عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القلوب أربعة قلب أجرد فيه مثل السراج يُزهر وقلب أغلف مربوط على غلافه وقلب منكوس وقلب مصفح فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نوره وأما القلب الأغلف فقلب الكافر وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم فأي المادّتين غلبت على الأخرى غلبت عليه...
قال الشيخ: الأنوار أربعة: نور الله سبحانه وتعالى: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"... وأمّا النور الثاني فهو نور الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ"... والثالث هو نور الإيمان: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"، عن أبي جعفر قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم لما بعده استعدادًا. قال: وسئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)، قالوا: كيف يشرح صدره، يا رسول الله؟ قال: نور يُقذف فيه، فينشرح له وينفسح. قالوا: فهل لذلك من أمارة يُعرف بها؟ قال:"الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت"... والنور الرّابع هو نور ينتج عن التزوّد بالأنوار السالفة وهو نور المؤمن، صاحب القلب الأجرد، الذي بيّن صلّى الله عيه وسلّم أنّ فيه سراجا يزهر... قال الشيخ قلب المؤمن يمرّ بمراحل ثلاث: التخلّي، التحلّي، التجلّي - كلمات اشتبهت في شكلها ووزنها ففرّق بين معانيها الخاء والحاء والجيم - فقد تخلّى القلب بالنور الذي قذف فيه عن الأمراض التي طالته بسبب بعده عن النّور ثمّ تحلّى بآثار الأنوار الإيمانيّة حتّى إذا أسرج القلب تجلّت منافعه على صاحبه وعلى العائلة وعلى المحيط وعلى النّاس كافّة فالمؤمن كالغيث يحيي نداه السهل والجبل... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ من عباد الله لأناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله! قالوا: يا رسول الله، أخبرنا من هم وما أعمالهم؟ فإنا نحبهم لذلك! قال: هم قوم تحابُّوا في الله بروح الله، على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إنّ وجوههم لنورٌ، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس. وقرأ هذه الآية: (ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)...
رمضان الفضيل أيّها الإخوة والأخوات هو من المواسم السنويّة المهمّة جدّا - بل لعلّه الموسم الأهمّ - الذي يُنمّي نور الإيمان فيزداد سراج قلب المؤمن إزهارا فيكثر تجلّيه على المحيط فيتعاظم نفعه... ألم نسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يؤمّن ثلاثا وهو يصعد درج منبره الشريف، فقد رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال آمين آمين آمين، قيل يا رسول الله إنك حين صعدت المنبر قلت آمين آمين آمين قال: "إنّ جبريل أتاني فقال من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل آمين، فقلت آمين، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرّهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين، فقلت آمين، ومن ذُكرتَ عنده فلم يصلّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين، فقلت آمين"... نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلّغنا رمضانات كثيرة وأن يجعلنا ممّن يصومونه ويقيمون لياليه إيمانا واحتسابا، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يثبّتنا على برّ الوالدين وبرّ صلاتهم، وأن يجعلنا من غير الأشحاء فنكثر من الصلاة والسلام على الرّسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم مشفاهة أو كتابة؛ فنجتنب بكلّ حرص ما تعوّد عليه البخلاء في الكتابة (ص) و(صلعم)... والله من وراء القصد، وتقبّل الله صيامكم وبارك إفطاركم...