بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وَأدُ الشُّورى و تنشيطُ الدّيمُقراطيّة !
نشر في الحوار نت يوم 06 - 12 - 2009


وَأدُ الشُّورى و تنشيطُ الدّيمُقراطيّة !
تُعتبر الدّيمقراطيّة كمصطلح إغريقي يعني سيادة الشعب أو حُكم الشعب لنفسه، يتأرجحُ بين طوباويّة الفكر الإغريقي عامّةً و عنوانًا لمدينة الأخلاق الفاضلة الأفلاطونيّة، و قدْ كابدَ الأوروبيّون عناء الحكم المُطلق سواء كان على خلفيّة التفويض الإلاهي أو على خلفيّة الحكم الإقطاعي، و كِلا النّظامين يخدم مصلحة فئة تتقلّدُ مقاليد الحُكم و تسحقُ ما دونها، فلا خير في رُهبانهم و أحبارهم الذين غيّروا و بدّلوا لسحقِ المظطهدين و خدمة مصالحهم و مصالح البِلاط حتّى سئمَ الغرب المرجعيّة الدّينيّة فأصبح الدّين عندهم يمثِّلُ أفيون الشّعوب حسب القراءة المّاديّة للتّاريخ، و مهما يكن عنوان الحُكم السّياسي تفويضًا إلاهيًّا أو إقطاعيًّا أو أيُّ مُسمّى من المُسمّيات التي تحتكِرُ السُّلطة و القرار و وسائل تنفيذه و تتصرّف في مقدّرات البلاد و كأنها إرث عائلي و دون الإكتراث إلى السَّواد الأعظم و تكبّلُ الحُرِّيات و تُكمِّمُ الأفواه، فهي كُلّها في سلّة الديكتاتوريّة بالمعنى الحديث للكلمة.
و قد قطعت المُجتمعات الغربيّة إجمالاً أطوارًا تُحسَبُ بعشرات القرون، و قادت إلى ثورات فكريّة و إجتماعيّة و انتفاضات سالت الدّماءُ فيها إلى الرُّكب، و تُوِّجت بالثّورة الفرنسيّة عام 1789 التي قادت ترسيخ هذه المكاسب الفكريّة بمواثيق و خاصّة ميثاق حقوق الإنسان و المواطن، و تُرجِمت هذه المكاسب في دستور الجمهوريّة الخامسة لسنة 1958 و انتقلت عدوى هذا التغيير الجذري في العالم الغربي إلى كلّ الأقطار المُجاورة و أصبحت سلعة الفكر التنويري الفرنسي عملةً ذهبيّة يتطلّعُ إليها الغربيّون و يتبجّحون بها في كلّ المحافل، و يعتبر ميثاق الأمم المتّحدة ذروة سِنام ما وصل إليه الغرب في مجال التّحرّر من أجل الدّيمقراطيّة، حتّى أضحت هذه الكلمة " الديمقراطيّة" ليلى الغرب التي يتشدّقُ بها في كل المحافل أمام عُذَّالِهِ.
إلاَّ أنَّ الخطاب الإزدواجي للغرب في استعماله لهذا المُصطلح سلاحًا ذو حدّين انتُهِكت به الشعوب الشّرقيّة التي انهارت منذ أوائل القرن العشرين و تحديدًا منذ انهيار الرّجل المريض، و استُضعفت البقيّة المُتبقِّية حتّى موعد الإنفجار بهيروشيما و ناكزاكي و امتلأت أوحال الشّرق الدّموّية و كان ختامُها الإندوشين، و أمّا عن البقيّة المُتبقِّية فقد استُعبِدت الأغلبيّة الإفريقيّة و هنود أمريكا و أستراليا و تفتّتَ الرّجُلُ المريض لكي تقتسمه الدّول الغربيّة كفُتات الخُبز تأكل منه و من مُقدّراته ما يحلو لها و تُلقي بما لا يحلو لها إلى الجّحيم و تروّعُ أهله تخويفًا و ترهيبًا و تجويعًا و تغريبًا، و يبقى العراق شاهدًا على المأساة التي جاءتهُ من جرّاء ديمقراطيّة جورج ويلكر بوش و والده.
