عواصم - "تطييب عاجل للخواطر.. وقف فوري لحملات التحريض الإعلامي والتراشق الكلامي.. مبادرات متوازية يقوم بها شخصيات مؤثرة من البلدين للتهدئة.. الضرب على أيدي من أشعلوا الفتنة وإجبارهم على الاعتذار.. تهنئة المصريين للجزائريين بالتأهل للمونديال.. إعداد لجان تحقيق مستقلة في البلدين تكشف المتسببين وتحيلهم للمحاكمة.. مباراة ودية تعيد الود للفرقاء.. تبادل الزيارات بين المنتخبين". تلك أبرز بنود الوصفات التي قدمها مجموعة من المثقفين والخبراء والمفكرين والعلماء والمشايخ في عدد من الدول العربية عبر "إسلام أون لاين.نت" ووسائل إعلام أخرى لمحاولة تهدئة الأجواء المتوترة بين مصر والجزائر عقب الأحداث التي صاحبت مباراتي الفريقين في القاهرةوالخرطوم الأسبوع الماضي، والتي حسمت نتيجتها في الخرطوم الأربعاء 18-11-2009 بفوز الجزائر وتأهلها لمونديال كأس العالم في جنوب إفريقيا 2010. فمن فلسطين، أعرب إبراهيم أبراش أستاذ العلوم السياسية ووزير الثقافة السابق بحكومة رام الله عن أسفه الشديد لما يجري بين البلدين، واصفًا الأزمة ب"المخيفة والداعية للأسى".
وقال في تصريحات ل"إسلام أون لاين.نت" الأحد 22-11-2009: إنّ "الحلّ يكمن في لقاء عاجل بين المسؤولين في البلدين وعدم الاكتفاء بإجراء اتصالات عاجلة.. وجلوس كبار المسؤولين في البلدين مع بعضهما من أجل التباحث في القضية ووضع الحلول التي من شأنها أن تقوم برأب الصدع القائم". "مباراة ودية" وأكد أنّ قادة الفكر في البلدين بإمكانهما أن يصوبوا الخلل، وقال إنّ "الشخصيات الإعلامية والفنية الكبيرة في البلدين والتي قادت حملة التحريض بإمكانها الآن أن تلعب دورًا هامًا في نشر ثقافة تقبل الآخر وإزاحة هذه الأزمة التي صنعها السياسيون"، على حد قوله. واقترح أبراش بعد هدوء الخواطر في البلدين إقامة مباراة ودية بينهما في كرة القدم، وقال: "ما جرى مؤلم ويجب أن يتوقف ونحمد الله أن لا حدود بين مصر والجزائر، وإلّا لكنا شاهدنا الاشتباكات يوميا على الحدود ... فالأزمة يجب أن تتوقف ولهذا مطلوب من السياسيين الذين قادوا الاحتقان معالجته وفورا، وبعدها مطلوب إقامة مباراة ودية بين المنتخبين، ممكن إقامتها في السعودية أو تركيا". وشدد على ضرورة أن يصمت الإعلام في البلدين عن لغة التحريض ويعيد للرياضة فلسفتها الحقيقية، وقال: "الرياضة وجدت لتقارب الشعوب لا أن تتقاتل.. الصين وأمريكا أعادتا الدفء لعلاقتهما المشتركة بمباراة كرة قدم، وكذلك فعلت تركيا مع أرمينيا مؤخرا.. كل خلافاتهما ذابت على مدرجات كرة القدم.. فلماذا لا يكون الأمر كذلك بين الجزائر ومصر؟". "لقاء بين المسؤولين" الدكتور أسعد أبو شرخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة، ومصطفى الصواف الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني اتفقا مع أبراش فيما ذهب إليه من ضرورة إعادة الرياضة لواجهتها الحقيقية وأن تكون لخدمة الشعبين لا سببًا في تفرقهما. ودعوا في تصريحات ل"إسلام أون لاين.