رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    في علاقة بالجهاز السرّي واغتيال الشهيد بلعيد... تفاصيل سقوط أخطبوط النهضة    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    أخبار المال والأعمال    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مزاد دولي يبيع ساعة أغنى راكب ابتلعه الأطلسي مع سفينة تايتنيك    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ترشح إلى «فينال» رابطة الأبطال وضَمن المونديال ...مبروك للترجي .. مبروك لتونس    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد بعد دعوته لتحويل جربة لهونغ كونغ    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر(ج5)
نشر في الفجر نيوز يوم 22 - 08 - 2009


الفجرنيوز فريد خدومة
المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر(ج4)
المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر(ج3)
المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر(ج2)
المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر(ج1)
1- القدس العربي- سنة 16 عدد 4662-20 ماي 2004.
وتحميل المسؤوليات، ولعل تطبيق القانون ومعاقبة من يثبت تورطه في هذه الأعمال المخجلة الدنيئة، والتى لم يأبه الأمريكيون كثيرا من خلالها بما حصل لأبناء الشعب العراقي، بقدر ما اتجه كل اهتمامهم، وخاصة المؤسسات الرسمية وعلى رأسها الكونغرس إلى التداعيات السلبية لذلك على أمريكا وتاريخها وثقافتها وحضارتها وعلى الأمة الامريكية. ولم يجد وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بد من الإعتذار أمام العالم للعراقيين عما حصل، ويعلن تحمله المسؤولية كاملة عن ذلك، وهي تصريحات للإستهلاك الإعلامي العام لا أكثر ولا أقل، وصرخة في وجه بعض من ارتفعت أصواتهم عاليا من هنا وهناك مطالبين باستقالته. وأي معنى للإعتذار والإعلان عن تحمل المسؤولية عما جري مما وقع الكشف عنه في غياب عدم وجود قرار بإقالته فورا وتقديمه لمحاكمة دولية باعتباره مجرم حرب، أو باعتباره قد ارتكب جرائم في حق الإنسانية. وما تعامل مؤسسات البيت الأبيض وصناع القرار فيه مع الفضيحة، ومع تصريحات المجرم رامسفيلد بهذه السلبية إلا لأن كل هذه الجهات تعلم ذلك، وتعتبره في موقعه، طالما هي ممارسات في غير حق الرجل الأبيض الغربي وإنما كان ذلك في حق عربا ومسلمين تحديدا. فلا هو ولا غيره من أصحاب القرار وقعت محاسبتهم، لا من أجل ما مورس على المعتقلين العراقيين والعرب والمسلمين وغيرهم ممن آمن بالمقاومة واختار سلوك سبيلها، ولا من أجل ما اعتبر إساءة لأمريكا وللشعب الأمريكي. وذلك ما يؤكد أن العملية كلها هي من قبيل ذر الرماد في العيون لا أكثر ولا أقل.وليس ذلك إلا دليل وتأكيد على أن ذلك إنما هو من صلب الثقافة الغربية الأمريكية ومن ثوابتها ومما هو معلوم لدى الأمريكيين أنفسهم منها.
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه من تورط كل الأطراف القيادية العسكرية منها والمدنية في ما حصل ويحصل في العراق، وما قضية فضيحة سجن أبو غريب إلا مشهدا من مشاهد التدمير ولعله أقل بشاعة من المجازر التى ترتكب هنا وهناك في بلاد الرافدين، وعلى رأسها عملية القتل العشوائي الجماعي الذي تعرضت له مدينة الفلوجة والكثير من المدن العراقية الأخرى، وعاشها كل أبنائها كبارا وصغارا نساء ورجالا، هي الأحكام الصورية التى صدرت ضد من وقع تقديمه من الجنود على أنه قد ثبت تورطه في حق المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب. فقد جاء في صحيفة القدس العربي الصادرة من لندن ما يلي" وفي بغداد أصدرت محكمة عسكرية أمريكية أمس (19 ماي 2004) حكما بالسجن سنة على الجندي الأمريكي جيريمي سيفيتس لضلوعه في الممارسات التى ارتكبت في حق معتقلين عراقيين في سجن أبو غريب قرب العاصمة العراقية"(1)
وتأتي تصريحات زعيم البيت الأبيض جورج بوش الصغير- وهو كبيرهم الذي علمهم السحر- لتزيد الأمور أكثر وضوحا، وتزيد تورط الكل في إهراق دم العرب والمسلمين وإهانتهم وإذلالهم يقينا. ففي غمرة الأحداث واهتزاز الأحرار في العالم لما حصل ويحصل، يطل الرئيس الأمريكي ليقول للعالم:" رامسفيلد
يقوم بعمله بشكل رائع و يقود الحرب على الإرهاب بشجاعة".
1- القدس العربي- سنة 16 عدد 4662-20 ماي 2004.
وأمام كل هذه التصريحات المتباينة والمختلفة، وأمام هذه المواقف المتعددة، والتى تنحوا كلها منحى السلبية بما لا يعيد للضحايا اعتبارا، ولا للعراق المحتل حقا، كان للمقاومة شأن آخر، وكانت لها لغتها الخاصة بها وكان لها موقف آخر:
فقد أعلنت مجموعة تطلق على نفسها " أنصار السلام" قطع رأس المقاول الأمريكي نيكولاس بيرغ كرد مباشر منها على الإنتهاكات الأمريكية في حق المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب، ووثقت ذلك في شريط مصور وبثته عبر شبكة المعلومات العالمية internet - وبما أن الفاعل ليس أمريكيا ولا غريبا هذه المرة، وبما أن المفعول به غربيا أبيض وأمريكيا تحديدا، فقد جاءت التصريحات من أعلى المنابر متوترة حادة.
فقد جاء في تصريح رئيس الوزراءالبريطاني توني بلير الحليف الإستراتيجي للرئيس الامريكي وبدون منازع في حربه على العراق، وفي حربه على " الإرهاب" أي على الإسلام: " قتل الرهينة الأمريكي في العراق عمل وحشي وبربري"(1)
ويقول رئيس الوزراء الأسترالي جون هاورد مدينا قتل الرهينة الأمريكي " إنه عمل وحشي..."
أما كوفي عنان فقد صرح من أعلى منابر الأمم المتحدة بأنه" يشعر بالصدمة لمقتل المقاول الأمريكي نيكولاس بيرغ في العراق".
إن الذي بدا واضحا أن الضجة التى تقوم حين يتعلق الأمر بأمر جلل يصيب غربيا أبيض أيا كانت جنسيته،
أو يهوديا في أي مكان من العالم لا نرى لمثلها أثرا لدى هذه الأوساط وغيرها لما يكون الأمر متعلقا ليس بفرد فقط عربي أو مسلم ولكن حتى لما يصبح الأمر متعلقا بشعب كامل من شعوب الأمة أو أي شعب آخر من الشعوب غير الآرية وغير السامية في هذا الزمن الذي أصبح عالم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان" لا ينظر إلى السامية إلا أنها اليهودية فقط. فلو لم تكن الثقافة السائدة والتى يراد لها أن تسود ولا يراد لأي ثقافة أن يكون لها وجود معها أو دور، تنكر على الآخرين طبيعة أعراقهم وتنحاز لفئة من العرق الواحد دون الفئة الأخرى، لما كان الساميون هم اليهود وحدهم فقط ، ولكن العقل والمنطق وحقائق التاريخ وطبائع الأشياء تقتضي أن ينظر إلى العرب على أنهم ساميون لأنهم كذلك، وحتى لا يستطيع أحد أن يلاحقهم بتهمة معاداة السياسة التى يجعل منها العدو الصهيوني اليوم ورقة ضغط بحكم ما يتوفر لليهود من إمكانيات وقدرات والتفاف على القرار السياسي في أوروبا وأمريكا ضد العرب، ومن ثمة ضد المسلمين. فالثقافة الغربية للنظام العلماني الحر هي ثقافة عرقية عنصرية، ولا تستقر في النهاية على أي قاعدة منطقية وعلى أي بعد أخلاقي وعلى أي حقيقة علمية ولا تاريخية، لما يكون المشهد السياسي أو الثقافي نفسه معبرا عن المصلحة والنفع، فهي ثقافة الغاية تبرر الوسيلة.و قد أصبح ينظر إلى اليهود أوروبيا غربيا وأمريكيا وحيث ما كان للإنسان الأبيض وجود على أنهم شركاء لهم في الحضارة، وعلى أن التحالف بينهم يجب أن يكون تحالفا استراتيجيا، وعلى أن المصلحة للجهتين، بل قل للعرقين، تتحقق من من خلال ذلك،فقد وجب
1- القدس العربي- سنة 16 عدد 4662-20 ماي 2004.
بمقتضى ذلك أن لا ينظر إلا لليهود على أنهم عرق سامي. وعلى هذه القاعدة تقوم الثقافة الغربية، ويقوم الخطاب السياسي والإعلامي الغربي. وعندها وعندها فقط يكون التمييز الواضح، وتصبح كل القيمة لهذا ولا قيمة لذاك، وكل الأمن لهذا ولا حق في الأمن للآخر، وكل الإنسانية لذاك ولا إنسانية لهذا الملون أو العربي المسلم، أو أي كان ما لم يكن أبيض أو يهوديا. وليست هذه مواقف انفعالية ولا متحيزة، ولا مبالغ فيها ولا متحاملة. ولكنها الحقيقة الماثلة أمام أعين العالم اليوم، وقد رأينا وشاهد العالم كله هذه الأيام المجازر التى يقوم بها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وعلى امتداد سنين طويلة، واحتلال القوات الأمريكية لأفغانستان ثم غزوها للعراق، وما تقوم به هذه القوات من قتل وتدمير ونهب وإهانة وإذلال لأنباء الشعوب، وما أصاب مدينة الفلوجة الباسلة من دمار، وما لحق أهلها من قتل وإصابة من أجل أربعة مقاولين أمريكيين، والقوى الدولية هي نفسها التى تقوم بهذا الإجرام وتنظر إليه باعتباره من فعلها وباعتباره ليس موجها ضد شعوبها، على أنه عمل عادي أو حتى أقل من عادي. بل تذهب إلى أكثر من ذلك وأخطر، معتبرة نفسها في موقع الدفاع عن النفس. وبمجرد قتل أو اختطاف أي أجنبي مثل الرهائن الإيطاليين واليابانيين والروس وغيرهم، وقتل الأمريكي نيكولاس بورغ في العراق أو غيره في أماكن أخرى من العالم حيث لقوات الأجنبي وجود معاد، وحيث يتحقق له من المصالح ما لا يتحقق لغيره من أبناء الشعوب المستضعفة فإن الدنيا تقوم و تأبى أن تقعد.
