منظمة الاعراف تناقش مع وفد عماني رفيع المستوي الاستعدادات لزيارة مرتقبة لزيارة وزير الصناعة العماني الى تونس خلال سبتمبر 2025    عاجل/ هذا ما تقرّر ضد بن غربية في 4 قضايا فساد    تونس في المرتبة السادسة عربيًا في مؤشر السلام العالمي لسنة 2025... تعرّف على قائمة الدول العشر الأولى    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    حملة لمراقبة المحلات المفتوحة للعموم بدائرة المدينة وتحرير 8 مخالفات لعدم احترام الشروط القانونية (بلدية تونس)    عاجل: اتحاد الشغل يطالب بفتح مفاوضات اجتماعية جديدة في القطاعين العام والوظيفة العمومية    بلومبيرغ: إيران تخترق كاميرات المراقبة المنزلية للتجسّس داخل إسرائيل    عاجل: القلق الإسرائيلي يتصاعد بسبب تأجيل القرار الأميركي بشأن الحرب على إيران    البريمرليغ: "محمد صلاح" ضمن قائمة المرشحين لجائزة أفضل لاعب    التشكيلة المحتملة للترجي أمام لوس أنجلوس    الحماية المدنية: 552 تدخلا منها 98 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    عودة التقلّبات الجوّية في تونس في ''عزّ الصيف'': الأسباب    ''مرة الصباح مرة ظهر''.. كيف يتغيّر توقيت اعلان نتيجة الباكالوريا عبر السنوات وما المنتظر في 2025؟    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    من مكة إلى المدينة... لماذا يحتفل التونسيون برأس السنة الهجرية؟    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    ميسي يقود إنتر ميامي لفوز مثير على بورتو في كأس العالم للأندية    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    روسيا تحذّر أمريكا: "لا تعبثوا بالنار النووية"    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق والحرارة في ارتفاع طفيف    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    صاروخ إيراني يضرب بئر السبع وفشل تام للقبة الحديدية...''شنو صار''؟    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي يواجه الليلة لوس أنجلوس الأمريكي    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    ما تستهينش ''بالذبانة''... أنواع تلدغ وتنقل جراثيم خطيرة    عاجل/ سعيّد يكشف: مسؤولون يعطلون تنفيذ عدد من المشاريع لتأجيج الأوضاع    100 يوم توريد... احتياطي تونس من العملة الصعبة ( 19 جوان)    خامنئي: "العدو الصهيوني يتلقى عقابه الآن"    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    استقبال شعبي كبير في شارع بورقيبة لقافلة الصمود    باريوس يقود أتليتيكو للفوز 3-1 على ساوندرز في كأس العالم للأندية    إيران تطلق موجتين صاروخيتين جديدتين وارتفاع عدد المصابين بإسرائيل    كأس العالم للأندية: أتليتيكو مدريد يلتحق بكوكبة الصدارة..ترتيب المجموعة    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    موسم الحبوب: تجميع4.572 مليون قنطار إلى غاية 18 جوان 2025    رابع سبب للموت في العالم الخمول البدني يصيب 83 ٪ من التونسيين!    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد ب21 بالمائة في 2024 في تونس (تقرير أممي)    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    اتحاد الفلاحين ينظم، اليوم الخميس، النسخة الرابعة لسوق الفلاح التونسي    وزارة التجارة للتونسيين: فاتورة الشراء حقّك... والعقوبات تصل إلى 20 ألف دينار    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    قرابة 33 ألفا و500 تلميذ يشرعون في اجتياز امتحان شهادة ختم التعليم الأساسي العام والتقني دورة 2025    عاجل: أمل جديد لمرضى البروستات في تونس: علاج دون جراحة في مستشفى عمومي    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    قافلة الصمود تُشعل الجدل: لماذا طُلب ترحيل هند صبري من مصر؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرعية الثورية و الشرعية القانونية: مراد بوبكر
نشر في الحوار نت يوم 03 - 03 - 2013


الشرعية الثورية و الشرعية القانونية
في الثبت الاصطلاحي:
1. الشرعية:
يعد مفهوم "الشرعية " أحد المفاهيم الأساسية في العلوم السياسية . و إذا كان الأصل العربي للمفهوم يوحي بارتباطه بشكل مباشر بالاتفاق مع "الشرع" ، فإن الأصل الأجنبي لا يبتعد عن ذات المعنى كثيرا ، و إن كان يساعد في الكشف عن تعدد المصادر الرضائية ( أي التي يرتضيها الناس) كأساس للشرعية و يرجع الأصل اللاتيني لكلمة الشرعية إلى "legitimare " بمعنى " خلع الصفة القانونية على شيء ما" وتضفي الشرعية طابعاً ملزماً على أي أمر أو توجيه و من ثم تحول القوة إلى سلطة، وتختلف الشرعية عن المشروعية legality في أن الأخيرة لا تكفل بالضرورة تمتع الحكومة بالاحترام أو اعتراف المواطنين بواجب الطاعة. فالمشروعية بهذا المعنى مشتقة من التوافق مع القانون أو اتباعه ، أما الشرعية فهي الأصل الذي يفترض أن يستند إليه القانون (و من ثم المشروعية).و رغم أن التصور المثالي يفترض أن تكون القوانين (و المشروعية) تتمتع في الآن ذاته بالشرعية ، إلا أن الواقع يعرف العديد من الأمثلة المخالفة لذلك ، حيث تنشأ فجوات بين الشرعية و المشروعية ، يكون من أبرز مظاهرها وجود قوانين لا تستند إلى الأساس الرضائي المتفق عليه ، أو حتى تنتهك هذا الأساس و تتعارض معه.