نت" الأحد إلى عقد اجتماع بين الرئيسين المصري حسني مبارك، والجزائري عبد العزيز بوتفليقة اللذين تربطهما أصلا علاقات طيبة للخروج ببيان يؤكد على وحدة الدم ويطالب بتهدئة فورية للخواطر، وبوقف فوري لحملات التحريض من قبل وسائل الإعلام. ورأى أبو شرخ أنه إذا استمر الخلاف يجب تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لكشف الحقائق ومعرفة من المتسبب في هذه الأزمة لتهدئة الخواطر في البلدين، مؤكدا على ضرورة تدخل علماء الدين والمثقفين والمفكرين وقادة الرأي في البلدين للوصول لحل قبل تفاقم الأمر. وخاطب أبو شرخ المصريين والجزائريين قائلاً: "مباراتكم الحقيقية ليست في حرق الأعلام ولا بتبادل الشتائم.. المباراة الفاصلة هي مع إسرائيل التي انشرحت أساريرها لما تفعلون.. توحدوا من أجل الأقصى الذي يواجه الهدم والتدنيس، وأنتم تسفكون دماءكم بعضكم البعض.. توحدوا". تحقيق نزيه وشفاف ومن مصر، طالب الدكتور حسن نافعة، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، البلدين بإجراء تحقيق شفاف يحيل كل المتسببين في افتعال الأزمة إلى محاكمة عادلة، وقال في مقال له بعنوان "حالة تلبس" نشرته صحيفة الأهرام القاهرية شبه الرسمية الأحد: "ما لم ينجح الشعبان في الضغط من أجل إجراء تحقيق شفاف ونزيه يزيح النقاب عن كل الملابسات ويحيل كل المتسببين، أيا كانت مراكزهم أو مواقعهم، إلى محاكمة عادلة، فسوف يصعب تماما احتواء آثار ما جرى وسيتحول إلى كرة ثلج متدحرجة تزداد خطورة مع تزايد قوة اندفاع الحركة في اتجاه السفح". وقدم نافعة رؤيته لما حدث، معتبرا أنّ من تسبب في الأزمة بالدرجة الأولى هما "نظامان سياسيان مستبدان وفاسدان لم تعد لأيّ منهما قضية وطنية أو قومية كبرى ويسعيان باستماتة، كل لأسبابه الخاصة، لاستعادة شعبيتهما باستثمار لحظة توحد وطني حول فريقهما الكرويين". وأضاف مكملا رؤيته: "نخب حاكمة في البلدين سلمت قيادتها في تلك اللحظة بالغة الحساسية وفي ظل حالة فراغ وعقم تتسم بها الحياة السياسية في البلدين إلى إعلام رياضي جاهل ومتعصب نجح بامتياز في تحويل مباراة في كرة القدم إلى معركة كبرى من خلال استثارة أحقر المشاعر والغرائز الشوفينية". لكن نافعة رأى أنّه "من غير الإنصاف اعتبار الحكام في البلدين فقط مسؤولين وحدهما عما حدث وإعفاء الشعبين الجزائري والمصري من المسؤولية بعد أن استسلما كالقطيع وسمحا لنظاميهما الحاكمين بالتلاعب بمشاعرهما الوطنية وتسخيرهما على هذا النحو في معارك صغيرة لخدمة أغراض دنيئة ومشبوهة" على حد قوله. وأرجع حالة الاستنفار التي كان عليها الشعبان المصري والجزائري تجاه هذه المباراة إلى أنّ الشعبين كانا "يبحثان عن لحظة فرح في ظل حالة عامة من الإحباط الوطني والقومي عم فيها الفساد وشاع الاستبداد فلم يجدا سوى تلك المناسبة الكروية الحساسة للتعبير عن مشاعرهما الوطنية المكبوتة وإحباطاتهما المتزامنة". "محاكمة مشعلي الفتنة" ومن الجزائر، أكد المفكر عبد الرزاق قسوم، العضو في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أن ما وقع بين البلدين الشقيقين مصر والجزائر "أزمة مفتعلة، ومن ساهم في إشعالها هم سفهاء القوم والذين يحصدون نتائجها هم الطيبون من الشعبين". ولفت في تصريحاته ل"إسلام أون لاين.