وفي الوقت الذي يقع فيه أبناء شعوب أمتنا العربية اللإسلامية هدفا مباشرا لرصاص قوات الإحتلال اليهودي الغربي الأمريكي ولمناهجه ولخياراته السياسية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية الظالمة التى يجريها عليهم عبر وكلائه، يتحرك الغرب كله ككل مرة هذه المرة من أجل خمس ممرضات بلغاريات صدر ضدهن وطبيب فلسطيني حكما بالإعدام من أجل حقنهن فيروس مرض الإيدز للأطفال الليبيين رغم أن القضاء الليبي مازال لم يقل كلمته الأخيرة في القضية.
فقد جائ في صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 20 ماي سنة 2004 في سنتها السادسة عشر وفي عددها 4662 ما يلي:" أكد وزير الخارجية البلغاري سولومون باسي أمس الإربعاء أنه طلب من السلطات الليبية التوصل إلى حل سريع لقضية خمس ممرضات بلغاريات حكم عليهن بالإعدام بتهمة نشر الإيدز بين أطفال ليبيين" ..." وأضاف أن القضية لم تعد قضية بلغارية، الإتحاد الأوروبي يوليها اهتماما كبيرا(...) وكانت محكمة بنغازي في ليبيا أصدرت في 6 أيارمايو حكما بالإعدام بحق خمس ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني بتهمة حقن فيروس الإيدز لحوالي 400 طفل ليبي مما أدى إلى وفاة 46 منهم..."فسرعان ما تحركت بلغاريا نحو السلطات الليبية، وبمجرد ذلك التحرك أصبحت القضية قضية الإتحاد الأوروبي كله. وما إن انتهت هذه الخطوات وبهذه السرعة حتى أصبحت القضية قضية كوفي عنان نفسه، حيث صرح بالقول:" نناشد ليبيا الرأفة بممرضات بلغاريات". حصل كل هذا في وقت قصير وقياسي، وتعددت التدخلات والمناشدات من أجل الممرضات البلغاريات من غير أن نسمع أي صوت من أي مكان لأي كان يدعو إلى التدخل لصالح الطبيب الفلسطيني أو إلى الرأفة به؟
وإذا كان من المعلوم أن مثل هذه القضايا بين الدول غالبا ما تجد طريقها إلى الحل عن طريق الصفقات والضغوطات، والتنازلات والمقايضات والتعويضات وغيرها من الأساليب والأشكال والعلاقات التى تنتهي فيها القضايا إلى نتائج لا يتضرر فيها الراعي ولا يجوع فيها الذئب أو كما جاء في المثل، فإن الملفت للإنتباه أن التدخلات لصالح الأجنبي تأتي فورية وعاجلة، ورسمية وغير رسمية وجادة، في الوقت الذي لا نكاد نرى أثرا، بل لا يكاد يكون هناك وجود لأي تدخل في الكثير من القضايا، إن لم نقل في كل القضايا مهما كانت هامة وخطيرة من أي جهة رسمية أو غير رسمية لصالح أبناء أمة العروبة والإسلام. فحتى في أكثر القضايا خطورة وحساسية وتعقيدا نرى أنظمة الدول الغربية تتدخل لصالح مواطنيها بما يمكنهم من حقوقهم، بل بما يمكنهم من الإفلات من العقوبة الستوجبة ومن تبرئتهم من المظالم التي ارتكبوها في حق الآخرين، وبما يرفع الضيم والغبن والحرج عنهم. فقد تناهى إلى أسماعنا أن دولا كثيرة قد تدخلت لدى الولايات المتحدة الأمريكية لصالح من يحملون هوية تلك الدول والذين وقعوا في أسر القوات الأمريكية في أفغانستان وأودعتهم معتقل غوانتاناموا للتحقيق معهم في علاقتهم بتنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية مثل بريطانيا وفرنسا واستراليا وغيرها.
وحدهم المضطهدون والمظلومون وحتى المخطئون من العرب والمسلمين الذين لا ينعق وراءهم ناعق، ولا تتدخل أي جهة لفائدتهم، إلا ما كان من نداءات أو مواقف بعض المنظمات الحقوقية والإنسانية أحيانا.
وإذا كان لابد من تسجيل موقف سياسي أو الإقدام على مبادرة دبلماسية فلا يمكن إلا أن تكون باتجاه تعزيز موقف الأجنبي للتأكيد على الطبيعة الإجرامية والإرهابية لأبناء شعوب الأمة، ومده بما هو في حاجة إليه، وحتى بما قد لا يكون في حاجة إليه من معلومات استخباراتية تساعده على إثبات وفرض ما يريد أن يوجهه إليهم من تهم. وكثيرا ما ترى الأنظمة ذات الطبيعة الإستبدادية طبعا علمانية لائكية أو تقليدية محافظة تلح في الطلب، ومسرة عليه لإثبات عليهم من التهم ما لا يستطيع الإجنبي إثباته، ولإصدار الأحكام القاسية التى لا يستطيع الإجنبي إصدارها عليهم.
وكثيرا ما حصلت بعض حالات تسليم بعض المشتبه بهم لأنظمة عربية و" إسلامية" لعدم كفاية الأدلة، حيث تثبت عليهم التهم الموجهة اليهم، وتصدر ضدهم أحكاما لا علاقة لها بالقضية، ولا علاقة لها بالقانون. وإنه لأشد ما يكون النظام العربي و"الإسلامي" حرصا على إثبات الجريمة عندما تكون هذه القضايا قضايا خلاف سياسي ومتعلقة بالمعارضة السياسية. وفي الوقت الذي لا وجود في النظام العلماني الغربي للجريمة السياسية ولا يؤمن بالتجريم في قضايا الخلاف السياسي، نجد أن أخطر القضايا وأكثرها إثارة وتعقيدا هي قضايا التجريم السياسي، وأن أشد الخطرهو ما يحدق بالمعارضة السياسية وبالمخالفين السياسيين لهذه الأنظمة. ولا ينتهي الأمر لدى النظام العلماني والتقليدي المحافظ في المنطقة العربية والعالم الإسلامي على حد سواء عند هذا الحد من السلوك السياسي الأهوج المعادي للوطن والمواطن والمواطنة، فإن الأدهى من ذلك وأمر أنه يتجاوز ذلك إلى مستوى الحرص الشديد على تنفيذ خطط الأجنبي المعادي لتحقيق منافع شعوب الأمة وتدمير قدراتها البشرية والمادية، وتحطيم مراكز القوة فيهما. ويأتي على رأس مبادراته في تنفيذ هذه الخطط تسليم أكثر العناصر من أبناء شعوب الأمة جدية وحيوية وجاهزية للتصدي للمخططات الهادفة لمزيد إضعاف الأمة إن على المستوى الثقافي أو السياسي أو العسكري أو هذه المستويات جميعا.
تلك هي طبيعة النظام العربي " والإسلامي" وتلك طبيعة رموزه وقياداته والنخب العلمانية والتقليدية الداعمة له. وانطلاقا من حالة التهجين التى هو عليها فلا ينبغي إلا أن يكون كذلك، وليس مطلوبا منه أن يكون على خلاف ذلك. فهو في المحصلة النهائية نوع من الفوضى القائمة على عناصر عمت وصمت، وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه لما سئل عن الخوارج إن كانوا مسلمين أم كفارا أم منافقين قوله: إنهم ليسوا كفارا لأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وليسوا منافقين لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا أما مهم فألسنتهم رطبة بذكر الله وهم قوامون صوامون، قيل له وما هم إذن؟ قال:" هم قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا". وإن كان أمر المقارنة لا يستقيم بين أولئك وهؤلاء لأن هؤلاء أشد خطرا من أولئك. وإذا كان أولئك عموا وصموا فإن هؤلاء قد عموا وصموا "و ظلوا وأظلوا عن سواء السبيل" فعلا، قولا وعملا.
فليست الأمثلة التى نوردها أو نتحدث عنها إلا غيض من فيض. وهي مسلسل دائم و لعقود من الزمن من الضياع الحضاري والغزوالثقافي والإنقسام الإجتماعي وصغف الروح المعنوي والإنهزام النفسي...
ففي الوقت الذي لم تستطع فيه رموز ومؤسسات الإرهاب في البيت الأبيض الأمريكي إيجاد أي مبرر للجرائم التى وقع الكشف عنها في معتقل أبو غريب، والتى ارتكبتها القوات العسكرية الأمريكية في حق المعتقلين العراقيين والعراقيات، والتى لم يجد الأمريكيون أنفسهم بد من الإعتراف بها والإعتذار عنها و إن بالطريقة الأمريكية دائما طبعا، نرى أن النظام العربي والنخب الداعمة له على الأقل قد لاذت بالصمت- نسمع أصواتا أخرى مبحوحة تنتمي لنفس الفصيلة ومن أحد بطون هذه الطوائف المصابة بالعمى والصمم، والسائرة في إصرار في طريق الضلال تجد لجرائم قوات الإحتلال في جرائم صدام حسين وبطانته في حق الشعب العراقي مبررا كافيا.