وينبغي الوعي باختلاف استخدام مصطلح الشرعية بين الفلسفة السياسية والعلوم السياسية. فالفلاسفة السياسيون عادة ما ينظرون إلى الشرعية كمبدأ أخلاقي أو عقلاني يشكل القاعدة التي يمكن للحكومة الاعتماد عليها في مطالبة المواطنين بالطاعة في حد ذاتها . وفي المقابل، يتعامل علماء السياسة مع مفهوم الشرعية من منطلق علم الاجتماع كتعبير عن إرادة الامتثال لنظام الحكم بغض لنظر عن كيفية تحقق ذلك.. وينظر هذا الموقف إلى الشرعية بمعنى " الاعتقاد في الشرعية" أي الاعتقاد في " الحق في الحكم"
2. الشرعية الثورية:
هذا المفهوم مرتبط بمفهمَيْ الثورة والقانون و هما مفهومان متعارضان بطبيعتهما. الثورة تقوم لأن الناس تقرر أن التغيير فى إطار النظام القائم والقوانين التي تحكمه لم يعد كافيا أو ممكنا، وأنه يجب الخروج على هذا الإطار وهدمه من أجل إعادة بناء مجتمع جديد. لا يمكن تصور أن تقوم ثورة وتحترم النظام القانوني السابق وإلا كانت مجرد حركة إصلاح أو تغيير. والتناقض بين الثورة والقانون حتمي ولو لفترة معينة، إلى أن يجد المجتمع أنه قد قام بالتغييرات المطلوبة في الدولة والحكم والسلطة، فيبدأ فى إنشاء نظام قانوني جديد يستمد منه شرعيته. ومن هنا فإن الحديث عن مفهوم «الشرعية الثورية» له معنى محدد للغاية، وهو أنه في اللحظة التي يكون فيها النظام القانوني الموروث قد فقد شرعيته، فإن المجتمع يقبل ويرحب بما تتخذه قيادة الجماهير من قرارات قد تخالف القانون الرسمي ولكنها تعبر عن رغبة الشعب وعن آماله. ولذلك فإن نهاية المرحلة الانتقالية لا تعنى مجرد الانتهاء من انتخاب برلمان ورئيس للجمهورية وتعيين حكومة جديدة، وإنما الأهم هو أنها تعنى أن المجتمع وقد انتهى من مرحلة الهدم قد صار مستعدا للبناء، وأنه قد صار لديه إطار قانوني جديد يعبر عن التغير فى الفكر وفى القوى وفى المصالح التي جاءت بها الثورة، وأنه صار مستعدا للانتقال من مفهوم الشرعية الثورية إلى شرعية قانونية جديدة.
3. الشرعية القانونية:
بعد تقديم المفهومين السابقين ليس عسيرا على أي كان أن يستنتج مفهوم الشرعية القانونية و هي الشرعية التي تبنيها الشرعية الثورية من دساتير جديدة تؤسس لانتخابات تفرز ضرورة شرعية جديدة هي الشرعية الانتخابية التي تمأسس بالقانون و تنتهي صلاحياتها بالقانون متى التزمت السلطة الجديدة به و نخرج بذلك من الشرعية الثورية التي يسن قوانين اللعبة فيها الثوار إلى الشرعية القانونية التي يجب أن تلتزم بالقانون و تطبقه و تحترمه مع خصومها قبل مؤيديها لأنه السبيل الوحيد لتجديد الثقة فيها و الإبقاء على شرعيتها من عدمه و لا يمكنها ممارسة أفعال أو أن تقر قرارات تخل بالقانون حتى و إن كانت من مطالب الثورة الأساسية التي أهملتها فترة الشرعية الثورية.
