حادثة " نضالية " مشهودة للصغير اولاد احمد في زمن المخلوع الهارب بن علي في أواسط التسعينات ولما بلغت الحملة على الاسلاميين والمجتمع المدني أوجها أو كادت, تصحر المشهد الثقافي الا من بعض البوم الناعق من شراذم اليسار الانتهازي (وليس كل اليسار طبعا) الذين كانوا يسعون جاهدين لتزيين ما يفعله غربان الاستبداد. في تلك الايام الحالكة السواد وفي الوقت الذي كان عشرات الآلاف من المناضلين الاسلاميين وكذلك بعض أحرار الوطن والمجتمع المدني يكابدون الشّدة ويزجّون ايّاما مسودّة ويبدون بسالة وصمودا قل نظيرهما في كشف وجه الاستبداد الكالح, في ذلك الوقت بالذات كان جمع من اؤلائك الانتهازيين يشاركون المستبدين من خلال مواقفهم وأفعالهم المخزية. وللانصاف نقول لقد كانوا صنفان: الصّنف الأوّل: شارك مشاركة سلبية ونعني بذلك التزام الصمت واظهار الشماتة والتشفي والتلذّذ بما كان يطال الإسلاميين وأحرار المناضلين من ظلم وقهر وتنكيل وتشريد, بل انهم كانوا يظهرون الفرح والسرور الغامر بكل ما كان يحدث للأحرار من الأذى,حتى أنّ أحدهم كتب مقالا يصف فيه الظّلم والتنكيل بالاسلاميين على أنّه هزائم وكان مزهوّا بذلك, مهللا لبن علي وأزلامه ويُبدي فرحا وفخرا وسعادة كأنّه دخل القدس منتصرا. الصنف الثّاني: شاركوا الإستبداد مشاركة عمليّة ويشمل وزواء وموظّفين سامين وموظّفين إداريّين خاصّة أؤلائك الّذين صاغوا وأشرفوا ونفّذوا خطط تجفيف منابع التديّن. ومن هؤلاء جمع آخر اختاروا تغطية عورات الإستبداد من خِلال تنظيم الحفلات والمهرجنات والسنما والمسرح العارييْن وما كان يسمّى آنئذٍ بالأنشطة الثقافية. في هذه الظروف أُنْشئ بيت الشعركحيلة من الإستبداد ومعاونيه ليقولوا للنّاس: انظروا إلى دوحة الأدب في تونس كيف هي وارفة الظلّ. أتدرون من الّذي وقع عليه الإختيار ليدير بيت الشّعر هذا؟ تخيّلوا من اُختير لهذه المهمّة "الشّريفة"؟ لقد اختاروا الصغيّر أولادحمد. وكأني ببعض القرّاء قد تنحنحوا وقالوا: (أكْرِمْ وأُنْعِمْ), ولعلّ الكثير من القرّاء الّذين عايشوا تلك الأحداث سيرمقوني بنظرات ساخرة قائلين طبعا إنّه الرّجل المناسب في المكان والظرف المناسبين. من جهتي لا أعلم لذلك الإختيار من مناسبة الاّ الولاء والتّناصراللّهم الاّ أن تكون تلك التعتعات التي كان يكتبها وتسمّى تجاوزا شعرا هي السبب. على كل دعنا من هذا وتعالوا أقصّ عليكم خبر الحادثة "النّضالية". حادثة "نضالية" مشهودة: في يوم من أيّام الجمر تلك سمعنا بعض مناضليّ اليسار الجادّين يتهامسون قائلين: لقد فضحنا ذلك المفضوح, لقد شوّه صورتنا ذلك البدويّ الجلف .... ولمّا استفسرنا عن القصّة أخبرونا أنّ رئيس بيت الشّعرأي الصغير أولادحمد - وفي أحد النّدوات أو المؤتمرات الرسمية المهمّة ويبدو أنّ فيها أجانب- دخل صاحبنا القاعة مخمورا ثملا لا يستطيع الوقوف, من فرط السّكر ثمّ ما لبث أن