يقول جلال الطلباني زعيم الحزب " الديمقراطي" الكردستاني وعضو مجلس الحكم ثم المتوج كرزايا أمريكيا في العراق المحتل بعد ذلك : "إن هذا المستوى من التعذيب لا يرقى إلى المستوى الذي كان عليه في ظل النظام البعثي".
وقد أظهرت التحقيقات بمرور الأيام والبلاد في قبضة قوات الإحتلال الغربي الصليبي، أنه لا تخلوا محافظة من محافظات العراق، خاصة في محافظات المثلث السني المفجر للمقاومة والحاضن لها، الكثير من المعتقلات والسحون التي، لما يسمى بوزارتي الداخلية والدفاع التين كان للطائفة الشيعية(السبئية)هيمنة وإشرافا مباشرا عليهما، هذه الطائفة التي لا علاقة لها بالتشيع، ولا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بآله عليهم الصلاة والسلام عدى ما تتناقله الأخبار عن بعض الوطنيين والمخلصين الصادقين من المنتسبين إليها، والتي كانت الحليف الإستراتيجي للتحالف الغربي الصهيوني. وكانت المليشيات المرتزقة التابعة لها تمارس على المعتقلين من التعذيب والإهانة والإذلال ما لم يعرفه العراقيون في سجون الطاغية صدام حسين، ولا حتى في السجون العديدة الأخرى التي لقوات التحالف الغربي العنصري عليها إشراف مباشر، بالرغم من فضائح سجن أبوغريب الضالعة فيها أكبر ديمقراطيات الغرب العنصري.
لقد كانت هذه المليشيات وخاصة المليشيا السبئية المسمات"قوات بدر"،وتلك الكردية المسمات"البشمرقة"
الذراع العسكري لليسار الكردي العميل، والتين كان جانب من عناصرها المجرمة يمارس الخطف والإحتجاز والقتل لاعتبارات وتصفية حسابات طائفية من خارج الأجهزة الأمنية وما يسمى"بالجيش العراقي"، وهما مؤسستان محدثتان مكونتان من عصابات تم تشكيلها لتكون داعما للمجهود العسكري لقوات التحالف الصليبي الصهيوني الغربي العنصري الغازية لبلاد الرافدين في مواجهة المقاومة وحركة تحرير العراق. والجانب الآخر من داخل هذه الأجهزة وبإشراف مباشر مما يسمى الحكومة التي جعل منها الغزاة واجهة لكسب شرعية البقاء وإضفاء شرعية على احتلالهم للبلاد، والتي ثبت أنها زيادة عما تمارسه على المعتقلين من قتل ومن شتى ألوان التعذيب، أنها كانت ضالعة في ممارسة اغتصاب الرجال والأطفال والنساء، ولعلها تجد في منظومتها الفقهية المؤمنة والملتزمة بالعمل بها، والمبيحة للزناء والمجيزة له في ما يسمى زواج المتعة وظاهرة إعارة الفروج سندا، ودليلا شرعيا على ذلك.
إن هذا الخلط الحاصل في الأوراق الثقافية والدينية والحضارية، قد جعل العلمانية بطونا وطوائف ومعان. فمختلف بطون الطائفة العلمانية الديمقراطية الحرة، تأخد العلمانية والديمقراطية عندها معنى حرية التفكير والتعبير والتنظيم، واحترام الحريات الخاصة والعامة: أي الفردية والجماعية، والتداول السلمي على السلطة واحترام حقوق الانسان وما إلى ذلك من القيم والمبادئ، ولكن ليس ذلك إلا لشعوب الأمم الغربية. فهي نخب أصيلة في ثقافتها حرة في محيطها ووسطها الإجتماعي، ديمقراطية في ميدانها السياسي ومنابرها الإعلامية وغيرها.
وهي إرهابية بالنظر إليها من خلال أنظمتها السياسية، عنصرية استكبارية سلطوية في علاقتها بالآخر المخالف ثقافيا ودينيا وحضاريا. وإذا كان هذا الخلط لم يجد طريقه إلى تفكير وواقع النخب العلمانية الديمقراطية الحرة في الغرب بحكم أصالتها وثباتها على مواقفها والتزامها بمشروعها الثقافي الحضاري بما يبدو لنا فيه من نقائص وانحرافات وسلبيات، فإنه يكون قد أصاب من النخب الشرقية العربية "والإسلامية" خاصة مقتلا.
فالعلماني" الشرقي" والعلماني المستضعف عموما ليس في الحقيقة مبدعا في ثقافة الغرب. فهو مجرد مهجن ثقافي. وهو مثقف مقلد مازال لم يبلغ بعد درجة الإبداع في التقليد، وبلوغ هذه الدرجة يقتضي منه إن يبلغ مستوى من الإنضباط والإلتزام بالفكر الغربي المؤمن به، وبالثقافة الغربية المؤمن بها، لا يقل عن مستوى المبدعين في هذا الفكر وفي هذه الثقافة من أهلها. ولا يعتبر مبدعا ولا يمكن أن يكون له ذلك حتى يتنقل إلى مرحلة ثالثة يجد نفسه فيها قادرا على إحداث إضافة في هذا الفكر وفي هذه الثقافة، وبذلك وبذلك فقط يكون قد بلغ درجة الإبداع. وليس هذا على افتراض أنه ممكن، لفرد واحد أو لمجموعة من الأفراد مهما كانت مقلدة، ومهما كانت مبدعة في التقليد، ومهما بلغت قدرتها على الإضافة وفي وقت قصير...فكيف إذا كان المثقف العلماني العربي و" الإسلامي"(أي نسبة للعالم الإسلامي) لا يستطيع حتى الإرتقاء إلى مستوى التقليد أن يكون مبدعا في التقليد أو مبدعا بالإضافة؟
فبحكم غربة هذه النخب المثقفة الهجينة عن ثقافة الغرب نفسها، كانت أكثر غربة عن أبناء شعوبها داخل أوطانها وأكثرغربةعن ثقافتهاالأصلية الأصيلة التي شذت عنها وبقيت جاهلة لها، لأن العلماني الذي يحسب أنه لا يشق له غبارلاتوجد أي علاقة له بالديمقراطية ولا إيمان له بها ولا احترام له لآلياتها. فهو في محيطه علماني دكتاتوري معاد- للديمقراطية التى هي أقوم آليات النظام العلماني الحر، وللحرية والمساوات وحقوق الإنسان وكافر بها.
وما كانت تلك التدخلات الجادة السريعة إلى حد التهافت من الأنظمة الغربية ومؤسساتها إلا لإيمان الأنظمة والنخب المعارضة لها على حد سوى بالإنسان الغربي وبالمواطن والوطن وبالمواطنة. وما كان التفريط في الأفراد من أبناء شعوب الأمة والتحريض عليهم وتسليمهم للأجنبي المعادي واستلامهم لإجراء العقاب الصارم عليهم، إلا عدم إيمان بالوطن وبالمواطن وبالمواطنة، ومعادات لكل ذلك وكفر به وبالإنسان وبكل حق له.
فإذا كانت الدولة العلمانية في العالم الغربي مثلا يحتذى في توفير مناخات الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان، ويريد الرجل الغربي الإبيض أن يظل ينظر إليها دائما على أنها كذلك، وهي الطريقة المثلى في الحكم، على حد التعبير القرآني عن طريقة فرعون في حكمه لمصر في عهد نبوة موسى عليه السلام كما يصفها هو نفسه، التى يجب أن تظل أنظار العالم كله مشدودة إليها، في سعي محموم وبجهود مضنية لتحقيقها، لما يعتقد أنه من الممكن للإنسان أن يتحقق له في ظلها ومن خلالها من سعادة ورفاه وأمن وسلام،وإذا كان الغرب قد انتهى به المطاف إلى هذا النمط من الحكم ، وإلى هذا المنهج في تنظيم حياة الإنسان هناك، و أعطى ذلك بعدا إنسانيا و عالميا بل وكونيا، فإن الوقائع التاريخية كلها تفيد أنه لا يريد أن ينتظم العالم المستضعف من حوله على ذلك الأساس، بنفس الجدية وبنفس الإنضباط والإلتزام لتكون له نفس النتائج، وليس ممكنا له ذلك في الحقيقة كذلك، لما لهذا النظام من خصوصية وثوابت وأصالة ذات صلة بمجتمعات معينة، وبعادات وتقاليد معينة، وبأماكن معينة لها تضاريسها ولها مناخها ولها تربتها...بل إن الإنسان الغربي العلماني الديمقراطي هو الأكثر إسرافا وعلوا "إنه كان عاليا من المسرفين" والأكثر دموية وإرهابا. وهو المنتج للإستبداد و لراعي له، والمنشئ للدكتاتوريات والأنظمة والنخب الفاسدة والداعم لها. وهو الذي يسقطها أو يغيرها بالطريقة التى يراها مناسبة في الوقت المناسب عندما يرى أن مصالح شعوبه في ظلها أصبحت مهددة، أو أنها لم تعد الجهات المناسبة لتحقيق كل مآربه وجني كل أرباحه ومنافعه، أو أنها لم تعد مطيعة له بما فيه الكفاية لسبب أو لآخر.
