افتتاح الدورة 57 للمهرجان الدولي للصحراء بدوز... التفاصيل    المغرب ضد مالي في كأس إفريقيا.. الموعد والقنوات الناقلة    طقس اليوم.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    نيجيريا تصدر بيانا بعد الغارة الأمريكية على "داعش"    رئيس الجمهوريّة يؤكّد تمسّك تونس بسيادتها، والعمل على رفع التحدّيات الاجتماعية والاقتصادية    ترامب يعلن شن ضربات عسكرية أمريكية قوية ومميتة على "داعش" في نيجيريا    سعيد يلتقي رئيسي الغرفتين البرلمانيتين    ترامب يعلن شن ضربة عسكرية على "داعش" في نيجيريا    أوكرانيا 2025 .. فضيحة الفساد التي غيّرت مجرى الصراع    انطلاق عمليّة إيداع ملفّات الترشّح لمناظرة الانتداب في رتبة أستاذ مساعد للتعليم العالي    بنزرت: العثور على جثة لاعب كرة قدم مفقود منذ 20 يوما    نابل: حجز وإتلاف 11طنا و133 كغ من المنتجات الغذائية وغلق 8 محلات لعدم توفر الشروط الصحية منذ بداية شهر ديسمبر    مع الشروق : أولويات ترامب... طموحات نتنياهو: لمن الغلبة؟    البنك المركزي.. العائدات السياحية تناهز 7،9 مليار دينار إلى حدود اليوم الخميس    في حلق الوادي والمعبرين الحدوديين ببوشبكة وراس الجدير .. إفشال صفقات تهريب مخدرات    تظاهرة «طفل فاعل طفل سليم»    رواية " مواسم الريح " للأمين السعيدي صراع الأيديولوجيات والبحث عن قيم الانسانية    شارع القناص .. فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي انفصام فنّي على القياس ..حسين عامر للصوفيات وحسين العفريت للأعراس    "كان" المغرب 2025.. حكم مالي لمباراة تونس ونيجيريا    كاس امم افريقيا 2025: مصر وجنوب إفريقيا في مواجهة حاسمة..    عاجل: جنوح عربة قطار بين سيدي إسماعيل وبوسالم دون تسجيل أضرار    ابدأ رجب بالدعاء...اليك ما تقول    فيليب موريس إنترناشونال تطلق جهاز IQOS ILUMA i في تونس دعماً للانتقال نحو مستقبل خالٍ من الدخان    منع بيع مشروبات الطاقة لمن هم دون 18 عاما..ما القصة..؟    خبير يوّضح: العفو الجبائي على العقارات المبنية مهم للمواطن وللبلديات..هاو علاش    ماذا في اجتماع وزير التجارة برؤساء غرف التجارة والصناعة؟    عاجل/ مقتل عنصرين من حزب الله في غارة صهيونية استهدفت سيارة شرق لبنان..    زغوان: مجمع الصيانة والتصرف بالمنطقة الصناعية جبل الوسط بئر مشارقة يعلن عن إحداث حقل لانتاج الطاقة الفوطوضوئية    يتميّز بسرعة الانتشار والعدوى/ رياض دغفوس يحذر من المتحور "k" ويدعو..    وفاة ممرضة أثناء مباشرة عملها بمستشفى الرديف...والأهالي ينفذون مسيرة غضب    تعرّف على عدد ساعات صيام رمضان 2026    عاجل: تهنئة المسيحيين بالكريسماس حلال ام حرام؟...الافتاء المصرية تحسُم    البرلمان ينظم يوم 12 جانفي 2026 يوما دراسيا حول مقترح قانون يتعلق بتسوية الديون الفلاحية المتعثرة    وليد الركراكي: التتويج باللقب القاري سيكون الأصعب في تاريخ المسابقة    زيت الزيتون ب10 دنانير:فلاحو تونس غاضبون    فضاء لبيع التمور من المنتج إلى المستهلك من 22 إلى 28 ديسمبر بهذه الجهة..#خبر_عاجل    ما ترميش قشور الموز: حيلة بسيطة تفوح دارك وتنفع نباتاتك    التمديد في المعرض الفني المقام بالمعلم التاريخي "دار الباي" بسوسة الى غاية منتصف جانفي 2026    اسكندر القصري ينسحب من تدريب مستقبل قابس    افتتاح الدورة 57 للمهرجان الدولي للصحراء بدوز    أنشطة متنوعة خلال الدورة الأولى من تظاهرة "مهرجان الحكاية" بالمركب الثقافي بسيدي علي بن عون    موزّعو قوارير الغاز المنزلي بالجملة يعلّقون نشاطهم يومي 12 و13 جانفي 2026    مع Moulin d'Or : قصّ ولصّق وشارك...1000 كادو يستناك!    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة: برنامج مباريات الجولة العاشرة    عاجل: هذا ما تقرر في قضية المجمع الكيميائي التونسي..    عاجل: اليوم القرار النهائي بخصوص اثارة الافريقي ضدّ الترجي...السبب البوغانمي    كأس أمم إفريقيا: برنامج مقابلات يوم غد    عاجل: تقلبات جوية مرتقبة بداية من هذا التاريخ    ينشط بين رواد والسيجومي: محاصرة بارون ترويج المخدرات    عاجل/ تركيا ترسل الصندوق الأسود لطائرة الحداد إلى دولة محايدة..    صحفي قناة الحوار التونسي يوضح للمغاربة حقيقة تصريحاته السابقة    نانسي عجرم ووائل كفوري ونجوى كرم يحضروا سهرية رأس السنة    بداية من من غدوة في اللّيل.. تقلبات جوية وبرد شديد في تونس    النوبة القلبية في الصباح: علامات تحذيرية لازم ما تتجاهلهاش    رئيس الجمهوريّة يؤكد على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهج الإجرام الفاجر بحق شعب سورية..أفظع من القذافي
نشر في الحوار نت يوم 01 - 05 - 2011