و ما لا ينكِرُهُ إلاَّ جاحد، بِأنّ هذه الدّيمقراطيّة التي عرفت أيّامًا نكراء، إلاّ أنّها كمفهوم فلسفي و سياسي و إقتصادي و إجتماعي عرفت أوّْجَ تطبيقاتِها منذ بداية الستّينات من القرن الماضي، أي تحديدًا منذ الدّعوة إلى تطبيق مبدأ حق الشّعوب في تقرير مصيرها الذي يُعتبر مُنعطفًا هامًّا و نيشانًا على صدر القانون الدّولي و إضافة فعّالة لعناوين الأممّ المُتّحدة بغضِّ النّظر إلى مصداقيّة التّطبيق، كما أينع مفهوم الدِّيمقراطيّة عندما تبنّت المُجتمعاتُ السِّياسيّة مبدأ فصل السُّلط الذي نادى بهِ مونتوسكيو و جون لوك منذ القرن الثامن عشر، و بذلك قُضِيَ نهائيًّا عن إشكال لطالما عانى منه العالم الأمرّين و لا تزالُ الشّعوب الشّرقيّة تسبحُ فيه لأذقانها، ألا و هي الدّيكتاتوريّة التي لا تُبقي و لا تذرْ و تأتي على الأخضر و لا يابس، و التي تُعتبر مُعضلة عبّر عن نبذها الغرب بشتّى الوسائل، منها الدّمويّة مثل الثّورة الفرنسيّة و منها الفكريّة التي عبّر عنها أدبُ الصّالونات و النّظريات الفلسفيّة و السِّياسيّة للدّولة عبر هيغل و سبينوزا و مونتوسكيو و جون لوك و النّظريات الإجتماعيّة كنظريّة العقد الإجتماعي للسويسري جون جاك روسُّو الذي اتخذ من فرنسا ملاذًا له.
إذا استقرأنا هذه المسيرة التي عرفها مفهوم الدّيمقراطيّة عبر التّاريخ، أمكننا تثمين ما وصل إليه المجتمع الغربي من نبذ لتشخيص السُّلطة الذي عانى منه من ذي قبل، فتخلّى إلى الأبد عن آليات الحفاظ على السُّلطة لفرد أو لمجموعة ضيّقة تخدم مصالحها على حساب الأغلبيّة السّاحقة للشّعب، و بذلك توصّل لوضع آليّاتٍ من شأنها أن تُعدِم هذا النّوع من النِّظام السّياسي الإستبدادي و استبداله بما يضمن استمرار المُساواة بين الحاكم و المحكوم و الحرّيات الأساسيّة و فصل السُّلطات و سيادة الشّعب عبر الممثّلين المباشرين له كما هو الشأن في النِّظام البرلماني الذي يضغط يضع الحكومة التي يرتئيها الشّعب و يُنهيها بحجب ثقته منها، و تُشكِّلُ صناديق الإقتراع الحلّ الأمثل للإنتخابات في كلّ مجالات تمثيل الشّعب، فيمتلِكُ بذلك الشّعب السُّلطة الحقيقيّة، و تُترجم هذه النُّقلة النّوعيّة على اختلافها الطّفيف في جُرعة الدّيمقراطيّة التي تتعاطها في وضع دساتير تُحدِّدُ الخطوط العريضة للدّولة و مؤسّساتها و نظام حُكمها و الحريّات الأساسيّة...
