رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    بالفيديو: رئيس الجمهورية يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها    قيس سعيد يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها (صور + فيديو)    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    كيف سيكون طقس الجمعة 2 ماي؟    طقس الجمعة: خلايا رعدية مصحوبة أمطار بهذه المناطق    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    الرابطة الأولى (الجولة 28): صافرتان أجنبيتان لمواجهتي باردو وقابس    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار الطرشان وصمت الأموات بين السلطة والمعارضة


(آل عمران 103)
سبع جمعيات تونسية تطالب برفع الحجر على السفر: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان - المجلس الوطني للحريات بتونس - المرصد الوطني لحرية الصحافة و النشر و الإبداع - الودادية التونسية لقدماء المقاومين - الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب - جمعية حرية و إنصاف طالبت هذه الجمعيات التونسية برفع أي حجر على سفر الصحفية سهام بن سدرين بعد منعها من مغادرة البلاد وتعنيفها صبيحة يوم 19 أوت 2008 في مطار تونس قرطاج الدولي.
ولقد قامت السلطات الأمنية بمطار تونس قرطاج بمنع المناضلة الحقوقية سهام بن سدرين، الناطقة الرسمية باسم المجلس الوطني للحريات، من السفر باتجاه النمسا بتعلة عدم الامتثال للتفتيش البدني خاصة وأنّ التفتيش الروتيني الذي تولاه عون بالزي الرسمي لم يؤدّ إلى أي شبهة وأنّ مجموعة من الأشخاص بالزي المدني طلبوا منها اصطحابهم إلى أحد المكاتب رفضوا الإدلاء بصفتهم، مع العلم أنّه سبق تعرضت السيدة سهام بن سدرين إلى إعتداء مماثل داخل مكاتب الديوانة بميناء حلق الوادي في بداية مارس من نفس السنة.
وقد تم تفويت موعد إقلاع الطائرة على السيدة سهام بن سدرين ودفعها بالقوة وإسقاطها أرضا والاعتداء عليها لفظيا ورمي جواز سفرها و جهاز الكمبيوتر المحمول على الأرض وتهديدها بكونها لن تغادر البلاد التونسية مستقبلا إلاّ إذا خضعت إلى التفتيش البدني.
والجمعيات الموقعة على هذا البيان تذكّر بأنّ هذه الحادثة تأتي في سياق هجمة على المجتمع المدني وتواتر للمحاكمات المفتعلة.و تدين الاعتداء الذي تعرضت له السيدة سهام بن سدرين وتطالب برفع أي تحجير على سفرها. كما تطالب السلطات التونسية باحترام المواثيق الدولية المتعلقة بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
تعديل هنا و تصلّب هناك :
في هذه الأجواء، يجِب أن يتساءل المرء عن موقف السلطة ومدى استعدادها لتسهيل عودة المئات من المغتربين إلى تونس أو إطلاق سراح المعتقلين منذ أزيد من 17 عاما وقبول فكرة العودة والمصالحة.
فالمعترضون على فِكرة المصالحة من داخل النهضة ومن خارجها - بمن في ذلك من ينشطون في صفوف بعض أحزاب المعارضة – يعتبرون أن فِكرة 'المصالحة' غير واردة في السياق السياسي الرّاهن، ويركِّزون انتقاداتهم على السلطة ويستعرضون عشرات الأمثلة للتّدليل على تصلّب النظام واعتماده أسلوب العصا الغليظة ضدّ الجميع، وبالخصوص ضدّ الإسلاميين.
يتّفق الجميع، بمَن في ذلك مَن يدافعون على المصالحة، حول القول بأن السلطة لا تزال تُبدي الوجه المتصلّب، الذي يبدو رافضا لتغيير أسلوبها في التعامل مع مُجمل معارضيها، لكن ذلك يجب أن لا يُخفي القول بأن هذه السلطة عدلت في سياستها تُجاه الإسلاميين، مقارنة بما كان يحدُث في التسعينات من القرن الماضي، إذ لم يبق من معتقلي حركة النهضة سوى 25 و هو عدد غيرقليل، كما أن العشرات من المغتربين عادوا إلى تونس وسُوِّيت أوضاعهم بشكل لافِت للنظر، رغم الأحكام الثقيلة التي كانوا يجرُّونها وراءهم، كما أنه سمح للكثيرين باستئناف حياتهم العائلية والمِهنية بشكل شِبه عادي.
يُضاف إلى ذلك أن مَن يُلقي نظرة موضوعية على المجتمع التونسي حاليا، يرى بكل وضوح اختلاف المشهد الدّيني بدرجة واسعة جدا عمّا كان عليه الأمر قبل سنة 2000. في مقابل ذلك، لا تزال المُضايقات مسلّطة على العديد من كوادِر الحركة ممّن أطلِق سراحهم، مثل السيدين علي العريض وعبد الكريم الهاروني، اللذان يواجهان حِصارا شديدا في الأيام الأخيرة، كما أن المساجين لا يزالون يُواجهون ظروفا صعبة، ممّا دفع بالبعض منهم إلى شنّ إضرابات عن الطعام للمطالبة بإطلاق سراحهم.
وفي سياق متصل، هناك من تسلّم جوازات سفر أبنائه من السفارة التونسية في العاصمة السويسرية ليكتشف بأن الموافقة عليها تمّت منذ أكثر من عشرة أشهر، في حين أن الموظفين بالقنصلية كانوا يسوّفون الأسرة طيلة الفترة الماضية؟
وهناك من دافع باستِماتة عن مبدإ المصالحة وتحدّث عن إيجابيات كثيرة، لكنه اصطدم بنوع من الشروط التي بدت له تعجيزية، مثل الإعلامي مرسل الكسيبي، المقيم كلاجئ سياسي في ألمانيا منذ فترة طويلة.
