تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحميل الميثاق الجمهوري ما لا يحتمل
نشر في الصباح يوم 27 - 04 - 2011

* ارتفعت حدّة الجدل هذه الأيام حول ما سمي بمشروع ميثاق جمهوري أو ميثاق مواطنة يمثل الحدّ الأدنى المشترك بين مختلف القوى السياسية وفعاليات المجتمع المدني وفئات وشرائح المجتمع التونسي
يفترض أن يتفق حوله الجميع ويكون بمثابة الأرضية لعقد مواطني أو اجتماعي ومنطلقا لصياغة الدستور القادم للبلاد. ويكون بالتالي سبيلا لإزالة القلق الذي يساور الكثيرين حول طبيعة المجلس التأسيسي الذي ستفرزه انتخابات 24 جويلية وحول طبيعة المبادئ الدستورية التي ستسفر عنها مداولاته.
لقد بات الاختلاف واضحا اليوم بين من يرفض فكرة ميثاق حول أسس النظام الجمهوري وحول جملة من الحقوق الأساسية تشكل موضوعا لوفاق جمهوري تلتزم به جميع الأطراف قبل الدخول في انتخابات المجلس التأسيسي وبين من يرى في ذلك تقييدا لسلطة المجلس التأسيسي والتفافا على الإرادة الشعبية التي ستفصح عن نفسها من خلال صناديق الاقتراع على نحو حرّ وديمقراطي. وفي الحقيقة يعبّرهذا الخلاف عن اختلاف عميق في فلسفة القانون وفي نظرية الدستور بين وجهتي نظر حول طبيعة لحظة التأسيس الدستوري في تاريخ شعب ما وحول مهام المجلس التأسيسي ومدى تجسيده للإرادة الشعبية.
بين وجهة التأسيس الثوري
والتقليد الدستوري
الوجهة الأولى يمكن أن نعتبرها وجهة التأسيس الثوري وهي وجهة ترى أن لحظة صياغة دستور جديد هي لحظة فارقة في تاريخ شعب ما تقطع نهائيا مع الماضي وتؤسس لمرحلة جديدة لا تتقيد بموروث الماضي ولا تنوء بأثقاله ولا تنظر إلا صوب المستقبل. لذلك تبدو وفق هذه الوجهة السلطة التأسيسية سلطة مطلقة ولا تتقيد بمعايير أو قيم سابقة عنها وتلك هي نظرة الفيلسوف الإيطالي «توني نقري» كما عبر عنها في كتابه السلطة التأسيسية باعتبارها التجسيد الحقيقي للديمقراطية ونجد ما يماثل هذا الموقف الثوري لدى الفيلسوف الألماني المعاصر كارل شميت وإن كان مناهضا للديمقراطية التمثيلية ومدافعا عنيدا عن فكرة الاستفتاء الشعبي والمبايعة المباشرة للقائد السياسي من طرف الشعب، وهي مبايعة تمنحه حقا في تقرير نوع الدستور الذي يصلح بالأمة والشعب. لذلك تذهب هذه الوجهة إلى القول أن السيادة الشعبية مطلقة ولا يجوز بأي حال تقييدها باتفاق مسبق تفرضه النخب السياسية على المجلس التأسيسي أو على القيادة السياسية التي يستفتيها الشعب.