أثناء متابعة بعض ما يجري في سورية، واستخدام الأسلحة الثقيلة مع قَطع وسائلِ الاتصالِ جميعا وأسباب الحياة على أهل درعا ودوما يوم 25/4/2011م –وجبلة قبل يوم واحد- للحيلولة دون وصول مشاهد الجريمة واستغاثات الضحايا لأحد في أنحاء العالم.. سألني سائل حيث أقيم في ألمانيا: هل يصنع الحكم في سورية لنفسه "مصراته" في الجنوب، و"الجبل الغربي" على الساحل، و"الزاوية" قرب العاصمة، منوّها بالنهج الإجرامي الذي اتبعه القذافي في ليبيا، فقلت: كلا.. لقد كان ردّ فعل بعض الثوار من شعب ليبيا على الإجرام العنيف ضدّهم منذ اليوم الأول لمظاهراتهم السلمية، سريعاً نسبيا، فحملوا السلاح، فحوّل القذافي جريمة القتل الجماعي للشعب الأعزل، إلى جرائم قتل جماعي لشعب تحمل فئةٌ محدودة العدد منه أسلحةً محدودة الفعالية.. أمّا في سورية، فالجريمة التي يرتكبها الحكم الاستبدادي الآن أفظع بكثير، إذ يلجأ إلى الأسلحة الثقيلة بعد الرصاص الحيّ، في مواجهة الصدور العارية والحناجر الهاتفة بالحرية، دون أن يحمل السلاحَ أحد من المفجوعين من ذوي الأفواج الأولى من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمختطفين والمعذبين.


ليست هذه مجرد "جريمة" من الجرائم المحرّمة ضدّ الإنسانية، بل هي من أبشع تلك الجرائم إطلاقا، كما أنّها جريمة كبرى بحقّ الوطن والأمّة والعروبة والإسلام وجميع الملل والأديان والمبادئ ممّا يعرفه تاريخ البشرية.

إنّ ما شهده يوم الجمعة 29/4/2011 وقبله يوم الاثنين 25/4/2011م، هو مشهد لا ندري ما الذي سيتبعه من مشاهد بشعة فظيعة بعد، ولكن نعلم أنّه فصل آخر لتصعيد العنف الاستبدادي الإجرامي بدأ يوم الجمعة 22/4/2011م، من بين فصول عديدة للجريمة، التي لم تبدأ ردّا على ثورة شعب سورية في 15/3/2011م، بل بدأت منذ تسلّط هذا النظام الاستبدادي الجائر على السلطة قبل أكثر من أربعة عقود.