كما أن الأجهزة الأمنية والسياسية تعلَم بأن الدكتور عبد المجيد النجّار، الذي يحظى بقيمة معنوية عالية في الأوساط القريبة من حركة النهضة، ينتظر الضوء الأخضر ليحصُل على جواز سفر ويعود إلى تونس دون مشاكل، وقد تقدم في هذا السياق بطلب إلى سفارة تونس بباريس ولم يتحصل على أي ردّ.
عشرات سجناء الرأي يواصلون إضرابهم الجماعي عن الطعام: أن عشرات سجناء الرأي المحكومين بمقتضى ما يسمى"قانون مكافحة الإرهاب" والمودعين في أسوء الظروف في غياهب السجون التونسية يواصلون إضرابهم الجماعي عن الطعام الذي كانوا شرعوا فيه منذ 15 أوت الجاري يطالبون بقضاء مستقل في بلدهم تونس حيث حرموا مثل غيرهم من السجناء من ظروف محاكمة عادلة احتجاجا على ظروفهم السجنية الصعبة وعن المعاملة السيئة التي تتنافى مع الشروط الدنيا لحقوق السجين وتتعارض مع مقتضيات الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي وقعت عليها تونس .
وإننا لا يسعنا الا التعبير عن انشغالها للوضع الصحي لهؤلاء السجناء المضربين عن الطعام وندعو إلى التحقيق في هذا الامر والتثبت مع الكف عن الإساءة في معاملتهم داخل السجن وإلى احترام حرماتهم الجسدية والنفسية. ونعلن عن تضامننا الكامل مع هؤلاء السجناء في مطالبهم الشرعية ونناشد الضمائر الحرة في المجتمع الوطني والدولي إلى مساندة هؤلاء الضحايا من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة ونطالب السلطة التوقف عن تحويل القضاء عن وضيفته وهوإنصاف الناس.
الحركة مستعدة للانخراط في أي حل جاد...: في لقاء على قناة الجزيرة مباشرة تمكن الأستاذ وليد البناني نائب رئيس حركة النهضة المهجّرة من الإجابة عن حزمة من الأسئلة كما تمكن من رفع الالتباس الحاصل في عدة قضايا وجدد مواقف النهضة تجاه عدة مسائل مطروحة على الساحتين الوطنية خاصة والعربية عامة.
ففي سياق رده عن اتهام الحركة بالتصلب والتسبب في الانسداد السياسي الحاصل في البلاد أكد وليد البناني أن الحركة لم تكن منذ نشأتها عامل توتر ولا أداة لإثارة القلاقل إنما حرصت على دورها الإيجابي بل وجدت أصلا لتساعد مع بقية القوى الحية و المسئولة في دفع عجلة البناء والاستقرار واتخذت منذ البداية الهوية والحريات هدفا استراتيجيا واعتبرتهما ضمن قضايا أخرى من أولى أولوياتها. كما اعتبرأن الحركة لم تأتي من فراغ وليست وليدة لحظة إنما هي امتداد لمشروع إصلاحي كبير هذا المشروع الذي انطلقت قاطرته مع خير الدين والثعالبي وغيرهم من أخيار هذه البلاد.
و العبرة لمن يعتبر:
في تعليق على تصريح الاستاذ البناني كتب بإمضاء "سجين رأي سابق" .. "كل متابع للسجالات التلفزية المتعلقة بجماعة النهضة يلاحظ تكرارا عقيما لمستوى خطاب قياداتها بصفة عامة اذا استثنينا بعضها.فلا يزال خطابهم الصدامي الثوري العدمي طاغيا على جل مداخلاتهم حتى انك تخال نفسك بساحة كلية الحقوق بالمركب الجامعي.
فالكل يصب جام غضبه على النظام و أزلامه محملينه مسؤولية العشرية السوداء و ما آلت إليه حال جمهور النهضة من تعذيب و تشويه و تنكيل و تجويع و تشريد" .
"آش لز العاقل لهذا" : يواصل المعلّق فيقول :"فلو لا خطة التصعيد المشؤومة التي اقرتها أغلبية القيادة رغم معارضة البعض منهم، الذين سيذكرهم التاريخ يوما، ولولا الخطاب العنيف الذي ميز توجيهات القيادة التاريخية للحركة المسجل على شريط مسموع عرضته التلفزة التونسية خلال المؤتمر الصحفي بوزارة الداخلية.
و لولا انسياق بعض ابناء الحركة و راء مراهقين عبثيين حاولوا تكوين تنظيم سري داخل تنظيم الحركة نفسه دون علم القيادة المركزية كل هذه العوامل جعلت القيادة السياسية للبلاد تنتهج سبلا راديكلية لحماية البلاد من انخرام الأمن و ما يمكن ان يؤديه ذلك الى عواقب و خيمة على اقتصاد البلاد و السلم الاجتماعي نجح الجهاز الأمني في القضاء على الحركة في بضعة اشهر قام خلالها بحملة اعتقلات بالجملة شملت شيوخا و كهولا و طلبة و تلامذة، فيهم من هو عضو و فيهم من ينتمي و الكثير منهم مجرد متعاطفين"
استتب الأمن وبعد... :
يواصل الكاتب فيقول سجين الرأي سابقا: "كان من الممكن ان تبدأ القيادة السياسية للبلاد بعملية تصفية و ذلك بتسريح المتعاطفين و احتفاظ بالمتهمين بالعنف الى مرحلة اخرى فكلهم ابناء تونس و مصلحتهم هي من مصلحة البلاد لكن انتهج الجهاز الامني سياسة ليس لها مبرر و تعد البادرة الوحيدة على مستوى الوطن العربي و العالم وذلك بملاحقة المسرحين من السجن و التضييق عليهم في كسب عيشهم و من ثم التنكيل بعائلاتهم .