و كل هذه المكاسب تُعتبر من الثّوابت التي لا يُمكنُ التّخلِّي عنها و ضبط آليات تُرسِّخُ عدم تشخيص السُّلطة و عدم احتكارها و ضرورة انتقالها السِّلمي، فأصبح الحكم عبارة على مُمثِّلين عن الشّعب يُمكِنُ عزلهم في كلِّ آونة عن طريق صناديق الإقتراع و التّصويت المُباشِر، و بذلك وصل الغربُ في هذه النّاحيّة إلى برِّ الأمان و لا نزالُ نحن نتقلَّبُ في غياهِب ما عاناهُ بالأمس بسببِ تخلُّفِنا و بسببِ إحتلاله لنا و ترسيخ هذه الديكتاتوريّات التي يترنّمُ لتجاوزاتها الغرب، بل و يُكافؤهُ أحيانًا عليها.
و أمَّا عن نظام الحكم الإسلامي المفقود و أعني الشورى الذي يجد مصدره في القُرآن الكريم في قوله تعالى: " و أمرُهُم شُورى بينهم " و في قوله تعالى: " و شاورهُم في الأمر " و يستقي تطبيقاتهُ من خلال السُّنّة النّبويّة المُتمثّلة أساسًا في أقوال و أفعال و تقريرات النّبيِّ مُحمّد ، و التي تكادُ تكون السّمة التي رافقتهُ منذ أول يوم في بعثته إلى يوم وفاته و علّم أصحابه بالعملِ بها في دِقِّ الأمور و جُلِّها، و هكذا دأب عليها الخلفاء الرّاشدون الأربعة عليهم رضوان الله و شهِد لهُم العالم بذلك، فسارت سفينة التّنزيل على مبادئ ربّانيّة، أولاها لا إكراهَ في الدّين، و لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ و لا لِأعجميٍّ على عربيّ إلاَّ بالتّقوى و لا فرق بين الألوان فالنّاسُ سواسِي كأسنان المُشط، و اقتدى بسُنّته خلفاؤه حتّى قال عُمر الفاروق قولته المعروفة و التّي يُمكنُ تُلخِّصَ ميثاق حقوق الإنسان في كلمة: " متى استعبدتُم النّاس و قد ولدتهُم أُمهاتُهم أحرارًا " و عمِل هؤلاء العُظماء بالتّنزيل سواء كان قُرآنًا و سُنّةً حتّى ملؤا العالم عدلاً.
و سارت السّفينة رغم الطوارئ التي طرأت عليها إلاَّ أنّها استطاعت أن ترسّخ مبادئها على مرّ ثمانية قُرون و بما أنّ التّاريخ دول، فما سرّ غِبطة شعوب هذه الأمّة المُحمّديّة بالأمس هو نفسه الذي أبكاها اليوم دمًا و ضاقت عليها الأرض بما رحُبت حتّى تذيّلت الأُمم بسبب تخلُّفِها و فساد سلطانها، منذ أن قرّرت وَأْدَ نظام الحُكم الشوروي، فما أصابها فمن نفسها و ممن أراد بها ذلك تعنُّتًا.
و لكن خلف من بعد هؤلاء العُظماء خلف أضاعوا هذه المُكتسبات عندما أوغلوا في البُعد عمّا شرع لهم ربّهم و ما سنَّ لهم نبيّهُم، و بدّلوا الشُّورى بتحكيم الهوى، فأضلّهُم، و حلَّ الجور مكان العدل و الإستبداد مكان الشُّورى و حبّ الذَّات المُفرط، حتّى أصبحوا لُقمة يتقاسمُها الأقوياء، فأدخل المُحتلُّ البلبلة في مفاهيم دينها و مُعتقداتها و مكتسباتِها و نفثوا في هذه الحضارة ما نفثوا و دخلوا قُرَاهَا عُنوةً مُحتلِّين فأعزُّوا أذِلّتها و جعلوا أعِزّةَ أهلها أذِلّة... و من يستقرئُ تاريخ القرن الماضي يعلم بأنَّ هذه الحقائق يقينًا.
