التقينا من قبل نتناصح فى واجبات رجل الدعوة وقت النصر وزمن الحرية وأوصانى أستاذ حبيب وأخ قريب أن اتابع بأسباب الثبات ووسائله المرجوة أثناء المنح وفى أجواء الحرية والنصر و أستعين بالله وأذكر منها بفضل الله تعالى الخضوع والخشوع وإظهار الذلة لله تعالى والخجل بين يديه لعظيم فضله وقلة جهدى وضعف أسبابى وهو ما يتضح جليا فى موقف الحبيب صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ونصرته الكبرى وفرار المشركين والتماس بقيتهم العفو والصفح وتكسير الأصنام ووإيمان الكثيرين وإعلاء التكبير والتوحيد من فوق الكعبة وأين الحبيب صلى الله عليه وسلم ؟ ,يدخل باكيا ناظرا اإلى أسفل خاشعا متبتلا يتلو بيان النصر ونجاح الثورة ضد الشرك والطغيان قول الله تعالى(قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) فواجبنا إذا الإكثار من التبتل والذكر والخشوع والبكاء والشكر وقيام الليل والدعاء(أفلا أكون عبدا شكورا)( ولئن شكرتم لأزيدنكم ) ومن أسباب الثبات وضوح الرؤية جيدا وعدم الخلط بين الغاية والهدف والوسيلة وكلها معانى تربوية تصحح المسار وتضمن السير فى المضمار حين تأخذ كل كلمة موضعها من الأفعال ونصيبها من الفهم والبذل والإجلال فالغاية الله لا ينافسه فى قلوبنا منافس ولا يبطىء سيرنا إليه تهديدات ولا مغريات لا نلتفت عنه ولا نستبدل الذى هو أدنى بالذى هو خير, فلا نرضى الا بالوصول الى غايتنا الله غايتنا وهل من غاية أبهى وأسمى من رضى الرحمن فمن التفت عن غايته ضل الطريق وتفرقت به ا لسبل (وان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله) وهى غاية لها شرفها وسماتها ومن سمات غايتنا هذه أنها لا تقبل الشريك (من عمل عملا وأشرك فيه غيرى فهو لغيرى وليس لى فيه شىء) ومن سمانها أنها لا تتحقق فى الدنيا إنما هى للأخرة حين نسمع النداء :ياأهل الجنة ألكم حاجة فيقول أهل الجنة يا رب وما حاجتنا ألم تغفر ذنوبنا ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة ؟ فيقول الله عز وجل :بل أزيد فتنجلى الحجب عن الله عز وجل فما أعطوا أفضل من النظر إلى وجه الله الكريم ولهذا هى غاية تضمن لصاحبها العمل لها حتى الممات لا حتى النصر فى مرحلة من المراحل ومن سماتها أنها لا تتحمل الالتفات عنها ولا تقبله مهما كانت المغريات والتحديات وقديما كان أساتذتنا يضربون لنا الأمثلة على هذا برجل وقع فى بئر وظل أياما وأشرف على الموت وبينما هو كذلك رأى حبلا ملتصقا بجدار البئر متهالكا ضعيفا فأمسك به وصعد على حذر شديد وبينما هو كذلك إذ ا بفأرين أسود وابيض يريان الحبل فيتحركان نحوه ويقرضان فيه فازدادت خطورة الموقف وتهديد انقطاع الأمل وهو فى منتصف الطريق إلى النجاة إذا به_ وهو على حالة الحذر واقتراب الوصول_ يرى عشا للنحل يسيل منه عسل مصفى .يا ترى هل تراه يلتفت لهذا العسل؟ هل يخطف لعقة؟ يسد بها جوعته أم يمضى فى طريقه لينجو بنفسه قبل فوات الأوان ووسط ما هو فيه من الأخطار ,وقال أستاذنا الدنيا هى البئر والحبل هو العمر والفأران هما الليل والنهار والغاية النجاة فهل يلتفت للإغراء صاحب هذا الهم, وكنا كذلك نرى المطاردة بين كلب وذئب والذئب قد يكون أسرع بمراحل إلا أن المطارة ينجح فيها الكلب ويمسك بالذئب لأننا نرى الذئب يقفز قفزة ثم يلتفت للخلف ليرى هل اقترب منه من يطارده أم لا هذه الالتفاته تعطله فيقع فى يد عدوه ورجل الدعوة غايته الله والله يقول له (لن يصلوا اليك بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون) ومن سمات غايتنا أنها تتلألأ فى عبن أصحابها تثبتهم عند الضف وتحمسهم عند التردد ألم تتلألأ فى عين عبد الله بن رواحة رضى الله عنه يوم تردد فى مؤته هنيهة من الزمن فنهض يقول أقسمت يا نفسى لتنزلن لتنزلن أو لتكرهن قد أجلب الناس وشدوا الرنة مالى أراك تكرهين الجنة ثم أثار النفس بالإغراءات الإيمانية :حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها واستشهد ورغم ذلك تأخر سريره عن سرير صاحبيه قليلا فى الجنة كما أخبر صلى الله عليه وسلم ,فأين سرير أصحاب الدعوات اليوم فليسأل رجل الدعوة نفسه وواجبنا ألا نخلط بين الغاية والهدف فلصاحب الدعوة غاية هو الله والآخرة أما الهدف فهو ما يريد به إرضاء ربه والقيام بوظيفته على هذه الأرض ولذلك فالهدف له سماته فهو يتحقق فى الدنيا وهو فى وقت محدد ووفق قدرات محددة وبناء على مسح الواقع وحصر الفرص