"أحسست بالحياة تتدفق بين يدي، لم أسمع يوماً صوتاً أجمل من صرختها الأولى" يقول الطبيب المشرف على المستشفى الميداني بحي القابون الدمشقي، ويضيف أنهم اعتادوا توديع "شهيد" أو أكثر كل يوم، إلا أنها المرة الأولى التي يستقبلون فيها روحاً جديدة في المستشفى. ففي قبو صغير لم تفارقه رائحة الدم ولا مشهد الموت منذ أشهر، واعتاد "خروج الشهداء" منه يومياً إلى مثواهم الأخير، أبصرت حياة جديدة النور الأربعاء، وأطلقت طفلة صرختها الأولى باعثة الأمل والحب في أرجاء المكان. هذا القبو ليس سوى المستشفى الميداني في حي القابون، والذي شهد لأول مرة منذ إنشائه عملية ولادة قيصرية، لسيدة من حي برزة وهي من سكان الحي القلة الذين فضلوا البقاء فيه بعد حصاره ونزوح أغلب المدنيين منه. عملية بالإنترنت ويحدثنا الطبيب عن الصعوبات التي واجهتهم أثناء ذلك العمل، فهو طبيب جراحة عامة لا خبرة سابقة لديه بعمليات مشابهة، إلا أنه لم يجد بداً من إجراء العملية حين جاءت الأم وزوجها يطلبان منه ذلك. غرفة العمليات في المستشفى الميداني في حي القابون الدمشقي (الجزيرة) ويتابع أنه لم يستطع رفض طلبهم، خصوصا في ظل عدم وجود أي طبيب توليد أو قابلة قانونية في المنطقة. وأخبرهم أنه يقوم بذلك للمرة الأولى في حياته، واتفق مع زوج السيدة على قدومها في اليوم التالي لإجراء العملية. وإزاء ذلك لم يكن أمامه سوى الاستعانة بالإنترنت. فأمضى طوال الليل واليوم التالي وهو يقرأ ويشاهد كل ما استطاع الحصول عليه من معلومات وأفلام تشرح طريقة العمل الجراحي الخاص بالولادة القيصرية. وفي اليوم التالي جاءت الأم وأجريت لها العملية التي استغرقت أكثر من الوقت المعتاد، "فرغم أنني حفظت كل الخطوات التي علي اتباعها إلا أنني حرصت على التأني في العمل خوفاً من حدوث مكروه للأم أو للطفلة، والحمد الله أنهينا العملية بنجاح تام"، يروي طبيب المستشفى والفرحة تملأ صوته. وعن هذه الحياة الجديدة التي ولدت من رحم الموت يقول وائل -أحد العاملين في المستشفى- للجزيرة نت إن عملية الولادة أضفت على حياتهم معنى جديداً يختلف عن كل ما مر عليهم حتى الآن. أيام متشابهات والمستشفى الميداني الحالي في حي القابون أنشئ في يوليو/تموز الماضي، وذلك بعد استهداف النظام للمستشفى الأساسي هناك في أول أيام الحملة العسكرية التي بدأت في ال12 من الشهر نفسه وأدت لنزوح أكثر من 90% من سكان الحي. طبيب المستشفى الميداني: لم أسمع يوماً صوتاً أجمل من صرخة الطفلة الأولى (الجزيرة) ويعمل في المستشفى كادر مؤلف من نحو عشرين شخصا، بين طبيب جراحة عامة، وطلاب طب، وممرضين وموظفين آخرين، ويقومون يومياً بمعالجة عشرات الجرحى وإجراء عمليات جراحية، في ظروف لا تخلو من مخاطر وصعوبات شتى. ويشير "وائل" إلى أن أبرز تلك الصعوبات هي الحصار المطبق على الحي الذي فرضته قوات النظام منذ حوالي أربعة أشهر، فمن المستحيل إدخال أي مواد غذائية أو طبية للحي، إضافة إلى استحالة الدخول والخروج لأي شخص كان، "ومع ذلك، لا زلنا قادرين على تقديم خدمات طبية جيدة ولم نعان حتى اليوم من أي نقص أو مشاكل طبية". ورغم الخطر الكبير الذي يعيشون فيه جراء تعرض الحي بشكل يومي للقصف العنيف بمختلف أنواع الأسلحة من مدفعية ودبابات وصواريخ، إلا أن وائل يرى في خيار البقاء مع من تبقى من المدنيين ومقاتلي الجيش الحر قرارا لا خيارا. ويضيف "أن الكثير منهم تركوا دراستهم وحياتهم وأهلهم وفضلوا البقاء في الحي لخدمة الجرحى والمصابين، وتقديم الإسعافات الأولية وإجراء العمليات الجراحية اللازمة". وخلص إلى أن الأيام هنا تتشابه، ولم يعد للوقت قيمة إلا بقدر ما نتمكن من إنقاذ المصابين من موت ينتظرهم.