موفى أفريل: تسجيل فائض بالميزان التجاري الغذائي بقيمة 1.350 مليار دينار    وزير الرياضة يعلن عن قرار هام..#خبر_عاجل    قفصة: تسجيل رجة أرضية بالسند    مجلس عمداء المحامين يدعو رئيس الجمهورية إلى اتخاذ اجراءات    الترجي والإفريقي في نهائي بطولة تونس لكرة اليد    مندوبية التربية بقفصة تحصد 3 جوائز في الملتقى الوطني للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية    الإعلان عن تركيبة الإدارة الوطنية للتحكيم    عاجل : منحرف خطير يروع المارة في قبضة أمن الملاسين    في ذكرى النكبة: تونس تجدّد دعمها اللامشروط للشعب الفلسطيني    عاجل : أحارب المرض الخبيث...كلمات توجهها نجمة'' أراب أيدول'' لمحبيها    أغنية صابر الرباعي الجديدة تحصد الملايين    بمناسبة عيد الأمهات..البريد التونسي يصدر طابعا جديدا    يشكّل تهديدا للنمّو.. الصين تسجّل فائضا قياسيّا بملايين المساكن    الكشف عن شبكات إتّجار بالمواد المخدّرة تنشط بولايات تونس الكبرى    قابس : عدد أضاحي العيد غير كاف والحل في التوريد    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    بسبب لقطة غير لائقة من الجمهور في مباراة الترجي والنجم: التلفزة التونسية تفتح تحقيق..    مكثر: وفاة شاب واصابة 5 أشخاص في حادث مرور    رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو يتعرّض لإطلاق نار بعد اجتماع الحكومة    نابل: الفلاحون المنتجون للطماطم يطالبون بتدخل السلط وجبر الأضرار جراء تضرر الصابة    القصر: وقفة احتجاجية على خلفيّة حادث وفاة تلميذتين    وزير السياحة يؤكد لمستثمرين كويتيين الاستعداد لتقديم الإحاطة اللازمة لتطوير استثماراتهم في تونس    فاجعة: جريمة قتل شنيعة تهز هذه المنطقة..    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و2033    وزير الفلاحة يعرب عن إعجابه بصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    عاجل/ متابعة: هذه التهم الموجهة لبرهان بسيس والزغيدي والعقوبة التي تنتظرهما..!!    وفاة عسكريين في حادث سقوط طائرة عسكرية في موريتانيا..#خبر_عاجل    وزير الشؤون الدينية يؤكد الحرص على إنجاح موسم الحج    القلعة الخصبة: انطلاق فعاليات الدورة 25 لشهر التراث    الدورة ال3 لمهرجان جربة تونس للسينما العربية من 20 إلى 25 جوان 2024    ينتحل صفة موظف للداخلية و يجمع التبرعات لفائدة شهداء المؤسسة الأمنية ...ما القصة ؟    في هذه المنطقة: كلغ لحم ''العلّوش'' ب30 دينار    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    علاجات من الأمراض ...إليك ما يفعله حليب البقر    الترجي الرياضي: تواصل التحضيرات .. وكاردوزو يفرض "الويكلو"    الرابطة الأولى: تعيينات منافسات الجولة الخامسة إيابا من مرحلة تفادي النزول    من بينهم طفلان: قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 20 فلسطينيا من الضفة الغربية..#خبر_عاجل    وزارة المالية تكشف عن قائمة الحلويات الشعبية المستثناة من دفع اتاوة الدعم    صورة/ أثار ضجة كبيرة: "زوكربيرغ" يرتدي قميصًا كُتب عليه "يجب تدمير قرطاج"..    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    عاجل - مطار قرطاج : العثور على سلاح ناري لدى مسافر    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    أصحاب المخابز يُطالبون بصرف مستحقّاتهم لدى الدولة    في مسابقة طريفة بصفاقس.. صناع الخبز يتنافسون على نيل شرف أفضل صانع خبز !    الأهلي يصل اليوم الى تونس .. «ويكلو» في التدريبات.. حظر اعلامي وكولر يحفّز اللاعبين    في يومها العالمي.. الشروع في اعداد استراتيجية وطنية جديدة للنهوض بالأسرة    ارتفاع عدد قتلى جنود الإحتلال إلى 621    عاجل/ مع انتهاء آجال الاحتفاظ: هذا ما كشفه محامي مراد الزغيدي..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    الكاف: حريق اندلع بمعمل الطماطم ماالقصة ؟    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طبول الحرب تقرع ... و المؤامرة من "النظرية" إلى الميدان
نشر في الحوار نت يوم 16 - 02 - 2013

