فضيلة الشيخ ونيس المبروك.. في سطور رئيس التجمع التجمع الاوروبي للأئمة والمرشدين مواليد مدينة بنغازي في ليبيا عام 1965 متزوج وله ستة أبناء بكالريوس هندسة زراعية عام 1989 بكالريوس شريعة إسلامية عام 1996 دبلوم علم نفس عام 2004 يكتب رسالة الدكتوراه حول منهجية الفتوى في ديار الغرب بجامعة لامبيتر في ويلز الخبرة في حقل الدعوة عمل مديرا وإماما للمركز الإسلامي بمدينة شفيلد عمل استاذا للشريعة بالكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية في ويلز 2003-2007 عضو مؤسس ورئيس للتجمع الأوروبي للأئمة والمرشدين مؤسس ومدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في مدينة برمنجهام عضو مجلس شورى الرابطة الإسلامية في بريطانيا عضو مجلس الشورى في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا عمل رئيسا للهيئة القضائية بالرابطة الإسلامية في بريطانيا رئيس مكتب الدعوة بإتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا عضو مؤسس للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين عضو مؤسس لمنظمة النصرة العالمية مقدمة: من المنتظر أن يجرى يوم 29–11- 2009 استفتاء عام في سويسرا من أجل التصويت على مطلب تقدمت به مجموعة برلمانية مكونة من "الاتحاد الديمقراطي الفيدرالي" (حزب مسيحي صغير)، و"حزب الشعب" اليميني المتشدد بحظر بناء المزيد من المآذن في سويسرا وضم جملة إلى الدستور السويسري تقول: "إن بناء المآذن ممنوع في سويسرا"، في سابقة هى الأولى من نوعها، تحت ادعاء أنها أصبحت رموزا "لأسلمة سويسرا" و"ارتفاعها في سماء سويسرا دليل على بداية النهاية للحضارة المسيحية". كيف ينظر مسلمو أوروبا إلى هذه الأحداث الجارية في قلب أوروبا (سويسرا).. على اعتبار أنه ما يحدث هناك تؤثر نتائجه إما سلباً أو ايجاباً على التواجد الإسلامي في الغرب بشكل عام، إضافةً للتواجد الإسلامي في سويسرا بشكل خاص.. سؤال من عماد/ كاتب صحفي من تونس:تحية طيبة للضيف وللموقع.. سؤالي بشكل معاكس.. ومن خلال التجارب السابقة.. هل من الأفضل ترك مسلمي سويسرا لمعاجلة هذا الأمر على المستوي الداخلي.. وعدم تدخل أي أطراف خارجية في الأمر .. حرصاً على تهدئة الأمور... خاصةً ان اليمين دائماَ يسعى لتوتير الأجواء وتسخينها؟ أم ترون أن الأمر بات لا يقتصر فقط على مسلمي سويسرا.. وأن الأمر أوسع وأكبر حجماً من سويسرا نفسها.. وان المستهدف هو الوجود الإسلامي برمته في كافة أرجاء أوروبا والغرب بصفة عامة؟ الجواب من الشيخ ونيس المبروك : الأخ الكريم عماد السلام عليكم هذا سؤال حسن ... وفي تقديري أنه يبنغي على كل مهتم بهذا الشأن أن يتفحص أولا وينظر لموقف وتصريحات قيادات وأعيان الجالية المسلمة في سويسرا ، ويستشف الإتجاه العام حول هذه القضية.. لأن أي مبادرة خارجية تنأى عن فهم الواقع وتسلك مسالك أخرى قد تزيد من حدة أي أزمة ولا تخفف منها ، وكثيرمن الأمور يكون حلها بتركها ! ولكني أريد التأكيد على أمر مهم أيضا ، وهو ضرورة تعاضد الجميع في القضية التي تمس الشأن العام للأمة، والمسلمون في الغرب طائفة مهمة جدا ولها وزنها وأثرها وتاثيرها، ولا يصح أن يتركوا وشأنهم كما نسمع لبعض التصريحات المؤسفة لبعض الرموز الدينية الرسمية! بل مثل هذ الإتجاه يرسخ الفجوة بين مسلمي الشمال والجنوب - إن صح التعبير - ويفقد الوجود الإسلامي بعدا ورديفا مهما وهو جمهور المسلمين في أقطار الدنيا. وباختصار ينبغي التبين أولا ومشاورة ( أهل مكة ) لأنهم أدرى بشعابها وشعبها ، ثم الموازنة بين ما يحققه الدعم من مصلحة، ثم انتخاب الخطاب الدعوي اللائق بالحادثة، والإتفاق على آليات تحترم القانون وتحقق المقصد دون تكلف أو تعسف بالمسألة لا تخص سويسرا بأي حال، ولا تنحصر في ارتفاع مئذنة هنا أو هناك كما ظن بعض العلماء، بل لابد من فهم المسألة في سياقها التاريخي والقانوني، وفي ظل الحملات المتكررة في اوروبا.. وأي تفريط في حق من حقوق المواطنة والمسلمين في اوروبا سيمهد لترسيخ سابقة يمكن لأحزاب غربية أخرى أن تنسج على منوالها والله أعلم سؤال من ايمن أحمد طبيب بالنمسا :تحية لفضيلة الشيخ ونيس.. وسؤال حول دور المؤسسات الإسلامية، وعلى رأسها تجمع الأئمة واتحاد المنظمات الإسلامية في القيام بإجراءات عملية لمواجهة حملة الإسلاموفوبيا من جانب بعض الدوائر الغربية، والعمل على تهدئة المسلمين، والحيلولة دون أي تصرفات انفعالية تفسد أكثر مما تصلح من جانب المسلمين.. الجواب من الشيخ ونيس المبروك : لتجمع هو أحد المؤسسات الكثيرة التي تحمل هذ الهم العام، وبالتالي فإننا نتكامل مع غيرنا من المؤسسات.. ولكن الدور الذي يقوم به التجمع الأوروبي للأئمة والمرشدين ، وهو ترشيد خطاب الأئمة والمرشدات لكي يتناغم مع المسار العام لسائر المنظمات ، خطابا يرتبط بالأصل ويتفهم الواقع الأوروبي والعصر، كما يسعى التجمع من خلال اعتماده لبعض الدورات التدريبية لتعريف الأئمة والمرشدات بالتاريخ الأوروبي السياسي والإجتماعي والديني، مما يؤسس لأرضية جيدة في فهم الواقع ومن ثم التعامل معه. وعلى الصعيد السياسي فقد تم عقد بعض اللقاءات بين قيادة التجمع الأوروبي للأئمة وبين المفوضية الأوروبية سواء مع رئيس المفوضية أو مع ممثل الديانات والطوائف السيد ناز ديفاز، وتم شرح وجهات النظر وطرحنا بعض الأفكار التي من شأنها تخفيف حدة العداء أو الإستعداء ضد الإسلام والمسلمين. وقد علمتنا التجارب والخبرات أن الوصول إلى المطالب الجماهيرية لا يكون دائما بمجرد العواطف وعقد المسيرات والمظاهرات (وإن كانت جزء من المنظومة الديمقراطية) ولكن هناك آليات ووسائل مهمة، ولعل ما فعله اليمين المتطرف في جمع التوقيعات من اجل سن قوانين تحظر المآذن؛ هو نفسه آلية من هذه الآليات التي ينبغي أن نستغلها كما استغلها غيرنا، فلازال هناك نسبة لا تقل عن 12% لم توافق على سن القانون بعد، والحكمة تقتضي العمل الدؤوب من اجل تحييد هذه الفئة وجلبها إلى صف المناهضين لهذه المبادرة القانونية الجائرة سؤال من وجيه سعد من إيطاليا : فضيلة الشيخ الدكتور ونيس المبروك حفظه الله تعالى ورعاه وبالحق ايده وسدد خطاه.