في ما عاشته تونس و ما تعيشه :
من ميزات الثورة التونسية أنها كانت في بدايتها انتفاضة عادية كان يمكن أن تؤدي إلى بعض الإصلاحات الشكلية أو الحقيقية لكن الإفلاس السياسي و الاقتصادي و الرصيد المستنفذ للنظام جعل الأمر يتطور بشكل درامتيكي لم يتوقعه أحد فكانت النتيجة فرار رئيس و سقوط نظام أي أن الهبة الشعبية البسيطة في بدايتها أدت إلى نتيجة ثورة منظمة و بالتالي سمي ما وقع في بلادنا بين 17/12/2010 و 14/01/2011 ثورة تبعا للنتيجة لا للسبب، تزامن ذلك مع مجتمع غير منظم و غير مهيكل في أحزاب أو جمعيات أو جماعات مما جعل زمام المبادرة السياسية خارج أيدي الثوار الذين حصَّلوا النتيجة و لم يكن من بد أمام تغطرس النظام البائد و سيطرته على كل مفاصل الدولة إلا التعامل مع بعض الشرعية التي التي كانت قائمة و المتمثلة في رئيس مجلس النواب الذي يتولى الرئاسة لفترة و جيزة تليها انتخابات تعيد الشرعية و أمام التدافع الثوري الذي وقع و ضغط الشارع الذي تحرر من خوفه و تصاعد المد الثوري تدريجيا أدل إلى نتيجة اعتصام القصبة 2 و انتهى الحضور الفعلي و الشخصي للنظام السابق و حافظ على شكله حفاظا على الدولة في غياب حراك سياسي حقيقي قادر على إيجاد بديل ثوري مقبول من الجميع فكانت حكومة الباجي قائد السبسي ضلالا للشرعية الثورية أكثر منها شرعية ثورية حقيقية قادرة على إحداث الفعل الثوري و زعزعة باقي مؤسسات النظام و قبره فلم تبتَّ الحكومة في ملف شهداء و جرحى الثورة الذين كانوا من أوكد مهامها و بقي الأنين أكثر من سنة و دماؤهم تنزف إلى وقت استلام الحكومة الحالية ليزيد في أعبائها بل لم تنجز هذه الحكومة أهم ما يجب أن تنجزه حكومة ثورية و هي سجن الفاسدين جميعا و رموز النظام السابق مهما كانت درجة فسادهم بل كان عليها منعهم منعا باتا من ممارسة أي نشاط سياسي نظرا لأن نتائج نظامهم مازالت ماثلة في أذهان الناس بل لم ينسى الناس بعد مناظرهم على الشاشات و في الشوارع مما منحهم إكسير حياة جديدة جعلتهم لا يطمئنون من خطر المتابعة فقط بل أن يدعوا الثورية و أن يعِدُّوا العدة للعودة إلى الحكم بعد إعادة ترتيب صفوفهم و جمع شتاتهم. و كان من أوكد مسؤوليات الشرعية الثورية تطهير القطاعات الحساسة في الدولة من الفاسدين و لعل في مقدمتها قطاع القضاء و المالية و الأمن فبقي الفساد ينخر هذه المؤسسات و ربح الفاسدون بعض الوقت لاسترداد أنفاسهم بل و أن يدعوا الطهارة و العفة بكل صفاقة و شدة لا تخلوا من رعونة مكشوفة و لعل مَرَدُّ ذلك أن هذه الطبقة السياسية الحاكمة التي أسميتها " ضلال الشرعية الثورية " أدركت هوية الوافد الجديد فحاولت التقليل أكثر ما تستطيع من حظوظه و أنقذت موقفها بعد ذلك بسلامة الانتخابات و شفافيتها لأنها أدركت أن العودة إلى الوراء كانت أمرا مستحيلا فاكتفت بزرع الألغام و إعادة ترتيب البيت في أسرع وقت ممكن.
بعد 23/12/2011 خرجنا من الشرعية الثورية و دخلنا في الشرعية القانونية الملزمة لا محالة بالقوانين التوافقية التي أسستها الشرعية الثورية فوجدت نفسها في حقل ألغام حقيقي لا مفك منه فكان عليها تنظيف ملف الشهداء و الجرحى الذين كان من المفروض أن جراحهم شفيت و ملفهم طوي إلا من مسألة التعويضات في أقصى الحالات و كان على الشرعية القانونية أن تفتح ملفات الفساد التي كان من المفروض أن الشرعية الثورية قد كنست أصعب ملفاتها فكان في هذا الملف ما كان من الصعاب و من ضرورات الالتزام بالقانون بل بحرفيته أحيانا مع دخول فقهاء القانون على الخط و الكل يفصل حسب هواه بل أن من الفقهاء من أفنى جهده ليجد منفذا للفاسدين للإفلات من العقاب و المحاسبة بل و أن يتمكن أحدهم من رفع سقف النقد السياسي حتى يدرج محاسبته في سياق محاصرة الصحافة و حرية التعبير ناسيا هو و فقهاؤه الملف الأصلي الذي أخذ مهلة من الشرعية الثورية ليخفف منه فطمع في حرقه فضلا عن الملفات الملغمة المتمثلة في الترقيات الغريبة عددا و كيفا و عن الالتزامات المالية التي لا قبل لدولة خارجة من سني فساد و ثورة بحملها.
خلاصة القول أن الشرعية الثورية التي تولت قيادة البلاد بعد ما أسميناه ثورة كان ضلال شرعية أزَّمت الوضع للشرعية القانونية و لم تفتح لها أبواب المستقبل لمواصلة الإصلاح الهادئ الباني بل جعلتها تتخبط بين خطين متقاطعين ضرورة الإصلاح و البناء و رتق فجوات ما أهملته الشرعية الثورية.
المصدر جريدة المشارق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.