ولذلك فإن النخب العلمانية المهجنة في عالم الإستضعاف عموما، وفي عالمنا العربي الإسلامي خصوصا، والتى جعل منها الغرب كما أسلفنا وكلاء له وأدوات طيعة يوجهها كيف يشاء ومتى شاء، وأين شاء، ولتحقيق أي غاية من الغايات أو أي هدف من الأهداف شاء، لا يمكن أن ترتقي بالأوضاع في أوطانها إلى المستوى الذي وصل به العلماني الغربي الأصيل في أوطان شعوبه والذي يمكن أن يصل إليه في ثقافته، وهو المتأصل في بيئته ومحيطه والذي برهن على قدرة فائقة على شق طريقه فيهما في البناء الحضاري والثقافي بكل ثقة واقتدار. وقد أثبت التاريخ الحديث القريب،أنها لا يمكن إلا أن تكون نخبا فاشلة دكتاتورية مستبدة. وقد أثبتت على إمتداد عقود استلامها مقاليد الأمور في أوطان شعوب الأمة أنها لا يمكن إلا أن تكون على رأس أنظمة حكم استبدادية . وقد فشلت ولازمها الإخفاق في إقامة ولو الحد الأدنى من الأوضاع التى يمكن أن تصلح أساسا لنظام سياسي علماني لائكي ديمقراطي على النمط الغربي أو قريب منه. وقد أثبت التاريخ أن الإنسان قادر على إقامة أوضاع جديدة، وترسيخ قيم ومفاهيم جديدة، وصياغة فكر وثقافة جديدتين، انطلاقا من واقع التوحش والبربرية، في حضور ثقافة وحضارة مهيمنة، في إشارة إلى النهضة الغربية في ظل الحضور الثقافي والحضاري العربي الإسلامي المهيمن. وقد أثبت التاريخ مرة أخرى قدرة الإنسان الغربي على الإنتقال بنجاح من النظام الدكتاتوري لطبقة البروليتاريا- بعد إيذان التاريخ بإفلاس التجربة المارسكية في الحكم بسقوط المعسكر الإشتراكي- إلى النظام العلماني الليبرالي الديمقراطي. وبقيت النخب العلمانية العربية " الإسلامية" المستنسخة وحدها فاقدة للقدرة على إحداث أي نقلة نوعية في تجارب أنظمة الحكم التى شهدتها المنطقة العربية والعالم الإسلامي وجل مناطق وأوطان الشعوب المستضعفة باتجاه مناخ سياسي وثقافي وحضاري أكثر ديمقراطية، أي أكثر هدوءا وإعطاء قيمة للإنسان أكبر، وفسح مجال أوسع للمشاركة في المجال السياسي والإقتصادي التنموي والإجتماعي والثقافي، في غير إقصاء ولاتهميش فئاته ونخبه ومكوناته المختلفة المشارب والأهواء بعضها لبعض. ومازالت السمة الغالبة على هذه النخب الحاكمة والداعمة والمعاضدة لها هي سمة التحجر الفكري، والإستبداد السياسي، والإقصاء والتهميش، فلا هي استطاعت أن تواكب النظام العلماني الليبرالي الديمقراطي الغربي الأورو- أمريكي، ولا هي استطاعت أن تلتحق بالمنهج الديمقراطي بعد تأكد فشل الأنظمة الدكتاتورية الشمولية الأورو-سوفياتية. ومازالت هذه النخب المرتبكة مصرة على الإستبداد والدكتاتورية، وقد دخل ذلك في مزاجها وتفكيرها وارتبط بمصالحها ونمط عيشها. فلا هي كانت قادرة على التجاوز، ولا هي قادرة على الإستيعاب، لا سيما وأنها قد أثبتت أنها على قدرة فائقة على ايجاد فراغ سياسي وجدب وقحط فكري وثقافي من حولها لا يسمح بوجود بديل لها.وكان ذلك كل ما أفلحت فيه ، وذلك ما كان الغرب الديمقراطي داعما لها فيه. حتى إذا جاء الوقت المناسب اعتبر أن ذلك الذي هي عليه، و ذلك الذي ساعدها وكان عونا لها عليه، وذلك الذي كان يريدها أن تكون عليه، سببا كافيا لاسقاطها من أجله بالقوة العسكرية، دفاعا عن نفسه، وحماية لمصالحه تارة، "ودفاعا عن الشعوب وتحريرها من الدكتاتورية والإستبداد، وزعمها منحها الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان " تارة أخرى . وإذا كانت الصورة غير واضحة في ما حصل ويحصل في أفغانستان فإن المشهد يكتمل وضوحا في ما حصل وما يحصل في العراق.
إن الذي عجل بإخذ القرار السياسي في التدخل العسكري للإطاحة بنظام صدام حسين الهجين هو الخلفية العقائدية للرئيس الأمريكي جورج بوش الصغير، وطاقمه وأركان حكمه من اليمين المسيحي المتطرف. هذه العقيدة التى هي مركز الإستقطاب في الثقافة الغربية عموما التى جعل منها الغرب ثقافة إبادة جماعية وتصفية عرقية للهنود الحمر، وثقافة النقاء العرقي للرجل الأبيض، وثقافة الديانة المسيحية المطلقة، وثقافة الميز العنصري الغربي ضد السود في أمريكا، وإلى حد كبير ضد العرب في أوروبا، وضد العرب والمسلمين اليوم في كل من أوروبا وإن بحدة أقل وبأمريكا بعد إحداث11سبتمبر 2001، وثقافة استرقاق الزنوج ذات الأصول الإفريقية من طرف أوروبا وبيعهم بعد ذلك لإخوانهم البيض الذين انتهى بهم المطاف إلى الإستقرار في القارة الأمريكية المكتشفة حديثا في ذلك الوقت، والتى أطلقوا عليها اسم واحد منهم (1) إلغاء كاملا منذ البداية لهويتها الحقيقية وإعطائها هويتهم الخاصة.
وهي ثقافة الإجتياح الغربي للعالم في الحركة الإستعمارية التى اقتسم فيها الغرب باقي مناطق العالم وقاراته. وهي ثقافة اقتتال غربي غربي كان من سواه من الشعوب والإعراق مادتها وأوطانها ثفالها وساحات اقتتال في ما بين دوله، في حربين عالميتين ذهب ضحيتهما عشرات الملايين من البشر بسبب تناقض المصالح المادية والكسب المحرم الحاصل من نهب هذه الدول لثروات الشعوب الأخرى في إطار الحضارة الواحدة، وبين أصحاب الثقافة والعقيدة الواحدة والعرق واللون الواحد.هذه خلفية القيادة الأمريكية كجزء من الغرب الإستعماري الإمبريالي، وكطرف داعم وشريك لها في احتلال العراق بدافع عدة قضايا
رئيسية منها:
1- إحكام السيطرة العسكرية الكاملة على المنطقة العربية من العالم الإسلامي.
2- فرض الخيار الحضاري والثقافي بالقوة في ظل تخوفات من قيام مشروع ثقافي عربي إسلامي بديل محتمل.
3- تأكيد وجود الكيان الصهيوني اليهودي وحمايته.
4- السيطرة على أكبر احتياطي للنفط في العالم.
إن عقلية وثقافة الهيمنة التى يمتلكها الإنسان الغربي الأبيض هي نفسها التى استولى بها على القارة الأمريكية، معتمدا أسلوب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لسكانها الأصليين من الهنود الحمر. وهي نفس العقلية ونفس الثقافة التى استولى بها على القارة الأسترالية وما زال أكثر الأعراق فيها تهميشا إلى اليوم هم سكانها الأصليون. وبنفس العقلية وبنفس الثقافة حاول الإستيلاء والهيمنة الكاملة على جنوب أفريقيا لولا صمود شعبها عقودا من الزمن، وتصديه بكل قوة لسياسة التطهير العرقي والميز العنصري التى اختارها الغربيون البيض الذين استوطنوا بالبلاد في ظروف معينة، وهم الذين ليس لهم أي ماض تاريخي فيها، وظلوا يحاولون بكل الوسائل وبأكثرها دموية وعنفا وإرهابا أن تكون لهم السيطرة الكاملة الدائمة على الأوضاع هناك، وأن تكتفي الأغلبية السوداء من السكان الأصليين للبلاد بلعب دورهامشي جدا في المستوى
السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي باتجاه العمل على تهميشهم نهائيا. ورغم أنهم أغلبية، ورغم أنهم السكان الأصليون للبلاد، إلا أن الديمقراطية الغربية أو ديمقراطية الرجل الأبيض في الثقافة الغربية
1- الإسباني: أمريكو فيسبوتشي.
تطلب منهم أن لا يكون لهم من دور في الحياة إلا ما يخدم مصلحة الرجل الأبيض، وما يوفر له السعادة والرفاه.
فالملاحظ على اختلاف في الزمان والمكان والأحوال، أن الإجتياح الغربي لأمريكا بعد اكتشافها وأنظمة الفصل العنصري التي قامت بعد ذلك في أكثر من مكان في العالم، لم تكن قوى الإحتلال والغزو هناك مدعومة ومتحالفة مع جهات داخلية ذات نفوذ أو تتمتع ببعض النفوذ، رغم أن الشعار مازال واحد، وأن اختلفت الصياغات والأسماء.
