في رحاب كتاب "مدارج السالكين" للإمام بن القيم رحمه الله تعالى بقلم أحمد بوعشرين الأنصاري الحلقة الواحد والعشرون حول منزلة الخوف
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجدله وليا مرشدا وأصلي وأسلم على الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، وبعدفإني أتقدم إليكم بهذه الكلمات /النفحات من قلب كتاب مدارج السالكين للعلامة الشيخابن القيم رحمة الله عليه راجيا من الله أن تنفعنا جميعا هذه الكلمات وان نكون منالذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. نستكمل بإذن الله حلقاتنا استئناسا بتذكرة "مدارج السالكين" للإمام الشيخ ابن القيمرحمه الله.
ومنزلة الخوف من أعظم منازل "إياك نعبد وإياك نستعين"، وأكثرها نفعا على القلب، وهي من العلامات الفارقة بين أهل الإيمان الموالين لله ورسوله وبين أهل الكفر الموالين للشيطان، يقول الله تعالى: (إنما ذلكم الشيطانيخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) سورة آل عمران الآية 175، " عنابن عباس: " إنما ذلكم الشيطانيخوف أولياءه" ، يقول : الشيطان يخوف المؤمنين بأوليائه....قالأبو جعفر: يقول : فلا تخافوا ، أيها المؤمنون ، المشركين ، ولايعظمن عليكم أمرهم ، ولا ترهبوا جمعهم ، مع طاعتكم إياي ، ما أطعتموني واتبعتم أمري ، وإني متكفل لكم بالنصروالظفر ، ولكن خافون واتقوا أن تعصوني وتخالفوا أمري ، فتهلكوا "إن كنتم مؤمنين" ، يقول : ولكنخافون دون المشركين ودون جميع خلقي ، أن تخالفوا أمري ،إن كنتم مصدقي رسولي وما جاءكم به من عندي." تفسير الطبري،
الخوف من عدم قبول الأعمال ومن المعاني الجليلة للخوف من الله ، أن يخاف المؤمن أن لا تقبل أعماله عند الله سبحانه وتعالى، فالعبد المؤمن يستصحب هذا الخوف ليستصغر أعماله مهما عظمت أو كثرت حتى لا يصيبه الغرور ويمني على نفسه الأماني، وتلك من الأوصاف التي مدح الله بها أهل الخوف وأثنى عليهم في قوله تعالى: ( إن الذين هم من خشيةربهم مشفقون) سورة المؤمنون آية 57، " أي : هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح ،مشفقون من الله خائفون منه ، وجلون من مكره بهم ، كماقالالحسن البصري: إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة ، وإن المنافق جمع إساءةوأمنا" تفسير بن كثير، وفي صحيح الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية { والذينيؤتونماآتواوقلوبهموجلة } قالت عائشة : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون قال لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا تقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون" صحيح الترمذي للشيخ الألباني.
معاني "الوجل"، و"الخوف"، و"الخشية"، و"الرهبة" و" الهيبة" والعبارات القرآنية التي تدل على الخوف جاءت متقاربة رغم عدم ترادفها، ذلك أن "الخوف حركة والخشية انجماع وانقباض وسكون، فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان: إحداهما حركة المهرب منه وهي حالة الخوف، والثانية سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه وهي الخشية،...وأما الرهبة فهي الإمعان في الهرب من المكروه، وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه،...وأما الوجل فرجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته، أو لرؤيته، وأما الهيبة فخوف مقارن للتعظيم والإجلال، وأكثر ما يكون مع المحبة والمعرفة، والإجلال تعظيم مقرون بالحب، فالخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية..." انتهى كلام ابن القيم رحمة الله عليه
تكامل الخوف والرجاء لقلب العبد حالتان في تحقيق عبوديته لله سبحانه وتعالى، فهو يعبد الله خوفا من عذابه ومن مكره سبحانه وتعالى ومن أن لا تقبل أعماله مهما كثرت وعظمت، ويعبده رجاء في رحمته سبحانه وتعالى، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلمالمؤمن ما عند الله من العقوبة ، ما طمع بجنته أحد ، ولو يعلم الكافر ما عند اللهمن الرحمة ، ما قنط من جنته أحد ) رواه مسلم، ف"القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر، ولكن السلف استحبوا أن يقوي في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوي جناح الرجاء على جناح الخوف..." انتهى كلام ابن القيم وإلى اللقاء في الحلقة المقبلة بحول الله مع منزلة الإشفاق