حالة من الفرز والتصنيف أوجدتها ثورة 25 يناير العظيمة والرائعة لتضع كل في مكانه ومكانته ، على المستوى الفني والرياضي .. الفكري والسياسي سواء بسواء ، فقد عشنا فترة من الزمن يتهم فيها دعاة الليبرالية والديمقراطية التيار الإسلامي خاصة الإخوان بأنهم ينظرون للديمقراطية كمطية أو جسر للوصول إلى الحكم وبعدها تهدر المطية ويهدم الجسر فلا يصل بعدهم أحد ، وظلوا يروجون هذه الأوهام دون دليل أو برهان حتى ادعى بعضهم في إحدى الندوات التي شاركت فيها أن الإمام البنا قال في بعض كتبه" اركب السيارة ولو مع الشيطان لتصل إلى هدفك وبعد الوصول فجر السيارة واقتل الشيطان" فقلت له معقباً من الواضح أنك قرأت بروتوكولات حكماء صهيون وليس كتب الإمام البنا ، بعد ثورة 25 يناير ولاعتبارات وهواجس بل كوابيس عدة وقع دعاة الليبرالية والديمقراطية فيما وقع فيه النظام الساقط بفرق المولاة الداعمة من جنرالات الأمن وكهنة المعبد رجالات الإعلام ، حين تحول بعض أساتذة القانون والدستور إلى ترزية قوانين للنظام الفاسد لشرعنة الاستبداد وحماية الفساد بترسانة من القوانين المعيبة حتى وصل بهم الجُرم للعبث بالدستور المصري دون اعتبار إرادة الشعب ، على الطرف الآخر يقف دعاة الليبرالية اليوم في موقف مشابه لحد كبير بمحاولة القفز على إرادة الشعب وتجاوز أنجح ممارسة ديمقراطية في تاريخ المصريين على الإطلاق استفتاء مارس 2011 م حين خرجت الملايين في عرس ديمقراطي وقال 77,2% نعم وقال 22,8 لا ، وبغض النظر عن نعم أو لا المهم هو اعتبار إرادة الشعب ، وبعد أن تجاوزنا الاشتباك السياسي بين فريق نعم وفريق لا وصارت خارطة الطريق واضحة ومحددة وهي الانتقال إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية ثم الهيئة التأسيسية المنتخبة لوضع أهم دستور في حياة المصريين، وجدنا الفريق الليبرالي المصري ينقلب على الإعلان الدستوري وعلى إرادة الشعب ويمارس حالة من الالتفاف والافتئات بعقد المؤتمرات والشروع الفعلي في وضع دستور مقترح !! طبعاً من حق الجميع وضع ما يشاء من تصورات بل يقدم له الشكر على التفاعل والايجابية ، لكن الخطأ وربما الخطر أن يمارس البعض نوع من الإرهاب الفكري والابتزاز السياسي على المجلس العسكري وجموع المصريين الذين قالوا نعم، فما يتم الآن لا يمكن وصفه أو تصنيفه إلا أنه انقلاب على الشرعية والشعبية وإرادة المصريين وبسبق الإصرار والتربص ، وبالتالي من المتوقع ألا يقف غالبية المصريين مكتوفي الأيدي أمام هذه الوصاية السياسية المرفوضة شكلاً ومضموناً، ثم ننتقل لحالة من الاشتباك المتتالي ونحن في ظرف تاريخي حرج وشائك بل وخطر فهل نحن أمام أقلية ترى أنها الأقدر على الحكم والإدارة بل والفهم والإخلاص؟! "راجع تصريحات بعض النخبة ومنهم عبدالله السناوي القطب الناصري الكبير حين قال : أن الذين قالوا "لا" هم أخلص المصريين للثورة !!" هل نحن بحاجة أن نحرر المصطلحات لنحدد وبدقة ما هي الديمقراطية التي كلفتنا فاتورة باهظة من الشهداء والجرحى؟!أم أننا أم فريق يريد تفصيل ديمقراطية بالمقاس والمواصفات التي يريد هو دون غيره ؟! لماذا يخاف هؤلاء من الاختبار الديمقراطي القادم ؟! وما المشكلة ألا يحققوا ما يريدون هذه المرة ؟! هل من المطلوب تأجيل الاختبار بسبب التلاميذ الكسالى الذين أضاعوا كل الوقت ولم يبذلوا الجهد ؟! أتصور أنه لو تم ما يريدون .. من تأجيل الانتخابات البرلمانية ووضع دستور جديد اليوم وليس غداً وظل المجلس العسكري يحكم لسنوات لن نرى قيمة مضافة سوى تجديد طلب التأجيل للدور الثاني خوفاً من الرسوب في اختبار الدور الأول . محمد السروجي مدير المركز المصري للدراسات والتنمية