في المقابل لا تزال كوادر الدولة الذين يتعرضون للمسائلة من طرف صحفي الفضائيات تصر على ان مساجين النهضة هم مساجين حق عام و يتجنبون الحديث عن معانات عائلاتهم التي لا ذنب لها حوار الطرشان بين قيادة لم تقر باخطاءها منذ البداية و تطلب العفو من رئاسة الجمهورية فقد كان ممكنا ان تجنب جمهورها محن السجون وبين جهاز امنى ظل يتباها بحربه ضد الارهاب".
وقد اثبتت الايام ذلك : كان رئيس الدولة قد لخص هذه الوضعية العقيمة و ذلك في كلمة قالها خلال اجتماع عقده اثر اضراب الجوع الذي قام به توفيق بن بريك الكلمة كانت بالعامية التونسية و ستضل عبرة لمن يعتبر قال : " مشكلتنا في صحة الرأس".
إذن ان ملف النهضة لن يطوى بمجرد اطلاق من بقي من المساجين او عودة المهجرين، فالعديد أبناء الحركة الذين صرّحوا جهرا و علانية بنبذهم للعنف من حيث كان مأتاه ومن المتعاطفين من ابناء الشعب التونسي الذين لم يرتكبوا اعمال عنف ينتظرون المحاسبة والتعويض.
كيف تفسير وجهتا النظر المتباينة : كيف يمكِن تفسير هذه السياسة التي تبدو مزدوجة؟ يؤكِّد السيد برهان بسيس من جهته، أنه لا يعتقد بأن مسألة العودة 'تشكِّل مِحورا للنقاش يمَس جوهر المسألة السياسية في تونس'، وأنه 'لا يختلف اثنان في أن مِن حقّ التونسيين المقيمين خارج البلاد لأسباب شتى من العودة إلى بلادهم متى شاءوا'، والمشكلة من وجهة نظره تكمُن في أن 'من يمسكون بالجهاز التنظيمي في الخارج لحركة النهضة، غير المُعترف بها، يعملون على تحويل هذه القضية إلى مِلف سياسي وجزء من مقايضة، ولو على حساب مصالح الأشخاص وحقوقهم الطبيعية'، وأضاف بسيس لسويس إنفو بأنه 'قد تمّ في أعلى مستوى التّأكيد على أن باب العودة سيبقى مفتوحا أمام كل التونسيين بمُختلف انتماءاتهم'.
ويذكّر الإعلامي القريب من الدوائر الرسمية بأنه 'قد تمّت تسوية عديد الملفات وتمكّن أصحابها من العودة، بعيدا عن منطق المقايضة أو الابتزاز، خلافا لما تدّعيه الأطراف المزايدة، والتي تحرِص على تحويل القضية من بُعدها الإنساني كحق لا نقاش فيه، إلى قضية سياسية تذوب في خضمِّها شعارات المزايدة، التي أكّدت فشلها محطة تِلو الأخرى'، على حد قوله.
هناك من يعتقِد بأنه، توجد داخل الأجهزة الأمنية والسياسية وجهتا نظر حول معالجة هذا الموضوع، جهة تدفع إلى تفكيك ألغامِه تدريجيا ويكون البدء بفصل الإنساني عن السياسي، في حين، يعتقد أصحاب وجهة النظر الثانية بأن استمرار تشديد القبضة هو الطريق الأنجع لجعل الجِسم العام للإسلاميين مجمَّدا وعاجزا.
ويبدو أن الطّرف الأول قد حقّق بعض الخطوات وأن ما يجري من تعسّف، فإنه مسلَّط بدرجة أساسية على كل من ينوي إعادة إحياء التنظيم ويدافع عن الجسم السياسي لحركة النهضة المحظورة وعن حقِّها في الوجود والنشاط.
لكن المؤكّد، أن تفكيرا جديدا بدأ يطرأ على مواقف الكثيرين من كوادِر هذه الحركة ورُموزها الفكرية أو السياسية، ويكفي التوقف في الختام عند رأي عبد المجيد النجار، الذي عبّر عنه في نصّ نشره قبل أشهر قليلة، دون أن يلقى الصّدى الذي توقعه صاحبه، بل ربما مثَّل هذا النص نقطة تحوُّل في رأي الكثيرين، وذلك عندما تساءل 'هل تكون الفرصة اليوم مُواتية لأن نجاهد جميعا من أجل الوئام (كأنه يشير إلى صيغة الوئام المدني الذي أقدم عليه الرئيس بوتفليقة في الجزائر)، ونتحمّل المشاقّ من أجل الحوار في مسيرته الطويلة التي يتحقّق فيها شيئا فشيئا رفع الظُّلم والتّهميش والإقصاء واللّون الواحد والفكر الواحد'؟.
وكان جوابه 'يقيني أنّ الفرصة مواتية لكلّ ذلك، وعلى الأطراف أن تتحمّل المسؤولية في هذا المسار، كلٌّ على قَدْر ما بِيده من أوراق تكون بها البداية'، وأضاف 'أما استصحاب مسلك الماضي الذي كان في عمومه قائما على المغالبة المتبادلة، فما أحسب أنه سينتهي إلى نتيجة، سوى البوار وذهاب الريح وضياع الأوقات سدى، وفوات المصلحة الوطنية في جميع المجالات'..
