ميزت الأيام الثلاثة الأولى من مناقشة مجلس النواب لمشروع ميزانية العام الجديد بحوار سياسي مهم بين الحكومة وأعضاء المجلس النيابي الجديد.. ومن خلال سلسلة مداخلات النواب وردود ممثلي الحكومة يتضح أن بعض الملفات السياسية الخلافية كانت في صدارة الاهتمام خلال مناقشة بيان الحكومة السنوي وموازنات الوزارة الأولى والوزارات ذات الصبغة السياسية أي الداخلية والخارجية والاتصال والدفاع..
ولئن برز وفاق سياسي كبير عند مناقشة ميزانية رئاسة الجمهورية.. فقد أفرز الحوار بين نواب حزب التجمع الدستوري الديمقراطي وممثلي المعارضة ال54 وجود حرص على الخوض في بعض ''المسلمات السياسية'' التقليدية.. إلى حد حديث رئيسي المجموعة البرلمانية للديمقراطيين الاشتراكيين وهشام الحاجي رئيس مجموعة حزب الوحدة الشعبية عن الحاجة إلى ''هزة '' و''إصلاح سياسي'' كبير.. تجسيما للبرنامج الانتخابي للرئيس زين العابدين بن علي.. الذي نص في بنديه الأول والثاني على دعم التعددية السياسية وحقوق الإنسان وتطوير الإعلام.. فيما تناول بعض النواب التجمعيين البارزين مثل السادة يوسف بلاغة وصالح الطبرقي وكمال الصالحي وإكرام المقني والسيدة العقربي وعامر بن عبد الله.. ملفات الإعلام وإصلاح الحياة السياسية والاقتصادية.. ومقترحات التطويروالتجاوز ''تجسيما للأبعاد الإصلاحية في البرنامج الانتخابي للرئيس بن علي وفي الخطاب المنهجي الذي ألقاه يوم أداء القسم الدستوري''..
الاعلام.. وصورة تونس في الخارج وقد أجمعت مداخلات عدد من النواب التجمعيين وممثلي المعارضة على عدة أفكار من بينها الحاجة إلى مواكبة ما يتحقق في العالم وفي المنطقة من تقدم ورقي إعلامي.. شكلا ومضمونا.. وعلى كون تطور صورة تونس في الخارج مرتبطة بتطور المشهد الإعلامي الوطني.. وتحسين أداء قطاع الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي والإلكتروني.. عبر عدة إجراءات من بينها رسكلة العاملين في القطاع وتحسين ظروف عملهم.. وفرص وصولهم إلى مصادر الخبر..
وزارة تنمية سياسية؟ ولعل من أبرز المقترحات العملية التي قدمها بعض النواب لدعم التنمية السياسية ''وخدمة تونس وحماية سيادتها وتلميع صورتها وفرض احترامها من قبل الجميع''.. حسب السيد إسماعيل بولحية ''إحداث وزارة للتنمية السياسية'' على غرار التجارب التي اعتمدت في بعض الدول الشقيقة والصديقة مثل الأردن ومصر.. ومن بين مهام هذه الوزارة المقترحة ''تنظيم العلاقة بين الأطراف السياسية والحزبية'' من قبل وزارة ذات صبغة مدنية.. في المقابل اقترح حزب الوحدة الشعبية على لسان السيد هشام الحاجي إحداث آلية جديدة للحوار السياسي.. لمواكبة تطور فسيفساء الأطراف السياسية في البلاد خلال العقدين الماضيين.. أي بعد حوالي عشرين عاما عن التوقيع على الصيغة الأولى للميثاق الوطني..
هيئة تحت إشراف الوزير الأول لكن كيف يمكن أن تكون هذه الآلية الجديدة للحوار بين قادة الأحزاب السياسية؟ هل هي المجلس الأعلى للميثاق بتشكيلة جديدة؟ أم يقع إحداث مؤسسة أخرى لتنظيم لقاءات قادة الأحزاب والأطراف السياسية والاجتماعية.. مواكبة لمقترح حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بلورة ''عقد اجتماعي جديد''.. ومن بين التفاصيل في المقترحات التي قدمها بعض النواب وممثلون عن أحزاب المعارضة القانونية في صحافتهم ''تشكيل هيكل جديد للحوار بين قادة الأطراف السياسية والاجتماعية والاقتصادية يشرف عليها الوزير الأول''.. على غرار ما يجري في ''المجلس الأعلى للتنمية'' بالنسبة للمناقشات ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية.. وقد سبق لبعض قادة الأحزاب والنقابات غير الممثلة في المجلس النيابي أن تقدمت باقتراح مماثل في بلاغ مشترك أصدرته قبل أشهر.. ضمن شرحها لمطالبها الداعية إلى ''تكريس المصالحة الوطنية''.. والدخول ''في مرحلة سياسية جديدة بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية''..
