يعيش الشارع التونسي هذه الأيام حالة احتقان وغليان شديد جراء المحاكمات التي يعتبرها البعض صورية لرموز الفساد... غضب واستفزاز الشارع التونسي مرده مماطلة سلطة الأشراف في فتح ملفات وقضايا تهم الرأي العام ومن شانها أن تشفي غليله... فلماذا يحاكم رموز الفساد في قضايا بسيطة؟ التهم المختلفة هل تحتمل ضم العقاب؟
ما هي جملة الاتهامات التي وجهت لأبرز رموز النظام السابق: الرئيس المخلوع وزوجته ليلى الطرابلسي وعلي السرياطي وعماد الطرابلسي وصخر الماطري...؟ خاصة أن الأحكام الأولى الصادرة في حقهم لم تكن في مستوى انتظارات الشارع التونسي، فظن البعض أنها أحكام نهائية....واعتبرها الكثيرون مسرحية وتهميشا للمطالب الشعبية وتهاونا بالوعي العام للمواطنين...
تهم مشتركة...
أهم التهم الموجهة لجميع الأسماء السالف ذكرهم والتي يشترك فيها أغلب رموز النظام السابق الموقوفين حاليا أو الذين هم بحالة سراح هي: استغلال صفة لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو الإضرار بالإدارة أو مخالفة التراتيب المطبقة على تلك العمليات لتحقيق الفائدة أو إلحاق الضرر المشار اليه... ووفقا للفصل 96 من المجلة الجزائية يعاقب مرتكب هذه الجريمة بالسجن عشر سنوات وبخطية تساوي قيمة المنفعة المتحصل عليها أو المضرة الحاصلة للادارة، الموظف العمومي أو شبيهه وكل مدير أو عضو مستخدم... ويشترك بن علي وليلى الطرابلسي أولا في تهمة استهلاك مادة مخدرة وحيازتها وتهيئة مكان لتعاطي هذه المادة المدرجة بالجدول "ب" والتوريد والتصدير... ويشتركان كذلك في عدد من القضايا المصرفية وتهريب العملة الصعبة. أما بالنسبة لعلي السرياطي فهو متهم الى جانب قضية قرطاج وتزوير جوازات السفر بالتآمر على أمن الدولة الداخلي التي يتجاوز الحكم فيها العشرين سنة سجنا والمشاركة في القتل وهي تهمة يشترك فيها مع كل من زين العابدين بن علي ورفيق حاج قاسم وزير داخلية نظام المخلوع. وبخصوص صخر الماطري فترتبط جميع التهم الموجهة اليه بالقطاع البنكي فالى جانب استغلال صفته لاستخلاص الفائدة في المجال العقاري وكرجل أعمال، هو متهم بقضايا مصرفية وبفتح حساب بنكي في الخارج دون اعلام البنك المركزي.
الضم في الأحكام؟
أمام وجود متهمين مورطين في عدد لابأس به من القضايا، فهل يمكن قانونيا في هذه الحالة اعتماد الضم في الأحكام..؟ يمكن اعتماد الضم في الأحكام حسب الفصل 54 من المجلة الجزائية إذا تكون للفعل الواحد عدة جرائم أو الجرائم الواقعة لمقصد واحد، فالعقاب المقرر للجريمة التي تستوجب أكبر عقاب هو الذي يقع الحكم به وحده...غير أنه ووفقا للفصل 56 فكل انسان ارتكب عدة جرائم متباينة يعاقب لأجل كل واحدة بانفرادها ولا تضم العقوبات لبعضها الا اذا حكم الحاكم بخلاف ذلك... من المفروض إذن ألا يتم اعتماد الضم في الأحكام الصادرة في حق رموز النظام السابق نظرا أن لهم قضايا مختلفة متباينة لا ترتبط الواحدة بالأخرى في أي من تفاصيلها... دون أن ننسى أن القرار الأخير سيبقى بيد القاضي الذي سيصدر الحكم... ريم سوودي