فإذا كان شعار المكتشفين ومن جاء معهم من الباحثين عن الذهب، والمبشرين الحاملين لرسالة المسيح عليه السلام، ومن جاء بعدهم ممن تسارعت خطاهم للعالم الجديد إلى حيث " الخمول الوثني"،و إلى حيث الذهب، وحيث يعتقد المبشرون والدعاة أن المسيحية قد وجدت طريقها إلى حيث تعتقد أنها خامات بشرية لها، وإلى حيث يمكن نقل الذهب إلى أوروبا وبث الثقافة الإنجيلية في ذلك الخمول الوثني الهندي. فإذا كانت الشعارات "كما يقول دوبريه: "ذهبك في مقابل إلهي- أعطني الدراهم وإليك المطلق- إنني أنهب ولكنني أهدي للحق" فإن شعارات التحالف الغربي الصليبي العسكري بقيادة الأمبراطورية الأمريكية في كل من أفغانستان والعراق الذين وجد له فيها صنائع ومغفلين، وأغبياء ووكلاء وعملاء من بقايا وفلول النظام الشيوعي البائد وغيرهم من أصحاب التوجهات والثقافة اللاوطنية، وأصحاب المصالح الشخصية والفئوية والحزبية والقبلية والطائفية المختلفة، ومن المغمورين الذين لا دين لهم ولا عزة ولا شرف ولا كرامة ولا شخصية لهم، ولا هوية ثقافية ولا حضارية، من نخب النفاق المحسوبة على الإسلام، والنخب العلمانية المستنسخة المهجنة التى أعطت الجيوش الإستعمارية الغارية شرعية الوجود والبقاء والإستمرار في الوجود، على حساب الوطن والشعب والأمة، وعلى حساب الدين والهوية الثقافية والحضارية، هي نفس شعارات المكتشفين والمستعمرين، ولكنها صيغت بأسلوب آخر وبطريقة أخرى، حتى جاء في صياغة مفادها بحسب مبررات الإحتلال الغربي الأمريكي، وبحسب مبررات الخونة والعملاء الذين جاؤوا معه على ظهور دباباته "نفطك مقابل الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان" وهويتك وثقافتك وحضارتك، مقابل هويتي وثقافتي وحضارتي، وليس ذلك عن طريق بيع وشراء، أو أخذ وعطاء أو اتفاقات أو تفاهمات أو عقود، ولكن عن طريق الإغتصاب والقتل والترويع والإغتصاب والإرهاب والتخريب. يؤخذ الذهب الذي يقابله النفط ،بقوة السلاح، ويفرض الإله والمطلق والحق الذي يقابله الديمقراطية والحرية والمساواة وحقوق الإنسان بالقوة كذلك ،مقابل إلغاء الهوية العرقية والدينية واللغوية، وإلغاء البعد الثقافي والحضاري للوطن وللشعب، باتجاه إلغاء الخصوصيات الثقافية واللغوية والحضارية والعقائدية للأمة. هذه هي استراتيجية الغرب الصليبي في فرض النمط الثقافي والحضاري الغربي بالقوة في كل مكان. وهي استراتيجية قديمة يتجه بها بتدرج نحو العولمة، وليس بالضرورة أن تكون هذه العولمة بالطريقة الأمريكية، ولكن يجب أن تكون بالطريقة الأورو-أمريكية(سايكس بيكو جديدة) وفق صيغة تفاهم لإقتسام المصالح والمغانم في العالم الذي يجب أن يظل متمركزا دائما حول الغرب، والذي لا يجب أن تكون له ثقافة إلا ثقافة الغرب، ولا حضارة له ولا خصوصية حضارية ولا ثقافية لأي شعب فيه ولأي أمة، إلا حضارة الغرب وثقافته وخصوصياته. هذا المعنى الذي ربما لا يدركه الكثيرون، ولا يريد الكثيرون أن يدركوه، وهوالأمرالذي يجب أن يفهمه الكثيرون، ولابد للكثيرين أن يفهموه، بل على الجميع أن يفهمه، وهوالمعنى الذي يجب أن يقاوم، وهو الذي يجب أن يكون هدفا للمقاومة.
- المقاومة:
ليس الحديث على الوضع في العراق إلا منطلقا للحديث عن العلمانية وللائكية وطبيعة النظام العلماني اللائكي والتقليدي المحافظ في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين وعالم الإستضعاف والمستضعفين في العالم عموما.
وقدكان الحديث عن النظام العلماني على مستويين إثنين:
1- النظام العلماني اللائكي الأصيل في الغرب.
2- النظام العلماني اللائكي الزائف الهجين في عالم المستضعفين: وهو الذي فرضه الغرب الصليبي بقوة السلاح، ثم تركه بين يدي وكلاء له يديرون الأمورهناك على النحو الذي يريده، لا على النحو الذي يجب أن يكون عليه. والحديث عن نظامين علمانيين لائكيين ذات طبيعة واحدة ولكنهما مختلفين، بما بين الأصالة
والزيف والهجانة من اختلاف،لا بما بين الزمان والمكان والأحوال من اختلاف،ويقتضي منا الأمرالحديث عن نخبتين مختلفتين اختلاف أصالة وهجانة، أي اختلاف إبداع وتقليد دون الإرتقاء حتى إلى مستوى الإبداع في التقليد، فضلا عن الإنتهاء إلى مستوى الإبداع تجاوزا للتقليد بالإضافة .
فنحن بين يدي نخبتين:
- نخبة ناشئة أصيلة مبدعة.
- ونخبة هجينة مستنسخة مقلدة، بما يبين الإنشاء والأصالة والإستنساخ والتقليد من فرق. أو نخبة غربية أصيلة، ونخبة متنوعة المناخات الإجتماعية والجغرافية عربية إسلامية دخيلة وتابعة، بما بين الأصالة والتبعية من فرق. نخبة غربية مبدعة، ونخبة مختلفة الأعراق والألوان واللغات والثقافات عبثية عدمية دخيلة "مقلدة"تابعة، بما بين الإبداع والعبثية والعدمية "والتقليد" والتبعية من فرق. نخبة غربية متحركة متطورة فاعلة، ونخبة متنوعة جامدة راكدة ضائعة.
ليس الوضع في العراق عند الحديث عن المقاومة إلا منطلقا للحديث عن المقاومة عموما، وعن المقاومة الجادة تحديدا. وإذا كانت المقاومة ليست حكرا على جهة دون أخرى، ولا على مرجعية دون أخرى ، ولا على عرق أو لون دون آخر، فإن الحديث يجب أن يكون عن المقاومة بصفة عامة، وعن المقاومة الجادة الأصيلة المنطلقة من مرجعية عقيدة التوحيد بالنسبة للمسلمين، وثقافة الشهادة والإستشهاد، ونهج الحرية والتحرر بصفة خاصة. ولنا في الوحي حجتنا على ذلك، ولنا في التاريخ شاهد ودليل، ولنا في الواقع الميداني رموز وأسماء وأحداث...ذلك أن الموضوعية التاريخية تقتضي منا أن لا نغمط حق الآخرين ولو كان هامشيا بسيطا. و لو كان مخالفا أو معاديا. ولو كان ظرفيا محدودا.
وإذا كنا نريد حديثا جادا عن مقاومة جادة، فيجب أن ننصرف بعيدا عن الحديث عن المقاومة بما يظهر منها من حمل السلاح في وجه المحتل، أو في وجه الظالم المستبد. ذلك أن للمقاومة معنى أشمل وأعمق. فهي إضافة إلى ما يمكن أن ترتقي فيه إلى مستوى حمل السلاح، مقاومة إعلامية، وفكرية، وثقافية بالقلم والكلمة والصوت والصورة ، وسياسية ميدانية بالتحليل والبرامج والمقترحات والمواقف، يقع فيها تقاسم الأدوار بين الصادقين من بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة بحسب كل جهة وماهي مسيرة له، وبحسب كل فرد فيها وماهو ميسر له. وهي كما يمكن أن تكون شاملة، يمكن أن تكون مجهوداتها مقتصرة على ميدان دون آخر، أوعلى مستوى دون آخر، بحسب ماهي قادرة عليه، وبحسب ما يتوفر لها من إمكانيات ومن قدرات ومن ظروف موضوعية وذاتية. ولا يمكن لأحد أن يستثني دور النخب المستنسخة الهجينة المشاراليها سالفا في المقاومة، أفراد وجماعات وحركات وجمعيات وأحزاب من منطلقات مختلفة، ولأهداف وغايات مختلفة، وبإمكانيات وعلاقات مختلفة. وليس الغريب في أن تكون هذه النخب العلمانية اللائكية الهجينة المتغربة ذات علاقة بالأجنبي من قريب أو بعيد، باعتبار أن الأرضية الفكرية والثقافية واحدة، ولكن الغريب أن تكون النخب والجهات العربية الإسلامية غير العلمانية الأصيلة كذلك. وليس غريبا أن لا تكون هذه النخب في المواجهة، وفي صف المقاومة ، ولكن الغريب أن تكون النخب والجهات العربية الإسلامية الأصيلة في موقع آخر غير ذلك، ولها موقف آخر غير ذلك. وإذا كان ليس غريبا أن تكون النخب العلمانية اللائكية في المواجهة والمقاومة، فالأشد منه غرابة أن لا تكون النخب والجهات العربية والأسلامية الأصيلة هناك.إذا كنت أتصور وأقبل أن لا يكون أي مكون من مكونات الحركة العلمانية الهجينة والدخيلة أو كلها في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين في المعارضة الجادة للإستبداد، وفي مقاومة الغزاة ومواجهة الإحتلال الأجنبي لأي وطن من أوطان هذه الشعوب،فإني لا أستطيع أن أقبل من حيث المبدأ أن يكون أي من مكونات الحركة العربية الإسلامية أو كلها في أي وطن من أوطان هذه الشعوب، بل أستطيع القول في أي مكان من الأرض فيه ظلم وعدوان واستبداد واحتلال في غير موقع المعارضة للإستبداد ومقاومة الإحتلال، وذلك من جهة أن الإسلام هو رسالة حرية وتحرير، ودفع للظلم والعدوان، وثقافته هي ثقافة عدل ومساواة وأمن وسلام، وعقيدته التي هي عقيدة التوحيد تقوم على وجوب الوقوف إلى جانب المستضعفين في مواجهة المستكبرين،وإلى جانب المظلومين في مواجهة الظالمين.
