تهم بالجملة وأخرى بالتفصيل تلاحق الرئيس المخلوع، إذ إلى جانب جرائمه المالية، فهو مورّط بجرائم القتل العمد مع سابقية القصد والتآمر على أمن البلاد، وتحريض المواطنين على مهاجمة بعضهم البعض بالسلاح، إضافة إلى استهلاك المخدّرات والاتجار فيها، دون أن ننسى حكاية إعطائه الأوامر في حوادث القصرين، بأن يتم قصف «حي الزهور» في المدينة بالقنابل.. وفي رصيد المخلوع أيضا تهمة تبييض الأموال، ولئن أوكل للمحاكم العسكرية مهمة التعهد بجميع القضايا، فإن السؤال الذي يطرحه الشارع التونسي بإلحاح: هل سيتمّ التمكّن من جلب بن علي من السعودية، ومحاكمته في تونس..؟ أم إنه لن يمثل يوما أمام محاكمنا العسكرية، لحاسبته على ما ارتكبه من الجرائم ضدّ الشعب وفي حقّ البلاد، والجرائم ضدّ الإنسانية كما هي مصنّفة من قبل المختصين في القانون الدولي..؟ محاكمة المخلوع بين الحقيقة والخيال.. أخبار تطوّر الأبحاث والتحقيق مع مسؤولين سياسيين سابقين، ما فتئت تحظى باهتمام متزايد من قبل التونسيين الذين يريدون محاكمات عادلة لرموز النظام السابق والمحسوبين عليه. ولكن متابعة أخبار قضايا المخلوع، تستحوذ على اهتمام الشارع والرأي العام، في ظلّ إحالة هذه القضايا على القضاء العسكري، إذ أن السؤال المسيطر على الأذهان الآن: إلى أين ستفضى الأبحاث والتحقيقات في الجرائم والتهم العالقة بالرئيس السابق؟ هل سيحدث ما يمكن أن يجعل جلب المخلوع إلى تونس لمحاكمته محاكمة علنية عادلة، واقعا وحقيقة، أم ستظلّ المسألة حلما وخيالا..؟ حسب الأستاذ المختص في القانون، وصاحب العديد من المؤلفات في المجال القانوني، مصطفى صخري، فإنه على مستوى منظمة الأنتربول الدولية، تصدر نشرة حمراء بقائمة المطلوبين بموجب بطاقات الجلب الدولية، ويتولى المركز الاقليمي للأنتربول، في نشرته العادية الإشارة لذلك. لكن لئن كان الرئيس السابق مطلوبا لدى الأنتربول الدولي، بعد أن أصدرت المصالح القضائية ببلادنا، بطاقات جلب ضده، فإن ضمانات الجلب تبقى غير متوفرة، وذلك لتعقّد المسائل المتعلقة بالاجراءات القانونية، وللثغرات القانونية المطروحة، أمام غياب اتفاقيات لتسليم المجرمين بين تونس والمملكة العربية السعودية. فالمسألة تكتسي بعدا سياسيا بالأساس، لكن مع ذلك يبقى أمر جلب الرئيس السابق المخلوع لمحاكمته في تونس، حلما مشروعا، قد يتحقق وقد لايتحقق. إذا نال المخلوع وباقي الفارين أحكاما غيابية فكيف سيتم التنفيذ؟ المشكلة بالنسبة لبطاقات الجلب الدولية، ليس في إصدارها، وإنما في تفعيلها، وهو الأمر الحاصل في خصوص بطاقات الجلب ضد المخلوع أو كذلك أصهاره الفارّين للخارج، مثل بلحسن الطرابلسي الموجود بكندا، أو صخر الماطري المقيم في قطر.. وإذا لم يتمّ التمكّن إلى حدّ الآن من تفعيل بطاقة الجلب الصادرة ضدّ المخلوع وزوجته وأصهاره، فهذا يعني أن حلم التونسيين بمحاكمات سراق الشعب ورموز الفساد، سيطول إلى مالا حدود له من الزمن. وأكد مصدر قانوني آخر «للصريح» أن المخلوع وبقية الفارين يمكن أن ينالوا أحكاما غيابية، وتبقى الاشكالية في هذه الحال، في تنفيذ الأحكام، باعتبار أن هؤلاء المطلوبين لدى الأنتربول الدولي، وفي مقدمتهم المخلوع، في حماية دول أخرى. أما مصدر من وزارة الدفاع الوطني، فقد أوضح لنا أن القضايا المتعلقة بالرئيس السابق، مازال التحقيق فيها جار، ومثل هذه القضايا تتطلب الوقت اللازم لاتمام الأبحاث وتوفير كلّ الاثباتات، وتلعب في المقابل المكاتب الدولية والاقليمية للأنتربول، دورها في تتبع المطلوبين للعدالة، ومنهم الرئيس المخلوع. أما معرفة النتائج، فذلك ما ستكشف عنه الأيام القادمة، ولكن ما تبيّنه مصادر قانونية «للصريح»، هو أنه في غياب إرادة سياسية قويّة، لن يتسنى أبدا محاكمة المخلوع في تونس، وربما تحال محاكمته على الجرائم ضدّ الإنسانية، إلى المحكمة الجنائية الدولية.