أن المعارضة التونسية بمختلف أطيافها لا تنقصها الاخبار ، وهناك جهد كبير ومقدر في مجال التعاون في مجال تبادل المعلومات عبر المواقع على شبكة الانترنت ،والعناوين الالكترونية ،رغم كل المحاولات السافلة لضرب تلك المواقع الجماعية والفردية في داخل تونس وخارجها .
لم تكف السنوات الطوال التي قضاها الاخ عبدالكريم الهاروني وراء القضبان ، فإذا به يلاحق في كل مكان وحولوا منزله والشارع الذي يسكنه إلى زنزانة من نوع آخر. ومن المفارقة أن كل هذه الممارسات تزامنت مع اليوم العالمي لمناهضة التعذيب ،الذي وافق يوم 26 جوان 2008 وهي ذكرى تهل على العالم ،والعشرات من المساجين السياسيين من قادة وأعضاء حركة النهضة و في مقدمتهم الدكتورالصادق شورو قد مر عليهم أكثر من 18 سنة وهم معتقلين في ظروف غير انسانية إلى جانب العشرات من مناضلي النهضة هناك الميئآت والبعض يقدرهم بالآلاف من شباب الصحوة الاسلامية الثانية في السجون .
ويخشى سقوط المزيد من الضحايا الذين قضوا داخل السجون أوبعيد الخروج منها وهم يحملون مختلف الأمراض وهم محرومين من العلاج لقلة ذات اليد، كل هذا نتيجة التعذيب والظروف غير الصحية داخل المعتقلات التي لا تختلف كثيرا عن معتقلات الاستعمار الفرنسي والكل يرقب الحالة الصحية المتدهورة لرضا البوكادي واخوانه المساجين في تونس .
ولا يزال سجين القلم و حرية التعبيرالسابق سليم بوخذير محروم من حقّه في التعبير فليس هناك ما يجعل النظام في اضطراب متواصل و على أعصابه متسنّج طوال الوقت أكثر من الكلمة الحرة . وقد يكون النظام أكثر قراء لما تكتبه المعارضة وهو سبب هلعه وخوفه حتى وإن كانوا أفردا يعدون على الأصابع ، ليس له من تفسير سوى ضيق الصدرو عدم قبوله للرأي المخالف وفقدان الثقة بالنفس رغم كل ما لديه من قوة.
وتكشف عنها تصرفات النظام المتشنجة حيال المعارضة عموما والعناصر الاسلامية بصفة اخصّ فالاخوة عبد الله الزواري وحمادي الجبالي وعلي العريض والدكتور منصف بن سالم والحبيب اللوز وغيرهم كثير عينة على سبيل الدكر لا الحصر.
فليس هناك من تفسير للابقاء على 25 من المساجين السياسيين المتبقين حتى الآن داخل السجون سوى الوهم الذي يسكنه ،اذ ان هذا النظام يسيطر عليه الهوس والوهم ،ويعيش الأوهام فكان واهما في حديثه عن العولمة وهو مجرد سوق للبضائع ،وبوق للأفكار ،وأداة في السياسة ،ورقم في لعبة الارقام الدولية ، وهذا هو موقعه من العولمة . وكان واهما عندما اعتقد أن السجون والمنافي والقتل البطئ وازعاج المناضلين وترويعهم وتهديد أمنهم وحريتهم سيجعله في مأمن من الانتقاد.
فكل الناس تعلم حقيقة ما يجري في تونس ، حتى إن انتشار أخبار تونس وأوهام النظام الحاكم في الدول العربية وأوربا انتشرت انتشارا فضيعا في انحاء العالم اذ ان بقاء عؤلاء في السجن لم يعد ينفع النظام باي شكل من الاشكال. كتاب وصحافيون وأكاديميون يتحدثون عما يجري في تونس وكأنهم من المتخصصين في القضايا التي تحدثوا عنها ، سواء ما يتعرض له الاسلام من تدمير وأوضاع حقوق الانسان في تونس ، أوالمجاعة التي تضرب مناطق التماس مع الجزائر أو الاوضاع الاقتصادية المتدهورة في الجنوب أوحفر الطرقات في الوسط والجنوب ،فضلا عن الروشوة والمحسوبية وجشع وطمع بعض شخوص الجمارك وعناصر شرطة المرور وغيرها حتى أصبحت هذه العناصر شراذم من قطاع الطرق .
والحقيقة أن هذه الحالة ليست وليدة اليوم ، بل هي سياسة متبعة منذ عهد بورقيبة ، حيث يتمتع البوليس بسلطة فوق العادة ، لترهيب الشعب وإذلاله . إذ أن عنصر ( الامن ) في ظل نظام تسكنه الاوهام والخيالات رمز للخوف والرعب والغلظة والجلفة وقلة الذوق ،وليس رمزا للقانون وحماية المواطن وقدوة للالتزام . وهذا ما جعل عنصر البوليس لا يتورع عن التحرش بالمواطن وابتزازه بل ضربه أمام الناس وداخل مخافر الشرطة ، وكأنه ليس مواطنا حرا كريما له قدسيته التي تفرض احترام آدميته .
جميع التونسيين يعلمون ذلك ، حتى من يحاولون الانكار يدركون أن هذا هو واقع تونس والتونسيين . لأن شعبنا لا يملك قراره ولا سيادته ولا حريته المصادرة .وتلك الممارسات ليست تجاوزات - كما يحلو لهم القول - وإنما هي استرتيجية ، والحالات التي تم فيها عرض الجناة على القضاء هي التي طالت بعض أصحاب اليد الطولى المجهولين أو أقربائهم والمقربين منهم .
