة والكتابة حتى أنها كانت معلمة لحفصة أم المؤمنين رضي الله عنها. كان من ميزاتها رجاحة العقل والحكمة، كانت راوية لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن محاوريه، بل كانت تلومه أحيانا ويعتذر إليها ( يعتذر سيد الخلق إلى امرأة).
يفتخر الغرب اليوم بقوانين اللجوء السياسي وانه حامي المعارضين في بلداننا وهو حق أريد به باطل . اذ هو يحمي مصالحه قبل كل شيء من هؤلاء لأنه يعرف أنهم هم القادرون على زعزعة عروش من نصبهم في بلداننا وملكهم رقابنا , لحماية مصالحه , لذلك يحرص على حمايتهم بتوفير ملجأ لهم على أرضه... فيسهل عليه مراقبتهم...وجد تشريع اللجوء أو بلغة العصر الإجارة في الإسلام منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرن ...وكان للنساء فيه دور في تطبيقه , هاهي أم هاني بنت أبي طالب تجير رجلا من بني هبيرة وتقف في وجه أخيها علي بن أبي طالب عندما طارده وتصر على حماية من أجارته , ثم تذهب لتشتكي أخاها لرسول الله فيحترم مبادرتها ورأيها ويقول لها : قد أجرنا من أجرتِ، وأمّنّا من أَمّنتِ يا أم هانئ.. لكن لا تُغضبي عليًّا، فإن الله يغضب لغضبه..!" فأطلقت أخاها فداعبه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: "يا علي غلبتك امرأة!.." . أي احترام لرأي المرأة اكبر من ذلك ؟؟ يأخذ رئيس الدولة برأي امرأة ويضع جانبا رأي وزير من وزرائه : ليس ذلك مجاملة بل لان رأي أم هاني كان أحكم من رأي سيدنا علي رضي الله عنه .
كل ما ذكرته كانت نماذج ( وما أكثرها في تاريخنا لكن لا يسمح المجال لذكرها كلها ) لنساء تحررن بالإسلام فكان دخولهم لمعترك الشأن العام بسلاسة تدل على أن ذاك هو وضعهم الطبيعي، اقتحمنه دون تكلف وبصورة تلقائية طبيعية. كل نموذج من هؤلاء قد قدره الله بحسبان وليس صدفة، وسخره ليكون لنا فيه عبر إن استوعبناها واستنبطنا الحكمة التي وراءها تمكنا اليوم من رسم تصور كامل لدورنا نحن النساء في النهوض والمشاركة في البناء الحضاري ... انه خريطة طريق إن مشينا على دربها نجونا وان لم نقتد إليها فإننا والله لن نتزحزح قيد أنملة عن وضعنا وسنظل نركض وراء سراب لن يساهم إلا في تخلفنا وعودتنا إلى الوراء ...
كانت المرأة المسلمة في عهد النبوة نموذجًا من نماذج ثمرات شعار التحرير الذي رفعه الإسلام... حملت أمانات كبرى واؤتمنت على الأسرار( سر خطة الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة؛اؤتمنت عليه أسماء رضي الله عنها)شاركت في تأسيس الدولة؛ شاركت في الحروب والغزوات بقدر استطاعتها وليس عبر تأشيرة عبور، شاركت في الدعوة ونشر الإسلام فكانت الفقيهة وحافظة الحديث... كانت أما ومربية في البيت تشد أزر زوجها وأسرتها وتحفظ أمانته أثناء غيابه؛ وتزرع له حقله؛ وترعى فرس جهاده وقتاله؛ وتربي ولده على البطولة والفداء والاستشهاد؛ وتعارض وتجابه الطغاة، (قصة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما مع الحجاج بن يوسف الثقفي.). ومع كل ذلك تظل المرأة المسلمة هي الأنثى التي تتزين بالحشمة الإسلامية، محافظة على الجانب الأنثوي بدون عقد ولا مركبات.

أستاذة في علم الاجتماع
مفيدة حمدي عبدولي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.