مسار الثورة التونسية عجيب وغريب، وإن كانت الثورة لحظة تاريخية فارقة، وتميزا على أكثر من باب، عجيب في إطاره وفي فاعليه، حكومة مؤقتة ورئيس مؤقت وهيئة عليا لحماية الثورة مؤقتة والكل يسبح في شرعية الحاجة والضرورة والوفاق، بعيدا عن شرعية الصناديق والجماهير، استثناء يداعب الدوام ودوام يبحث عن صاحبه، مع مجلس تأسيسي زئبقي، يتباعد ظله كلما لامسنا أطرافه أو هكذا يُخَيَّلُ إلينا.. غريب أيضا هذا المسار، فهو مسار لحظي متداخل متشابك، تغلب عليه هيمنة النخبة وتململ الشارع أو تقوقعه، سياسوية تحكم بعضه، نرجسية وأنا يمسك جزء من حراكه، حسابات ضيقة وتنافس غير بريء أحيانا، يخلط الأوراق كلما ظننتَ أنها مرتبة، يقلب الطاولة كلما ظننتَها قائمة!!! إطار متوتر على أكثر من باب ونافذة، تتفاعل مع رماديته مناخات متوترة كذلك، والطيور على أمثالها تقع، جماعة تلتقي في عرض سينمائي لا يحمل براءة يوسف ولا ذئبه، يتعرض إلى تعنيف ومواجهة...رأي وتصور واعتقاد يحمل استفزازا لهوية ومعتقد وقداسة يقابله البعض بالهراوة والفأس! الكل مخطئون في حق ذواتهم وفي حق هذا الشعب وفي حق ثورته، الكل خاطئون وبنفس الدرجة، من استفز ومن عنًف، من استخف بالمشاعر والهوية وتربع على عرش الاستدراج والاستفزاز، ومن امتطى ظهر العصا، الكل يحمل على عاتقه هذه الصورة الكريهة والحزينة والمخيفة لواقع لا نحبه ولا نتمناه. لا يمكن أن نبني تونس في إطار من التوتر والتوجس والاستفزاز والعنف اللفظي أو العنف المادي أو العنف الأيديولوجي، لا يمكن أن نضمن لتونس غدا أفضل ولغة الساعد والعصي هي الفيصل والحكم! إن الحرية جميلة، وباهظ ثمنها، لم تأتنا مخضبة بالحناء بل كانت معركة دماء ودموع، ولا يجب عبر بوابتها الثمينة الانحدار بها إلى مستنقعات الاستخفاف بمعتقدات شعب وهويته ورموزه ومقدساته، ولا يجب كذلك تسليمها إلى من ينصب نفسه وصيا على الناس يهوي بهراوته على من يخالفه الرأي والمعتقد. إن الحوار هو المسلك السليم، والمنهج الأقوم في تعامل الأطراف، والكلمة هي زاوية المواطنة السليمة ولا يمكن لتونس أن تنجح في انتقالها الديمقراطي إلا عبر قنوات الاتصال المباشر بين كل شرائحها مهما شرقت أو غربت الآراء والتصورات والفرق، في ظل حرية مسؤولة و في إطار ثقافة الاختلاف والتعدد. د.خالد الطراولي : رئيس حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي