يخيم صمت مطبق على درعا التي انسحب منها الجيش الخميس بعد حملة تمشيط دامت عشرة ايام كما لزم معظم السكان الذين خرجوا من منازلهم لاول مرة الصمت بسبب الخوف. طلقات فارغة، زجاج مكسور، وآثار الدبابات على الاسفلت، والاطارات المحترقة وبقايا الدخان الأسود التي خلفها الحريق على الجدران، تظهر كثافة العمليات العسكرية في هذه المدينةجنوب البلاد، التي شكلت رمزا للتمرد ضد نظام بشار الأسد. وقالت نجاح عبد الله وهي أم شابة ترتدي وشاحا أسود تحمل ابنها "كنا لا نجرؤ على الخروج. لقد رأيت أحد القناصة على سطح ثم مرت رصاصة على بعد سنتمترات مني، والحمد لله نجوت" وفتحت بعض محلات البقالة ابوابها وامتدت صفوف السيارات امام محطة الوقود وباشرت المخابز بتوزيع الخبز من جديد كما احتسى البعض القهوة على الرصيف. وقال رجل باحتراس "كل شيء بخير، الامور طبيعية" وقد اخافه على ما يبدو وجود الكاميرات والمراسلين يرافقهم رجال الأمن. وفجأة، ظهر احد مؤيدي المتظاهرين، وووجه له اللوم "كيف يمكنك أن تقول لا يوجد شيء، هذا كذب، انا لا اخشى الكلام ، فليقتلوني، لقد نهبوا بيتي، وسرقوا أموالي". وصرخ "كنت اعيش خارج البلاد وماذا أرى؟ الموتى والدمار". وشعر احد المرافقين بالحرج فوصفه بانه "سلفي مجنون". ويتهم النظام معارضيه بالمتطرفين الاسلاميين. وتحدث اخرون عن وجود مجموعات مسلحة بقولهم "لقد كان الامر مرعبا، كانت هناك مسلحون ملثمون ، لقد اقاموا الحواجز الثابتة وتعرضوا للمارة". وقال التاجر أبو محمد "كان الامر يبدو وكأنه دولة داخل الدولة الا اننا تخلصنا منهم". واضاف "لقد شارك في مظاهرات درعا نحو عشرة آلاف شخص للمطالبة باستقالة المحافظ ولكن هؤلاء الغرباء تسللوا الى الحشد". الا انه جمد في مكانه عندما اقترب منه المصور لاجراء لقاء معه ورفض المتابعة، قائلا "إن تكلمت فلن أستطيع عندها النوم في منزلي". واعرب علي الاكرد وهو رجل مسن يرتدي جلابية عن اسفه لرؤية الدمار الذي حل بالقصر العدلي حيث عمل لمدة أربعين عاما. وقال "اني مختبئ في منزلي منذ عشرين يوما والآن خرجت لاأرى هذا، يا للخسارة". وبدا الجيش السوري بالخروج صباح الخميس من مدينة درعا (جنوب) التي دخلها في 25 نيسان/ابريل الماضي. وقال اللواء رياض حداد مدير الادارة السياسية في الجيش السوري "لقد بدانا الخروج التدريجي بعد ان اتممنا مهمتنا". ولفت اللواء "الجيش لم يواجه المتظاهرين، نحن نتابع عصابة ارهابية مختبئة في اماكن محددة ونداهمها". واضاف مدير الادارة السياسية في الجيش ان "الجيش لم يتصد للتظاهرات على الاطلاق ولم يتم استخدام اسلحة ثقيلة اطلاقا، لقد استخدم الاسلحة الفردية فقط"، مشيرا الى ان القوات اوقفت 150 قناصا. واكد ان "العملية اسفرت عن مقتل 25 جنديا وجرح 177 اخرين". وافادت منظمات للدفاع عن حقوق الانسان عن سقوط 300 قتيل في محافظة درعا واعتقال 5000 شخص منذ بداية الاحتجاجات منتصف اذار/مارس. وبدا التوتر على عناصر الامن الذين رافقوا الصحافيين عند الاقتراب من المسجد العمري الذي كان مركز المعارضة لبشار الاسد. وهنا نظر السكان اليهم بازدراء وعدوانية. وكانت لا تزال بالقرب من المسجد عبارات على الجدران مثل: "ثوار درعا" و"الشعب يريد اسقاط النظام". واكد المحافظ الجديد محمد خالد الهنوس "يجب الانتظار حتى يوم الاحد ليستقر الوضع". ولدى سؤاله حول المظاهرات المحتملة في محافظته في يوم "جمعة التحدي" التي دعا اليها الناشطون، اجاب المحافظ "إذا كان لديهم إذن ولم يكونوا مسلحين، ليست هناك اي مشكلة."