وإذا كان من منكر لحقيقة، ليس لأحد أن ينكرها اليوم، هو ذلك الذي لا يقول بأن كل حديث عن مواجهة ومقاومة، إن للإستبداد والظلم، وللأنظمة المحلية الفاسدة، أو للإستعمار والغزو والإحتلال والقوى الدولية الإرهابية المستكبرة، ليس حديث عن مقاومة ذات طبيعة عربية إسلامية، مستندة إلى مرجعية عربية إسلامية، ومنتصرة للحق والعدل والحرية والإستقلال، وللإنسان المستضعف، مؤكدة لعقيدة إسلامية كونية، وحاملة لراية ثقافية عربية إسلامية أصيلة، من أجل تميز حضاري عربي إسلامي إنساني أصيل، في مواجهة ثقافة الميز العنصري والتطهير العرقي. وحضارة الإنسان الأبيض والإستكبار الغربي.
والحديث عن المقاومة اليوم لا يمكن أن يكون عن غير المقاومة العربية الإسلامية في أكثرمن مكان من
العالم، بدءا بالفيليبين واندونيسيا وتايلندا وأوزبكستان وطاجكستان، مرورا بالشيشان والبوسنة والهرسك وكوسوفو وأفغانستان وكشمير...وانتهاء بفلسطين والعراق والصومال وغيرها من الأماكن في مختلف مناطق العالم العربي والإسلامي والعالم.
فلا معنى لمقاومة لا تنظر إليها النخب العلمانية اللائكية في أوطان شعوب العالم العربي الإسلامي، بحكم طبيعتها المزيفة الهجينة، سواء من خلال موقعها في السلطة أو من خلال مواقع المعاضدة لها، ولا تنظر إليها النخب التقليدية الرجعية المحافظة سواء من موقعها في السلطة أو من خلال مواقع المساندة لها، ولا تنظر اليها قوى الهيمنة الدولية في المنظومة الغربية الصليبية المتحالفة مع الشتات اليهودي والكيان الصهيوني، والملتقية مع الأنظمة الهجينة الفاسدة سواء تقليدية كانت أوعلمانية، والتي تشرف على إدارتها من موقع الوكالة والعمالة النخب التقليدية الرجعية والنخب العلمانية الأكثر رجعية والأكثر ربما بشاعة والأكثر الحاقا وتذيلا وتغريبا- على أنها مقاومة إرهابية ، بل على أنها ليست مقاومة، ولا يصح اعتبارها كذلك سياسيا وقانونيا، بل هي إرهاب كما يروج لذلك الإرهاب الحقيقي الصليبي الصهيوني الغربي ووكلائه وعملائه في المنطقة العربية والعالم الإسلامي وفي العالم. ولا يصح أن ينظر إليها على أنها حركات تحرر، ولكنها حركات إرهابية متطرفة في أحسن الأحوال.
فلا غرابة أن تكون مواقف هذه الجهات المعادية للإسلام وللعرب والمسلمين، والمعادية لشعوب الأمة ولسائر الشعوب المستضعفة في العالم على هذا النحو، وعلى هذا القدر من العداء لحركات التحرر الحقيقية الأصيلة، لأن هذه المواقف إنما تحددها هذه الجهات من مواقع المستفيد استفادة خاصة، ومن خلال مصالحها الخاصة التى لا تتحقق لها إلا من خلال الإرتهان للأجنبي وموالاته.
وفي الوقت الذي تنظر فيه هذه الجهات المشبوهة والتي فيها من ينزل إلى مستوى الخيانة لحركات التحرر الإسلامي على أنها إرهاب، وعلى أنها متطرفة، تنظر إليها الشعوب على أنها هي قوى الحق والعدل والخير والحرية والتحرر،وعلى أنها المعبر الحقيقي عن هوية الأمة، وعن طموحات أبناء شعوبها، والمحققة لآمالهم ولأهدافهم ولمطالبهم في الإستقلال والعزة والكرامة والوحدة والرفاه، لما تعلمه في قياداتها وعناصرها ومجاهديها من نكران للذات، ومن إيثار ومن تواضع ومن صدق، محبة للإنسان من خلال محبتهم لله خالق الإنسان، ومن تضحية وفداء من أجل صون عقيدة الأمة، وحفظ ثقافتها وتراثها، وحماية شعوبها وأوطانها ومكاسبها وثرواتها.
هذه هي طبيعة حركات التحرر الإسلامي التى تمثل شعوب الأمة، والمعبرة عن آمالها وآلامها. والتى تتصدى اليوم للأنظمة الفاسدة ولقوى الإستعمار والصهيونية والإمبريالية العالمية. وهذه هي غاياتها وأهدافها.
إن حركات المقاومة المكونة لحركة التحرر من الإستبداد العلماني اللائكي والتقليدي المحافظ ، ومن هيمنة الأجنبي الصليبي الغربي والصهيوني اليهودي، هي حركات منحدرة من رحم جماهير شعوب أمة العرب والمسلمين،وهي وحدها القادرة، في إطار الوسطية والإعتدال، إذا ما استثنينا بعض الفصائل والتوجهات التكفيرية التي ترعاها عادة الأنظمة، وكانت ومازالت سببا في وجودها، على القبول بكل أبناء الأمة مهما كانت درجة اختلافهم معها في غير إقصاء ولا تهميش. وهي حركات معبأة عناصرها بعقيدة التوحيد وحب الشهادة في سبيل الله، وبالعمل الفدائي من أجل الحرية والعدل والمساواة والشورى والأخوة والوحدة. وهي في ذلك تختلف عن أي مقاومة أخرى تحدوها أطماع دنيوية أولا و آخرا، والتي هي في أحسن الحالات قومية أو وطنية تقاتل من أجل الأهل والعشيرة والدم واللسان، ومن أجل الأرض والوطن والمكاسب المادية، مدفوعة بذلك ببعض النوازع والأبعاد المعنوية، مما يجعل رغبتها في الحياة أكثر من رغبتها في الموت من أجل ذلك، بل مما يجعل خوفها من الموت أو مجرد الإصابة أكثر بكثير من إقدامها على ما يمكن أن يعرضها للموت. ولذلك فإن هذا النوع من المقاومة غالبا ما يكون من تشكيل الجهات المستفيدة من وضع تريد المحافظة عليه، أو من وضع تسعى لإقامته أو لتكون طرفا مستفيدا فيه.
والمتأمل للمشهد العراقي يمكنه التأكيد على أن قيادات الأنظمة الفاشية، أو القيادات التى تتخذ من القومية أو الوطنية شعارا لها، مثل القائد صدام حسين المخلوع وحزب البعث العربي الإشتراكي ،لا تجعل من الجيوش وقوى الأمن والإستخبارات والميليشيات التابعة لها إلا لتدافع عنها هي، وإن كانت تزعم خلاف ذلك وتبديه، وليس للدفاع عن المكاسب والأوطان والشعوب والهوية في أبعادها العقائدية الدينية والثقافية والحضارية، وإن كانت تزعم ذلك وتبديه كذلك أحيانا. وبمجرد ما يبدو سقوط النظام أو المستبد وشيكا تبدأ كل تلك القوى في الإنهيار. وما أن يسقط الصنم ويسقط النظام الذي يقيمه والذي يقوم عليه، حتى تنفض كل تلك التنظيمات المسلحة والمدربة من حوله، وتنسحب وتتلاشى وتسقط. وذلك ما حصل في عراق صدام حسين وحزبه، الذي كان ينبغي بإمكانيات بشرية مسلحة ومدربة بالحجم الذي كان يتم استعراضه بشوارع العاصمة بغداد، أن لا تدخل الجيوش الغازية عاصمة الرشيد ببلاد الرافدين بتلك السهولة. وإذا دخلت فلا ينبغي أن تجد ولو فرصة واحدة ولو لوقت قصير تلتقط فيه أنفاسها. وبالجاهزية التي كانت مثل هذه القوى تظهر بها، كان ينبغي أن لا تتوقف المقاومة والمواجهة العسكرية يوما. ولكن المريع هو أن تلك القوى لم تكن أكثر من نمور من ورق، وقد بات من الأكيد أنها كانت تنتظر الفرصة التى يستطيع كل فرد فيها أن يجد نفسه في حل من صدام حسين وزمرته وعائلته وأركان نظامه.
إن العلمانية اللائكية الهجينة الزائفة لا تنتج مقاومة. وهي التي بحكم طبيعتها الدكتاتورية لا تنتج إلا مجموعات من الغوغاء والمسحوقين الذين ركز الإعلام الإستعماري على خروجهم للنهب والسرقة ، والمقهورين الذين استطاعت القوات الغازية أن تحيط نفسها بهم، وأن تتجه بهم إلى أكبر الميادين بالعاصمة وغيرها من المدن لإسقاط الأصنام الجامدة التي تمثل رمز الصنم الحي الذي أسقطته قوات الإحتلال ، وتجعل من ترحابهم بها قبولا للشعب العراقي العربي المسلم وترحاب منه بها. لقد استطاعت قوات الإحتلال الصليبي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أن تظهر الشعب العراقي الذي انتزعت من أكثر أبنائه العلمانية اللائكية كل عزة وكرامة وشعور بالإنتماء إلى الوطن والهوية والأمة،على أنه مجموعة من الغوغاء واللصوص. وعلى أنه ليس له من حقد ولا كراهية إلا لنظام الطاغية صدام حسين. وأنه ليس له من مشكلة ولا ينبغي أن يكون له ذلك مع قوات الإحتلال التى أراد أن يظهر قبوله بها واطمئنانه إليها، باعتبارها قوات تحرير وخلاص واستقلال. هكذا تفعل قوات الإحتلال والغزو المعادية لأبناء شعوب الأمة. وهكذا تفعل الأنظمة العلمانية اللائكية الهجينة الحليف الإستراتيجي للعلمانية اللائكية الغربية الأصلية. وهكذا تفعل النخب العلمانية وتلتحق بها النخب والجهات الطائفية والقبلية والأتنية المحسوبة على الإسلام بشعوب الأمة وبأوطانها وبثرواتها وبكل مكتسباتها المادية ونوازعها المعنوية.
