انتهت الخطوة الأولى من الانتخابات البرلمانية بمؤشرات مبدئية لشكل الخريطة السياسية للمشهد المصري القادم تحت قبة أول برلمان أختاره المصريون بإرادة حرة ونزيهة في أفضل تجربة ديمقراطية في حياتهم حتى الآن ، الخريطة تشير لتقدم واضح للتيار الإسلامي متمثلاً في حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان وحزب النور السلفي ، وبعيداً عن اللغط المتعمد والتفزيع المقصود بقدوم هذا التيار فالواقع يؤكد عكس ذلك بالأرقام والإحصاءات والصندوق الذي نطق بعد عقود من الخرس بقوله نعم للتيار الإسلامي وبتفويض شعبي تجاوز 60% ، وبعيداً أيضاً عن سبب هذا الصعود المتوقع يُطرح ما هو أهم : هل التيار الإسلامي يستحق هذه الثقة وهذا التفويض الشعبي المشرف ؟! هل سيحقق طموحات شعب مصر الصابر الصامد؟!هل ستترجم شعاراته البراقة إلى واقع عملي ملموس؟ وهل سيتسع صدره لقبول شلالات النقد والغضب المتوقعة نظراً لطبيعة المرحلة واحتياجات الناس أم يضيق ذرعاً بها؟! تفويض مشروط " نعم ولكن " نعم المؤشرات الأولية في صالح التيار الإسلامي ومن المتوقع استمرار هذا التفويض في باقي الجولة الثانية والجولة الثالثة، وبالتالي نحن أمام استمرار لشكل الخريطة القادمة والتي لم تكتمل بعد ، نعم النتائج تؤشر بتفويض أولى للتيار الإسلامي لكنهم مقبلون على اختبار ربما يكون الأصعب في تاريخهم على الإطلاق حين ينتقلون من مقاعد المعارضة والتضييق الأمني والحصار الميداني – أعذار قبلها الشعب وتعاطف معها – إلى مقاعد المسئولية واتخاذ القرار والتنفيذ ، نعم هناك قدر مقبول من الثقة الشعبية لكن هذه الثقة بحاجة ملحة لجرعات إضافية ومتتالية من التعزيز والحماية والحراسة ، بمزيد من تحقيق المطالب والاحتياجات التي نال التفويض من أجلها ، الشعب لا ينتظر المزيد من الشعارات لكنه بحاجة لمزيد من الخدمات في مجال الأمن و لقمة العيش والصحة والتعليم والإسكان والمواصلات والبطالة والفقر ، سلسلة طويلة ومطالب عادلة ومشروعة وقبل هذا وبعده أن يبقى الفكر والتطبيق للفهم الإسلامي في منطقة الوسطية والاعتدال ، السلمية والتدرج التي ميزت تدين المصريين دون سواهم من شعوب الأرض ، فضلاً عن استحقاقات المصريين الأقباط في كل الحقوق الدستورية والإنسانية انطلاقاً من قيم المواطنة الكاملة وليس انطلاقاً من أي مربع آخر يحمل بعداً عقدياً أو نخبوياً أو سياسياً أو عسكرياً. الاختبار الصعب يرى البعض أن مؤشرات الثقة والتفويض قد تعود لاعتبارات عدة ، لكن المرحلة القادمة تختلف اختلافاً جذرياً ، تنتقل فيها الجماعة من الخدمات البسيطة والمتوسطة للمشروعات العمالقة ، من تشكيل الكيانات والجمعيات والنقابات والاتحادات لبناء مؤسسات الدولة وسلطاتها ، من التعامل الفردي أو الجمعي المحدود للتعاطي العام مع ملايين المصريين ، من الحركة والانتشار التطوعي داخل الجماعة والدوائر المحبة والمحيطة إلى الواجبات المفروضة من المحلي والمحدود إلى العلاقات الإقليمية والدولية ، نحن بصدد مرحلة جديدة شعارها "الإعزاز على قدر الإنجاز" بعيداً أي اعتبارات أخرى تحديات وتهديدات هناك حزمة من التحديات والتهديدات يعانيها التيار الإسلامي في الفترة القادمة ومنها : ** مناخ عدم الاستقرار السياسي الذي تمر به البلاد، وغلبة مناخ الارتباك والاشتباك بين مكونات الخريطة السياسية غير المتجانسة في الشارع المصري ** الحالة الثورية التي لم تهدأ بعد ويتوقع لها عدم الهدوء بقصد ودون قصد ما قد يترتب عليه تهوين المنجزات وتهويل العثرات ** أشواق المصريين وطموحاتهم التي ستمثل عبئًا ثقيلاً على كل مكونات المشهد السياسي خاصة الحكومة القادمة ** أجواء الاشتباك ومحاولة حضور المجلس العسكري في المشهد السياسي بصور مختلفة ما قد يزيد من حدة الاحتقان أو على الأقل يقلل فرص الهدوء الاجتماعي والسياسي ** الضغط الخارجي القائم والمتوقع من الضغط السياسي كما هو الحال في الكونجرس الأمريكي من أقباط المهجر و التمويل المالي تحت لافتات ديمقراطية تهدد السيادة الوطنية والهوية المصرية خلاصة الطرح ..... نحن أمام مشهد جديد واختبارات متعددة الفرص فيه متاحة والتحديات فيه مفروضة ، مشهد الشعب فيه هو القاضي والحكم ، يُقيم ويُقدر ويصدر قراره التاريخي بكلماته السهلة والسلسة والمعبرة "الشعب يريد ...." محمد السروجي مدير مركز النهضة للتدريب والتنمية