أمّ البراء / باريس المُتابِعُ للمشهد الإعلاميّ و السّياسيّ في تونس يُلاحظ إصرارا مُفتعلا على طرْحِ بعض المواضيع التّي لا علاقة لها بمشاغل المُواطن الأساسيّة . و من هذه المواضيع المُفتعلة الحديث عن المرأة المُسْقَطِ على السّاحة إسقاطا، و منها أيضا إثارة الحديث حول مجلّة الأحوال الشّخصيّة إثارة لا يُبْتَغَى منها إلاَّ مصالح آنيّة خاصّة بمثيريها، و لا علاقة لها بإكرام المرأة و الدّفاع عن حقوقها. فالحديث عن المرأة في معزل عن الرّجل هو في حدِّ ذاته إهانة و استهانة بها. قَدْ يُعْذرُ النَّاعقون بهذا الموضوع في الغرب إذا ما نظرنا فِي تاريخهم الزّاخر باستغلال هذا الكائن الإنساني الحُرْ. ويكفي أن نذكّر ببعض مواقف الاحتقار التّي عانت منها المرأة على امتداد تاريخهم القديم و الوسيط وإلى زمن قريب .. فلم تُسّوّ جامعة أكسفورد بين الطّالبات و الطُّلاّب في الحقوق إلاّ بقرار صدر سنة 1964م. وإلى الآن نلاحظ أنَّ المرأة تُمنح أجرا أقلّ مِنْ أجر الرّجُل في وظائف الدّولة مع تساوي الإنتاج و الجُهد المبذول بالرّغم من وجود نساء نائبات في البرلمانات الأروبيّة كما هو الحال في انكلترا و فرنسا ... فإن كان للغرب عُذرهم في الإطناب في موضوع المرأة وإن كانوا عمليّا الآن إنّما يُثِيرونه في أغلب الأحوال لمصالح حزبيّة ضيّقة و غيرها و ليس بالضّرورة لحساب المرأة، فما هو عُذرنا نحن!؟ و الحال أنّنا في بلد دينه الإسلام أكرم المرأة أيّما تكريم. فجعل للمرأة المتّزوجة شخصيّتها المدنيّة الكاملة المُستقلّة، و منحها حقّ التّعبير عن الرّأي و حقّ النّقد. و لنسمع لخولة بنت ثعلبة تردّ على عمر لمّا لقيته في الطّريق وهي تقول: هيه يا عمر!عهدتك و أنت تُسمّى عُميرا في سوق عُكاظ تُرَوِّعُ الصِّبيان بعصاك فلم تذهب الأيّام حتّى سمّيت عمرا، ثمّ لم تذهب الأيّام حتّى سُمّيت أمير المؤمنين فاتّق الله في الرّعيّة ...فقال مُرافق عمر لخولة: قد أكثرت على أمير المؤمنين. فقال عمر: دعها! أما تعرفها؟ هذه خولة التّي سمع الله قولها من فوق سبع سموات و عمر أحقّ أن يسمعها. والإسلام جعل المرأة موضع استشارة يؤخذ عنها العلم و الرّأي كما هو الشأن في صُلح الحديبية عندما أمر الرّسول صلى الله عليه و سلّم صحابته بنحر الهدي و حلق الرؤوس فلم يفعلوا و دخل عليه الصّلاة و السّلام على أمِّ سلمة مُغْتمّا يشكو أمر أصحابه ، فأشارت عليه بأنْ يخرج إليهم و لا يكلّم أحدا منهم و يبدأ هو بنحر الهدي و حلق رأسه ففعل، فاقتدى به أصحابه و حُلَّ الإشكال برأي امرأة. و تاريخ الأمّة يزخر بمثل هذه المواقف النِّسائية الرّاقيّة. فتعامل الإسلام مع المرأة يتماشى مع نظرته العّامة في تكريم الإنسان جُمْلة، في تكريم شِقَّيْ النّفس الواحدة . في حين أنّ المرأة الغربيّة لم تحصل على حقوقها إلاّ بعد ثورات و مؤتمرات و اضطرابات . و الإسلام ، ولئن فرّق في بعض المجالات بين الرّجل و المرأة أو في بعض الحقوق و الواجبات فلا علاقة لذلك بالمساواة التِّي قرّرها بينهما، بل كان لمصالح و ضرورات اقتضت ذلك.فلم يُفرِّق بينهما لحساب الرّجل ولا لحساب المرأة و لكن لحساب الإنسان ولحساب المجتمع و لحساب الخُلق و الصّلاح و الخير. هذا فضلا على أنّ القوانين التّونسيّة فيما يخصّ المرأة لا يُرى فيها ظلما للمرأة يستدعي كُلَّ هذا التّركيز في اجتماعات الأحزاب و ندواتهم و مُداولاتهم . إنّ المرأة كإنسان و مواطن كامل الشّروط لا يُسْعدها و لا يشرّفها تقلّد المّهام و المسؤوليّات على أساس إسعاف الرّجل لها باعتبار أنوثتها. فالمهامّ و المسؤوليّات ، إنّما تُسْندُ على أساس الكفاءة و الإخلاص و الصِّدق بقطع النّظر عن جنس المواطن. و في هذا النِّطاق تُصبح فكرة المُناصفة التّي يطرحها بعض العلمانيّين لغايات حزبيّة و يتبعهم في ذلك بعض الإسلاميّين – من قبيل المزايدة لكسب الأصوات!! فالمرأة ليست سلعة رخيصة يستعملها الفريق الأوّل لتشويه خصمه و إحراجه، و يركبها الثّاني لمسح غبار هذا التشويه الّذي لا معنى له .. بلادنا اليوم تحتاج إلى المواطن الكُفء الذّي يخدمها بصدق و إخلاص.. تحتاج إلى مَنْ يضع ُ ضمن أولويّاته استنقاذ اقتصاد البلاد و التّفكير الجدِّي في مشاريع و كيفيّات تحقيق هذا الغرض ... تحتاج إلى جُهد جماعيّ يضمن استقلالها الحقيقيّ و يحفظها مِنْ استبداد مَنْ يتربّص بها شرّا سواء من الدّاخل أو من الخارج.. تحتاج إلى تعاون كُلِّ مواطنيها و تضامنهم بشكل مماثل لذلك التّعاون الذّي عاشته البلاد أيّام الثّورة في كلِّ الأحياء لحمايتها من نهب و سطو بقايا ميليشيا النّظام السّابق ... و بهذا كلّه تكون تنميّة شاملة بقطع النّظر عن الجنس أو الفكر أو الحزب. باريس 7/6/2011 أمّ البراء