أما الوجهة الثانية فهي وجهة تعبر عنها النظريات المندرجة ضمن التقليد الدستوري الذي سعى دوما إلى وضع ضوابط للسيادة الشعبية حتى لا تتحول إرادة الأغلبية إلى إرادة مستبدّة فتقرّر حرمان الفرد أو الأقليات سواء كانت سياسية أو ثقافية أو دينية أو عرقية من حقوقها الأساسية وتعيد إنتاج آليات الاستبداد من جديد ونعلم جيّدا أن خطر استبداد الأغلبية يحدق بالديمقراطيات الحديثة ويهدّد بتقويض أسسها كما سبق وأن نبّه إلى ذلك الفيلسوف الفرنسي «توكفيل» منذ القرن 19 من خلال ما عاينه في أمريكا في عصره. لذلك يرفض التقليد الدستوري اعتبار الفعل التأسيسي - باعتباره تجسيدا للإرادة السياسية للأمة - قرارا ينبثق من «فراغ معياري» وإنما فعلا يتأسس على مكتسبات تتمثل في جملة من المعايير والقيم تتأصل في التاريخ الخاص بشعب ما وفي ما استأنسه من قيم مستقاة من تجارب الشعوب الأخرى وما استصلحه لنفسه منها ولهذا فإن فعل التأسيس لا يكون فعلا ينطلق من عدم قيمي ومعياري ولا يمكن للإرادة الشعبية التي هي في واقع الأمر إرادة الأغلبية أن تكون مطلقة في قراراتها وأن تقرّر بكل حرية نمط الدستور الذي ترتئيه. فالتأسيس للمستقبل وفق هذه الوجهة يكون من خلال الاستعادة النقدية للموروث الدستوري السابق وتطويره بشكل يحقق تطلعات الشعب والأجيال القادمة نحو دستور يقطع مع الاستبداد ويوفر أرضية لتطور ثقافة ديمقراطية. وضمن هذه الوجهة يمكن أن ندرج نظريات فلاسفة مثل الأمريكيين «جون رولز» و»بروس آكرمان» والألماني «يورغن هابرماس» والفرنسي «ميشال تروبر».
الميثاق ليس برنامجا حزبيا
وفي تونس أصبح الاختلاف واضحا بين موقف يحصر مجال الوفاق في الإجراءات والقواعد والآليات المنظمة لعملية انتخاب المجلس التأسيسي، والذي بانتخابه تزول الحاجة إلى الوفاق ليصبح صاحب السلطة والسيادة التامة في تقرير طبيعة الدستور ومواده ليصير مصدر كل شرعية ومشروعية، وبين موقف داع إلى توسيع مجال الوفاق ليتضمن أسس النظام الجمهوري والطابع المدني للدولة وكذلك أيضا الحريات الأساسية أي المدنية والسياسية .
والرأي عندنا أن الوفاق حول ميثاق مواطنة يكون أساسا للدستور القادم أمر ضروري لبلادنا إذ أنّه الكفيل بتبديد المخاوف حول المسار الذي ستجري فيه عملية تحرير الدستور المرتقب وبطمأنتهم حول احترام الجميع لاسس النظام الديمقراطي والحقوق الأساسية للمواطن التونسي بجعلها في منأى عن كل المساومات بين الأطراف السياسية والتغيرات في موازين القوى بينها والتحولات التي يمكن أن تطرأ على الرأي العام وذلك بإخراجها من البرامج الخاصة لتلك الأطراف ومن الصفقات والتحالفات الانتخابية التي تبرمهما لاعتلاء سدّة الحكم. وبهذا تصبح موضوع وفاق دستوري يمثل قاعدة لصياغة الدستور المقبل.
وإن بدت فكرة وضع أسس لميثاق جمهوري يكون بمثابة إعلان مبادئ تتضمنه ديباجة الدستور المقبل قبل خوض الانتخابات فكرة جيّدة فإن ما نلاحظه وللأسف الشديد أن ما طُرح من مبادرات يتجاوز مقتضيات اتفاق الحدّ الأدنى ويحشر في البنود المقترحة للاتفاق مواد يفترض أن تكون خاصة ببرامج ومشاريع سياسية لأحزاب تمثل خططها ومشاريعها الاجتماعية عندما ترتقي إلى السلطة ومثل هذا الأمر يجعل من الصعب على أولئك الذين لهم رؤى مغايرة حول سبل معالجة مشاكل البلاد قبول الصيغة التي يطرح بها ذلك الميثاق ويلاحظ هذا الإصرار على رفع سقف الاتفاق ليشمل مواد تتجاوز الحد الأدنى الذي يمكن الاتفاق حوله في الصيغتين اللتين يقع تداولهما هذه الأيام كمشروعين لميثاق