النقد والتقويم :
ان حركة النهضة تَحمّلت أمانة إحياء المشروع الإسلامي ، وهذه قضية عامة وليست خاصة ولا حزبية ، وتحويلها إلى قضية حزبية أو خاصة بفئة ، هو انحراف خطير عن المشروع الإسلامي ، يتحول به من كونه غاية وجود الحركة ، الى وسيلة لخدمة هذه الحركة. وهذا ما انزلقت إليه حركة النهضة ، الأمر الذي أصبح يقتضي التوبة والتصحيح كما بينه المناضل محمد شمّام في الحلقة الثامنة من حلقات "حتى لا يشوش على واجبي الشرعي" .
إنه لم يعد لنا مناص بعد كل التطورات والمنزلقات الحاصلة إلا الرجوع إلى هذا الأصل (العمل في العلن ومع الجمهور المسلم التونسي).
ورغم أن هذا هو في أصله بديهي ، ومن طبيعة الدعوة ورسالة الله إلى عباده ، فإن ما اعتراه من تلبيس خطير جعل الاعتراض على ما كتبته على الملأ شديدا من العديد من إخواننا، الأمر الذي أصبح يفرض بيان هذه البديهية وتأصيلها من خلال قرآننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم .
وقد كتب الاخ محمد شمام فقال: "اتصل بي أخ حبيب معترضا ، ليس على الكتابة على الملإ، ولكن على تقديري ما عليه حركة النهضة الآن من تدين ومدى تضييعها لسمتها وطبيعتها .
"لقد كان حوارا مفيدا رغم أنه لم يغير من قناعتي في خصوص تقديري هذا ، إلا أنه أقنعني بضرورة توضيح بعض النقاط - وليس هنا مجاله - ، وأكتفي هنا بلفت الانتباه إلى أن التقويم الذي قدمتُه ولازلتُ لا يتعلق بالأفراد ولكن بحركة النهضة ككيان جماعي يُعرف من خلال خططه وبرامجه وسياساته ومواقفه وأعماله وبياناته وتصريحاته.."
قدرالله وتدبيره وحكمته هو من وراء الأسباب والأحداث والأشخاص والحركات «حقيقة الإيمان لا يتم تمامها في قلب حتى يتعرض لمجاهدة الناس في أمر هذا الإيمان. لأنه يجاهد نفسه أولاً في أثناء مجاهدته للناس؛ وتتفتح له في الإيمان آفاق لم تكن لتتفتح له أبداً، وهو قاعد آمن سالم؛ وتتبين له حقائق في الناس، وفي الحياة، لم تكن لتتبين له أبداً بغير هذه الوسيلة؛ ويبلغ هو بنفسه وبمشاعره وتصوراته. وبعاداته وطباعه، وبانفعالاته واستجاباته، ما لم يكن ليبلغه أبداً، بدون هذه التجربة الشاقة المريرة.
حقيقة الإيمان لا يتم تمامها في جماعة، حتى تتعرض للتجربة والامتحان والابتلاء، وحتى يتعرف كل فرد فيها على حقيقة طاقته، وعلى حقيقة غايته؛ ثم تتعرف هي على حقيقة اللبنات التي تتألف منها. مدى احتمال كل لبنة، ثم مدى تماسك هذه اللبنات في ساعة الصدام.
وهذا ما أراد الله سبحانه أن يعلمه للجماعة المسلمة، وهو يربيها بالأحداث في أُحد وبالتعقيب على هذه الأحداث في هذه السورة. وهو يقول لها، بعد بيان السبب الظاهر في ما أصابها: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا) [آل عمران: 166، 167].. وهو يقول: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران: 179].
ثم... وهو يردهم الى قدر الله وحكمته من وراء الأسباب والوقائع جميعاً؛ فيردهم الى حقيقة الإيمان الكبرى التي لا يتم إلا باستقرارها في النفس المؤمنة: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 140، 141]..
وإذن فهو في النهاية قدر الله وتدبيره وحكمته، من وراء الأسباب والأحداث والأشخاص والحركات... وهو التصور الإسلامي الشامل الكامل، يستقر في النفس من وراء الأحداث، والتعقيب المنير على الأحداث».
«إن الشدة بعد الرخاء، والرخاء بعد الشدة، هما اللذان يكشفان عن معادن النفوس، وطبائع القلوب، ودرجة الغبش فيها والصفاء، ودرجة الهلع فيها والصبر، ودرجة الثقة فيها بالله أو القنوط، ودرجة الاستسلام فيها لقدر الله أو البرح به والجموح!
عندئذ يتميز الصف ويتكشف عن: مؤمنين ومنافقين، ويظهر هؤلاء وهؤلاء على حقيقتهم، وتتكشف في دنيا الناس دخائل نفوسهم. ويزول عن الصف ذلك الدخل وتلك الخلخلة التي تنشأ من قلة التناسق بين أعضائه وأفراده، وهم مختلطون مبهمون!
والله سبحانه يعلم المؤمنين والمنافقين. والله سبحانه يعلم ما تنطوي عليه الصدور. ولكن الأحداث ومداولة الأيام بين الناس تكشف المخبوء، وتجعله واقعاً في حياة الناس، وتحول الإيمان الى عمل ظاهر، وتحول النفاق كذلك الى تصرف ظاهر، ومن ثم يتعلق به الحساب والجزاء. فالله سبحانه لا يحاسب الناس على ما يعلمه من أمرهم ولكن يحاسبهم على وقوعه منهم.
ومداولة الأيام، وتعاقب الشدة والرخاء، محك لا يخطئ، وميزان لا يظلم. والرخاء في هذا كالشدة. وكم من نفوس تصبر للشدة وتتماسك، ولكنها تتراخى بالرخاء وتنحل. والنفس المؤمنة هي التي تصبر للضراء ولا تستخفها السراء، وتتجه الى الله في الحالين، وتوقن أن ما أصابها من الخير والشر فبإذن الله.