سبعة أيام فقط منذ مقتل المناضل السياسي شكري بلعيد , و لكن كمّ هائل من الأحداث و المشاعر و التغيّرات على السّاحة التونسية و تعدّت حدود الوطن. و يمكن للملاحظ للمشهد أو المشاهد , لكثرتها و تسارعها , أن يتخيّل بعض ما خفي منها و الروابط التي تصل بينها , مثل المشاهد لشريط سينمائي و الذي تتبيّن له الأمور بالتدرّج كلّما تكشّف الفلم أكثر
و اطّلع على أدوار الممثلين و خفاياها...
و في قضيّة الحال فإنّنا نشعر أن هناك شريطا طويلا تسارع تكشّف ملامحه و ممثليه هذه الأيام بينما هو يعرض علينا منذ فترة طويلة , و قد نجد حلقاته الأولى مصوّرة في تونس بالأسود و الأبيض في أواخر الستّينات ... و تعرض حلقاته الأخيرة على الملأ منذ 14 جانفي بينما كان لا يعرض إلاّ في الكواليس فيما قبله . و وقع الإختيار على شكري بلعيد للتضحية به لمّا أخذت "جهات" القرار بتحويل المسلسل إلى دراما و لعب آخر حلقاته و حسم الموقف بفعل خروج الفلم عماّ كان مرسوما له و تحوّل السيناريو عن السياق الذي كان مسموحا به.
و لنعد إلى تونس لنتمعّن في الحلقات الأخيرة و ما حملته من رسائل معلنة و أخرى مخفية منذ 14 جانفي , و ما قبل و بعد مقتل السيد شكري بلعيد . مع نظرة سريعة إلى المشهد ما قبل 14 حيث أن التاريخ تواصل , و لا يمكن فهم الحاضر إلاّ باستيعاب الماضي الذي أفضى إليه .
:قبل 14 جانفي ديكتاتورية الفرد استفادت منها أطراف عديدة و كانت ترتكز على أعمدة سبعة و هي

جهاز أمني ذو عقيدة فاسدة و منخور بالفساد المالي و الأخلاقي المتعمّد , بمصالحه المتعدّدة و التي تضطلع جميعهابمهمة الأمن السياسي (و إن لم تكن تلك المهمة الرئيسية لأغلبها), و تجنيد العملاء و عسكرة البلاد. و كلها تعمل على بثالخوف و الرعب في قلوب المواطنين حتى لا يفكروا أبدا في المعارضة السياسية أو حتى مجرد الاعتراض أو التعبير المخالف
التجمع الدستوري الديمقراطي و الذي هو كما يدل عليه اسمه تجمعا بعد أن كان الحزب الاشتراكي الدستوري. و وقع فيه هذا التغيير لتبييضه من تاريخه الثقيل و تجميع الذين يرغبون في الالتحاق به دون امتعاض من الماضي القريب "للحزب". ممّا فتحه لفئات من اليسار أصبحت فيما بعد هي المنظّرة الرئيسية داخله (كما في أجهزة الأمن السياسي) خاصة في الموضوع الرئيسي و هو كيفية التصدّي للمد الاسلامي آنذاك بتجفيف المنابع و تقليم الأظافر....

جهاز إعلامي (سمعي بصري و ورقي و إلكتروني عمومي و خاص) كلّه مجنّد لخدمة صورة المستبد و إبقاء التونسيين تحت مفعول التخدير المستمر , لم يكن يسمح له بالخروج قيد أنملة عن الطاعة. و لكن مطلوب منه ضرب الخصوم , و مسموح له بالمقابل بتمرير أفكار و سلوكيات العاملين فيه بقدر , سواء كانوا من دعاة التحلّل و "التحرّر" أو من أصحاب الإيديولوجيات اليسارية .
جهاز قضائي لا يعصي أوامر السلطان عند الحاجة , سيفا مسلّطا على رؤوس كل من تسوّل لهم أنفسهم بالشعور بالمواطنة و الغيرة على البلد بصفة أو بأخرى . و كان يسمح له مقابل ذلك بالفساد
المال الفاسد المرتبط في جزء منه بفساد العائلة الرئاسية آنذاك و الذي يسدد ما عليه في جميع المناسبات اعترافا بالجميل و دعما "للحامي" حفاظا على الامتيازات و الأعمال و تنمية لها
الدعم من الخارج الذي كان يعتبر المستبد حاجزا منيعا حاميا متقدّما لأمنه بضرب الإسلاميين و "الارهاب" بلا هوادة حتىأصبح مثالا يحتذى في هذا الميدان يقدّم للحكّام العرب ليستوحوا منه سياساتهم الأمنية
اتحاد شغل منضبط تعلم قياداته الحدود التي لا ينبغي تجاوزها ليس خوفا فقط و لكن طمعا كذلك و قد أغدق عليها الجلاّد من موارد الشعب و البلاد ما تستحي به العين بعد إطعام الفم

و تجدر الملاحظة هنا أنه بينما كان يمنع كل من يشتمّ عليه أي ميول إسلامي من الالتحاق بأي من الوظائف العمومية لأكثر
من 20 سنة بل و كان يطرد منها من كانوا فيها سابقا, كان ذوي الميولات اليسارية و حتى المتطرفة منها ينتدبون بدون تمييز . و هكذا تجدهم متموقعين بلا منافس في مختلف الميادين من الإعلام إلى الأمن مرورا بالثقافة و التعليم و القضاء...
و لمّا وقعت "الانتفاضة" التي أفضت إلي يوم 14 جانفي 2011 حيث قطع رأس النظام و غربت عن الوجود عائلته المقرّبة الفاسدة , وجدت تونس نفسها في وضعية جديدة يمكن أن نلخصها في بعض رؤوس الأقلام التالية