محامون ل «الصباح»
لكل قضية إجراءاتها.. والقضاء التونسي يعتمد نظاما فرنكوفونيا معقدا
لماذا يحاكم رموز الفساد في قضايا بسيطة؟ هذه الوضعية تفسرها ل"الصباح" الأستاذ منعم التركي محامي ودكتور في الحقوق فقال أن المتهمين متعلقة بذمتهم قضايا عديدة ولا يجوزمحاكمتهم بجميع التهم في نفس الوقت لان كل جريمة فيها أطراف عديدة. ويعزوالأستاذ سبب البدأ بهذه الجرائم التي يمكن اعتبارها بسيطة مقارنة بالتهم الموجهة إليهم الى انها جرائم عادية(تهريب عملة أواستهلاك مخدرات) فضلا عن أنها ثابتة بالمحاضر فهي إذن جرائم أدلة الإثبات فيها سهل علاوة على أن التهمة ثابتة ولا تتطلب تحقيقا وجوبيا يثبت تورط المتهمين. أما فيما يتعلق بالتهم والقضايا الكبرى فان الجنايات فيها تتطلب تحقيقا عميقا يستوجب التقصي وسماع الشهود الأمر الذي يتطلب وقتا كبيرا. وفي نفس السياق تطرق الأستاذ التركي إلى مقارنة الشارع التونسي للمحاكمات المصرية التي يعتبرها البعض جدية مقارنة بالمحاكمات التونسية. وأشارفي هذا السياق إلى أن النظام القضائي في مصر نظام انقلوسكسوني يتم بمقتضاه إحالة التهم إلى الادعاء العام مباشرة والحال أن النظام المعمول به في تونس نظام فرنكفوني يقر بإلزامية قاضي التحقيق في قضايا الجنايات. وعلل الأستاذ سبب التباطأ في هذه القضايا إلى أن الإشكالية تكمن في أن قاضي التحقيق العدلي يبحث في قضايا قاضي التحقيق العسكري الأمر الذي يسهم في إضاعة عديد الأشهر... فضلا عن ان القضاة لم يتسنى لهم بعد التعود على مثل هذه القضايا علاوة على تباطئ وكيل الجمهورية في جلب الشهود وحتى المتهمين...
هيئة وطنية للحقيقة والمصالحة
من جهة أخرى وفي نفس السياق يعتبر السيد شوقي الطبيب محامي ورئيس الرابطة التونسية للمواطنة أن المواطن التونسي عانى من منظومة استبدادية امتدت على أكثر من 5عقود زد على ذلك فان التونسي خلال الفترة الأخيرة فقد ثقته في عديد المجالات من ذلك الأمن والإعلام. وقد عمقت الأحكام التي تتالت في المدة الأخيرة من شكوكه لذا كان من المفروض أن يقع تخصيص"محكمة متخصصة" في ملفات الاستبداد والفساد المالي والاقتصادي يقع إنشاؤها بأمر فضلا عن تخصيص مقر لها ويقع إلحاق مجموعة من القضاة المشهود لهم بالنزاهة وبالاستقلالية حتى تتميز هذه المحكمة بنوع من الاستقلالية الحيادية والإدارية وفي نفس الوقت يقع إبعادهم على كل شكل من أشكال الضغط الذي قد يتعرضون له وهو ما نلاحظه على مستوى المحكمة الابتدائية بتونس حتى لا تضيع حقوق المواطن.كما يقترح الأستاذ شوقي طبيب إنشاء هيئة وطنية للحقيقة والمصالحة تتولى الشروع في الإعداد لمسار العدالة الانتقالية. وهو مسار لا يمكن أن يتحقق الا عبر سلطة شرعية ولكن لا بد في الأثناء من إنشائها حتى يتسنى لها وضع اللبنات التي تتعلق بعملية الانتقال والتي تتلخص في 5 محطات: الكشف عن الحقيقة، المحاسبة والمساءلة، الاعتذار للضحايا والاستماع لهم، تعويض الضحايا وأخيرا المصالحة حتى يتسنى طي ملفات هذه الفترة الحاسمة من تاريخ بلادنا.