وقد كان الله يربي هذه الجماعة وهي في مطالع خطواتها لقيادة البشرية فرباها بهذا الابتلاء بالشدة بعد الابتلاء بالرخاء، والابتلاء بالهزيمة المريرة بعد الابتلاء بالنصر العجيب».
الابتلاء يخلص القُلُوبِ من شوائبها: «فليس كالمحنة محك يكشف ما في الصدور، ويصهر ما في القلوب، فينفي عنها الزيف والرياء، ويكشفها على حقيقتها بلا طلاء... فهو الابتلاء والاختبار لما في الصدور، ليظهر على حقيقته، وهو التطهير والتصفية للقلوب، فلا يبقى فيها دخل ولا زيف. وهو التصحيح والتجلية للتصور؛ فلا يبقى فيه غبش ولا خلل: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران: 154].
وذات الصدور هي الأسرار الخفية الملازمة للصدور، المختبئة فيها، المصاحبة لها، التي لا تبارحها ولا تتكشف في النور! والله عليم بذات الصدور هذه. ولكنه سبحانه يريد أن يكشفها للناس، ويكشفها لأصحابها أنفسهم، فقد لا يعلمونها من أنفسهم، حتى تنفضها الأحداث وتكشفها لهم!
ولقد علم الله الذين هزموا وفروا يوم التقى الجمعان في الغزوة. إنهم ضعفوا وتولوا بسبب معصية ارتكبوها؛ فظلت نفوسهم مزعزعة بسببها، فدخل عليهم الشيطان من ذلك المنفذ، واستزلهم فزلوا وسقطوا: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [أل عمران: 154].
وقد تكون الإشارة في هذه الآية خاصة بالرماة الذين جال في نفوسهم الطمع في الغنيمة كما جال فيها أن رسول الله سيحرمهم أنصبتهم. فكان هذا هو الذي كسبوه، وهو الذي استزلهم الشيطان به.. ولكنها في عمومها تصوير لحالة النفس البشرية حين ترتكب الخطيئة، فتفقد ثقتها في قوتها، ويضعف بالله ارتباطها، ويختل توازنها وتماسكها، وتصبح عرضة للوسواس والهواجس، بسبب تخلخل صلتها بالله وثقتها من رضاه! وعندئذ يجد الشيطان طريقه الى هذه النفس، فيقودها الى الزلة بعد الزلة، وهي بعيدة عن الحمى الآمن، والركن الركين..».
العفو عن المخطئين رغم حجم الأخطاء: قال تعالى في سورة آل عمران: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)} (آل عمران)
عفا الله عما وقع من ضعف ومن نزاع ومن عصيان ; وعفا الله كذلك ما وقع منكم من فرار وانقلاب وارتداد . . ان العفو هو فضل منه ومنة من الله , وتجاوزا منه عن ضعفهم البشري الذي لم تصاحبه نية سيئة ولا إصرار على الخطيئة . . عفا عنهم لأنهم أخطئوا وضعفوا في دائرة الإيمان بالله , والاستسلام له , وتسليم قيادتهم لمشيئته جل و علا.
ومن فضل الله علينا جميعا أن يعفو عنا , ما دامنا سائرين على نهجه , مقرين بعبوديته له ; لا ندعوا من خصائص الألوهية شيئا لأنفسهنا , ولا نتلقى من منهج ولا شريعة ولا قيم و خلق , ولا موازين إلا منه . . فإذا وقعت منا الخطيئة وقعت عن ضعف وعجز أو عن طيش شباب . . فنأمل لأن يتلقانا بعفو الله بعد الابتلاء والتمحيص والخلاص . .
التثبيت للحقوق رغم الأخطاء: لقد قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ (159)} (آل عمران)
فالتوجيه القرآني لم يتوقف عند حدود العفو بل تجاوزه – كما في آخر هذه الآية - إلى التثبيت الواضح للحقوق الحركية والسياسية رغم كل الأخطاء الخطيرة. وهذا أمر مهم لأنه يخالف المنظور الغربي السائد.
إن السياق يتجه هنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي نفسه شيء من القوم ; تحمسوا للخروج , ثم اضطربت صفوفهم , فرجع ثلث الجيش قبل المعركة ; وخالفوا - بعد ذلك - عن أمره , وضعفوا أمام إغراء الغنيمة , ووهنوا أمام إشاعة مقتله , وانقلبوا على أعقابهم مهزومين , وأفردوه في النفر القليل , وتركوه يثخن بالجراح وهو صامد يدعوهم في أخراهم , وهم لا يلوون على أحد .
رغم هذا كله يدعو المولى سبحانه نبيه أن يعفو عنهم , ويستغفر الله لهم . . وأن يشاورهم في الأمر كما كان يشاورهم ; غير متأثر بنتائج الموقف لإبطال هذا المبدأ الأساسي في الحياة الإسلامية . إن الناس في حاجة إلى كنف رحيم , وإلى رعاية فائقة , وإلى بشاشة سمحة , وإلى ود يسعهم , وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم . . في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء ; ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه ; ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء . .
لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة ! فقد كان من جرائها ظاهريا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم ! اختلفت الآراء . فرأت مجموعة أن يبقى المسلمون في المدينة محتمين بها , حتى إذا هاجمهم العدو قاتلوه على أفواه الأزقة . وتحمست مجموعة أخرى فرأت الخروج للقاء المشركين . وكان من جراء هذا الاختلاف ذلك الخلل في وحدة الصف . إذ عاد عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش , والعدو على الأبواب - وهو حدث ضخم وخلل مخيف -. كذلك بدا أن الخطة التي نفذت لم تكن - في ظاهرها - أسلم الخطط من الناحية العسكرية . إذ أنها كانت مخالفة "للسوابق" في الدفاع عن المدينة - كما قال عبد الله ابن أبي - وقد اتبع المسلمون عكسها في غزوة الأحزاب التالية , فبقوا فعلا في المدينة , وأقاموا الخندق , ولم يخرجوا للقاء العدو .
كان الإسلام ينشىء أمة ويربيها , ويعدها للقيادة الراشدة . فلم يكن بد أن يحقق لهذه الأمة رشدها , ويرفع عنها الوصاية في حركات حياتها العملية الواقعية , كي تدرب عليها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبإشرافه ، مهما تكن النتائج , ومهما تكن الخسائر , ومهما يكن انقسام الصف , ومهما تكن التضحيات المريرة , ومهما تكن الأخطار المحيطة .
التوكل على الله : قال تعالى: {فإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)} (آل عمران)
إن مهمة الشورى هي تقليب أوجه الرأي , واختيار اتجاه من الاتجاهات المعروضة , فإذا انتهى الأمر إلى هذا الحد , انتهى دور الشورى وجاء دور التنفيذ . . التنفيذ في عزم وحسم , وفي توكل على الله , يصل الأمر بقدر الله , ويدعه لمشيئته تصوغ العواقب كما تشاء .
وكما ألقى النبي صلى الله عليه وسلم درسه النبوي الرباني , وهو يعلم الأمة الشورى , ويعلمها إبداء الرأي , واحتمال تبعته بتنفيذه , في أخطر الشؤون وأكبرها . . كذلك ألقى عليها درسه الثاني فيما بعد الشورى , وفي التوكل على الله , وإسلام النفس لقدره - على علم بمجراه واتجاهه - فأمضى الأمر في الخروج ,ودخل بيته فلبس درعه ولأمته - وهو يعلم إلى أين هو ماض , وما الذي ينتظره وينتظر الصحابة معه من آلام وتضحيات . . وحتى حين أتيحت فرصة أخرى بتردد المتحمسين , وخوفهم من أن يكونوا استكرهوه صلى الله عليه وسلم على ما لا يريد , وتركهم الأمر له ليخرج أو يبقى . . حتى حين أتيحت هذه الفرصة لم ينتهزها ليرجع . لأنه أراد أن يعلمهم الدرس كله . درس الشورى . ثم العزم والمضي . مع التوكل على الله والاستسلام لقدره . وأن يعلمهم أن للشورى وقتها , ولا مجال بعدها للتردد والتأرجح ومعاودة تقليب الرأي من جديد . إنما هو رأي وشورى .
انّ التوكل على الله , ورد الأمر إليه , هو خط التوازن في التصور الإسلامي وفي الحياة الإسلامية . وهو التعامل مع الحقيقة الكبيرة:حقيقة أن مرد الأمر كله لله , وأن الله فعال لما يريد . . لقد كان هذا درسا من دروس "أحد" الكبار . هو رصيد الأمة المسلمة في أجيالها كلها , وليس رصيد جيل بعينه في زمن من الأزمان . .
ولتقرير حقيقة التوكل على الله , وإقامتها على أصولها الثابتة , يمضي السياق فيقرر أن القوة الفاعلة في النصر والخذلان هي قوة الله , فعندها يلتمس النصر , ومنها تتقى الهزيمة , وإليها يكون التوجه , وعليها يكون التوكل , بعد اتخاذ العدة , ونفض الأيدي من العواقب , وتعليقها بقدر الله.
حقيقة التوكل على الله وحده : قال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه . فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175)} (آل عمران)
إنهم أولئك الذين دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الخروج معه كرة أخرى غداة المعركة المريرة . وهم مثخنون بالجراح . وهم ناجون بشق الأنفس من الموت أمس في المعركة . وهم لم ينسوا بعد هول الدعكة , ومرارة الهزيمة , وشدة الكرب . وقد فقدوا من أعزائهم من فقدوا , فقل عددهم , فوق ما هم مثخنون بالجراح ! ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاهم، ودعاهم وحدهم . ولم يأذن لأحد تخلف عن الغزوة أن يخرج معهم فاستجابوا . لقد دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم وحدهم .
ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شاء أن يشعر المسلمين , وأن يشعر الدنيا كلها من ورائهم , بقيام هذه الحقيقة الجديدة التي وجدت في هذه الأرض . . حقيقة أن هناك عقيدة هي كل شيء في نفوس أصحابها . ليس لهم من أرب في الدنيا غيرها , وليس لهم من غاية في حياتهم سواها . عقيدة يعيشون لها وحدها , فلا يبقى لهم في أنفسهم شيء بعدها , ولا يستبقون هم لأنفسهم بقية في أنفسهم لا يبذلونها لها , ولا يقدمونها فداها . .
لقد كان هذا أمرا جديدا في هذه الأرض في ذلك الحين . ولم يكن بد أن تشعر الأرض كلها - بعد أن يشعر المؤمنين - بقيام هذا الأمر الجديد , وبوجود هذه الحقيقة الكبيرة . ولم يكن أقوى في التعبير عن ميلاد هذه الحقيقة من خروج هؤلاء الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح . ومن خروجهم بهذه الصورة الناصعة الرائعة الهائلة: صورة التوكل على الله وحده وعدم المبالاة بمقالة الناس وتخويفهم لهم من جمع قريش لهم .