تلقف رجال من النظام السابق مقاليد الحكم حسب مقتضيات الدستور ممّا كان له إيجابية تجنّب الانهيار التام للدولة و استمرارية عمل الادارة و المرافق الحيوية . و لكن كانت له سلبية إيقاف مسار "الثورة" بالحفاظ كما هي تقريبا على مؤسسات النظام الاستبدادي الذي كانت بالأمس القريب جزءا منه بل ركائز أساسية له .

جهاز أمني فقد فجأة حاميه و قائده الأعلى و هيمنته على كافة جوانب الحياة العامة و هيبته لدى عامة الشعب و أصبح عرضة لكل الانتقادات و تحول من ظالم إلى مستضعف. و زاد إفراغه من العشرات من كوادره العليا في إضعافه و فقدانه البوصلة , علاوة على ارجاع أكثر من 3000 من الذين أطردوا منه بينهم مجرمون و قتلة و متاجرون في المخدّرات و مغتصبون ... و استغل البعض فيه (و ليسوا الأكثر نزاهة و وطنية) فرصة ضعف الدولة لتكوين النقابات و التطاول على القيادة و التقليل
من شأن الانضباط ثم الانخراط في لعبات سياسية و حتى التواصل مع الخارج كما صرح بذلك وزير الداخلية مؤخّرا

حل التجمع الدستوري الديمقراطي كان هو الاجراء "الثوري" الوحيد الذي شمل احدى الركائز الأساسية للاستبداد. و قد أفرز شبه المفعول الذي يلي "انفلاق" الكيسة العدارية في الجسم و التي تخلف انتشار المئات من الحويصلات في كافة أنحائه و يا خيبة المسعى

و في الأثناء ظلت باقي أعمدة النظام البائد كما هي تقريبا لم تمر عليها ريح "الثورة" , و ساهم ضعف و تردّد و عجز الحكومة المنتخبة الأولى بعد 14 جانفي في مساعدتها على التجرّؤ و إعادة رفع الرأس و التطاول و التمنّع عن محاولات التغيير الجذري أو الراديكالي بتعلاّت عديدة مثل حرية التعبير و الصحافة و استقلالية القضاء إلخ من كلمات الحق التي أريد بها باطل . فما معنى أن تصدر تلك المطالبات من مؤسّسات كانت قبل أيام سندا رئيسيا للإستبداد , قبل أن تعصف عليها رياح التطهير و المحاسبة و إقصاء تام للمكوّنات الأساسية فيها باعتبارها المحرك الرئيسي في عملها السابق إلى جانب الظالم؟ إلاّ و لسان حالها يقول "أنا أجرمت في حق الشعب و لكن أرفض المحاسبة و التغيّر"؟ و إذ يعلم "أهل الذكر" مكانة قطاعات مثل القضاء و النقابات العمّالية و خاصة الإعلام في التأثير و التسيير , فقد استمات في التمترس بها أولئك الذين كانوا بالأساس قد تغلغلوا فيها بفضل نظام "الفرز" الذي كان يمارسه المستبد

و كذلك التسامح مع المال الفاسد و محاولة لعب أوراق ضد أخرى و السماح بتحالفه مع الإعلام الفاسد و تكوين الشبكات مع سياسيين و التي تحوي حتى أمنيين و رجال قضاء ... كل ذلك زاد الطين بلّة و جعل الميدان "يتلغّم" شيئا فشيئا , و عوض أن يقاوم الفساد زاد تمكينا في الأرض بمساعدة مناخ التسيّب و الانفلات الأمني و ضعف الدولة التي تركت شيئا فشيئا البعض من مكانها لما يشبه نظام المافيات للتحكم في قطاعات عديدة

و أخيرا كل ذلك في ديكور من مجتمع مدني (بمعنى خاص يحتكر المدنية) يحوي العديد من الجمعيات التي لا تمثل في غالبية الأحيان إلاّ عدد أعضاء هيآتها التأسيسية , و لكن تنفخ فيها وسائل إعلام حتّى تبرزها و كأنها تمثّل رأيا قويا في المجتمع. و كذلك الشأن بالنسبة لأحزاب لا تمثل انتخابيا إلاّ بعض الأجزاء من المائة و لكنّها تبرز بفعل الفاعل الإعلامي و كأنها صاحبة شعبية واسعة و عريضة . و تطرح طروحات غريبة و لكنها تصبح طبيعية بعد قصف إعلامي كثيف قادر على توجيه الرأي العام وتحويل المنكر معروفا و المعروف منكرا