هكذا تجد شعوب أمة العرب والمسلمين نفسها بين سندان النخب الرجعية التقليدية والنخب العلمانية اللائكية في شدة الحكم وخارجها، ومطرقة الأجنبي المتحالف استراتيجيا معها جميعا، والتى هي هدفه في الإذلال والإهانة والسخرة، كما يستهدف الشعوب بها ومن خلالها. إلا أن الفرق بين هذه النخب الفاسدة، في استهداف الأجنبي المعادي لها هي نفسها وللجميع من حولها، هو أنها قابلة بهذا الإذلال وهذه الإهانة. وهي التي قد تجد في ذلك راحة ومتعة ، بينما لا تزداد الشعوب وقياداتها الحقيقية التى تعاني الظلم والبطش والتنكيل، وفي مواجهة الموت والسجن والتعذيب والمطاردة والملاحقة والنفي من قبل هذه النخب وحلفائها من الصليبيين واليهود إلا حقدا وكراهية ونقمة على كل هذه الجهات المعادية مجتمعة.
إن الشاذ والإرهابي والمتطرف اليوم، هو الرافض للأمرالواقع الذي يسعى النظام العالمي العلماني اللائكي الغربي لفرضه باستمرار، إما بإشراف مباشر بقوة السلاح والمال والإعلام، أو بإشراف غير مباشر عن طريق وكلاء له في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي و في الكثير من مناطق العالم الأخرى، ينتقيهم من النخب العلمانية العبثية، أو من النخب التقليدية العدمية الرجعية، ويحرص على أن يكونوا من العناصر الأكثر سادية والأكثر مازوشية، أي تلك التى تجد متعة ولذة في إهانة الأجنبي لها وإذلالها،وهي التى تجد في نفس الوقت متعة ولذة في إهانة أبناء الشعوب وإذلالهم وقتلهم...
لقد بلغت الأموروالأحوال والأوضاع حدا من التعقيد أصبح فيه من الصعب جدا وضوح حقيقتها لكل الناس وتبينها. فإذا كان هناك إجماع اليوم سواء من طرف النخب التقليدية العدمية الرجعية، أو العلمانية اللائكية العبثية الهجينة، أو القوى الأجنبية المعادية، أو حتى بعض الصادقين من هنا وهناك على أن قوى المقاومة وحركات التحرر العربي الإسلامي هي مجموعات إرهابية تستهدف الأبرياء المتترس بهم أو الأبرياء الداعمون للقوى الإستعمارية والإمبريالية والصهيونية، والمؤيدين لها حسب ما تشير إليه استطلاعات سبرالآراء، أو الأبرياء الذين تزج بهم الأنظمة الهجينة العميلة في مواجهة إخوانهم في المقاومة، أي شكل أخذت هذه المقاومة، ليجد كل عنصر من هنا أو هناك نفسه أما قاتلا أو مقتولا كما هو حاصل وحصل في الجزائر،وكما حصل ويحصل في باكستان و أفغانستان، وفي أوزيكستان وطاجكستان، وفي السعودية والعراق، وفي غيرها من بؤر التوتر في العالم عموما، وفي أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين خصوصا. فماذا يمكن أن يكون عليه الرأي العام، وماهي الوضعية التى يمكن أن تكون عليها المقاومة وحركات التحرر العربي الإسلامي في أوطان شعوب الأمة وفي العالم؟
فبالرغم من حالة التعقيد التى عليها الأوضاع إقليميا ودوليا داخليا وخارجيا، فإن في الأمر اليوم حدودا دنيا
من الوضوح-رغم تواصل التأثيرات السلبية للتقاليد الإعلامية القديمة التى مازالت وسائل الإعلام الرسمية، وحتى بعض وسائل الإعلام الحر متأثرة فيها بالإعلام الأحادي الجانب، والرسمي المعبر دائما عن وجهة نظر واحدة، وعن الرأي الواحد، وبالإعلام العالمي الذي ما زال متأثرا في جانب كبير منه بالحرب الباردة- وذلك بوجود منابر إعلامية حرة بفضل الثورة التقنية والفتوحات العلمية للعشر سنوات الأخيرة من القرن العشرين التى جاءت بتوزيع المعلومة عبر الأقمار الصناعية والتى يتم تلقيها عن طريق الفضائيات والهواتف المنقولة وشبكة المعلومات العالمية وغيرها من تقنيات وسائل الإتصال والإعلام، مما جعل المقاومة وحركات التحرر الأصلية الأصيلة في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين وخارجها،قادرة على فك الحصار الإعلامي عن نفسها، وإبلاغ صوتها للجماهير عبر منابر الإعلام الحر الملتزم بتقديم الرأي الآخر، وذلك ما يسير للجماهير أن تكون على علاقة مباشرة بقياداتها الفكرية والروحية والميدانية. وهي تعلم اليوم حقيقة المشهد وحقيقة ما يدور هنا وهناك من أحداث تقريبا، رغم المجهودات الكبيرة والإمكانيات المادية المبذولة من طرف أعداء الكلمة الحرة والخبر الصحيح، من أجل محاصرة المعلومة وقطع الطريق أمام وصولها للباحثين عنها ولمن هم في حاجة إليها من مختلف الفئات والجهات والأوساط .إذ ليس من السهل على الإجماع الرهيب المشار إليه سالفا أن يحقق ما يريد أن يحققه من نجاحات في خطته الإعلامية والسياسية لتضليل الجماهير وصرفها عن قضاياها الحقيقية، وعزلها عن قياداتها ورموزها وفي المحاولات المستمرة لإبراز المشهد على غير حقيقته.
ليست جماهير شعوب الأمة معذورة اليوم في عدم تحمل مسؤولياتها في قضاياها المصيرية المتعلقة بالحرية والتحرر، وفي العدالة والمساواة، وفي الإستقلال والسيادة. وهي مسؤولة اليوم مسؤولية كاملة في ظل وضوح المشهد الإعلامي والسياسي الوطني والإقليمي والدولي ووضوح طبيعة الصراع واطلرافه، على وجود قضاياها المصيرية السالفة الذكر بين يدي سماسرة المال والأعمال، ومحترفي سياسة الكذب والنفاق والخداع ،والأبواق والأقلام المأجورة في دنيا الإعلام المضلل، وأولئك الذين ظل الشيطان يجري على ألسنتهم أحكام التكفيرفي الحركة العلمانية التكفيرية على المخالف لهم في الرأي، من أصحاب الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية في الحركة الإسلامية وفي حركة الإسلام، سواء من خلال الأنظمة أو من خارجها، وفي الحركة الإسلامية نفسها على المخالف لهم في الفهم لنصوص الوحي من داخل نفس الحركة، ومن النخبة التقليدية الرجعية الخادمة للأنظمة التقليدية ومن تحالف معها من الكفار ومن القوى الدولية المعتدية على هذه الشعوب وعلى أوطانها ومكاسبها، وعلى ثوابتها الدينية والثقافية وعلى خصوصياتها الحضارية، ومن أبرمت معه صفقات مشبوهة لصالحها ولصالح عائلاتها وعشائرها تحت ذرائع كاذبة موهومة ومغشوشة، أعطي للإحتلال ولهيمنته السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والعسكرية فيها صبغة شرعية، قيل أنها معاهدات دفاع مشترك واتفاقات صداقة وشراكة أعطاها علماء السلطة وفقهاء البلاط صبغة دينية منحت فيها للمعتدي الكافر صفة المعاهد، ومن هؤلاء من تجرأ على إصدار أحكام التكفير حتى على من خالفهم في ما هو معلوم من الدين بالضرورة، خلافا لما يجب أن تكون عليه مصالح شعوب الأمة في محاولة لمواصلة تضليل الجماهير وخداعها وتزييف حقيقة مختلف أوضاعها.
والغريب في الأمر والمحير للعقول، أن هذه النخبة، التزاما منها بنهج الضلالة والتضليل، وتنكب منها الصراط المستقيم، عن وعي أو عن غير وعي، عن علم أو عن غير علم، عن إدراك أو عن عدم إدراك، أنها بقدر ما لها من الجرأة على تكفيرإخوانها المسلمين المخالفين لها في الرأي والمختلفين معها في الفهم، بقدر ماهي غير قادرة على تسمية الأشياء بمسمياتها، والإشارة إلى الكافر حقيقة بكفره، وإجراء الأحكام الشرعية عليه، وتوضيح ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين شعوب أمة العرب والمسلمين في وضعها الراهن، البالغة فيه من الرداءة والسوء ما لم تبلغه من قبل.
عجيب أمر القوم، بماذا سيذكرهم التاريخ، وكيف سيلقون الله، وقد ألزموا أنفسهم بإصدار القناوي لتفكير إخوانهم المسلمين المؤمنين المجاهدين في سبيل الله ،كما يكفرهم الكفار المعتدين، وينزلونهم في قوائم الإرهاب التى يعدها الكافر المعتدي وينزلهم فيها، لأنهم يمثلون خطرا عليه، ويمثلون تهديدا حقيقيا لمصالحه وخطرا حقيقيا عليها؟
ولأنهم يمثلون صحوة ضمير الأمة وصوت الإصلاح، وصيحة في وجه أعدائها لإنجاز مهمة التحرير والإستقلال والوحدة، وإعادة الإعتبار لشعوب الأمة الرازحة تحت نير الظلم والإستبداد والإحتلال، تهتك أعراضها وتنتهك حرماتها وتبدد ثرواتها.