فكان نِتاجُ الدّيمقراطيّة المنشودة منذ عهد الإغريق، هذه الديمقراطيّة التي عرفت قِمّت نشوتِها و قِطاف ثمارها إلاّ في منتصف القرن الماضي و هي لا تزال تطوي الزّمان بكلّ ثِقة في مُكتسباتِها، إلاّ أنّ هذه الديمقراطيّة التي أسّست هذه الأنظمة المُعاصرة في الحُكم، و أحكمت في إيجاد آليات تُبعدُها عن الوقوع في مُعضلة الإستبداد، قد تكون هي السّبب المُباشر في المظالم التي لطالما ندّد بها الغرب نفسه و عانى منها الأمرّين، بل و واجهها بكلِّ ضراوة عند غيره و شهّّر بها في المحافل الدّولية و المحليّة مُتغنِّيًّا بليلاه مُزدريًا ليلى الآخر!
فهذه الجُّرعات الديمقراطيّة قد تكون سببًا في إنتحار بعض هذه الأنظمة و قد تكون السّبب المُؤدّي إلى ترسيخ ما عاناهُ الغرب على مرّ العُصور، فقد يكُونُ نِتاجُ الدِّيمقراطيّة العُنصريّة و الإستبداد ضدّ الأقلِّيات و التّمييز على أساس غير موضوعي كالدّين أو الجنس أو اللّغة... و هذه الزّلات التي يُمكِن أن تكون قاتلة ليس أمام الدِيمقراطيّة رادعًا أو على الأقل معيارًا مُتكاملاً يبرِّؤها من الوقوع في الزّلل، كما هو الحال بالنّسبة للشورى التي لها منهاج ربّانيّ ثابت، لا يُمكنُ أن تحيد عليه أبدًا، و سنُفصِّلُ ذلك لاحِقًا بإذن الله، بعد توصيف منزلقات الدّيمقراطيّة التي أصبحت في حاجة إلى أدوات التنشيط، كي لا تتهرّم !
حيث أنَّ الدِّيمقراطيّة تحمِلُ بين طيَّاتِها أدوات القضاء عليها و بُذُورَ نِهايتِها!
و أحسنُ مِثال واقعي على ما أسلفت، الجُرعة القاتلة للديمقراطيّة، تبدو للعيان من خلال صناديق الإقتراع و التّمثيل المُباشر للشّعب، إذ يُمكِن أن يجتمِع الشّعب إذا ما حكمتهُ الأهواء المُتطرّفة كأهواء اليمين المُتشدّد الذي تُسمعُ جعجعتُهُ تحت أسقُفِ البرلمانات منذ نهاية الحرب الباردة، فيتقدّمُ بمشاريع قوانين على أعلى مُستوى الهرم " الكلسيني " للقوانين، و تُعرضُ على الإستفتاء الشّعبي، و مع تصاعُد أصوات التّشدّد و اللّعب على وتر الفوبيا و النّفخ في أبواق الترسانات الإعلاميّة المُعادية لمن أريد القضاء عليه بالديمقراطيّة عينها.
بل و يُمكن من خلال هذه الدّيمقراطيّة تدمير شُعوبٍ بأسرها و انتهاك أرضه و مُقدّساته و أعراضه و استنزاف مُقدّراتهِ عبر صناديق الإقتراع أو عبر البرلمان التي هي عبارة عن دور عبادة لمعتنقي الدّيمقراطيّة، و الأمثلة لا حصر لها و أكتفي بذكر مثال العِراق الذي حورِبَ بل و دُمِّرَ و سُرقت مُقدّراتُه من خلال مجلس الشيّوخ المُراهقين و تحت غطاء دولي متمثّل في معقل حقوق الإنسان ألا و هي مُنظّمة الأُمم المُتّحِدة، الذي تعاهد فيه القوم على تقسيم أراضينا و تقديم فلسطين على طبق من ذهب للصّهيونيّة و تقتيل شعبها و ترويعه و تشريد المُتبقيّة، حتّى يبقوا فلسطنيين بدون فلسطين، فعلى ما اتّحدت هذه الأُممّ إذن إذا ما انتهكت عين الشّعارات التي رفعتها من ذي قبل كمبدإ حقِّ الشُّعوب في تقرير مصرعِها!