جمهوري أو مواطني فبدل الاكتفاء بصيغ دستورية عامة تتعلق بالالتزام بالحفاظ على الطابع المدني للدولة وثوابت النظام الجمهوري كالتداول السلمي على السلطة عبر الانتخاب والفصل بين السلط والحفاظ على التوازن بينها وإعلان حريات تكفل بمقتضاه الحريات المدنية والسياسية التي ضمنتها كل الدساتير الحديثة لمواطنيها نرى أن صيغتي الميثاق المتداولتين اليوم سواء تعلق الأمر بالميثاق الجمهوري أو بمبادرة المواطنة (التي كنت أحد من ساهم في صياغتها الأولى وابتعدت عنها بعدما اتخذت شكلها الحالي الذي لا أرضاه ) تبتعدان عن الأدنى المشترك لتتخذا شكل برنامج حزبي ذي توجه يساري فما معنى أن نضمّن الميثاق الجمهوري الذي يفترض أن يكون ديباجة أو إعلان حقوق ذي قيمة تعلو بقية بنود الدستور (كما هو الأمر مثلا في الدستور الألماني لسنة 1949 ) الحقوق الاجتماعية كالحق في الشغل والحق في السكن والحق في بيئة سليمة أو أن نضمّنه أيضا مقتضى تحقيق العدالة في توزيع الثروات والدخل بين المواطنين ومقتضى التوازن بين الجهات وغيرها من المسائل التي هي من مشمولات البرامج الحزبية؟
حول الدعوة لرفع الوفاق إلى مستوى الحقوق الإجتماعية
وإذا ما وقع إقرارها في الدستور الجديد وفشلت حكومة انتخبت بمقتضاه في توفير الشغل للجميع وتحقيق التشغلية التامة والقضاء على البطالة وتوفير السكن للجميع هل نعتبرها خرقت الدستور وانتهكت حقوق المواطن المضمنة في الدستور ونرفع شكوى ضدها أمام المحكمة الدستورية؟ إن إصرار البعض على أن يتضمن الدستور القادم كل الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينمّ عن خلط بين مفهوم الإعلان ومفهوم الدستور فالإعلان ينص على مطلب ومقتضى يمثل أفقا لتطلعاتنا كبشر أما الدستور فيتضمن بنودا نافذة وحقوقا لا بدّ أن تفعّل على أرض الواقع وهو ما لا يسمح بأن نجعل جميع الحقوق على نفس المستوى.
لذلك نرى أنه لا ينبغي أن يكون ميثاق المواطنة الذي نريده قاعدة مشتركة يستند إليها الجميع مهما كانت خلفياتهم الفكرية والأيديولوجية سواء كانت ليبرالية أو اشتراكية أو قومية أو دينية أن يتجاوز مستوى التنصيص على أسس النظام الجمهوري واحترام قواعد اللعبة الديمقراطية والحقوق المدنية والسياسية وأولها حرية المعتقد والتدين والحريات المضمنة في مفهوم حرمة الشخص وكرامته وكذلك الحريات والحقوق التي تضمنها دولة القانون لمواطنيها كحق الملكية الخاصة والحماية من كل سجن أو إيقاف اعتباطي والحق في محاكمة عادلة وكذلك المساواة في المواطنة بين كل التونسيين مهما كان دينهم أو جنسهم. قد يعترض البعض بأنه آن الأوان لتجاوز سقف الحقوق المدنية والسياسية لرفع سقف الوفاق إلى مستوى الحقوق الاجتماعية خاصة وأن الثورة وقعت في تونس باسم الحرية والحق في الشغل والكرامة إلا أننا نقول أن بناء دولة القانون والمؤسسات وضمان الحرية والمشاركة المواطنية الفاعلة في الحياة السياسية وفي إدارة الشأن العام هو الكفيل بتوفير شروط التنافس بين الأحزاب من أجل وضع البرامج الأكثر نجاعة لتحقيق أعلى نسب النمو والرخاء تكون ممكنة وللتعبئة الأمثل للموارد وتحقيق العدالة الأفضل في توزيع الدخل وسيكون الحكم على الأحزاب التي تفشل في تحقيق هذا المقتضى قاسيا عبر صناديق الاقتراع. فلنتوقف إذن عن المزايدات ولتلتزم جميع الأطراف السياسية بشروط الحدّ الأدنى لأن الحاجة أكيدة إلى وفاق وطني حقيقي حول المقتضيات الدستورية الأساسية حتى يعود الاطمئنان للتونسيين حول مصير بلادهم وموقعها بين الأمم.
* أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة تونس
القانون التونسي والتشريع الإسلامي (2)
بقلم: الأستاذ يوسف الرزقي*
في الجزء الأول من المقال عرّف الكاتب بخصوصيات التشريع الإسلامي في القانون التونسي منتهيا عند الأسباب التاريخية للتواصل ويركز في الفقرة الثانية على الأسباب التاريخية للمحدودية فيقول:
تتمثل أساسا في الوضعية التي مر بها المجتمع التونسي لحظة التقنين الأول خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ولحظة التقنين الثانية خلال النصف الثاني من القرن العشرين باعتبارها محطات نوعية في العلاقة بين التشريع الإسلامي والقانون الوضعي .
لقد كانت تونس تعاني خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ضغوطا كبيرة من القوة الاستعمارية الفرنسية ومن بعض قوى الضغط الأوروبية الأخرى التي لها مصالح ومطامع في تونس وهو ما أدى إلى إجبار البايات على القيام بعديد الأعمال التشريعية في شكل أوامر علية تحت التأثير الأجنبي من ذلك إلغاء الرق في 1846 وإصدار عهد الأمان 1857 ثم الدستور سنة1861 والمجلة المدنية والجزائية في نفس السنة وصفة البائع في عقود البيع في 1868 والتزامات الخماس في 1874 وإبرام الرهون العقارية في 1879... وراعت هذه النصوص التشريع الإسلامي دون أن تتقيد به بصفة كاملة باعتبار أن الباعث عليها كان في جزء هام منه خدمة المصالح الأجنبية كما أنها موجهة أساسا لحماية الأجانب ولعل أهم نصين مميزين في هذا الصدد هما عهد الأمان الخاص بحماية غير المسلمين والأجانب وقانون التسجيل العقاري الصادر بتاريخ 01/07/1885 الذي يرمي إلى تسهيل استيلاء المعمرين على الأراضي التونسية خصوصا الفلاحية منها ولم تكن تونس شاذة في هذا الاتجاه إذ أن الخلافة العثمانية أيضا تأثرت في نفس الفترة بنفس الضغوط وجارت حركة التقنين متأثرة بالقوانين الوضعية إلى حد ما شكلا وأصلا أما إبان الاستقلال فقد آلت سلطة القرار إلى النخبة المسيسة التي ساهمت في الحركة الوطنية وكان بعض هذه النخبة متشبعا بالثقافة الفرنسية أساسا وطموحه متجه إلى تعصير الدولة والمجتمع بما يتوافق مع رؤيته التحديثية كما كانت علاقة هذه المجموعة المؤثرة مع الثقافة الإسلامية العالمة ضعيفة وإن أبدت في بعض الأحيان دفاعا عن بعض رموز هذه الثقافة إبان الكفاح الوطني أو أثناء توليها الحكم بعد الاستقلال لغايات سياسية دون أن تعبر عن قناعاتها الحقيقية .
الفرع الثاني : مظاهر التواصل المحدود
إن المطلع على المنظومة القانونية التونسية بمختلف فروعها مهما كان المعيار المعتمد في التقسيم قانون عام / قانون خاص أو معيار قوانين الباي / قوانين دولة الاستقلال أو معيار قانون دستوري / قوانين عادية أو معيار قوانين مدنية / قوانين جزائية فإنه سيصل إلى نتيجة واحدة مفادها أن قناة التواصل مع التشريع الاسلامي موجودة ولكنها ضيقة و لقد تجسم التواصل المحدود مع التشريع الإسلامي في لحظتين اثنتين صدرت خلالهما مجلتان قانونيتان الأولى قبل الاستقلال هي مجلة الالتزامات والعقود والثانية بعد الاستقلال هي مجلة الأحوال الشخصية .