أما في الميدان "الهامشي" و الغير مؤطر في الظاهر, فقد كان قطع الطرقات و الاعتصامات و إغلاق المؤسّسات و تعطيل الدورة الاقتصادية إلخ... منتشرا و في أغلب الأحيان منسوبا إلى "جماعة شكري بلعيد" (رحمه الله) و بلطجتها و التي كان السيد الباجي قايد السبسي يشير إليها بالتلميح و لا يريد تسميتها بالصريح في تدخلاته كوزير أول , و لكن الجميع كان يعلم من المقصود و لا يصدح. و قد أوقف أحد قياديي حزبه بالشمال الغربي متلبّسا و لكن الوضع فرض أن يطلق سراحه و لا يلاحق تجنّبا للتصعيد , كما أطلق سراح جل الذين أوقفوا في تلك الفترة من أجل أعمال عنف و شغب و تعطيل للمصالح و المؤسسات...

و لا بد أن نلاحظ هنا بعض الإشارات الخفية , و هي أنّ أيّاما قليلة بعد 14 جانفي بدأت تظهر في بعض المسيرات يافطات تنادي بالمحافظة على مكاسب المرأة بينما لا شيء كان يدل في ذلك الوقت عن أي تهديد لهذه المكاسب و لم يكن الموضوع أصلا. كما بدأت بعد قليل ادّعاءات متكرّرة بأن نساء غير محجبات يتعرّضن للمضايقة و التعنيف و لم نر أو نسمع و لو شهادة واحدة لضحية من ضحايا هذه الممارسات المزعومة . و رأينا مثلا اتّهامات سريعة و مباشرة بمسؤولية "إسلاميين" في مقتل رجل دين مسيحي و انطلقت حملة إعلامية حول "العنف الإسلامي" و ضرورة التسامح ... ثم تبيّن أنها كانت جريمة ذات دوافع أخلاقية... إلى غيرها من المشاهدات المتفرقة التي كانت توحي بتنظّم (سرّي بما أنه غير معلن) بدأ يتشكّل داخل مجال الإعلام (و السياسة و هما شديدي التداخل) لتصوير واقع معيّن مفبرك و ماكينة بروباقندا رهيبة مثل التي نسمع و نقرأ عنها في الكتب , الهدف منها تشويه كل ما هو إسلامي حتى و إن كان بعيدا عن السياسة مثل الجمعيات الخيرية ذات الدوافع الدينية و غيرها . و قد انطلق ذلك "التنظّم" بصفة مبكّرة جدّا , و ظنّي أنّه ليس بالجديد و لكنه كان يعمل من قبل وراء ستار بن علي ثم غيّر الشكل فقط للتّطوّر و التأقلم مع الواقع الجديد

ما بعد 23 أكتوبر
أذكر أنّني قرأت في إحدى الصحف أيّاما قليلة بعد ذلك اليوم (و قبل بكثير من تولي الحكومة المنتخبة) في صفحة داخلية من صحيفة يومية بلاغا مقتضبا ينقل عن أعوان الإذاعة و التلفزة على ما أذكر مطالبتهم باحترام حرية الإعلام. و تيقّنت يومها أنّها نقطة انطلاق عملية استباقية تنذر ببداية التمترس في الإعلام العمومي لأولئك الذين قرّروا أن يحتفظوا به كأداة "سلطة" تعوض السلطة التي لم يقدروا على اكتسابها عبر صناديق الاقتراع و احتسابا للمحاسبة المرتقبة , لما لهذا الميدان من أهمية استراتيجية حاسمة (و هو ما تبين لاحقا) . ثم تجلّت الصورة شيئا فشيئا و لا غرابة أن جزءا كبيرا من الإعلام الذي تربّى على عقيدة تجعل منه طرفا غير موضوعي , واصل في لعب نفس الدور الذي كان يلعبه من قبل و لكن لصالح أطراف أخرى . و هو في نفس الوقت ينادي باستقلالية الإعلام , متناسيا أن الاستقلالية تكون عن كافة الأطراف و ليس الحاكم فقط. و هنا الخطأ الأكبر و الأخطر "لحكومة الثورة" التي عجزت عن الإستجابة لإحدى مطالب الثورة و هي تطهير و إصلاح الإعلام (العمومي على الأقل) و إرجاعه إلى صف السواد الأعظم من الشعب لخدمة قضاياه. حتّى صلب عوده من جديد و استعصى و أصبح يتصرف في ملك الشعب و كأنّه ملك خاص لعائلة فكرية أو سياسية بعينها بصفة بعيدة كل البعد عن الموضوعية و عن التمثيلية الشعبية لهذه الأطراف

كذلك تجرّأت أطراف في سلك القضاء , و ساعدهم على ذلك ارتعاش سلطة الاشراف , و لكن كذلك دخول الإعلام على الخط , برفع شعار استقلالية القضاء بينما لم يقع تطهير و محاسبة الفاسدين فيه من جهة , و بينما تقود أطراف سياسية الهيئات الممثلة للقضاة و توظفها لأجنداتها الخاصة من جهة أخرى (مثال القاضية كلثوم كنّو المنتمية للوطد