عجب أمر"المسلمين"، يقتلون أبناء المسلمين المدافعين عن حياضها وحوزتها وعن كرامتها وشرفها وعزتها واستقلالها ومكاسبها وثرواتها بأبناء الكفار المعتدين على شرف الأمة وعلى كرامتها في بلاد العرب والمسلمين، والمنزلين بها الإهانة ولإذلال والدمار والخراب.
أي أمة هذه التى يقتل فيها عبد العزيز المقرن وإخوانه، ويعتقل آخرين في مقتل موظف في المخابرات أو في الجيش الأمريكي الغازية قواته لعراق العروبة والإسلام، والمعلنة قياداته السياسية والعسكرية تحالفها الإستراتيجي مع العدو الصهيوني، والؤكدة لدعمها وحمايتها له بكل وقاحة ووضوح؟
أي أمة هذه التى يصدر فيها مراجعها الدينية فتاوي تصلح غطاء شرعيا لقوات الإحتلال ولقراراته، ويقصد بها حل مشاكله والتخفيف من معاناته أو إنهائها، كتلك الفتوى التى أصدرها المرجع الديني الشيعي السبئي بالنجف الأشرف آية الله علي السيستاني إثر تضمر وقلق " الحاكم المدني الأمريكي بالعراق" كول بريمر من تسلل "الأجانب" من العرب والمسلمين عبر الحدود إلى داخل العراق، والذين يعتبرهم المسؤولون على تأجيج نار المقاومة ضد قواته، والتى يقول فيها بتحريم التسلل عبر الحدود؟
أي أمة هذه التى يقبل فيها هؤلاء بفتاوي الصليبي جورج بوش الصغير وتوني بلير وجاك شيراك وغيرهم من زعماء العواصم الغربية في ماهو من الإسلام وفي ما ليس من الإسلام، وينصرفون إليها سريعا وبتهافت شديد لإصدار قناوي التكفير من خلالها في الذين مازالوا عاملين بما هو معلوم من الدين بالضرورة من أبناء الأمة وجواز قتلهم؟
وعلى الجبهة الأخرى يقف طابور خامس ينخر كالسوس عظم أبناء شعوب الأمة على درب المعتدي وعلى مرجعياته، ويحسب أنه على ثقافته، وعلى طريقه إلى الحضارة، وما هو في الحقيقة على ذلك وما ينبغي له وما هو بمستطيع ذلك.
إنه لعمري جسم غريب استطاع الغرب المستعمر أن يجعله من أبناء الأمة، وأن يزرعه في شعوب أوطانها وأن يجنده لإحداث الفرقة والتشتت والإنقسام ولإدارة أعماله فيها. إنه الجسم العلماني اللائكي العبثي في الأغلبية الساحقة من عناصر مختلف بطون طائفته(أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين)(1).
هؤلاء المخدوعون الذين اشتروا الثقافة الغربية العنصرية والنظام العلماني اللائكي الغربي بالثقافة العربية الإسلامية والنظام العربي الإسلامي،والهوية الغربية الصليبية الصهيونية بالهوية العربية الإسلامية،هؤلاء الذين استبدلوا "الذي هو أدنى بالذي هو خير".
هؤلاء الذين قبلوا بالتقسيم الإستعماري للأمة شعوبا وأوطانا، وأكدوا الفرقة والإنفصال والقطرية، في الوقت الذي زعم فيه الكثير منهم إيمانه بالوحدة (الوحدة العربية) ورفع الشعارات في ذلك، ولم يكن ذلك إلا تأكيدا منهم للإنفصال والقطرية والإقليمية وتأبيدا للحدود. هذه الحدود التى أقرها النظام العربي و"الإسلامي" التقليدي منها والعلماني اللائكي، والنخب التقليدية والعلمانية اللائكية الداعمة له، هي التى أصبح بمقتضاها الوطن الواحد أوطانا، والشعب الواحد شعوبا، والأمة الواحدة أوطانا وشعوبا، والتى أصبحت الفتاوي الصادرة عن المراجع الدينية تقول بتحريم تجاوزها أو التسلل منها ويعتبر ذلك جريمة في حق من يفعل ذلك يدخل بمقتضاها تحت طائلة القوانين الجائرة المنظمة لمختلف أوجه الحياة في هذه الأقطار، إقرارا منها بما يدعيه العدو المحتل من أن أبناء الشعب الواحد أصبحوا أجانب بمقتضى تلك الحدود التى رسمها المستعمر بين أبناء أفراد العائلة الواحدة، وأن أبناء الأمة العربية " والإسلامية"أصبحوا أجانب بعضهم بالنسبة للبعض الآخر. هذه هي مشاريع هذه النخب وهذه هي إنجازاتها، وهذه هي المكاسب الحريصة اليوم على المحافظة عليها. وليست الطائفة العلمانية اللائكية أقل جرأة من الطائفة التقليدية في إصدار القناوي في كل الإتجاهات. فهذه الجهة كافرة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لمجرد الإختلاف مع هذه الطائفة أو تلك في هذه القضايا أو لمجرد أن أي كان وخاصة حين يكون هذا الطرف أو هذه الجهة طرفا أو جهة إسلامية في حركة التحرر العربية الإسلامية الحديثة على غير نفس الفهم أو على غير المرجعية الفكرية والثقافية وإن كان الخلاف في هذه المسائل بسيطا او لا وجود له أصلا. وتلك كافرة بالحريات العامة والخاصة أي بالحريات الفردية والجماعية، وبحقوق المرأة وبالمساواة التامة بين الرجل والمراة، وهذه كافرة بالإسلام وبالفكر الإنساني، وبالإنفتاح عن الآخر، وبالتطور والحداثة. وتلك الجهة مؤمنة بالشريعة وكافرة بالقانون الوضعي وبالدولة العلمانية الحديثة وهكذا...
فهي تلتقي مع النخب التقليدية المكونة للطائفة التقليدية المحسوبة في الكثير من الأوساط على الإسلام، في
1- سورة البقرة: آية 16
اعتبار العمل الفدائي والمناشط الجهادية إرهابا وتطرفا.وهو إرهاب وتطرف في جهة من الجهات وعند جهة من الجهات وطرف من الأطراف،وهو عمل فدائي جهادي مشروع في جهة أخرى وعند جهة من الجهات وطرف من الأطراف الأخرى،لتكون في النهاية المصلحة والحسابات الفئوية والحزبية والجهوية والطائفية والأسرية والقبلية والعشائرية وغيرها من الحسابات هي المحددة للمفهوم وللموقف، وليس الجانب الشرعي هو المحدد لذلك خاصة لدى أولئك الذين يعتزمون أن الجانب الشرعي الإسلامي هو الصل في تحديد المصالح والمواقف والمفاهيم.
وهي التي تبدو مدافعة عن الإسلام لما تدعيه من قداسة له عندها، بالعمل على إبعاده عن الحياة وفصله عن السياسة، وإحداث القطيعة بينه وبين الدولة. ولذلك جاءت كل فتاواها مؤكدة على ضرورة تحريم الإبقاء على أي علاقة بين الدين والسياسة، وعلى ضرورة الفصل بينهما، وتكفير كل من يقول بخلاف ذلك، على اعتبار أن ذلك ليس من الإسلام. ولمن أراد أن يكون مسلما أن يبتعد عن هذا الطرح. وليس من يقول بخلاف ذلك إلا متسترا بالدين، أو ساعيا للعب بمشاعر المواطنين بشعارات دينية على حد قول أحد رموز هذه النخبة في المعارضة المصرية العلمانية اللائكية المعترف بها، من الذين تجرعوا مرارة الهزيمة في الإنتخابات التشريعية أواخر سنة 2005 أمام تقدم جماعة الإخوان المسلمين الإسلامية المحضورة.
يقول أحد هذه الضحايا:"وكلمة ديمقراطية تعني حكم الشعب- وهو ما يتنافى مثلا مع إخضاع الأمور الدنيوية إلى أحكام سماوية، وجعل النصوص الدينية معيارا لصحة المواقف السياسية أو لبطلانها، والديمقراطية تعني أيضا الإيمان بالمساواة بين الشعوب والأمم، وبين الفقير والغني- وبين الرجل والمرأة"(1)
ويقول هذا الإستئصالي المخدوع الواقع في حبائل الإستعمار والصهيونية:"ولا بد في هذا الصدد من أن يعمل اليسار باكثر ديمومة وأكثر جدية من أجل أن تحتل قضية المساواة الكاملة بين النساء والرجال موقفا
أساسيا في برامج اليسار و في برامج الحركة الديمقراطية التقدمية وإن يواجه اليسار محاولة بعض شرائح
الحركة الديمقراطية أو شخصياتها تهميش هذه القضية بتعلة " التمسك بحضارتنا العربية الإسلامية"
أو بتعلة لا تعدو أن تكون حسابات سياسية ضيقة ومرفوضة تتمثل في " ضرورة عدم معارضة قناعات الشعب التونسي".
ويستأنف القول:"ضرورة قصوى مطروحة على كل من يعتقد أن الجمهورية وأن الديمقراطية وأن السياسة ينبغي أن تبقى تصورات ومشاريع وبناءات إنسانية وغير إلاهية: هذه الضرورة تتمثل في حتمية التمسك بإدماج فصل الدين عن الدولة في كل برنامج بناء دولة ديمقراطية ومجتمع ديمقراطي..الحقيقة أنكم تريدون أن تحجبوا ما لن يستطيع أحد حجبه: وهو أنه لا سبيل إلى بناء دولة ديمقراطية ومجتمع ديمقراطي في ظل الفكر الديني أو في ظل فكر لا يفصل الدولة عن الدين"(2 )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.