والتهديدات وهو ما يسمى بالأخذ بالأسباب ولهذا علينا السعى وليس علينا إدراك النتائج وقد أقضى عمرىوأموت ولا أحقق الهدف الذى أسعى إليه ومع ذلك أفوز برضى الله والجنة ,كما فعل مصعب بن عمير وغيره قديما رضوان الله عليهم وكما حدث مع شهداء الدعوات على مر العصور وكم من مجاهد لقى ربه على درب الدعوة وقضى نحبه ولم يرى لحظة النصر وتحقيق الأهداف والعكس وارد قد يحقق واحد الهدف ولكنه بلا إخلاص لن يصل إلى غايته. فالإصلاح والعدالة والحرية والكرامة وتعمير الدنيا بالخير والحق وتعبيد الناس لرب الناس كل هذه أهداف نسعى لها ونموت فى سبيل تحققها ولا نستبدلها كذلك بغيرها لأنها عند رجل الدعوة هى مرادات الله من عباده فلا يحيد عنها ولا يستبدلها بغيرها وإن أبطأت الخطى نحو التحقبق فليصبر فليس هو مؤلفها ولا واضعها لنفسه ليغيرها أو يتنازل عنها عند الشدائد والصعوبات إنما هو منفذ لأمر الله فيها :( قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلى ) لذلك كنا نسمع من الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله فى أحلك الظروف وأشد أيام المحن وهو يعرف بالدعوة وانها قامت بعد سقوط خلافة المسلمين وكان من أهدافها الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم والحكومة المسلمة ولم يتحسب لحاكم أو ديكتاتور فيكتفى بمرحلة ويتنازل عن أخرى أو يخشى من استفزازهم فيخفى هدفه لحين فإن وصل رجل الدعوة لهدفه هل انتهى عمله فيحط رحاله,؟ طبعا لا , فهو صاحب غاية ولو اختلط عليه الأمر فارتقت الأهداف إلى مستوى الغاية سقط وهناك الوسيلة وهى الطرق التى توصل للأهداف أو تقرب منها ولها مكانتها وسماتها كذلك ,فهى عند رجل الدعوة شريفة تأخذ شرفها من شرف الهدف الذى تريد أن تحققه فالغاية لا تبرر الوسيلة إنما هو الإخلاص والاتباع لما يوافق الشرع من وسائل مشروعة والوسيلة أن تعطلت أو فشلت لا يموت رجل الدعوة دونها ولايتشبث بها إنما يبحث عن غيرها فهى ليست مقصودة لذاتها كالماء العذب يجرى فى الجداول فإن سددنا الطريق بحث الماء عن طريق آخر فيميل يمنة او يسرة فإن وجد الطريق مغلقة توقف وقوفا ايجابيا ينتظر المزيد حتى يعلو السد فيكون كالطوفان فإن فقد الطريق تتدفق الى باطن الأرض ليحافظ على عذوبته ولا يقف ليتعفن ويأسن ,وهو يثق أن الناس ستطلبه يوما من ينابيعه وينفقون - عند عطشهم وحاجنهم - فى سبيل إخراجه الكثير والكثير فواجبنا أن تبقى الوسيلة وسيلة لا ترقى إلى مستوى الغاية ولا الأهداف فإنما هى من اجتهاداتنا نحن ووفق نظرتنا المحدودة قد تتبدل وتتغير مع تغير المكان والزمان والأحوال ,فمن اختلط عليه الأمر فتمسك بالوسائل تمسكه بالغاية والأهداف سقط ومن أسباب الثبات حسن الرفقة واختيار الصحبة وأصحاب الرأى والمشورة ممن إذا نسيت الله ذكروك وإن ذكرته أعانوك بل قال الأوائل أخاك أخاك أن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح وما أشد حاجتنا اليوم إلى الأخ الذى يشتد عضدهفى الخير بأخيه(سنشد عضدك بأخيك) ولنأخذ من عمر رضى الله عنه فقه الأخوة وحق الأخ على أخيه إذا رآه ينهار أو ينحرف أو يتساقط فهذا عياش بن ربيعة خرج فى صحبة عمر فى الهجرة فتبعه عمرو بن ربيعة وعمرو بن العاص وقالوا له: يا عيش ان أمك قد أقسمت ألا تستظل حتى تعود وألا تأكل حتى تعود وألا تغتسل حتى تعود ,فقال يا عمر هى أمى وإنى عائد ,فقال عمر بلسان المنطق والدراية بعزائم أهل الشرك الخاوية وألاعيبهم الماكرة :يا عياش إذا آذى الجوع بطن أمك لأكلت إذا آذى القمل رأسها لاغتسلت وأذا آذت الشمس رأسها لاستظلت ,فصمم على العودة لأهل الشرك واستجاب للعواطف وترك الهجرة والرسالة فماذا قال له عمر وهو يراه على هذه الحالة من التساقط والضعف :يا أخى إذا كنت فاعلا فخذ ناقتى هذه فإنها سريعة فإذا وجدت من القوم غدرا تعينك على العودة الله أكبر إيثار وقت التساقط فكيف يكون تلاحم هذا الصف وقت القدم فى القدم والكتف فى الكتف(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغد اة والعشى يريدون وجهه ولا تعدو عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) أسباب الثبات كثيرة لكنها مع حسن الفهم وراجحة العقل نور بصيرة وإرادة رب ومحض فضل والله تعالى يقول (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) خضر عبد المعطى خضر مدرس بجامعة برلين المنسق العام للتجمع الأوروبى للأئمة والمرشدين