سقط على أرضية القاعة فلملموه أجلّكم الله وقد بال وتغوّط في ثيابه. طبعا تلك الحادثة كانت أم معاركه ضدّ الإستبداد بل يقال أنّ بن علي لم يهرب إلاّ بعد أن وصلته الرّوائح المنبعثة من صاحبنا. هذا ولو حدّثتكم عن كلّ معاركه لطال الحديث. مثل معركة تحرير المرأة فقد كانت للصغيّر أولادحمد مواقف "مشرّفة" في هذا المجال إذ حول مكتب رئيس بيت الشّعر إلى خمّارة فكان يجبر الكاتبة على أن تعدّ له كؤوس الخمر في مكتبه. وذلك لعمري ليس استبدادا ولا اظطهادا للمرأة ولا استغلال نفوذ. ولكي لا يُزايِد عليّ الصغيّروأمثاله ومن قد يغترّ به, أقول: إنّ كاتب هذه السّطور لمّا كنت يا صغيّر يا أولادحمد لا تستطيع الوقوف على قدميك من السّكر كان هو أيضا لا يستطيع الوقوف على قدميه ولكن من التعذيب (انتفاخ شديد في القدمين على مستوى الكعبين حتّى صارتا بحجم الفخذين أو أكبر) والسبب هو التغيّب عن المراقبة الإدارية وهذا بعد السجن والتنكيل. ثمّ إنّ مجرميّ فرقة الإرشاد بسوسة لَمْلَمُوهُ من الزنزانة - مثلما لَمْلَمُوكَ من تلك القاعة - وسلّموه لمجرمي فرقة الإرشاد ببنعروس لأنّهم (أي إرشاد بنعروس) اشتاقوا إليه واستبدّ بهم الشّوق فالمساكين لم يروه منذ سنة 1987 – ولا أدري كيف صبروا كلّ تلك المدّة – فقد فاز بالغنيمة هذه المرّة (1991) الفرقة المختصّة للحرس بالعوينة وربيبتها في بنعروس. المهمّ خاف مجرموا إرشاد بنعروس (مقرّها بمقرين) من وضعي الصحّيّ وعلى عجل أخذوا بعض أقوالي وقالوا لي أنت حُوكمت على كل هذه التّهم ولا فائدة من عرضك على القضاء مرّة أخرى. ففكّروا وقدّروا ثمّ وجدوا الحلّ للتّخلّص من هذه المصيبة بأن رموها على الجيش إذ وجدوا أنّي مطلوب للخدمة العسكرية وعليهم أن يسلّموني إلى محكمة صفاقس. وتخيّلوا شخص في وضع صحّي خطير يرحل بلا رحمة من سوسة إلى تونس العاصمة ثمّ إلى مقرين ثمّ إلى العاصمة ثمّ صفاقس وهذا قليل من كثير رغم أنّي من أقلّ إخواني تعرّضا للتّنكيل. فالكثير منهم لم يطلني نصف ما طاله من السّجن والتّعذيب وغيرهم كثيرلم يشملني ثلث ما شملهم من القهر والظلم ولا ربعه وآخرون صفوة لم ير أحد من المناضلين عُشُرَ ما رأوا ولا أدنى من ذلك. ثمّ صفوة الصفوة الّذين سموا في سماء النّضال وقدّموا أرواحهم فداءٌ لتحرر بلادهم من الإستبداد. وكلّ هؤلاء هم الّذين مهّدوا طريق الثّورة وجعلوا صباحها واضحا لذي عينين. فأين الصّغير هذا من أولائك الأبطال؟ إنّي عندما أراه وأمثاله يتطاولون على أحرار المناضلين تحضرني تلك الطّرفة الّتي تقول أنّ وزغا رأى نفسه في المرآة فقال مفتخرا: (غدا يا أبو عيون ملاح تكبر وتصير تمساح). فلننتظرإذن. كتبه المنجي السّنوسي القيرواني مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=18798&t=حادثة " نضالية " مشهودة ... : المنجي السّنوسي&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"