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وجزى الله خيرا اخواننا في موقع اسلام اونلاين على اتاحتهم هذه الفرصة العظيمة للقاء بكم ولو عبر الانترنت... اما عن امر المآذن السويسرية.. فارجو من فضيلتكم التأكيد على صلب الموضوع وانه في المقام الاول حماية للحق المكفول بالدستور وصيانة للقيم المجتمعية ووجود اسلامي عليه ان يسعى في ظل الدستور الى التمسك بمكتسباته لا البحث عن سبل التنازل عنها.. متمنيا ان اشرف بلقاءكم قريبا في ايطاليا. الجواب من الشيخ ونيس المبروك : أشكر لأخي فضيلة الشيخ وجيه سعد العضو المؤسس للتجمع.. وأقول له بأن سؤالك يتضمن الإشارة للموضوع ، ولكن كما ذكرت في طيات إجاباتي السابقة، بأن المسألة ليست مجرد مئذنة ترتفع في السماء، أو كما يريد البعض أن يقزم ويختصر المسألة، فالنظر للموضوع من الزاوية الفقهية الضيقة يشوه الصورة والمشهد العام للحدث، بل لو كان الأمر كذلك لما تكلف السويسريون مشقة العمل من اجل حظرها!!! ولهذا فإن ترك مثل هذه المبادرات تمر دون مواجهة وتصدي لها، سيؤسس لسابقة خطيرة، وهذا السابقة لا تضر بالمسلمين كما يظن البعض، بل هي تضر بالدرجة الأولى بالفلسفة الغربية وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي ناضل المواطن الأوروبي من أجلها سنوات طويلة، ومات من اجلها الأجداد، كما أن النظام العلماني السائد في اوروبا، يحاول تحييد المسألة الدينية ويضعها من ضمن الحقوق الفردية أو حق الطائفة في ممارسة الشعائر، ولهذ1 ترتفع ابراج الكنائس دون اعتراض، فإزدواجية المعايير تأتي على الفلسفة الديمقراطية من اصلها.. صحيح أن الغرب يتعامل بهذه الإزدواجية في المناطق البعيدة عنه (العراق وغزة نموذجا) ولكن أن يصل ذلك إلى صرة أوروبا وعواصمها، ثم ينتقل ذلك إلى دساتيرها فهذا نذير خطر يهدد النظام الديمقراطي قبل الحضور الإسلامي في الغرب. أما بالنسبة لنا كمواطنين فلن نتنازل عن هذا الحق الذي ضمنها الدستور وسنناضل من أجله، دون هواده ولا تردد، ونذهب بالمسألة إلى نهاياتها، ولن نستمع للفتاوى المخدرة وإن كانت صحيحة وصريحة، لأنها تقتطع جزءا يسيرا من المشهد العام، ولا تضع المسألة في نصابها. سؤال من الطالب همام من الأردن : نحي موقع إسلام أون لاين .. ونرحب بالضيف الكريم.. وسؤالي: ما هو صدى ما يحدث في سويسرا على الشارع الأوروبي؟ هل هناك اهتمام في أوروبا بما يحدث في سويسرا؟ ومن جانب مسلمي أوروبا.. هل يمكن أن يكون لهم دور في هذه المسألة.. في ظل أن الأمر يسير في إطاره الديمقراطي من خلال انتخابات حرة يقول فيها المواطن السويسري رأيه بكل حرية؟ نرجو من سيادتكم التطرق بعمق في توضيح ما يحدث حالياً في سويسرا، وانعكساته الخارجية على محيط القارة الأوروبية.
