بقلم – محمد الحمروني يفترض أخلاقيا بعد ثورة رفعت شعار الكرامة والحرية واستحقاق التشغيل أن يكون ملف مساجين عهد المخلوع من النهضة ومن غيرها ملفا ذا أولويّة في نفس مستوى ملف الشهداء و جرحى الثورة ... وإذا لم تكن هذه الملفات ذات أولوية فأيها ذو أولوية ؟ ما يقارب العقدين من الزمان وآلاف التونسيين بين تنكيل السجون المضيقة وتنكيل السجن الكبير ... محرومون من أبسط حقوقهم المعيشية والمدنية من ينصفهم إذا لم تنصفهم حكومة الثورة ؟ صحيح ان هناك من عاد لعمله وسويت وضعيته نسبيا ... لكن ماذا عمن اعتقلوا وهم تلاميذ وطلبة ودمرت حياتهم في السجون وهم الآن على هامش الدورة الاقتصادية ... هل تكرمهم الثورة وتضمد جراحهم وتوفر لهم العيش الكريم أم تهملهم من أجل تجاذبات ومصالح سياسية؟ الضحايا يريدون الإنصاف من المجلس التأسيسي الذي اختاروه ليكون ضميرهم و ليس من حق أي مسؤول حتى ولو كان نهضويا أن يصادر على إرادة هذا المجلس فيقرر نيابة عنه وعن الضّحايا أن مساجين لون سياسي ما لن يكون ملفهم ذا أولوية في إطار تنازلات سياسية ذات أهداف تتعلّق بالمصلحة الوطنيّة ! بأي حق يقرر ايا كان نيابة عن المجلس التّأسيسي وخارج إطار الحوار مع هيئات المجتمع المدني المعنيّة بملفّ المساجين وتفعيل العفو العام في الوقت الذي انخرطت فيه الحكومة السابقة في حوار جدي علني على شاشة التلفزة الوطنيّة أفضى إلى تقريب وجهات النظر ؟ هل يجب أن يكون المساجين السياسيون قربان نجاح تجربة البعض في الحكم ؟ هل يعقل ان يظلم المساجين السياسيون مرتين واحدة في عهد المخلوع ومرة اخرى في عهد الثورة؟ هذا الملف هو ملف إنساني حقوقي أخلاقي يجب أن نخرجه من كل تجاذبات سياسية ... هؤلاء ليسوا مساجين حزب النهضة ولا رعاياه هم مواطنون يريدون الإنصاف والكرامة ولن يسمحوا أن يظلموا في عهد المخلوع وعهد من يفترض أنّها حكومة الثّورة الشعبية ... للمساجين ربّ كريم، نكّل بهم نظام المخلوع وبعائلاتهم لعقود، ولن يكون ملفهم في حكومة الثورة المنتخبة ذا أوليّة حتى لا تتهم هذه الحكومة بالمحاباة والمحسوبيّة ! لذلك فان قدرهم أن يستأنفوا النضال من أجل حقوقهم في عهد حكومة المصلحة الوطنيّة التي يراد للمساجين السياسيين أن يدفعوا فيها ضريبة المصلحة الوطنيّة ! عيب، بل عار، على الجميع، واولهم حركة النهضة، ان يظل هؤلاء المساجين السياسيين يعانون اوضاعا اجتماعية سيئة للغاية في الوقت الذي تنفق فيه الملايين على الحملات الاعلامية والانتخابية. واذا كان الحياء وتعفف هؤلاء دفعهم الى ان لا يسالوا الناس الحافا، وكانوا كما قيل "تحسبهم اغنياء من التعفف" فعلى اولى الامر ان لا يغفلوا عن هذه الجوانب. واذا لم تنصف الحكومة القادمة من ضحوا طيلة 20 عاما ما بين سجون ومناف، وعانوا من التعذيب والتنكيل ما يفوق الخيال والتصور، فلا اعتقد انها ستكون قادرة على احقاق العدل والانصاف في البلاد. ان أي حديث عن المساجين السياسيين السابقين ومعاناتهم يجب ان يكون في اطار من الاجلال والاحترام والتقدير، بل والرهبة والهيبة، التي تقارب الخشوع، لان منهم من استشهد، ومنهم من كان يتمنى الموت، ولكن الله قدر له ان يكون شهيدا حيا، ومنهم من فقد عقله من شدة المحنة، ومنهم من انتحر، ومنهم من لا يزال يعاني صابرا محتسبا وما بدل تبديلا. ان ما ننعم به اليوم، من حرية، هو نتيجة لتضحيات هؤلاء، وان اي تنكر لهذه التضحيات، لأي سبب كان، هو من قبيل الجحود، والعقوق، واللؤم الذي لا يليق الا باهله. ان الذين دفعوا من حليب اطفالهم، وجوعهم وجوع عائلاتهم، ومن لحمهم واستقرارهم النفسي والعائلي، دفعوا كل ذلك واكثر، ثمنا للحرية وللانعتاق من نير الاستبداد، وقدموها هدية على طبق من ذهب لمن سيحكم البلاد، هؤلاء يستحقون التحايا والتقدير، ووضع اكاليل الغار على جباههم بدل الاستنقاص منهم ولو بدعوى "الكفاءة" ووو ... علما وان منهم اكفاء، وكثير ما هم، ورغم ذلك هم مقصيّون. نقلا عن بناء نيوز