مجلة الالتزامات والعقود
تعتبر هذه المجلة من أطول المجلات عمرا في تونس وأكثرها إتقانا من حيث محتوى القواعد القانونية المضمنة بها لهذا نالت المجلة شهرة بين رجال القانون في تونس وخارجها واختارت دولة الاستقلال الإبقاء عليها رغم أنها صدرت في العهد الملكي تحت إشراف السلط الإدارية الاستعمارية في 1906 وقد تمت إعادة صياغتها لتهذيبها بمناسبة مرور مائة عام على صدورها وذلك بمقتضى القانون عدد 87 لسنة 2005 المؤرخ في 15/08/2005. وأصل فكرة المجلة رغبة المقيم العام بتونس «ميلي « في توحيد فقه القضاء المدني من خلال توحيد القاعدة القانونية المنطبقة. لذلك أذن بتكوين مجلس خاص يعنى بتدوين القانون التونسي سنة 1896 كان من بين أعضائه قضاة فرنسيون ومقرر هو المحامي الإيطالي دافيد صانتيلانا. وقد أنهت لجنة القانون المدني أعمالها بإصدار مشروع نهائي سنة 1899 فاجأ المختصين بعدم تحيّزه للمجلة المدنية الفرنسية الصادرة سنة 1804 (مجلة نابليون) وسعيه للتوفيق بين أحكام المجلات المدنية الأوروبية من جهة والفقه الإسلامي والعادات والأعراف التونسية من جهة أخرى. لذلك عند عرض المشروع على لجنة توجيه النظر الشرعي المكونة من مشايخ زيتونيين من بينهم سالم بوحاجب، محمد بيرم، أحمد الشريف أجازته.
وخلافا لما يعتقده البعض من أن الكتاب المتعلق بالنظرية العامة مأخوذ من القوانين الغربية والكتاب الثاني المتعلق بالعقود مأخوذ من الفقه الاسلامي فإن المجلة بجزأيها مستمدة جزئيا من الفقه الاسلامي. بل يوجد تطابق كبير بين القواعد المنصوص عليها بالمجلة والقواعد الفقهية بعد إخراجها من مظانها المختلفة في المذاهب الكبرى كما ذكر نص المشروع التمهيدي صراحة بعض القواعد التي تكرس أحاديث شريفة وعديد المراجع الفقهية المالكية والحنفية. والمثال الأبرز هو جملة قواعد القانون العمومية التي تعد خلاصة بعض المبادئ الكلية للفقه الإسلامي في ميدان المعاملات ولفهم وشائج القربى بين مجلة الالتزامات والعقود والتشريع الاسلامي لا غنى للباحث عن الكلمة التمهيدية لمقرر اللجنة الأستاذ صانتيلانا المحامي فلقد أكد المذكور أنه قد «تم الأخذ من القانون المدني الإسلامي أهم مبدأين فيه وهما مبدأ المساواة الذي يؤدي إلى توحيد القاعدة إزاء الكافة ومبدأ حسن النية الذي يؤدي إلى توسيع مجال الإرادة بعيدا عن التشبث بالشكليات.. كل ذلك مع التأكيد على العرف والعادة التي يعتبرها فقهاء الإسلام اتفاقا ضمنيا من شأنه أن ينشيء القانون وينقحه لأن ما استحسنه المسلمون كان عند الله حسنا.. كما أشاد بما كان للفكرة الدينية من أثر عظيم في إكساء الفقه بطابع أخلاقي يتجاوز بالقاعدة مجرد المصلحة الخاصة إلى ماهو أوسع.
لكن هذا المدح للفقه الإسلامي لم يمنع صانتيلانا من لمس مكمن الداء الرئيسي الذي قعد بالفقه الاسلامي عن تبوء المكانة السامية وهو الميل للفوضى والعجز عن التنظيم وهو نفس السبب في ضعف الشرق في جميع الميادين.