الجواب من الشيخ ونيس المبروك : مرحبا بك أخي همام ،الإعلام في اوروبا يهتم جدا بكل ما يتعلق بالظاهرة الإسلامية ولكن للأسف بطريقة الخاصة في العرض والتي غالبا من تسبب رسم صورة سيئة وتقدم الصورة الناقصة. فموضوع المآذن هو موضوع الساعة، والسبب هو أن مثل هذه الرموز الدينية وانتشارها هو معيار رمزي لامتداد الوجود الإسلامي في الغرب واقترابه من أن يكون رقما صعبا ومهما ومؤثرا في كل المجالات نظرا لما يحظى به المواطن الغربي من حريات في التعبير والحركة يكفلها له القانون نفسه، وتقوم مؤسسات الدولة على حمايته. ولكن الغريب في الأمر أنك لا تجد نفس هذا الاهتمام عند المسلمين الآخرين، إما لضعف تواصلهم من الإعلام الغربي، أو لانشغالهم بشأنهم القطري الخاص، ومن هنا تبرز أهمية الإعلام الملتزم (وانتهز الفرصة لشكر إخواني في اسلام اون لاين على تغطيتهم المتميزة للحدث). أما للدور الذي يمكن ان يكون للمسلمين فقد أشرت إليه في إجابة سابقة وهو دور مهم جدا جدا، وقد اتصلت ببعض قيادات العمل الإسلامي في سويسرا ونحن على تنسيق وتواصل حول هذا الأمر. سؤال من الصحفي سعيد: تحية للضيف الكريم.. هل تعتقدون أن ما يحدث في سويسرا، تؤثر نتائجه على مسلمي أوروبا؟ وبناءاً على ذلك.. فما هو دور مسلمي أوروبا في هذه القضية المثارة حالياً حول طلب اليمين المتطرف بمنع بناء مزيد من المآذن؟ الجواب من الشيخ ونيس المبروك : نعم اخي الكريم العالم اليوم كما تعلم أصبح قرية صغيرة، وأوروبا مثل الأواني المستطرقة ما يصب في أحد قنواتها يؤثر ولو بعد حين على قاع الإناء.. فلو مررت مثل هذه الأمور ووجد السياسي الغربي خضوعا وركونا من المسلمين، سيشجعه ذلك على تمرير مثل هذه المبادرات على غيرها من الأقطار، وأنا أظن أننا سنحمل وزر من ( سنة سنة سيئة ) فالصمت هنا هو سنة سيئة سنحمل وزرها، وستحاسبنا الأجيال القادمة على ذلك، وبخاصة وأن الأمر يتعلق بحق كفله الدستور واتفقت عليه شرائع الدين ومواثيق العالم المعاصر، فلماذا يكون المسلم هو الحائط القصير الذي يجتازه كل أحد في يسر وصمت؟ أما دور المسلم فهو دور متعدد المحاور: وأول هذه المحاور: أننا ينبغي أن نتخلص من ثقافة إدارة الأزمات، فلا نسعى لحق أو نرسخه إلا إذا هددنا في مقدساتنا، بل علينا أن نحمل زمام المبادرة، وندعو لحقوقنا كاملة ونناضل من اجلها بل ونضحي من اجلها، لأن الناس - كل الناس- لا تحترم الضعيف، فنحن في عصر القوة ولامكان للخانع. الأمر الثاني: علينا أن ننشر ( الوعي ) بين المسلمين بحقوقهم، لان غالب المهاجرين والمقيمين في الغرب جاءوا من خلفيات شرقية عربية، حيث يتغلغل الظلم والإستبداد، ويعلو صوت الرصاص والسياط، ومن هناك تضيع كثير من الحقوق التي يكفلها القانون بل ويحترم من يدافع عنها ويناضل، فنشر الوعي بين الناس مهم جدا. كذلك ينبغي على قادة الرأي في اوروبا وبخاصة (الأئمة)، أن يرفعوا أجهزة التخدير