و المثل الثّاني المحلّي الذي يُظهِرُ هذا الفشل الذّريع للدِّيمقراطيّة إذا ما غاب عنها المعيار المُسبق لإحترام مبادئها، و أنَّ الجُرعة المُضافة أودت لانتحارها، فهي كما أسلفتُ تحمِلُ بذور منيّتِها في طيّاتِها، كما هو الحال في التّنقيح الذّستوري و القانون الجديد القاضي برفض بناء المآذن في سويسرا، مع أنّ هذا القانون هو في تكييفه القانوني المحض، هو غير دستوري بإجماع أهل الإختصاص و على رأسهم العميد باسكال ماهون و العميد آوير، و هما من المتضلِّعين و من رواد القانون العام السويسري.
فعن طريق صناديق الإقتراع كآداة لحكم الشعب نفسه بنفسه و عن طريق الإستفتاء المُقترح من لدن حزبين يمينيين مُتشدّدين و مُتطرّفين، أرادا حظر مزيد بناء المآذن في سويسرا عن طريق إضافة فقرة في الدّستور الفيدرالي السويسري تمنع هذه الأقليّة، دون غيرها من كمال تطبيق حرّيتها الدّينيّة مع أنّ نفس الدّستور يكفلُ لها و لغيرها حريّة المُعتقد و ممارسته بالطّرق التي يُتيحُها القانون بل و يعتبِرُها من الحقوق الأساسيّة التي تعتبر قُطبًا في رحى الدّيمقراطيّة.
و بذلك انتُهِكت هذه الحُريّة الدّينيّة و مُورِسَ التّمييز العُنصريّ على أساس الدّين بأدوات ديمقراطيّة، فما دام الشّعب أو الأغلبيّة، حتّى الأغلبيّة البّسيطة صوتت لهذا القانون فإنّهُ سَقّطٌ من رَحِمِ الديمقراطيّة، و على ذلك نقول، كما وقعت المُصادقة على هذا القانون الذي يتعارضُ جوهريًّا مع التّجربة الدّيمقراطيّة نظريًّا و عمليًّا، فكلُّ الإحتمالات تبقى واردة، فيُمكن مع تصاعد نبرات اليمين المُتشدِّد أن تُذبح أقليّةً ما، ما دامت الأغلبيّة قد صادقت على هذا المُقترح مهما كان عُنصريًّا و لا يمُتُّ بالإنسانيّة بِصِلة، فتُوضعُ الأقليَّاتُ في العناية المُركّزة و تنتظرُ في كلّ لحظة المُصادقة على قانون تهجيرها و تغريبِها و لا نستغرِبُ التّنكيل بها بدعوى دفع ثمن ضرائب الماضي هُنا و هُناك، فبعد حظر المآذن هناك دعوات يمينيّة بحظر مقابر المُسلمين و مقابر اليهود و لما لا غلق المساجد و كنيس اليهود؟ و حظر الحجاب كما وقعت المُصادقة عليه في البرلمان الفرنسي بدعوى اللائكيّة و فصل الدّين عن الدّولة، فهذه بعضُّ مُبرّرات الدّيمقراطيّة التي يستعمِلها مُعتنقيها، لضرب من يريدون إقصاؤه، و هذه قرينة غير قابلة للدّحض: بأنّ الديمقراطيّة تحملُ في طيّاتها بذور الإستبداد و ما يتناقض بصورة فاضحة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فبذلك يبقى هؤلاء الديمقراطيُّون يبحثون عن مُنشّطات محضورة علّها تُعيدُ شيئًا مِنَ الديّمقراطيّةِ للديمقراطيّة!
و تبقى في المُقابِل شورتُنا مَوءُودة تنتظرُ مهديها علّهُ يبعثُها من برزخِها الذي طال عليه الأمد، حتّى بلغت القلوب الحناجِر و ظننَّا بشورتِنا الظُّنُونَ!!!
الشيخ : مُحَمَّدْ حبيب مُصْطَفَى الشايبي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.