* رئيس سابق لجمعية المحامين الشبان
قف.. كفى استنزافا للكادحين باسم القروض الصغرى بعد الثورة
بقلم: آمال اليملاحي*
منظومة القروض الصغرى ليست بدعة تونسية كما صورها النظام البائد وقدّمها سنة 1999 ، بل هي فكرة الاقتصادي البنغالي محمد يونس سنة1978 من خلال إقراض نساء معوزات بدون فائدة في البداية ثم تم إضافة الفائدة مما مكنه من تأسيس « كريمن بنك» لتنتشر الفكرة في بلدان العالم الثالث في أكثر من 140 دولة منها تونس التي أخضعتها لإطار خاص غير قانوني منضو تحت قانون عام للجمعيات لا قانوني أيضا وأكثر ضبابية أنجب «مؤسسات» هجينة ما كانت لا مالية و لا جمعياتية زعمت أنها تحارب الفقر، و تحقق التنمية البشرية، مستفيدة من تمويل محلي و آخر مقدم من طرف المؤسسات الرأسمالية العالمية و قسط آخر من هذه الميزانيات مولتها القاعدة الواسعة من الفقراء و الكادحين التونسيين لتعيد إقراض الأموال لأصحابها،فأين تم توظيف هذه القروض؟ وما هي وضعية مستخدمي «مؤسساتها»؟ وما البديل عن القروض الصغرى؟ في ظل استفادة آخرين بطرق مباشرة أو غير مباشرة بهذه القروض قُدم البعض منها للمستهدفين من أشخاص يعيشون الفقر المدقع غير قادرين على إحداث أنشطة إنتاجية أو تطوير مشاريعهم البسيطة على فترة زمنية قصيرة الأمد مُنحت بعد انسحاب الدولة من القطاعات الاجتماعية ، و تركز الرأسمال الأجنبي وانفتاح اقتصادي شامل في عصر العولمة فهل يمكن أن نتحدث عن إمكانية نجاح مشاريع أناس غارقين في هموم المعيشة ومتاعب الفقر بمبالغ قرضية بسيطة ؟ لهذا وقع الكادح في منظومة الاقتراض عديد المرات وفي أكثر من «مؤسسة»، ليجد نفسه مكبلا بأصفاد القروض غارقا بالديون التي وظفها المسكين انطلاقا من واقع فرضه غلاء المعيشة في تكاليف الدخول المدرسي أو مصاريف مرض أو أضحية العيد أو...لإتمام ما لم تستطع الأجرة المنهارة إن وُجدت إتمامه.
استغلال مفرط ، عقود مبهمة وغير قانونية للمستخدمين
إضافة لكون «مؤسسات» القروض الصغرى المقدرة بقرابة 300 جزء من السياسة التفقيرية المنضوية تحت لواء منظومة الفساد إبان حكم المخلوع فإنها كانت أيضا جزء من سياسة تهميش واستغلال آلاف العمال والإطارات ممن عملوا بها منذ نشأتها عبر عقود تشغيل مبهمة وغير قانونية تتضمن خاصة هضما لحقوق العاملين وتعتمد على المزاجية مع أجور ضعيفة و غير منتظمة كذلك خضعت الانتدابات للعشوائية ووجهت بالمحسوبية ، وعوض أن تكون جزء من حل لمشكلة تفشي ظاهرة البطالة عقدت أكثر وضعيتها وخلفت مزيدا من ضحاياها.
لا لمثل هذه القروض مادام البديل ممكنا
سياسة القروض الصغرى التي اعتمدها النظام الرأسمالي كرست سياسات التفقير غير المعلنة في صيغة سياسة معلنة عنوانها محاربة الفقر، لهذا ما كانت حلا سحريا ضده حتى لو تم تجاوز كل الخروقات والتجاوزات الإدارية والمالية التي التصقت بها خلال حكم المخلوع لأن الفقر المدقع موجود طالما وُجدت مسبباته ، وبالتالي فإن من مهام أحرار ثورة الكرامة والحرية من جمعيات و نقابات و تنظيمات سياسية تقدمية خاصة في ظل تشبث وزارة المالية للحكومة المؤقتة بها من خلال تنظيم ندوة مؤخرا حولها عوض صون المال العام وحماية مخزون الشعب في ظل التسيب والانفلات الأمني من ملفات «مشاريع» في حاجة مؤكدة وعاجلة للمحاسبة بشفافية النضال من أجل الاهتمام بأوضاع الفئات المحرومة من خلال توفير مجانية الخدمات الاجتماعية و رفع أجور ذوي الدخل المحدود لإصلاح مقدرة شرائية اندثرت مع فضح الأكاذيب التي تحوم حول القروض الصغرى بإظهار حقيقتها للفقراء و تعبئتهم على مقاطعتها والانخراط في النضال من اجل العيش الكريم.
* أستاذة وباحثة
هل من ثورة على النشرات الإخبارية؟
بقلم: منير بوبكر
ما هو الجديد في أخبار التلفزة الوطنية1؟ وما هذه الروتينية في الأخبار المقدّمة من قبل قناة تلفزية خاصة؟ إذ يمكن لأي مشاهد أن يتكهن مسبّقا بمحتوى النشرة الاخبارية لهذه القنوات بمختلف فقراتها، حيث المحتوى نفسه مع تغيير في توزيع الأولوية في الفقرات، فعلى سبيل المثال: فقرة النشاط الرئاسي أصبحت فقرة إخبارية في المرتبة الثالثة، والخبر الهام والأكيد هي فقرة القبض على العصابات الإجرامية ومواكبة الإعتصامات والإحتجاجات المتتالية، يليها مناظر مزرية ومخيفة لبعض مناطق الحرمان والمسماة بمناطق الظل، ومن المؤسف، أن مقدمي النشرة الإخبارية يقدمون الخبر بإبتسامة وكأن الخبر الذي يتلونه مسعد للمشاهد، فأخبار الإحتجاجات والإعتصامات والإضرابات وغيرها هي أخبار محزنة ولابد أن نعطيها رؤية ومشهدا يتماشى ومضمونها.
