ناجي حجلاوي إليك هناك حيث الهدوء، حيث يكبر فيك الحلاّج ويشتدّ العود من المسيح لتعلم وحدك أنّ الثّورة تأتي بالحرّيّة وأنّ الحريّة تأتي بالدّيمقراطيّة، أمّا إذا تكلّمت فلا ثورة ولا حرّيّة ولا ديمقراطيّة. ألم يكن جُرمك الأكبر أنّك عبّرت عن رأي وأنّك أدليْت في المخفر بشهادة. أمّا وأنّ الإعفاء من 'لكن' لم يفت في عضده، فإنّ الثّورات قد تبدع ما لم يكن في الحسبان، فمن كان يتوقّع أنّ الثّورة تأتي بالأحذية الصّينيّة بوصفه المنتوج الثّوري الأكثر مناسبة للمرحلة الحائز على المواصفات العالميّة للنّموّ الطّبيعي. ومن كان يدري أنّ معجزة الكلام الّتي أيّدت عيسى في المهد تجرّ السّجن على الكبار. فمن تكلّم فقد ظلم وما درى المتكلّم أنّ الحرّيّة إذا تجاوزت حدّها انقلبت إلى ضدّها. وحينئذ وجب التّرحّم على أبي حيّان التّوحيدي الّذي أدرك معنى الحرّيّة كأحسن ما يكون الإدراك وفهم عصره كأحسن ما يكون الفهم حين بشّر بفلسفة الصّمت بقوله:"مُتْ بداء الصّمت خير لك من داء الكلام". وكم كان وفيّا لفلسفته ومنسجما مع أفكاره، إذْ غرس، في أرض الإمكان، دوحة الكبريت، الّتي استعار منها محمّد بوعزيزي علبة ليترسّم خُطى التّوحيدي ويُلحق نفسه بكُتبه، ولا مفخرة في البقاء، وإن ثار الثّائرون فحتّى الغبار يُثار ويثور وتثور ثائرته. لقد احترق البوعزيزي كما احترقت كتب التّوحيدي وأفكاره، فاكتملت الصّورة، فما جدوى البقاء خارج الإطار؟ فعلى الرّاغبين في الثّورة تسجيل أسمائهم في الصّفّ الأوّل من السّجن العسكري بغوانتنامو' لأنّ ذلك من أوكد الواجبات الوطنيّة علما بأنّ هذا الأمر مقيّد بقانون وبآجال لا تتجاوز عمر الثّقافة السّائدة والايديولوجيا الرّسميّة. وخير الأمور ما قلّ إلى حدّ الانعدام وما دلّ عن الأحوال الجوّيّة في سماء الدّيمقراطيّة ذات الماركة المسجّلّة العالميّة الّذي ساهم الكتاب الأخضر في إرسائه. أمّا وجه الشّبه فلم يبتّ فيه الدّارسون إلى حدّ متأخّر من هذا اللّيل هل لهذه التّسمية والاتّصاف بالاخضرار علاقة بين تونس والكتاب. وعموما فاللّون الأخضر محرّم على كلّ من يسمّي نفسه بهذا الاسم، وإلاّ دخل السّجن تحت تأثيره. وعليه فمن كانت قصيدته خضراء، فليس له من شجرة التّوحيدي علبة كبريت ليشعلها على مرأى ومسمع من النّاس قبل فوات الأوان، فزمن الاقتراع على الأبواب. ولابدّ من مراعاة فارق التّوقيت، فأحذية الصّين آتية من بلد بعيد.