الآن.. نزعت الشبيحة والعصابات المسلّحة ألبستها التنكرية، وامتطت الدبابات والمدرعات، ومضت بإمرة ماهر الأسد، شقيق رأس النظام الحاكم في سورية، لتقتحم درعا ودوما بعد ارتكاب مذبحة جبلة -قبل يوم واحد- لتنضمّ إلى أخواتها، اللاذقية، وبانياس، وحمص، وغيرها.. والقائمة طويلة، تحمل عناوين مآسٍ دامية سابقة، كما كان في حماة وتدمر وأخواتهما قبل ثلاثين سنة.. وتدفع إلى التساؤل ما إذا كان الفصل الحالي سيكرّر ما كان آنذاك، عندما حمّل رأس السلطة أخاه رفعت الأسد المسؤولية لاحقا عن بعض الجرائم المرتكبة، ثم كان النزاع الذي أوصل الأخير إلى منفاه مع ما نهب من ثروات الشعب، بل إنّ البداية الأولى لمسلسل الجرائم كانت في غدرِ رفاق الانقلابات ببعضهم بعضا قبل 42 سنة، حتى وصل آنذاك حافظ الأسد إلى رأس السلطة، وزجّ برفاقه وأشهرهم رفيقه في انقلاب سابق، صلاح جديد، في السجن.. فلم يغادره إلا جثة هامدة بعد 23 سنة.


الاستبداد القمعي عاريا

إنّ انتقال النظام القائم في سورية بممارساته القمعية للثورة الشعبية، إلى هذه المرحلة المتقدّمة من التصعيد الهمجي، يعني فيما يعنيه:

1- تساقط الادّعاءات الواهية المتكرّرة، بشأن اقتصار إطلاق الرصاص القاتل على عناصر شبيحة وعصابات مسلّحة، وأصابع أجنبية وتآمرية، فكل ضحية من ضحايا الاستبداد الفاسد القمعي، من المدنيين الثائرين من مختلف الأعمار والفئات، ومن عناصر الجيش والأمن الرافضين للأوامر، هو ضحية رصاص الاستبداد القمعي، ويحمل المسؤوليةَ عنه النظام القائم كلّه، برؤوسه وفروعه.

2- إنّ جميع مزاعم الإصلاح، والإجراءات الترقيعية، والوعود المتكرّرة، لا قيمة لها، ولا جدوى من التعامل معها، فالقتل والفتك بشعب أعزل، وتوسيع نطاق الاعتقالات إلى درجة تشمل حتى "المتذمّرين" من داخل بنية النظام، ومن أقرب المقرّبين إليه، جميع ذلك سلوك قمعي استبدادي إجرامي لا يمكن أن يلتقي مع أي رؤية إصلاحية ذاتية.

3- إن النظام القائم في سورية انتقل من محاولة "امتصاص الغضب" قبل أيام الجمعة من الأسابيع الأولى من الثورة، إلى القتل الصريح العلني قبل يوم الجمعة في الأسبوع السادس من مسارها، فهو يضع شعب سورية أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا الاستسلام القاتل لاستمرار الاستبداد القمعي القائم، أو استمرار الثورة وتصعيدها الآن مهما كانت التضحيات، فما كان من ضحايا الاستبداد خلال زهاء نصف قرن مضى، وما يمكن أن يكون من ضحايا الاستبداد خلال نصف قرن آخر يأتي، أكبر وأخطر بنتائجه من جميع ما يمكن أن يقدّمه شعب سورية في ثورته الأبية المشروعة الماضية قُدُما حتى سقوط الاستبداد من جذوره وتحقيق التغيير الشامل بمختلف جوانبه وميادينه.

4- إنّ ثورة الشعب المشروعة، العادلة السلمية الحضارية، أصبحت أكبر وأوسع وأشدّ قوة وصمودا وتصميما من إمكانية إخمادها بوسائل قمعية تقليدية يمارسها النظام القائم باستمرار عبر عشرات السنين، منذ بداية تسلّطه على سورية وشعبها، ولن يمكن إخمادها بالوسائل الأفظع بطشا وإجراما، الموروثة عهدا عن عهد، ولن تكون نهاية الاستبداد الحالي على فراش الموت، بل ستكون بالسقوط المحتم، وانتصار الثورة بإذن الله وعونه.. فقد بلغت القلوب الحناجر، وعلت الاستغاثات بالله القاهر الجبار قاصم المستبدين المتجبّرين: متى نصر الله؟.. ألا إنّ نصر الله قريب.


