تعقيبا على مقال الأستاذة فريدة العبيدي أقول لها: أختاه ما كان أن تعبّري بالصراخلإنّ من يعبّر بالصراخ هو الصبيّ الذي يريد فرض تلبية رغباته على والديه و ذاك سلاحه القويّ الذي يستعمله في ثغرة الضعف في عاطفة الأمومة و الأبوّة كونه قاصرا عن إدراك الحقائق و الاستحقاقات.. أختاه، كان عليك أن تصدعي بما تؤمرين كما أمرت في القرآن الكريم عبر رسولك صلى الله عليه وسلم: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) - الحجر} أختاه، إنّ ما كتبته يصنّف ضمن التقرير الوصفي وليد الانطباع الذي لا يستند إلى أصول و حجج قاطعة.. ألا ترين أنّ الأغلبية الساحقة التي تتصدّى حاليا للتعريف بالإسلام شبيهة بذلك الفريق من أهل الكتاب الذي وصفهم الله بالأمّية كونهم أخذوا دينهم من الأماني الشائعة و من الظنون: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)- البقرة} فالكثير ينطلق اليوم من المساواة المطلقة بين الجنسين دون مراعاة الاختصاص الوظيفي زاعمين أنّ المرأة مثل الرجل في كلّ المجالات كما زعم غيرهم: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) - البقرة} حيث المدافعون عن تمثيل الربا بالبيع هم المتمعّشون منه و لعلّ المدافعين عن تمثيل المرأة بالرّجل هم أيضا المنتفعون من جهدها بحثا عن الراحة على حسابها دون السعي الكامل للبحث عن التكسّب الكافي للإعالة موهما إياها بتحقيق استقلاليتها.. أختاه، اقرئي جيدا الآية الأولى من سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ثمّ انظري كيف وضع الله، في اثنتي عشر كلمة (12) منها، القانون الأساسي لدوري كلّ من الرّجل و المرأة في الوجود: {..خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً..} وهو ما توصّل إلى شيء منه رقيّ الفكر البشري بعد أمد بعيد من الصراعات و التجارب و التي طبّقت في العصر الراشد للإسلام. و كان من الأجدر للنّاس أن يعتصموا بكتاب الله الذي {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} و في تحليل للآية نجد:
الخطاب للعموم: الخطاب موجّه للعموم حيث لم يخصّص الذين آمنوا بالإسلام دينا فقال{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} و لم يقل{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}
احترام الأنثى يؤمّنه المتّقون: و في{اتَّقُوا رَبَّكُمُ} يؤمّن احترام الأنثى للمتّقين من الناس الذين يؤمنون بالله و باليوم الآخر و ليس للقوانين الوضعية أو حتّى الشرعية التي تنتهك بالتحايل أو بالفتية فكم هي تلك الزيجات التي تستمرّ قائمة لولا سلطة القوانين و هي خالية من المودّة و الرحمة و الاحترام المتبادل و التي لم تنفصم عراها عجزا على الغرامات أو على مؤخّر الصداق..
المساواة المطلقة: و في{الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } تظهر المساواة المطلقة كون الخلق تمّ من نفس العناصر المكوّنة للجنسين فلم يتميّز جنس على آخر و لم ينفّل بشيء يجعله مفضّلا.
التكامل الوظيفي: و في {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يظهر دور التكامل و ليس التماثل حيث في ذكر {زَوْجَهَا} يفيد المقابل المكمّل كون (الزوج) في الفصحى يقتضي وجود المناظر له: فالحذاء يتكوّن من زوجين واحد للقدم اليمنى و الثاني لليسرى و في تصميمهما تجويفات و نتوءات متناظرة.. فالمتوازيان لا يلتقيان أبدا في المنطق الرياضي. عندما يذكر (زوج) يذهب الذهن مباشرة إلى وجود المقابل له كما في ذكر التوأم يقتضي وجود أخ / أخت ثمرة اتّصال جنسي واحد فحمل واحد في رحم واحدة..
