يضع الإعلام التونسي متابعه مباشرة في "العجين" دون أن يمكّنه من طرح الأسئلة المهمّة أو المحيّرة... فبدل أن تحكي لنا الشروق في خبرها الوارد عليها بتاريخ 28 سبتمبر 2013، عن هذه الطائرة بدون طيّار من حيث صنعها، وتاريخ دخولها العمل الميداني، والجهة التي جلبتها إلى الجبل (ولا أعني هنا الجيش الوطني وإنّما أعني السلطة العليا المخوّلة) ومن حيث التحكّم فيها ومراقبتها، ومن حيث حدود صلاحياتها المكانيّة (ولا يكفي القول أنّها بالجبل) والإجرائيّة، تنطلق الشروق مستبشرة بخصالها تصفها لنا - ونحن المتلقّين دائما - أنّها طائرة استطلاعية مهمتها رصد الهدف (أيّ هدف) وقصفه في نفس الوقت!... كما أنّ الشروق لا تعطي القارئ المتابع لهذه الطائرة "الإنجاز" بسطة عن كيفيّة رصدها الهدف ولا عن "ذكائها" الذي يمكّنها من التفريق بين الأهداف لا سيّما عند تشابه الأهداف (فقد بيّنت وسائل الإعلام التونسيّة "الخادمة" لأمن البلاد - الخائنة - أنّ "الإرهابيين" قد تمكّنوا من السيطرة على أزياء الجيش الوطني)، وتكتفي (ربّما) بإحالة من أراد فقه ذلك إلى مراجعة ما يجري على الحدود الباسكتانيّة الأفغانيّة بل داخل باكستان من عمليات الرّصد والقصف، فقد كانت على دقّة عالية ولم تصب إلّا رواد المدارس القرآنيّة الذين لم يجدوا لهم من بلدهم المالك للقنبلة الذرّية سندا تقف به معهم في وجه الطائرات بدون طيّار. وليسأل من أراد التعرّف أهل اليمن كذلك وأهل غزّة فكلّهم أهل خبرة وقع عليهم فعل طائرات الاستطلاع بدون طيّار!... وويح بلدي وويلها إن هي أسلمت نفسها بفعل الخونة فيها إلى الأمريكان والصهاينة يصولون ويجولون فينا يقتلوننا بعد رصد أكّد لديهم انتماءنا وإصرارها على الحفاظ على هويتنا!... ومن يمنع الطائرات بدون طيّار من قتلنا جميعا لا سيّما إذا امتنعت "الجهات المختصّة" ومنعت من معرفة عدد المستهدفين وهويّاتهم حفاظا على ما تراه هي من مصلحة المواطن الكريم!... ومن يمنع الطائرات بدون طيّار أن تقصف محطّات إرسالنا إذا قدّرت أنّ العدوّ قد تحصّن بها وأنّ خطره على المحطّة يفوق خطر تحطيمها وإتلافها!...
تتساءل الشروق عن مصير محطّة الإرسال التلفزي وتقدّم المشهد بشكل يسيء كثيرا إلى الجيش الوطني، تقدّمه عاجزا حتّى عن حماية محطّة تقع في أعلى الجبل في منطقة مكشوفة ناهيك عن قدرته على تطهير الجبل من "الإرهابيين" الافتراضيين (لازلت أشكّ في صحّة ما يقال في الموضوع حتّى تتّضح الحقيقة من الإرجاف... ويوم صرخ جنديّ مجهول من الجبل بيّن أنّ المسألة سياسيّة لا وجود لخيط حقيقة لما يقال حولها)!... تفعل ذلك ترحيبا وتثمينا بدور الطائرة بدون طيّار المكلّفة برصد المجموعات المسلّحة وقصفها!... يفشل جيش عتيد في تطهير جبل قال عنه النّاطق الرّسمي السابق باسم وزارة الدّفاع العميد مختار بن نصر أن لا وجود لإرهابيّ واحد فيه، وتنجح فيه طائرة بدون طيّار تكتشف "الإرهابيين" فتكشفهم وتقصفهم دون رحمة أو تمييز!... طائرة قد تنقذ جنودنا وعناصر أمننا من كابوس قتم سواده وطال أمده... طائرة قد تحدّ من مصاريف الدّولة على جهازين سياديين في البلاد (الدّفاع والدّاخليّة) أظهرت الطائرة - حسب الشروق - بنجاعتها في تحديد وقصف "الإرهابيين" عدم الحاجة إلى وجودهما!...
لا بدّ من إصلاح الإعلام في تونس، فهناك ما لا يجب تناوله بهذا الشكل غير اللائق!... لا بدّ أن يعرف التونسيون جميعا من أين جاءت هذه الطائرة وكيف دخلت إلى أجوائنا وإلى جبلنا فوق محطّة إرسالنا التلفزي!... بل لا بدّ من إيقاف هذه الطائرة إن وجدت فقد كانت جرائمها حيث ما خلّت كارثيّة غير إنسانيّة!... ولنذكر دائما أنّ الله قد كتب الإحسان على كلّ شيء حتّى أوصى الحبيب صلّى الله عليه وسلّم "وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة!... تكون القتلة في الحقّ ويقوم بها مميِّزون يعرفون الحقّ من الباطل!... وبئس قوم جعلوا أمر أمنهم إلى طائرة بدون طيّار وإن أودع فيها صانعوه ميزة "الذّكاء"!...