عن قلوب وعقول الناس، فبعض الناس مخدرون تجاه الأحداث العامة، وينفقون اوقاتهم في طلب العيش ومتاع الدنيا، ولا (يشعرون) بالخطر، نظرا لوجود هذا المخدر العقلي والعاطفي، ولهذا ينبغي أن ننمي حس المواطن حتى يستشعر أبعاد هذه القضية. ثالثا: علينا أن ننهج نهج التعاون والتنسيق والتكامل بدلا من المحاولات الفردية التي لا تجدي ولو كانت مخلصة صادقة، وعلى المراكز والمؤسسسات الإسلامية أن تنسق فيما بينها حتى تتكامل ولا تتعارض، ولاتكرر الأعمال دون جدوى. رابعا: أن نستعمل كل الآليات والوسائل التي يتيحها القانون والدستور. خامسا: أن نعرف بهذا الأمر في أوساط الغربيين، لان هناك شريحة كبيرة ترفض مثل هذه الأمور.. فقد رفض مؤتمر الأساقفة الكاثوليك هذا الأمر وكذلك غيره من المؤسسات، فعلينا أن نبحث عن انصار القضايا العادلة وننسق معهم. وأتمنى أن يكون للدول العربية والإسلامية مبادرات على صعيد المؤسسات الدولية والسفارات حتى تخفف من معاناة المسلمين وتكون لهم سندا وعونا.. وإن استنصروكم في الدين - فعليكم النصر.. وأنا لا أدعي أننا في حرب أو صراع حول المآذن ولكن هناك مبادرات وصلت لفرائض كالحجاب وغيره، ولا يجوز أن يقف العالم الإسلامي متفرجا أمام الشأن العام الأوروبي، كما صرح بعض العلماء الحكوميين للاسف. سؤال من منصور مدرّس بالبحرين: شكرا للضيف.. وكنت مهتم بمتابعة هذه القضية.. من خلال طرحها وتطور أحداثها.. بصرف النظر عن النتيجة النهائية في التصويت.. وما أقصده.. هو: هل نجح التيار اليميني المتطرف في تشويه الإسلام سواء في سويسرا أم خارجها عبر طرح هذه المبادرة وما ترتب عليها من حملات إعلامية تشوه الإسلام والمسلمين؟ فحتى لو خسر التصويت.. فقد تقدم خطوة أو خطوات على طريق زرع مزيد من الكراهية والخوف من للتواجد الإسلامي في الغرب.. الجواب من الشيخ ونيس المبروك : حياك الله أخي منصور في الحقيقة أنا انظر للأمر من زاوية أخرى، وأرى أن في هذه المبادرات البئيسة خيرا كثيرا للمسلمين إذا استطاعوا الإنتفاع منها. فهي تعيد قضاياهم على السطح من جديد، وهي تحفزها وتنبههم على المحاولات الخفية والظاهرة لطمس صوتهم وتغييب وجودهم كرقم مهم في المعادلة الغربية، كما أن الحياة بطبيعتها لا تنمو إلا بقدر يسير من التحدي، وأظن أن مثل هذا التحدي سيفجر الطاقات وينبه الساسة والمفكرين لهذه الظاهرة كي يعيدوا تناولها من زوايا متعددة، كما أنها تشير بشكل واضح لحجم الوجود الإسلامي في الغرب، وإلا ما معنى هذا الاهتمام الكبير بشعائر المسلمين والتحذير منهم؟ لاشك أن ردود الفعل غير الموزونة قد تعطي المبررات لتشويه صورة المسلمين وضيق آفاقهم في التعامل مع اللعبة الديمقراطية، ولكن إن أحسنا التعامل معها والتعاطي معها فسوف تنقلب إلى منحة إن شاء الله تعالى. أما موضوع الكراهية الذي أشرت إليه في سؤالك فالأمر يعتمد على نجاح هذه المبادرة.. فإن صوت السويسريون على امضاء الأمر فهو بلا شك سيوتر العلاقة بين المسلمين ويؤثر في مسيرة اندماجهم في مجتمعاتهم الأوروبية، ويرجح كفة الرأي الذي يدفع باتجاه العداوة وتجذيرها، وإن فشل القانون فسوف يفسح المجال واسعا لمزيد من الحوار ويدعم مسيرة الإندماج ويؤكد على مرجعية الحياد الدينيي التي ترفعها سويسرا ودول الغرب. وأيا كان الأمر فالحياة تدافع ومداولة وعلينا أن نفقه سنن الكون في الاجتماع ونترفق في توظيفها وحسن التعامل معها.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. سؤال من أمين العلي إمام المركز الإسلامي في شمال شيكاغو: السلام عليكم شيخ ونيس ،هل تعتقدون أنتم في قارة أوروبا أن هذا الحظر للمآذن عمل؛ ممنهج من قبل الحكومات والأحزاب اليمينية، أم مجرد نزوات لبعض المتنفذين هناك؟ وجزاكم الله خيرا.. وربط على قلوبكم وثبتكم على الحق.. الجواب من الشيخ ونيس المبروك : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،نحن دائما - كمسلمين- ننحاز للحقائق ونسلك مسلك التثبت، وعليه فإننا نتعامل مع الأمر بظاهره وإن كنا لا نستبعد التراتيب السياسية المخفية. وموضوع المآذن - في تقديري الشخصي - ليس عمل ممنهج كما أشرت انت في سؤالك، والدليل أن الحكومة الفدرالية عارضت ذلك وحذر الكثير من المفكرين بل ورجال الدين الكاثوليكي من خطر سن هذا القانون وأثره على تعايش المسلمين مع غيرهم، وأثره على المسار الديمقراطي وأمن المجتمع. ولكنه أيضا ليس (نزوة) كما اشرت في سؤالك، بل هو ما رشح عبر السنين من محاولات لتخويف الناس من الإسلام، وكذلك الأحداث المؤلمة التي حدثت في نيويورك ولندن ومدريد. إلى جانب الموروث التاريخي للصراع الصليبي الإسلامي .... كل ذلك وغيره أسس لبعض الإتجاهات وغذى بعض الأحزاب لترفع شعار تقليص الوجود الإسلامي بل وطرده احيانا وتقويض أسسه والتضييق على رموزه. ولكننا نعتقد أن في الغرب خير كثير، وهو بصورة مجملة مناخ طيب ومناسب للتعريف بالإسلام لما يتوفر عليه من أجواء الحريات واحترام حقوق الإنسان والتعدد الثقافي والعرقي.. وعلينا أن نقوم بواجبنا كما نطالب بحقوقنا، وأن نترفق في السير ونخلص القصد ونبذل الوسع.. وعلى الله قصد السبيل ومنه وحده العون والسداد.. سؤال من يوسف السباعي مهندس بإيطاليا: نعرف أن المساجد الأولى في الإسلام لم يكن لها منائر، وأن أول منارة في الإسلام بنيت عام 48ه على أرجح الأقوال. والمنائر ليست عنصرا أساسيا لاعتبار العقار مسجدا في الفقه الإسلامي. سؤالي هو: لماذا نفتح على أنفسنا جبهة أخرى نحن في غنى عنهى و لا ننتظر أن يرقى المجتمع الأوروبي حضاريا لتقبل رؤية منارات المساجد؟ خاصة و أن المهندسين لا يراعون الخصائص العمرانية الغربية في تصميم منارات المساجد و خير دليل منارة مسجد باريز. شكرا. الجواب من الشيخ ونيس المبروك : أخي الكريم الأستاذ يوسف ،بحسب علمي أن أول محاولة لتشييد المآذن كانت على عهد الوليد بن عبد الملك حيث طلب من والي المدينة تشييد مآذن على اركان المسجد النبوي. أما بالنسبة لسؤالك ،فمن جهة لا يمكن أن نقول بأن المئذنة من فرائض الشرع أو من شروط المسجدية، ولا يمكن أن نقيم حرب على بناء أو شكل معماري مهما كان عزيزا على قلوبنا ولكن في نفس الوقت علينا أن نتفطن أن المئذنة هو رمز لأعظم وأقدس بناء اسلامي وهو المسجد، وأنه مع مرور الزمن أصبحت مقدسة في عرف الناس حتى غدت شعيرة ومعلم إسلامي بارز، ولذلك لا يمكن اليوم ان تدوس على الصليب أمام أي نصراني مهما كان متعقلا، وهو لن ينظر إليك على أنك تدوس أخشاب متقاطعة، مع ان الصليب جاء متأخرا وليس من تعاليم الإنجيل – بحسب علمي. ومن المعروف في تراثنا الإسلامي وعند كل العقلاء أن هناك انتقال عرفي لبعض الأمور، فقد يكون الفعل أو اللفظ أمر عاديا في مجتمع، ولكنه في مجتمع آخر يحمل دلالة وتقديس، وعلينا أن نضع هذه الرموز بحسب (وزنها في أعراف الناس) ولا نجردها من سياقها الذي أنتقلت إليه ، بحجة رمزيتها وشكليتها ... هذا من جهة.. ولكن الأمر المهم هو أن المئذنة إشارة لحضارة ووجود اسلامي في الغرب، ومن هنا تجشم السويسريون عناء الصراع الدستوري والقانوني من اجل هدمها وحظرها، فعليك أن تلتقط المغزى، ولا نقف عند الشكل، فلو كانت المئذنة بناء ينطلق في السماء لما ثارت هذه الضجة التي لم نبدأها نحن؟! وعليه فإن حذف هذه المنادة بحظر المأذنة من سياقها العام ومن الحراك السياسي، ومن فضاء (الإسلاموفوبيا) سيلقي بها بعيدا عن دائرة الإهتمام، وسيحصرها ويضعف وزنها. كما ان السكوت عن هذا الأمر هو تكريس لثقافة الصمت عن الحقوق التي كفلها القانون وعن القيم التي ينادي بها الغرب، بل هو مطعن لفلسفة الديمقراطية والحرية التي ناضل من اجلها الغربيون وأجداد السويسريون كل هذه الزمن. أما في الإطار العام ، فإن ذلك سيسبب في بروز (سابقة) قانونية دستورية قد تنتهجها سائر الأحزاب اليمينية المتطرفة في اوروبا من اجل طمس معالم الوجود الإسلامي وتقليص ظهورها على المشهد العام وتأثيره فيه. وأعلم اخي.. أن لكل أمة شعائر ومناسك ورموز، فهي وإن كانت شكلية إلا أنها تعبر عن الهوية وترسخ الإنتماء بل حتى الأحكام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم كاللحية مثلا، هي أشكال لا تضر التدين ولا تنميه، ولكن لم يقل أحد بأنها صور لا قيمة لها، حتى ذهب جمهور الفقهاء لوجوب اعفائها وحرمة حلقها! ورغم اتجاه الإسلام لتقديم الباطن على الظواهر إلا أن ذلك لا يلغي أهمية وجود الشعيرة الظاهرة والرمز المعبر. وفي تقديري أن صمت المسلمين على مثل هذه التجاوزات من الأحزاب اليمينية سيسن سنة سيئة، ويفتح المجال واسعا لمزيد من الضوابط والقوانين التي تحد من وجودهم كرقم مؤثر ومهم في المجتعات الأوروبية، وعلينا أن نناضل من اجل هذا الحق في حدود القانون واحترام الآخر. فبالأمس الحجاب (بحجة انه رمز ديني) واليوم المئذنة، ولا ندري إذا استمر الشعور المخدر لدى المسلمين إلى أين تصل القوانين غدا؟