درعا.. حاضنة التاريخ وصانعة المستقبل

درعا التي اقتحمتها الدبابات والمدرعات على أهلها في الفجر وهم متوجّهون إلى الصلاة في مسجدها العمري، وتعامل "الغزاة المهاجمون" معهم –وكأنّهم يحرّرون مدن الجولان- بالمدفعية والرشاشات، تدخل التاريخ هذه الأيام بأنها المعقل الأكبر للثورة على الاستبداد، وستبقى مكانتها هذه في التاريخ، تضيف صفحة أخرى من صفحات تاريخها المضيء، مدينة أبيّة عزيزة، ظهرت قبل ولادة حزب البعث ومن يتسمّى باسمه بأربعة آلاف عام وزيادة، منذ سكنها أهلها الأوائل في العصر الحجري، وستبقى أبية عزيزة من بعد هذه الحقبة الإجرامية السوداء من الفتك بها وبأهلها، مع أخواتها في حوران، إزرع، ونوى، والطيبة، وجاسم، والشيخ مسكين، والصنمين، وطفس، وداعل، والحراك، وأبطع.

وستتابع حوران بمدنها وقراها طريق ثورة التحرّر من الاستبداد الهمجي، على خطى الأجداد من أبناء الثورة السورية الكبرى عام 1925م التي انطلقت من حوران للتحرّر من الاحتلال الفرنسي الهمجي..

وستنجب المزيد من الأبطال الأحرار مثلما أنجبت مع أخواتها قديما وحديثا الشاعر أبا تمام ابن جاسم الصامدة، والإمام النووي ابن نوى المجاهدة، وسلطان باشا الأطرش ابن السويداء الثائرة.

وستنطلق مسيرة انتصار الثورة منها كما انطلقت منها انتصارات تحرير فلسطين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وستستقبل في مسجدها العمري تباشير عصر جديد من العدالة في الحكم، والأخوّة في الحياة المشتركة، مثلما استقبلت أرضُ سورية كلّها في الجابية في حوران عصرا جديدا من العدالة في الحكم والأخوّة في الحياة المشتركة عندما استقبلت الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.

وسيسجّل التاريخ أنّ درعا وأخواتها ثارت وتحدّت الطغيان يوم اختطف الطغيان عددا من أطفالها تلاميذ المدارس ليقلّع أظافرهم في سجونه ومعتقلاته وأقبية مخابراته، ولن تستكين بعد اليوم لدباباته ومدرعاته ومدفعيته ورشاشاته واقتحامه المساجد والمستشفيات والدور الآمنة، فالاستكانة موت مع المذلّة.. والثورة حياة أو استشهاد مع العزة والكرامة، وقد أطلقت درعا وأخواتها النداء: "الشعب السوري ما بينهان"، فهيهات تستكين مستسلمة للموت قتلا أمام نظام استبدادي لم يعد يجدي معه سوى نداء درعا وأخواتها معا: "الشعب يريد إسقاط النظام".


دوما.. ابنة الشام وأمّ الأحرار

لقد وجّه النظام الاستبدادي القمعي حرابه يوم 25/4/2011م لدوما إلى جانب درعا، ليجيب على تحدّي اعتصامها الليلي اليومي، ومطالب أهلها عبر ندائهم المتواصل كتواصل سيل الدماء من شهدائهم وجرحاهم، بالحرية والعدالة والكرامة، كلما أجاب الاستبداد بلغة الإجرام التي لا يتقن سواها.. قصفا وتقتيلا واعتقالا.

ودوما.. كانت البلدة الوادعة في أحضان غوطة دمشق، فقهر الاستبداد غوطتها، وقطّع أشجارها، مثلما قهر "قلب دمشق" وهو يردّد أنّه "قلب العروبة النابض"، وكأنّه يسخر من العرب والعروبيين في أنحاء الأرض، فشرّد على مرّ السنين أهل دمشق، أقدم مدن الدنيا نشأة وعمرانا، مغتصباً مساكنهم عن طريق "سرايا الدفاع" التي كان على رأسها شقيق رأس النظام آنذاك، والتي تبدّل اسمها إلى "الأمن المركزي" من بعد ليرأسها شقيق رأس النظام حاليا، فكان قلب المدينة يٌمزّق حيّاً حيّاً وداراً داراً ليُوزّع على "الموالين للاستبداد وأتباعه".. وآنذاك –كما احتضنت بلدة الحجر الأسود وأخواتها المشردّين نتيجة تسليم الجولان- احتضنت المشرّدين عن قلب دمشق دوما وأخواتها في الغوطة، حرستا، وجوبر، وسقبا، وحمورية، والكسوة، والتل، والمعضمية، والضمير، والقابون، وداريا، وعربين، ممّا فُصل عن المدينة الأمّ إداريا، وجُمع –باسم محافظة ريف دمشق- مع البلدات القريبة كالزبداني ومضايا وغيرها، وجميع هذه الأسماء سطّرت الآن بدماء الشهداء وحناجر الثائرين تاريخ هذه الثورة الشعبية المجيدة.. وإنّ ثورتها جميعا هي ثورة دمشق العاصمة، ثورة الشام الأبية، والتي امتدّت إلى بقايا قلب المدينة الممزّق، كمنطقة الميدان، وإلى شموع المستقبل المضيئة في جامعة دمشق، وإلى الشوارع المؤدّية إلى ساحة العباسيين وسط دمشق.. مثلما تحرّكت الثورة يوم ولادتها الأولى في سوق الحريقة والحميدية وسواهما.