نذكر كذلك جميعا التفاقم التدريجي للإضرابات و الإعتصامات تمهيدا "لاستقبال" الحكومة الجديدة من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تتحكّم فيه نفس التيارات اليسارية المتطرفة التي تتحكم في الإعلام و المتواجدة في الأمن و المحاماة و الجامعة , و التي لم تحظى رغم ذلك في الإنتخابات إلاّ بأقل من 3 بالمائة من الأصوات. في حين صرّح أحد أكبر أعداء الإسلاميين و هو الشاعر الصغير أولاد أحمد قبل الإنتخابات بأنه في حال وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم بواسطة الإنتخابات فإنه سيلبس البدلة العسكرية و ينطلق إلى القصرين و سيدي بوزيد لإحداث ثورة جديدة. و هو رفض مسبق لنتائج الإنتخابات يبين أن لهؤلاء مفهوما خاصا إيديولوجيا للديموقراطية يتضمّن إقصاء أطراف يعتبرونها رجعية و لو وقع انتخابها من الشعب . هذه "الديمقراطية" لا تعطي علوية لاختيار الشعب , و هذا مهم أن نعرفه حيث أننا أحيانا نستعمل مصطلحات لا تعني نفس الشيء للجميع , ثم نتعجب "لسوء التفاهم" . و سنرى بعد حين بعضهم يصرّح بأن "إما نحنا ولاّ هوما في تونس" و "القضية مسألة حياة أو موت , مسألة وجود" (عبد الناصر لعويني و بعض رفاقه من الوطد)

ثم بعد ؟
نذكر جميعا أن الأحزاب و الإعلام , بعد الإستفاقة من صدمة نتائج الإنتخابات , بدأت تسترجع أنفاسها , و البعض منها شرع في التشكيك في الحكومة حتى قبل تولّيها , و رفضها و الحكم عليها مسبقا بالفشل. و توعّدت أطراف عديدة (تتعدّى اليسار المتطرف) أنّها "و لو أن الإسلاميين وصلوا للحكم عبر الصناديق فإننا سنفعل ما بوسعنا حتى نربكهم و لن نسمح لهم بالحكم في وضع من الاستقرار" . و انطلقوا في تنفيذ و عودهم ... بل الغريب آنذاك (و فهم مغزاه بعد أشهر قليلة) انطلاق الوزير الأول الباجي قائد السبسي في مئات التعيينات في مراكز عليا حتى بعد تقديم استقالة حكومته ...

و يتبيّن هنا أنه و بقطع النظر عن نتائج الحكومة التي لم تشرع في الحكم أصلا , فإن جهات عدّة من المعارضة قرّرت مسبقا أنها ستسعى إلى إبطال ما أفرزته صناديق الإنتخاب و التي لم تعترف بها أصلا حيث أنها أتت "بأعداء" لها إلى الحكم , و أن الحكومة فاشلة فاشلة مهما فعلت. و لو كان ذلك على حساب تعافي الاقتصاد و الاستقرار و قوت الأكثر هشاشة من أفراد الشعب. و هكذا نفهم ما تلى في الأشهر الموالية من اضطرابات و حملات إعلامية و بؤر توتّر هنا و هناك حيث سنحت الفرصة
و لكن في نفس الوقت كانت حركة التهضة ترتكب أخطاء قاتلة أثناء تكوين الحكومة و كأنّها أرادت أن تصدّق مزاعم خصومها . فبعد أن تم "اختطاف" النهضة بدايات 2011 و إقصاء العديد من كفاءاتها استيرادا للمشاكل الني كانت تتخبط فيها زمن الجمر , جاء وقت تصدير الأمراض نفسها إلى الدولة . فتكوّنت الحكومة على أساس الولاءات و التوازنات الداخلية و الاقصاء بدون اعتبار للكفائة و الدراية بشؤون الإدارة , اللهم إلاّ أحيانا شهادة تعليم عالي بدون ممارسة و لا تجربة و لا خبرة . و كذلك تم تعيين المستشارين و تركيز عيون للحزب و للقائد الأعلى حول الوزراء و لم تحتل الكفائة مرتبة تذكر في "تقسيم الكعكة" و لا الوعود الانتخابية بأن تونس للجميع و أن الاقصاء مرفوض إلخ ... و بذلك قدّم الحكّام الجدد خدمة جليلة لأعدائهم (و أقول أعداء قصدا و ليس خصوم سياسيين لأكون وفيا للمشاعر التي تنبثق منهم و لما كرّس من مفاهيم للاختلاف و إدارته) .
و زادت مع مرور الأسابيع و الأشهر حدّة التشهير و الاستقطاب و نشر الكراهية و تغذية البغضاء و الضغينة بين أبناء الوطن الواحد و شحنت الأجواء و قام الإعلام و جزء من النخب المثقفة بدور تحريضي لا حضاري سيدوّنه التاريخ كسبب لأسوأ التحوّلات في علاقات التونسيين بعضهم ببعض و في إدارتهم للخلاف بينهم و في انهيار مستوى الحوار و انهيار قيم التعايش لم نسمع أن تونس بلغت مثيلا له في تاريخها ولا حتى في أحلك فترات الاستبداد.