مكاسب.. وخطوط حمراء والملفت للانتباه أنّ عددا من النواب التجمعيين من بين رؤساء اللجان البرلمانية توقفوا بدروهم عند ملفات الإعلام والإصلاح السياسي والاقتصادي.. من خلال تأكيدهم على أهمية الرهان في تونس على تحرير الإعلام وتوسيع هامش الحريات الصحفية.. عبر إحداث قنوات إذاعية وتلفزية وصحف خاصة جديدة.. أو من خلال ردهم على ''الاتهامات المجانية الموجهة إلى تونس وواقع الإعلام والحياة السياسية فيها من قبل جهات خارجية مناوئة وشخصيات موالية لها''.. كما نفت تلك المداخلات وجود ''خطوط حمراء تقيد حرية التعبير في تونس.. وفي وسائل الإعلام الوطنية''..
ملفا المناجم ورابطة حقوق الإنسان وفي نفس السياق.. وضمن محاولة إثراء النقاش النيابي مع ممثلي الحكومة.. أثار عدد من النواب تساؤلات وأفكارا حول بعض الملفات ذات الصبغة السياسية الدقيقة.. من بينها الإفراج عن مساجين الحوض المنجمي ضمن قرار عفو رئاسي رحب به الجميع.. فيما اقترح بعض النواب وبينهم السيد إسماعيل بولحية رئيس كتلة الديمقراطيين الاشتراكيين أن ''تتسع هذه الروح الإيجابية لتشمل معتقلين آخرين زلت ببعضهم الأقدام ولا تزال ملفات بعضهم تحتاج إلى مزيد النظر والمراجعة القضائية لأنّ مصلحة تونس تقتضي أن نساعد شبابنا خاصة الذين اختلطت بهم السبل على الاندماج من جديد صلب المجموعة الوطنية.. خاصة ونحن نستعد لجعل سنة 2010 سنة عالمية للشباب''.. واقترحت بعض المداخلات تسوية قريبة لملف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان باعتبارها ''مكسبا وطنيا لا يجوز التفريط فيه تلبي احتياجا لمشروعنا الوطني الهادف إلى دعم دولة القانون والمؤسسات''.. ولأنّ ''تونس بلد التونسيين والتونسيات دون استثناء لأحد''.
تفاعل حكومي.. وقد أكدت كلمة السيد عبد العزيز بن ضياء وزير الدولة المستشار الخاص الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية خلال تعقيبه على كلمات النواب على أهمية الحوار بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية في سياق الولاء اللامشروط لتونس والرئيس زين العابدين بن علي.. كما نوه السيد محمد الغنوشي الوزير الأول في ردوده على النواب ''بالدور الهام الذي اضطلع به المجلس الدستوري في هذه الانتخابات التي مكنت من تعزيز حضور أحزاب المعارضة في مجلس النواب التي أصبح لها 53 مقعدا أي بزيادة 16 مقعدا مقارنة بالمجلس السابق. وفي ما يتصل بتعزيز الحوار الوطني أورد الوزير الأول أنّ ''رئيس الجمهورية جعل من الحوار منهجا من مناهج الحكم وتصريف الشؤون العامة من منطلق إيمانه بأنّ تونس لكل التونسيين والتونسيات مبرزا الحاجة إلى الاستئناس بكل الأفكار والمقاربات التي تخدم الصالح العام وتعزز مكانة تونس واشعاعها''. ولعل من أبرز الفقرات في تعقيب السيد محمد الغنوشي أنه أورد أنه ''خلافا لما يذهب إليه البعض من أنّ التنمية الاقتصادية والاجتماعية تتقدم على التنمية السياسية فإنّ النموذج التونسي يتميز بتلازم التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية''.. وتعرض السيد أسامة الرمضاني وزير الاتصال والعلاقة بمجلسي النواب والمستشارين بالنيابة خلال تعقيبه على كلمات النواب قطاع الإعلام الوطني شهد تطورا مهما في السنوات الأخيرة يتجلى من خلال تعدد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية وتنوع وتكثيف منابر الحوار. وذكر السيد أسامة الرمضاني بتأكيد رئيس الدولة مرارا على ''ضرورة مزيد النهوض بالقطاع بما يعكس ثراء المشهد السياسي والإعلامي الوطني''.
ملفات بالجملة فتحت في الجلسات الأولى للمجلس النيابي الجديد.. سيتواصل الحوار حولها في مجلس المستشارين.. على أن تتفاعل الحكومة معها مع مطلع العام الجديد.. وبروز تطلعات جديدة..