جميعها قدّم للثورة مدادا من دماء الشهداء والجرحى، وكان أوائل الشهداء من دوما الثائرة.. أمثال فؤاد بن احمد بلة، وخالد محمود البغدادي، وعرفان عبد المجيد الدرة، وحيدر علي عز الدين، وإبراهيم محمد المبيض، ونعيم محمد المقدم، وياسر جمال أبو عيشة، وأحمد عبد الرحيم رجب، وماجد الكلس.. وغيرهم وغيرهم، رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جنانه، ونصر الثورة التي بذلوا أرواحَهم من أجل انتصارها، وجميع هؤلاء ممّن ولدوا في عهد الاستبداد القائم، ونشؤوا يعانون من فساده وقمعه، وجميعهم ينادون أهلهم ما بين القامشلي والبوكمال، عبر حلب وحمص وحماة، وحتى اللاذقية وبانياس ودرعا والصنمين.. أنّ طريق الثورة هو طريق الحياة العزيزة الكريمة الأبيّة، وأن الانكفاء أمام المدرّعات والميليشيات التي اقتحمت دوما صباح 25/4/2011م يعني استمرار الاستبداد وما يصنعه من أسباب الموت المتواصل والهوان المتراكم والتنكيل بلا حدود.


الاستبداد يستهدف جبلة.. حاضرة الفينيقيين

جبلة تتحدّى بثورتها وبتاريخها الحضاري منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، استبدادا شاذا في صفحات التاريخ على امتداد أربعة عقود..

وجبلة التي عرفت الفينيقيين والرومان قادرة على البقاء رغم إجرام المستبدين المعاصرين..

وجبلة التي يعني أصل اسمها باللغة الفينيقية "القبة العالية" ستحتفظ بشموخها رغم أنوف الدبابات ومن يسيّرها، والمدرّعات ومن يقودها، والرشاشات ومن يطلق منها الموت إلى صدور أبناء جبلة الثائرين..

وجبلة.. المدينة التي أنجبت عزّ الدين القسام فاستُشهد على ثرى فلسطين الطاهرة، تقدّم اليوم أبناء عز الدين القسام وأحفاده وتئنّ من استشهادهم برصاص الأيدي الآثمة..

وجبلة التي كان منها صلاح جديد رفيق انقلابات حافظ الأسد على "رفاق البعث" وضحيته في آخر انقلاباته، شاهدٌ على أنّ الحكم الاستبدادي القائم، هو حكم الغدر بالرفاق الحزبيين والرفاق الطائفيين والرفاق العسكريين، فلم يكن يؤمَن بالأمس على أحد ولا يؤمَن اليوم، سواء من والاه أو من عارضه، سيّان تحت أيّ عنوان، وسيّان في أي منصب، ويشهد على ذلك اعتقالُ منصور العلي قبيل اقتحام جبلة عسكريا، لمجرّد انتقاده القمعَ "الأمني" الذي يمارسه "رفاقه" في النظام الاستبدادي القائم، ويشهد على ذلك من قبل إقالة رئيسة تحرير صحيفة تشرين سميرة المسالمة لمجرّد تعاطفها مع الضحايا من درعا وأخواتها.. ولن ينقطع حبل الغدر حتى ينقطع حبل الاستبداد الإجرامي نفسه، وسينقطع، في يوم يرونه بعيدا.. وستجعله ثورة شعب سورية أقرب بكثير ممّا يحسبون ويتوهّمون.