التآلف: ثمّ في{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يظهر التآلف كون الجنسان مخلوقين من نفس واحدة و هو ما يحتّم وجود علاقة مودّة التي لا تحصل إلاّ بين الأقارب و التي تنعدم بين الأغراب أين يحلّ التوجّس و الخيفة.
التجاذب: كما في{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}يظهر التجاذب الذي لا يحدث إلاّ بين قطبين أحدهما موجب و الآخر سلبيّ و هذا الأخير هو الجاذب فهو القارّ و الآخر هو المتحرّك المجذوب و يتأكّد ذلك في قوله جل جلاله{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) - الروم} ففي{لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} ورد حرف الجرّ (إلى) المفيد بلوغ الغاية أي التنقّل من مكان إلى آخر و فعل (السكن) منسوب للذكور المتنقّلين إلى غاية الأنثى.. فقرار الأنثى مقابل سعي الذكر إليها أمر فطري أمّا ما أصبح من تماثل فهو شذوذ ضد الفطرة. أختاه، لقد قلت: [..فإن الدين الذي جعل الأدوار متكاملة بين الرجل والمرأة لا تقوم على منطق التفضيل..] كلام وجيه إلاّ أنّه مجرّد شعار تسويق للمماثلة فأين دور التكامل بين الرجل والمرأة و هما في نفس الفضاء و في نفس المعالجة؟ ألا تنقلب السفينة عندما ينحى كلّ الركاب إلى مقدّمتها أو إلى مؤخّرتها؟ كيف يتمّ إيجاد التوازن حينئذ؟ هل بإحداث ثقل في الجانب المهجور من الصخور و الإسمنت و الحديد ممّا يضاعف وزنها فتغرق؟ إنّ فلسفة التفضيل العنصري هي من وضع إبليس اللعين القائل: {..أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) - الأعراف} فنظرة إبليس اللعين نظرة قاصرة للوجود.. فالتفضيل لا يكون على أساس العنصر و إنّما على أساس الوظيفة حيث المرأة أفضل في الحضانة و الرجل أفضل في الإعالة فلقد سمّي (رجل) كونه يعتمد على رجله سعيا للتكسّب و المرأة سمّيت (امرأة) لمراءة جسدها اللطيف الناعم و هو شهادة تخصّصها في حضانة الطفل طري العود المتطلّب لليد الناعمة و الحركة اللطيفة و العاطفة الراحمة.. أختاه، لقد تساءلت: [من أنجبت ابن خلدون وربته ومن أنجبت ابن عرفة وربته ومن أنجبت الطاهر ابن عاشور وربته ومن أنجبت فرحات حشاد وربته ألم تكن امرأة بمواصفات قياسية حتى تستطيع تربية هؤلاء الاستثنائيين.] سؤال وجيه أيضا و لكن كيف تمّ ذلك؟ هل بالتربية بالوكالة؟ أم بالسّهر الشامل و بالملازمة اللصيقة لطفلها تهذّب سلوكه و تشذّب بوادر الانحراف فيه؟ و هل تؤمّن ذلك أمّ مصطنعة أم أمّ عامّة تعجز عن رعاية طفلين في نفس اللحظة ما بالك لو كان العدد بالعشرات؟ و تتمّ حينئذ تربية قاصرة من قاصر كون الطفل للطفل ألقن عند عجز تلك الأمّ المصطنعة في تقديم الرعاية الوافية.. ثمّ نتساءل عن أسباب الانحراف و الجريمة و الاستكبار و الفرعنة و الاستبداد؟
ختاما أختاه، لقد عبّرت بالفطرة من حيث لا تشعرين: [ألم تكن المرأة هي وراء كل ذلك.] حيث المرأة لا تظهر في الصورة كونها جند من جنود الخفاء الذي يصنع الأجيال و إن كان من الصعب بل من شبه المستحيل التراجع عن الدور الذي أُوكِل للمرأة في هذا العصر فإنّه لا بدّ من التفكير من الآن في الآليات المعيدة إلى الفطرة في إطار التكامل الحقيقي و ليس المزعوم قبل أن تغرق السفينة.