لم يتمكن المجلس التأسيسي عقب انتخابات 23 أكتوبر من اختيار رئيس الحكومة إلا بعد مشاورات طويلة واتفاق بين الكتل وتدخل مراكز القوى لتقديم رؤيتها ليتسنى فيما بعد تمرير الشخصية التي تم الاتفاق عليها الى تزكية المجلس ، هذا بالنسبة الى تونس اما في ما يخص غيرها فانه وبإطلالة على الملكية الدستورية سنجد ان الملك لا يملك الى المباركة الآلية لرئيس الوزراء الذي تتفق عليه الأحزاب الفائزة في الانتخابات التي قد تكون ماراتونية وشاقة في العديد من الأحيان ، وحتى بالنسبة للملكية المطلقة في العالم العربي فان الملك عادة ما يفوت لمستشاريه في ترجيح الشخصية الأنسب لرئاسة الحكومة بعد الأخذ بجملة من الاعتبارات منها البعد العشائري والمزاج الشعبي والعديد من الأبعاد الداخلية والخارجية الأخرى. لكن في تونس ما راعنا الا وبعض الشخصيات والأحزاب وبعد ابتداع مسالة الرباعي الراعي تطاولت ليس على القانون فحسب وإنما حلى ابسط أبجديات المنطق وبلا رادع ولا خجل قدمت مقترحات قد تخجل منظومة هتلر و موسوليني وستالين من تقديمها ، لقد تناقلت وسائل الإعلام ان بعض المحسوبين على عالم السياسة زورا طالبوا لا بل قرروا ان صلاحيات اختيار رئيس الحكومة القادم من اختصاص السيد حسين العباسي ، بعضهم استأنس بعبارة السيسي الانقلابية “تفويض” وطالب بتفويض حسين العباسي لاختيار حاكم تونس المقبل بلا انتخابات ولا مشاورات ولا تزكيات ..”حسين يسمي والشعب يقول آمين” ، هذا يعني ان العباسي تبوأ مرتبة اكبر من مرتبة الرئيس ورئيس الحكومة والمجلس التأسيسي وجميع مؤسسات الدولة الأمنية منها والمدنية ، لقد تعاملت القوى السياسية الكبرى في البلاد مثلما تعاملت الشرعية مع السيد حسين العباسي على انه القرصان السياسي الأكبر في البلاد وهو الى ذلك عربيد الساحة الوطنية بامتياز بحكم امتلاكه لبعض الأدوات الخطيرة التي يستعملها دوريا في تهديد السلم الاجتماعي ، فاعتقدت الثلة المريبة التي امتهنت الاستغفال ان تقريب الرجل من صناعة القرار جاء ليثقله السياسي وليس لقدرته التدميرية الهائلة ، وقد ضحك هؤلاء على أنفسهم قبل ان يضحكوا على غيرهم حين طالبوا بتنصيب السيد حسين العباسي “مرشدا عاما للجمهورية التونسية” . نصر الدين السويلمي