نت" -التي قال إنها تنبع من رأيه الشخصي ولا تلزم جمعية العلماء- إلى أن الحل الأمثل لتطويق تلك الأزمة يتمثل في عدة أشياء، أولها الضرب على أيدي كل الذين أشعلوا الفتنة من البلدين، وإجبارهم على تقديم اعتذار، "وثانيا أن يجتمع المخلصون في البلدين من مثقفين وإعلاميين ومسؤولين لوضع حد لتلك الأحداث، وثالثا، أن يبادر الشعب المصري بتهنئة نظيره الجزائري على الفوز الذي أحرزه وتأهله لكاس العالم". ومن المغرب، رأى الدكتور المختار بن عبدلاوي، مدير مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية، أنّ الحدث وتداعياته يحتاج إلى إشاعة التربية المدنية في السلوك المدني العام للجماهير العربية ومحاولة نشر ثقافة تقبل الآخر، وتقبل فكرة الهزيمة في مباراة. وقال بن عبدلاوي في تصريحات ل"إسلام أون لاين.نت" إنّ "ما أراه وأتمناه لحل هذه الأزمة وعدم تكرارها في مجتمعاتنا العربية، هو إشاعة التربية المدنية والأخلاقية داخل المجتمع، لأنّ العنف والإهانات تكون أكثر حدة داخل القطر الواحد، بل بين فريقين محليين، فالتربية المدنية ليست وظيفة المدرسة، بل هي سلوك يجب أن يشمل كل مناحي الحياة العامة وتنخرط فيه السياسات الحكومية بدل الانتشاء بالشوفينية الذاتية". "مبادرات متوازية للتهدئة" السعودية لم تكن هي الأخرى بمنأى عن رؤى الحل، فقد أكد الدكتور علي بن عمر بادحدح، المحاضر في جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية، ضرورة أن تبادر الجهات الرسمية والوطنية في البلدين بإيقاف الإثارة والتصعيد الإعلامي بكل أشكاله لمحاولة تهدئة الأمور، مقترحا إحالة القضايا التي تحتوي على اعتداءات وقعت على جماهير البلدين إلى الشرطة أو المحكمة دون الإعلان عنها. كذلك اقترح الدكتور بادحدح أن تقوم رموز سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية في البلدين بتقديم مبادرات متوازية للتهدئة، وعقد لقاءات في كلا البلدين يحضرها قيادات ثقافية وسياسية للتأكيد على وجود الكثير من المشتركات بين البلدين وفي مقدمتهم ظاهرة العروبة والإسلام بين البلدين، محذرا من أن يصاحب تلك المبادرات بعض التعليقات أو التصريحات التي فيها مباركة لحملات التحريض أو التصعيد. وقال بادحدح إنّ "الحلول لا بد أن تأخذ طابعين، الأول سريع ويتمثل في إصدار بيانات مشتركة بين البلدين تؤكد على الوحدة، إضافة إلى عقد الندوات المشتركة تارة في مصر وتارة في الجزائر". أما الطابع الآخر فيتمثل في الزيارات المتبادلة بين المنتخبين، ويظهر الفريقان مع بعضهما ومع الطاقم الفني لكل فريق، حيث تؤكد مثل هذه الزيارات المتبادلة على دور إيجابي كالتأكيد على أنّ المنتخبين عربيان وأنّ صعودهما في النهاية هو إنجاز وصعود لكل العرب. ووصلت الأجواء بين البلدين لمستوى خطير من التدهور بعد تبادل الاتهامات باعتداءات على مشجعيهم في المباراتين، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح رعايا من البلدين رهائن يرتعدون خوفا من الطرف الآخر؛ ما دفع البعض إلى المغادرة إلى بلاده، فضلا عن تبادل استدعاء السفراء للاحتجاج.