قصف مبادرات الإصلاح.. بالتقتيل والاعتقال

لئن ظهر التصعيد القمعي المقصود عبر الاقتحام العسكري بالأسلحة الثقيلة لدرعا ودوما وجبلة مقترنا بتصعيد حملة الاعتقالات لتشمل المئات من الناشطين، فضلا عن أضعاف ذلك من المتظاهرين الثائرين، فإن توقيته الآن بعد عدّة أسابيع من عمليات القمع مقترنة بالمناورات تحت عناوين "إصلاح.. وحوار.. ووعود" خلال الأسابيع الماضية، في محافظة بعد محافظة، ومدينة بعد مدينة، وبلدة بعد بلدة.. هو التوقيت الشاهد على "صدق ممارسات القمع" و"كذب مناورات التهدئة".

لم يتعامل الحكم القائم مع مسار الثورة، ولا مع نداءات ومبادرات عديدة، حتى من داخل نطاقه، تعاملا جادّا يوحي في أي لحظة من اللحظات أن لديه نيّة صادقة لتحقيق مطالب الإصلاح والتغيير المشروعة، بل مارس بشكل متواصل محاولات تشويه الثورة الشعبية، وسلميّة الثوار، ووطنية الشعب الثائر، ومحاولات الخداع بخطوات جزئية وإجراءات ترقيعية، لا تصل بمفعولها إلى البنية الهيكلية للاستبداد القمعي الفاسد، ولا تمسّ شيئا من مواقع رؤوس القمع والفساد وفروعهما، جنبا إلى جنب مع محاولات إثارة الفتن المختلفة، بدءا بفتنة الطائفية التي زعم أن الثورة تسبّبها وأخفق في إقناع أحد بذلك من داخل سورية أو خارجها، انتهاء بفتنة "إقامة أمارة إسلامية" مزعومة في درعا وما يجاورها التي ابتكرها وأطلقها مع انطلاق قذائف دباباته ومدرعاته في شوارع درعا فجرا.

لقد أخفق النظام الاستبدادي الحاكم في إخماد ثورة الشعب على استبداده، بوسائل الخداع والتضليل والاتهامات والإجراءات الشكلية " الجزئية والجانبية والمتأخرة، وأخفق في ذلك عبر ما اتبعه خلال خمسة أسابيع مضت من وسائل القتل والقمع والاعتقال والتعذيب، في مدينة بعد مدينة، وبلدة بعد بلدة، فلجأ إلى مضاعفة جرعة البطش والتقتيل إلى أقصى صورة من صور ارتكاب الجرائم بحق الإنسان والوطن والتاريخ والمستقبل.

إنّ هذا التمادي المطلق في الإجرام لا يكشف عن قوّة النظام الاستبدادي بقدر ما يكشف عن اهترائه، ولا ينبئ بنهاية ثورة الشعب الأبيّ بل يعطي مزيدا من الأدلّة على حتميّة الثورة على الاستبداد والطغيان ومشروعيتها، ويضيف المزيد من الوقود إلى الصمود والإقدام، وستشهد الأيام المقبلة وفق سنن التاريخ، أنّ الثورة المشروعة لشعب سورية ستمضي بخطوات أوسع ممّا مضى وأسرع، وستشمل المزيد من المدن والبلدات السورية، وستجمع على عدالة أهدافها وثبات خطواتها المزيد من فئات شعب سورية، بمن في ذلك أولئك الذين بدؤوا مسيرة التبرؤ من الانتساب إليه، ومن المشاركة في حمل المسؤولية عمّا يرتكب، وهم يعلمون، أنّ النظام الذي يواجه بآلة القتل كلّ من يرفض أوامر التقتيل ضدّ الجموع الثائرة، لا يمكن أن يحافظ على موقعه فيه أحد من العاقلين، وهو يعلم أنّه معرّض للغدر به، وأنّه بيدق من البيادق في آلة الإجرام على أيدي رؤوس الفتنة الكبرى المتجسّدة في وجود الاستبداد الفاسد واستمراره وممارساته.

إنّه نظام ينتحر بأسلحته الثقيلة والخفيفة.. وسيتهاوى عاجلا لا آجلا، وستخرج سورية بعون الله ونصرته، وطنا وشعبا وتاريخا وحضارة وحاضرا ومستقبلا من النفق المظلم الذي أدخلها الاستبداد الفاسد فيه منذ أكثر من أربعة عقود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.