أما الأخبار العالمية، فحدث ولا حرج، فبادئ ذي بدء، ينتقل المقدم من الأخبار المحلية الى الأخبار العالمية وكأنها مواصلة للحدث السابق وكأنه مقرون بما سلفه، فعلى المشاهد الكريم للقناة التلفزية الوطنية 1 أن يكون مركّزا حتى لا يقع في لبس وخليط الأخبار وأن يجتهد حق الإجتهاد للتفريق ما بين الأخبار الوطنية والأخبار العالمية المتلاصقة وذات نفس المشهد. أما أخبار القناة التلفزية الخاصة، فيتحقنا شيخ المعرفة «الصحفي والباحث سي....» بدرايته بكل الأمور وتحاليله لأي موضوع وأي مشكل فهو «عريف» في السياسة، الإقتصاد، علم الاجتماع وحتى مشاكل رياض الأطفال!!!! حيث ككل مرة، يبسط الموضوع بتحليل لا يفهمه إلا هو، ويبدي برأي يعجز الحاضرون معه في الاستديو أو المشاهد عن فهمه وما يقصده، فعوضا عن التحليل يزوّدنا بخصال بعد نظره وتعقيد الموضوع بالإجابة عن السؤال بسؤال، فكل مرة يتدخل، آليا كل مشاهد يسأل سؤالا واحدا؟ شنوّة قاعد يقول...؟؟؟؟ فلابد أن تجد هذه القناة الخاصة محللا يحلل ما حلله صاحب المعرفة الفريد من نوعه. فهل بهذه الطريقة، وبهذه التحاليل الفارغة نتقدم الى الأفضل ونجلب أكثر عدد ممكن من المشاهدين؟؟ وننافس القنوات الفضائية الأجنبية؟؟
فأي إجتهاد هذا؟ وأي أسلوب جديد في تقديم النشرات الإخبارية؟؟ كل شيء تغيّر وقد يتغيّر لكن بحسن التدقيق وتصليح الأخطاء ورفع مستوى هيكلة المحتوى وتصنيفه حسب أولوياته وأهميته والابتعاد عن الروتينية سواء في التقديم أو في المحتوى من حيث صيغة التحرير حتى تصل الى المشاهد الكريم بكل أريحية ومرونة ورجاء ثم رجاء يكفينا من تكرار يومي لنفس الجملة الإخبارية المفجعة والمروعة «جاءنا من مصدر مأذون من وزارة الداخلية أنه........؟» . والمؤسف أيضا، أن نفس النشرة الإخبارية المقدمة على القناة الوطنية 1، يقع إعادة بثها على القناة الوطنية 2، مع تغيير في زمان بثها. فهل ليس بالإمكان بعث نشرة إخبارية خاصة بهذه القناة وإعطاء فرصة للصحافيين الجدد حتى يقدموا نظرة ورؤية أخرى في التقديم وأسلوب جديد للأخبار.
هذا الأسلوب في تقديم الأخبار سواء كانت محلية أو عالمية أو حتى رياضية، يجعل مشاهد القنوات «الوطنية والخاصة»، يهجرها بدون رجوع بما أن البديل موجود في القنوات الفضائية الإخبارية الأجنبية التي يجد فيها صيغة جديدة ومتجددة ومتنوعة تشده خاصة بتقديمها للأخبار العاجلة والفورية. علاوة على تحاليل متنوعة ومن وجوه مختلفة ذات كفاءة عالية حسب الإختصاص سواء من الخبراء السياسيين أو العسكريين أو الاجتماعيين وغيرهم مما يجعل فحوى النشرات مجديا ومتماشيا مع تطورات الأحداث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.