الإقتراع الالكتروني سيضفي مرونة أكبر من دون شك على أول انتخابات نزيهة في تونس لكن افتقاد شق واسع من الناخبين للخلفية السياسية والثقافة الإنتخابية قد يطرح تحديا آخرأمام العملية برمتها. وبعد أن أصبح تحصيل حاصل اليوم ان تجري الانتخابات في غير الموعد المحدد لها بداية، اي في الرابع والعشرين من الشهر القادم، فإن التوافق الذي تم التوصل اليه حول الموعد الجديد لشهر اكتوبر/تشرين الاول القادم لن يكون في كل الأحوال واضح الملامح أمام صناديق الإقتراع. فبسبب الواقع السياسي الذي بالكاد تشكل بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني في البلاد فقد نشهد على الطريقة الانتخابية الأمريكية ما يعرف ب"الأصوات المترددة" في انتخابات المجلس التأسيسي وقد يزيد ذلك من تعقيد عمليات الاستطلاع لدى الناخبين أولا وفرز الأصوات لاحقا. و"الأصوات المترددة" ظاهرة تتواتر بشكل خاص في الإنتخابات الأمريكية وهي تمثل أصوات الناخبين اللذين تأخروا في حسم قرارهم لجهة التصويت وتكون أصواتهم عادة محددة في النهاية لنتائج الفرز فياسا الى ثقلها وأهميتها. وقد عرف في تاريخ الانتخابات الأمريكية ان ولايات أوهايو وفلوريدا ونورث كارولينا مثلا تعد من أبرز الولايات "المتأرجحة" أو "العائمة"، أي تلك التي تكثر فيها الأصوات المترددة. ومن الناحية العملية قد لا تنطبق المقارنة بين النموذح الأمريكي والنموذج التونسي، ليس في مستوى العراقة ومدى الالتزام بالقواعد الديمقراطية فحسب، ولكن من ناحية النظام الإنتخابي المتبع أيضا. فالنموذج الأمريكي على عراقته التاريخية يظل أكثر الأنظمة الانتخابية تعقيدا لكونه يأخذ بقاعدة الانتخاب على درجتين على عكس النموذج التونسي الذي يقوم على مبدأ الاقتراع المباشر وهو اليوم، ومن الناحية النظرية على الأقل، يعد الأكثر استجابة لروح الديمقراطية. واذا كانت اللجنة المستقلة للانتخبات قد عللت صعوبة اجراء الانتخابات في موعدها الأول بسبب عوائق تقنية ولوجيستيكية فإن توفير هذه الأسباب في المقابل، في مستوى التقنيات، قد يطرح تحديا آخر امام اللجنة فيما بعد. ويتعلق الأمر أساسا بفرز الأصوات الالكترونية حيث ستضع هذه العملية مصداقية عمل اللجنة على المحك. واذا ما نظرنا مثلا الى العوامل الفنية واللوجيستيكية في الانتخابات الأمريكية فإننا سنجد أن النظام الانتخابي هناك لا يتقيد بنمط محدد في الاقتراع اذ نجد مثلا التصويت الالكتروني والتصويت البريدي علاوة على التصويت التقليدي أمام الصناديق ولكن هذه المرونة لم تشفع لأبرز نظام ديمقراطي في العالم من ان يقع في اشكاليات الفرز وهو الأمرالذي أدى في كثير من الأحيان الى تبادل الاتهامات بالتلاعب بالأصوات بين الجمهوريين والديمقراطيين. وربما تكون المساعدة الدولية عنصرا حاسما في تذليل المعوقات الفنية التي ستعترض الانتخابات التونسية غير ان المراقب سيكون اكثر تشويقا لفهم خارطة الأصوات الموزعة على أكثر من ثمانين حزبا يتسابقون للفوز بعدد من مقاعد المجلس التأسيسي في أول انتخابات بتاريخ تونس بفترض ان تكون ديمقراطية ونزيهة. ومن المؤكد أن التكتيكات السياسية ستدفع الكثير من الأحزاب الصغيرة او حتى الكبيرة، بغض النظر عن التقارب الايديولوجي فيما بينها، الى الدخول في تكتلات وائتلافات اما تفاديا للاندثار بالنسبة للأولى أو ضمانا لجبهة اقوى بالنسبة للثانية. وهو السبب الذي أدى لإطلاق"المبادرة من أجل الجمهورية" هوائتلاف ضم 19 حزبا سياسيا، والعديد من المستقلين، بهدف الحد من حالة الارتباك لدى الناخب التونسي. لكن في كل الحالات فإن حسابات الأحزاب تختلف عن حسابات الناخبين. والناخب التونسي اليوم يواجه معضلة حقيقية في أول اختبار جدي لأبرز مظاهر المواطنة. فالفراغ الزعامي والتخمة الحزبية والتجاذبات السياسية خلقت اليوم في الشارع التونسي حالة من التردد الجماعي لا يمكن احتواؤها بمجرد حملات دعائية في فترة زمنية محدودة. فهي اليوم تبدو اكثر حاجة الى الوعي السياسي والالمام بالمقاييس الموضوعية لتحديد الإختيار. وقد تكون للعوامل الاقتصادية والجهوية والايديولوجية وحتى العاطفية تأثير في تحديد صوت الناخب غير أنه وفي مثل هذه المرحلة الإستثنائية والإنتقالية يصعب استطلاع ما تخفيه الأصوات المترددة في الشارع التونسي. فتونس اليوم لا تخوض تجربة سياسية جديدة فحسب، تقطع مع الماضي ورواسبه، وإنما تخوض ايضا تجربة بناء دولة القانون والمؤسسات واعادة تعريف المجتمع المدني والتعاقدي كما ستخوض اعادة اعمار للاقتصاد وفق الشروط العلمية وضوابط الشفافية. مصدر الخبر : العرب أونلاين a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=18850&t=على الطريقة الأمريكية.. هل تشهد انتخابات تونس "أصوات مترددة"!؟&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"