تبيّن خيوط الخطة تدريجيا...
تبيّنت للمشاهد شيئا فشيئا الأمور التالية
تكوين "قاعات عمليات" تظم بالتأكيد إعلاميين و سياسيين و "رجال أموال"... تركّز على الإعلام بمختلف جوانبه مثل:
تعقّب أخطاء الخصوم و تضخيمها و الترويج لها عبر مختلف الوسائط و بتقنيات مدروسة

اختيار المواضيع أو الأشخاص الذين يعتزم التركيز عليهم في الأسبوع المعين و مركز انطلاق الحملة و طريقتها و الضيوف الذين تقع دعوتهم إلى بلاتوهات التلفزيونات للحديث عن الموضوع و الإطناب فيه

التضليل الإعلامي باختلاق الأكاذيب و الإشاعات و إخراجها و الترويج لها تدريجيا حتى تصبح بعد 24 إلى 48 ساعة حقائق تتحدث عنها كل وسائل الإعلام و الشارع و الفايسبوك ... Intox et désinformation
و إنّنا نرى بأم أعيننا انطلاق الحملات تدريجيا و تصاعدها حتى أصبح ممكنا التنبؤ "بموضوع الأسبوع" لمّا ترى خبرا ما تفهم أنه الفقاعة الأولى و التي سيليها بسرعة متدرّجة الغليان المبرمج له

إنّنا نشاهد في تونس في هذه الفترة أضخم عمليات البروباقندا و التضليل الإعلامي و التوجيه "القصري" للرأي العام . و نشاهد الترويج لمعاني غريبة يراد "إطعامها قصريا" للضمير المشترك , على سبيل المثال لا الحصر "ديكتاتورية الأغلبية" التي يراد تعويضها بدكتاتورية الأقلية , و عدم أحقية الحاكم المنتخب بتسمية الكوادر العليا في الدولة , و عدم أحقية الأمن باستعمال القوة مع المارقين عن القانون و مستعملي العنف و المهاجمين للمرافق العمومية , و حرية الدعوة الصريحة للقتل إذا صدرت من "أصدقائنا" (عدنان الحاجي و بريك و بن بريك مثلا) بينما تقوم الدنيا و لا تقعد لمّا يتفوّه أي من "الأعداء" بشيء و لو يوحي ب....

و نلاحظ كيف أن الإعلام يقوم بدور المروّج لبعض الوجوه التي لا وجود لها يذكر على الميدان و كأن لا محللين و لا اقتصاديين غيرهم , قطعوا اشتراكات في بلاتوهات بعينها . و البعض اشترك في جميعها (حمة الهمامي , شكري بلعيد رحمه الله , سمير الطيب ...).

الضربة القاضية
يمكن أن نتصوّر أن هذا هو العنوان الذي أعطي لما أريد له أن يكون الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل و الذي رأينا فيه تسارعا كبيرا في نسق العمليات :
اتهامات متصاعدة الوتيرة للنهضة بعينها باستعمال العنف عبر لجان حماية الثورة , حتى أصبحت المطالبة بحل هذه اللجان مطلب "الجميع" . بينما إذا قارنّا برويّة بين الأحداث التي وقعت مع هذه اللجان واحدة بواحدة (و ننسى مفعول القصف الاعلامي على عقولنا) ثم أحداث شغب و عنف أخرى بمخلّفاتها و معانيها (لم يصدم بها أحد) لفاجأتنا النتائج . و هذا ليس تبريرا لعنف دون آخر و لكن لإبراز اختلال المعايير و انحيازها بصفة غير بريئة

تعليمات بالتوجه لضرب صورة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي , في المرحلة الأولى عبر الهجوم العنيف على صهره السيد رفيق عبد السلام , ثم في مرحلة ثانية التوجه رأسا إليه مباشرة

قرار الحسم النهائي بإشعال الفتيل في "البرميل" الذي امتلأ بخليط من المواد شديدة الانفجار و التي شحنت فيه على مرور الشهور و الحملات الدعائية و التشويهية و التحريضية و الداعية للكره و البغض

ظهور الرفيق شكري بلعيد في الفترة الأخيرة على كل البلاتوهات , و "اختياره" للعب دور الفتيل الذي سيلهب المواد المتفجّرة باغتياله

إن مثل هذه الخطط لا تحبك محليا و لا بد لها من خبرات و "كفاءات" تغذّيها و تساهم فيها على مستويات متفاوتة. و ليس ذلك بعزيز فإن لثورتنا من جهة و لحكّامنا من جهة أخرى من الأعداء الأقوياء ما يوفر لخصومها حلفاء ذو مكانة. في من نفكر للوهلة الأولى ؟ إقليميا الجزائر و مخابراتها و دوليا فرنسا و علمانييها و استعمارييها أصدقاء حميمين و قريبين جدا من جزء من المعارضة التونسية.
فقط ؟ لا. من البديهة , بدون حاجة لمعطيات ملموسة , أن إسرائيل لا تبقى مكتوفة الأيدي أمام كل ما يقع في العالم العربي , فما بالك أمام "الربيع العربي" (و قدوتها تونس) و وصول إسلاميين إلى الحكم و تأثيرات ذلك على الحصار على غزة . فلا نتسائل أبدا عن جهاز "الموساد" هل يخطط لنا أم لا , بل أين و كيف و متى ؟

, و هل هذه الخطط خاصة بتونس ؟ نظرة واحدة إلى مجريات الأحداث في مصر كفيلة بإعطائنا الإجابة, بل من الواضح أن علاقات متينة تربط في الخفاء بين "النخب" تنسق مع بعضها لاشتراك الأهداف و الأعداء , و ليس ظهور صور الفقيد شكري بلعيد في ميدان التحرير بالصدفة ...

ماذا شاهدنا يوم 6 فيفري ؟
المناضل شكري بلعيد يقتل في الثامنة صباحا في حي سكني بدم بارد و بعدة رصاصات بصفة مهنية "عالية" إن صح التعبير هنا , و بوجه مكشوف . لو يفكر أي تونسي و هو يخطط لمثل هذا العمل , هل ينفذه بوجه مكشوف بينما يكفيه أن يضع قناعا بسيطا حتى لا يقع التعرّف عليه ؟

بعد ساعة على أقصى تقدير من مقتله يطلع علينا المناضل في الوطد الأستاذ عبد الناصر العويني و هو محامي و عارف بالأصول و القانون , و قد تعرّف على القاتل يقينا و دون أدنى تردد و لا شك و هي حركة النهضة و راشد الغنوشي بالذات (لنتذكر ما سبق) , و توعّد بالرد و قال "إمّا هوما ولاّ أحنا في تونس" و هو لا غير إعلان حرب . لم نسمع عاقلا رد عليه بأن الإتهام تلزمه قرائن أو استنكر الدعوات للحرب و الاستئصال . و إن اعتبرنا ذلك في إطار التوتر الأولي (و إن كان العاقل يمسك نفسه عند الغضب) , فقد ردده الأيام الموالية و تبعه الكثير بعده بالتلميح أو بالصريح. و كالعادة بالتكرار أصبح الأمر شبه حقيقة في قضية اغتيال بدون أي بداية قرينة . فقط لأن الرفاق "قرّروا" من يكون الجاني . و لا عقلاء يعترضون و لا صوت يعلو ليقول "أليس منكم رجل رشيد؟"
و من يمكنه استبعاد سيناريو المبحوح في دبي ؟ و أن يكون الجناة غير تونسيين قد توجّهوا مباشرة إلى المطار بعد الجريمة و استقلوا طائرة إلى دولة أوروبية ...؟ و ربّما منها إلى تل أبيب ؟ أو توجّهوا إلى حدود برّية ؟ أهذا سيناريو خيالي ؟

ثم تتسارع الأحداث و يخرج الجميع إلى الضوء و يلقون بأنفسهم في "معركة الحسم" بدون تحفظ أو حتى احتراما للأشكال:

حمة الهمامي يقرر الإضراب العام و الإتحاد ينفذ القرار بدون أي سبب نقابي و بدون الإجراءات القانونية
مصالح سفارة فرنسا بتونس "تسمح" لموظفيها و عامليها (الذين لم يطلبوا شيئا) بالخروج للتظاهر صباح الاغتيال
سمير الشفي العضو في المكتب التنفيذي للإتحاد يزمجر و يتوعد حزب سياسي و يخرج عن دوره
كره و بغض مفزعين يتجلّون حتى عند حمل الجثة و دفنها و حتى داخل المقبرة و بين المقابر
إعلام حدّث و لا حرج لم تعد له قضية في البلاد غير تلك , كما قال عنه البعض "حضرة و عملت عرس بنتها" (حاشا هيبة الموقف وقع استغلال دم الفقيد إلى أقصى الحدود) . فلا داعي للوصف , الجميع رأى و سمع "الشقيقة و الرقيقة" , إلاّ المطالبة بكشف القتلة و دوافعهم . طبيعي بما أنهم "معروفون" و رضينا بهم كذلك
عنف لفظي و حرق و اعتداءات على العديد من مقرات النهضة و بعض رموز السلطة (معتمدية , اقتحام أو محاولة اقتحام مراكز ولايات) من أولئك الذين يدّعون نبذ العنف , و لا أحد وجد هذا الأمر غير طبيعي ووجب استنكاره بشدة لما يكرسه من تقاليد عنف و انفلات
حرق و نهب و إذعان في الإشارة إلى "الجاني المختار" و دعوات لأسقاط الحكومة و كأنها مسؤولة على كل ما يدب و يهب في البلاد
عبد الناصر العويني يرفض مسبقا نتائج التحقيق التونسي و ينزع الشرعية و المصداقية عن أمننا و قضائنا , و يطلب إحالة الملف إلى محكمة الجنايات الدولية و بفتح الباب إلى التدخل الأجنبي مثل زميلته في باريس .
وزير الداخلية الفرنسي يتدخّل في الشأن (و نتذكر موقف السفارة صباح 6 فيفري)
إيطاليا تدعو هذا الأسبوع (ببعض التكتم) رعاياها إلى مغادرة تونس
السيد الباجي قائد السبسي يدعو لحل المجلس التشريعي لاحداث فراغ في الشرعية ثم يتراجع , ثم يصرّح أن "الشعب التونسي صوت يوم 8 فيفري ضد الترويكا و الحكومة و المجلس التأسيسي" و كأن الخروج في الجنازة و التعاطف مع الفقيد هو بمثابة اتهام لهذه الأطراف بالقتل و سحب ثقة منها و هو أمر عجيب لمّا يصدر من رجل قانون محترم مثله
تحريك تلاميذ الثانوي في العودة المدرسية و إخراجهم للتظاهر كدليل آخر لإرادة لعب كل الأوراق في هذه الحلقة
اتحاد الشغل يأمر أطره يوم الأحد الفارط بالدخول في اضرابات تصعيدية في كل فرصة للوصول إلى إضراب عام مقبل , مماّ يعني أنه صمّم على انهيار الاقتصاد الذي لن يتحمل أكثر ممّا تحمّل . و خرج نهائيا من دوره ليصطف جهارا كطرف سياسي يستعمل الشغّالين و يتلاعب بهم و بمصالحهم لمآرب غريبة عنهم
فيا ترى من استفاد كل الاستفادة من الاغتيال ؟ و من خسر كل الخسارة ؟ و لكن ما دامت غالبية الإعلام تفرض صورة بصوتها العالي و تهجم بشراسة على كل صوت لا يصطف معها, فإن قال إعلامنا فصدّقوه فإن القول ما قال إعلامنا... و أنا من الآن أتصوّر مصيري بعد صدور هذا المقال , و النبش في ماضيّ و حاضري و انتمائي و صداقاتي و أبي و و و و و لكنني ملقح و مستعد لتقديم عرضي قربانا من أجل خدمة بلدي إجلاء للحقيقة في زمن خرست فيه عديد الأفواه الشريفة خوفا على أعراضها و انتشر فيه الكذب و النفاق و الخداع و السكوت على الحق. فإنّنا نعيش اليوم في تونس الأساليب التي نراها تستعمل للتصدّي لكل من يتجرّأ لانتقاد إسرائيل أو الصهيونية أو بعض مزاعمهم ... إرهاب لا يبقي و لا يذر , و ما روجي قارودي و لا الأب بيار عنّا ببعيد , و لا حتى الصحيفة البريطانية التي تجرّأت على نشر كاريكاتور لنتنياهو منذ 10 أيام تقريبا .

و ما العمل الآن ؟
مهما كان المشهد حالكا و مهما سعى البعض إلى اشعال البلاد , لسان حالهم يقول "عليّ و على أعدائي" , فلا يحق لنا أن نبقى متفرّجين على اغراق السفينة التي استقلّيناها جميعا نحن و أطفالنا , نسائنا و رجالنا , أغنيائنا و فقرائنا , علمانيونا و إسلاميونا , لا أحد أحق بها من الآخر. فليستجمع العقلاء قواهم و عزائمهم , و لنذهب إلى كلمة سواء بيننا جميعا.
ألا يدرك هؤلاء أنه إذا نقلت المعركة إلى الشارع و اشتد رحاها , فأن للحروب عادة طرفين , و لا يمكننا أن نتصوّر أن الطرف الآخر سيصبر إلى ما لا نهاية إذا استمر العنف و حرق المقرّات و الاتّهام و الاستنجاد بالخارج... و لا أحد يدرك أين سيؤدّي التصعيد , مع عامل وجود السلاح في البلاد . هل نرضاها لبنان جديدة ؟
لنجعل من هذا الاغتيال الذي أريد لنا به الاحتراق بنار الفتنة , لنجعله يتحوّل على تونس بفضل الصدمة بردا و سلاما و لنرسم بعده ميثاقا بيننا جميعا , نحدد به قواعد الشراكة في هذا الوطن الذي هو ملكنا جميعا . نحن قادرون على ذلك إذا أردنا .
هذا ممكن إذا خرج العاقلون من صمتهم و تكلّموا بقوة ليقولوا "كفى فتنة" , حتى تتسع رقعة الوفاق و تنكمش رقعة الفتنة و تتهمّش . و يقوم الاعلام بدوره و لا يذكّي الفتنة , و يتخلى السياسي على الحسابات الآنية قصيرة المدى و ينظر إلى , مصلحة و مستقبل التونسيين على المدى البعيد. حيث ما نزرعه اليوم يحصده أبناؤنا غدا , و من يزرع الريح يحصد العواصف

فهل من مجيب يا أولي الألباب ؟
"... فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا
د. محمد نجيب القروي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.