ثم تكون العاقبة كما هو المنتظر من وعد الله للمتوكلين عليه , المكتفي به , المتجردين له: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله). فأصابوا النجاة - لم يمسسهم سوء - ونالوا رضوان الله . وعادوا بالنجاة والرضى .
أين المصيبة و أين الهزيمة ؟
سؤال محيّر حقّا. إن ما تعيشه حركة النهضة في الواقع التونسي بعيد كل البعد عن هذه الحقيقة. وبقدر استمرار هذا البعد بقدر ما ستستمرمعاناة وتآكل التونسيين حتى يرجعوا إلى ربهم. دعوة التونسيين إلى التوبة والرجوع إلى ربهم بالرجوع الى قوانين و قواعد الشورى التي لا تسمح لأى كان ان يستأثر بالحركة و مؤسساتها يوجهها حيث يشاء لتحقيق طموح شخصي او ثأر كامن في قلبه قبل أن يفاجئهم الموت فيرحلوا كما رحل من كانوا معنا.
إن حاجة الحرية إلى أن تؤسَّس على الحق وإلى أن يكون الحق إطارها وهدفها. إلا أن مثل هذا العمل، ومثل هذا النضال وجهود التونسيين تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى أن تؤسَّس على الحق ، وأن توضع في إطار هذا الحق، وأن يكون الهدف منها الحق و ليس حسب نظرية"أنا خيرا منه" و " ما أوريك الا ما أرى".
ليس خافيا ما كان يعيشه بنو إسرائيل تحت سلطان فرعون، ولذلك كانت رسالة موسى عليه السلام رسالة تحريرية ، إلا أنها كانت رسالة تحرير جعلت الحق أساسها وإطارها وهدفها . كذلك أُمِر موسى ، وكذلك أدى رسالته والتزمها طول حياته. قال تعالى : {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى (26) } (سورة النازعات).
لقد أفرد هذا المقطع القرآني الدعوة إلى الحق بالذكر ، وما كان موقف فرعون منه ، وما كان مآله. وقال تعالى : { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) } (سورة طه) .
وأما هذا المقطع القرآني فقد ذكر الحق أولا ، ثم ثنى بمطلب التحرير. يمثل ويحقق الحق والدعوة إليه الحرية الأشمل والأعمق من الدنيا وطواغيتها: ولا يمثل الحق والدعوة إليه فقط الأساس والإطار والهدف – حسب مطلب الدين والشرع – للحرية ، بل يمثل ويحقق أيضا الحرية الأشمل والأعمق من الدنيا وشهواتها، ومن البشر وضغوطاتهم، ومن الأوضاع وإكراهاتها. إن مثل هذه الحرية هي – من المنظور الإسلامي – أساس ومرتكز وإطار وهدف الحرية كما هي مطروحة في العمل السياسي . ومن دونها تغدو الحرية شكلية فاقدة للروح والحياة، منزوعة القوة والفاعلية، غير مأمونة أن تنزلق انزلاقات الحريات الغربية.
أما الإصلاح والتصحيح فهو اصبح ضرورة والمدخل لهما هو النقد الذاتي والتقويم مع المحاسبة ثمّ التوبة والتصحيح. إذ أن الواقع التونسي الآن يطرح الحرية والتحرر من غير أساس وإطار وهدف الحق، ومجرد عن أساس وإطار وهدف ذلك التحرر الأشمل والأعمق . وهذا نقص خطير كانت له مضاعفاته على الواقع التونسي حتى طال حركة النهضة الحاملة للمشروع الإسلامي ، وهذا هو الأخطر. وبهذا لم يعد الوضع قابلا للاستمرار، وغدا الإصلاح والتصحيح ضرورة.
والمدخل لمثل ذلك هو النقد والتقويم والتوبة والتصحيح. صحيح أن " الوضع الآن – كما ذكر بعض الأخوة - لا يسمح بتقييم المرحلة إلا بما يدفع نحو استشراف المستقبل وتجاوز السلبيات و الاستنهاض بالهمم لترتقي نحو الانعتاق و التحرر" ، ولكن لا بد من الجرأة في طرح القدر الضروري من ذلك ، وذلك ما نحن بصدده و قد بادر الاخ الكريم محمد شمام و ان كان متأخرا أي بعد ثمانية عشرة سنة ، وهو ما دعا أن تقوم به حركة النهضة فيما يتعلق بها، وما دعا إليه التونسيين جميعا .
ليس المقام هنا هو مقام بيان للحقيقة ولكن المقام مقام التغيير والإصلاح والتجديد: وليس المقام هنا هو مقام بيان للحقيقة ومقام المحاسبة كما يعبر عليها الأخ حمزة " أستاذ محمد من أولى بالتوبة والبكاء على شناعة ما اقترف الذين ذبحوا و عذبوا...... و من أولى بالتوبة ... الذين تولوا عن تحمل المسؤولية بعد القرارات ...."، ولكن المقام مقام التغيير والإصلاح والتجديد الذي ينبغي أن نبدأ فيه بأنفسنا وذواتنا ، لأن ذلك هو منطلق التغيير الحقيقي كما بينه المولى سبحانه وتعالى وكما هو معروف في علم الاجتماع ، قال تعالى :" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .
وبعد هذا كله ، يكفي استحضار بعض المشاهد التي سيعيشها ويشهدها جميع التونسيين وجميع الناس قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} (سورة الحج).
وقوله تعالى في سورة الحاقة: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29)} (سورة الحاقة)
و صدق الله العظيم اذ قال في سورة آل عمران: "ولتكن منكم أمّة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران 104) و قال تعالى "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل:97). و الله هو الهادي إلى سواء السبيل لا رب غيره و لا معبود سواه. و للحديث بقية إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.