خلدون الخويلدي (1) بينما كان المهجرون في غمرة الإستعدادات و التحضيرللمؤتمر الأول للعودة، كتب الشيخ الدكتورسلمان العودة، مقالا عن الإسلام و الحركات، إمتدح فيه مناخ الحريات، و أشاد فيه بما شاهد من الإنجازات. فتوسع أكثر الجدل الدائر و تشكل في دوائر.و في كل الجلسات و الندوات و على كل المستويات، لا حديث إلاعن الأبيض و الأسود من المربعات. (2) بعد أخذ و رد، قرر صاحبي أن يضع حدا للإغتراب و أن يعود بعياله الى الوطن الوكر و يلتحق بالأقارب و الأحبة بعد قضاء ما يناهزالعقدين خارج البلاد. خلالها ترعرع الأطفال في بيئة مختلفة و درسوا في نظام تعليمي مختلف، و تقدم سن البنات و بلغن سن الرشد أو كدن. لم يكن الوضع الصحي لبعض أفراد العائلة على أحسن حال خاصة في طقس شديد الحر تارة أو البرد تارة أخرى. كانت كلهاعوامل محددة رجحت كفة هذا القرار المفاجىء. كان الخبر مفاجئا للأصدقاء كما لجهة العمل. إذ اشتهر بدماثة الأخلاق، يغرقك بطيبته من أول لقاء، و تزداد حبا له كلما تعاملت معه أو إمتدت العشرة بينكما. مشهود له بالتفاني و الإخلاص في العمل و المهنية الرفيعة ، لذلك تبوأ المناصب القيادية، قد لا يحلم بها في بلده، و في بيئة ذات منافسة عالية و عالمية. لملم ممتلكاته و أحصى ما كان له و ما عليه من ديون. لم تف المدخرات المالية البسيطة بكل الحاجات التي رأى أنها تلزمه للإستقرار في موطنه في القادم من الأيام إذ أبتلع أغلبها سعرُ السيارة التى إشتراها للغرض. جمع كل أغراضه و حزم أمتعته بعد أن سفَر عياله جوا و كل مقتنياته القديمة و الجديدة بحرا. (3) لم يبق إلا يومان على المغادرة النهائية يقضيهما في إنهاء آخر المعاملات الإدارية مع كل الجهات، فانتقل الى السكن في فندق وفرته المؤسسة التي يعمل بها، حسب القوانين و اللوائح السارية لديها، حين رن جرس هاتفه الجوال. نطق صوت أنثوي بصوت متكسر و لكنة مغرية. حمل بشرى سارة لم تخطر على باله أبدا. "هنا المجمع التجاري الشهير، مبروك... ألف مبروك، لقد فزت بسيارة في السحب معنا اليوم، الرجاء الإتصال بنا في أقرب وقت لإنهاء المعاملة و استلام جائزتك". تبسم و التفت يزف الي كأقرب أصدقائه الخبر السعيد و هو لا يكاد يصدق. علقت مهنئا، بعد أن احتضنته: لقد نظر الله اليك بعين الرضا و القبول، فتكرم عليك من فضله. رأى أن كل شىء لديك على ما يرام. حصيلة فترة الإقامة كانت إيجابية للغاية إن شاء الله. لقد أبتعدت عن أصحاب السوء و الشر، وهاجرت بدينك إلى أرض الخير، سعدت فيها بالقرب من أحد أعلم فقهاء العصر. جالست الكثير من الفقهاء و التقيت بالعديد من العلماء. أديت الفرائض في أمن و أمان، وزدت عليها السنن، واجتهدت في تربية نشء صالح بعيدا عن المحيط الملوث و العفن..... لم ينقص هذه الحصيلة الإيجابية إلا أن يغدق عليك بهذا الفائض المالي لعله يسد ما نقص من حوائج الدنيا. استبشر الرجل و تهللت أسارير وجهه و أطلق ما كان يخفي من مشاعر الفرح و الحبور. تفاءل خيرا و تراجع مستوى التردد لديه الى أدنى حد. انتشر الخبر، فقويت شوكة المشجعين و المهللين أمام من حاول ثنيه من المشككين المتشائمين و المحللين العارفين، و أصبح يفكر بجديه، في مشروع يقيمه بعد هذه العودة النهائية. (4) مرت لحظات النشوة و السعادة بسرعة بين ركعتي الشكر لله و إجراءات إستلام السيارة. قبل أن تعود ثانية متاعب الدنيا و همومها لتعشش برأس صاحبي. كان أولها البحث عن كيفية بيع السيارة في هذا الوقت الوجيز. و ثانيها جشع السماسرة المتربصين. و رغم محاولات الإنتهازيين إستغلال الموقف الى أقصى حد، تجاوز صاحبي ما كان قد استجد. وجد الحل لكل العراقيل، ولما جاء وقت الرحيل، دعونا الله أن ينير له السبيل. في الطائرة، و قبل أن يهبط بأرض مطار قرطاج، خير بين وجبة اللحم أو الدجاج. أما بعد ذلك، فإن حقوقه تتساوى و حقوق النعاج. رغم أنه اندس مع طابورالأجانب و بين الأزواج، سرعان ما تعرض الى ما عكر المزاج، فتمنى لو يعود الأدراج. لكن هيهات، لقد ترك خلفه حرية التظاهر و ولى زمن الإحتجاج. استجوب طويلا حتى جف الريق، سئل عما يفعل كل صديق، ثم تعرض لكل أنواع الضغط و أصناف التضييق حتى القي جثة هامدة بلا حراك كالغريق. إذ لا شيء هنا مقبول غير التزكية و التهليل و التصفيق!..ساوموه، راودوه، إما أن تكون حمارا لا يرفع عقيرته إلا للنهيق، و إما فالملف جاهز محكم التلفيق، و المآل.... الى سجن سحيق. نلا عن صحيفة الموقف التونسية