عاتبني إخوة لي: لمَ لم تكتب يا عبدالحميد عن أخيك محسن الكعبي مؤبّنا!... أعترف بأنّي لم أفعل ولم أكن أعلم أنّي بذلك قد قصّرت، فقد علّقت على خبر أخي كلّما رأيت تأبينه هنا وهناك، وقد علّقت أوّل ما علّقت في جدار أخي هادي الفرجاني!... الموت لا يجعل العدوّ في أعرافنا عدوّا، بل الجميع يجتمع عند أرجل الميّت متسامحين مستغفرين، فكيف بالموت مع الأحبّة... فمحسن - كما ذكرت في أحد تعليقاتي - من دورة (القدس) وهي الدورة التي تأتي مباشرة بعد دورتي (أسد بن الفرات)، ما يعني أنّنا عاشرنا بعضنا البعض ثلاث سنوات كاملة في الأكاديميّة العسكريّة، والحمد لله أنّنا لم نر من بعضنا إلّا الاحترام المتبادل!... ثمّ شاء الله تعالى أن باعد بيننا العمل والظروف، فكانت في حقّي المجموعة الأمنيّة 1987 (مجموعة الإنقاذ الوطني) وكان في حقّة رحمه الله مجموعة برّاكة الساحل 91. والمجموعتان - لو نطق بعد حين التاريخ وأنصف - قد جاءتا سببا لتنقية الجهاز العسكري من كلّ ذي مروءة ومن كلّ ذي طموح شرعي خادم لمصلحة البلاد والعباد!... لم ألتق محسن منذ عشرات السنين (لعلّى لم أقابله منذ أن غادرت الأكاديميّة العسكريّة صيف 1979)، ولكنّي صرت أتابعه يوميّا تقريبا بعد أن فتح الله على تونس بالحريّة، وقد رأيته من خلال متابعتي - كما كان - فارسا من فرسان تونس الأحرار، وقد كان يسعى إلى إظهار الحقوق التي عمل على طمسها "الوطنيون" حتّى وافاه الأجل رحمه الله!... أصيب محسن في قلبه، وقد كتبت سابقا أنّ القلب لا يُصاب إلّا إذا كان صالحا سليما (بالمعنى المحمّدي للكلمة) فإنّ القلب الفاسد لا يحمل هموما تُمرضه، وشاء الله تعالى أن يأخذه إليه، فلله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى... أصيب محسن في قلبه، ورجوت الله تعالى أن يقبله من الشهداء الأبرار، من تلك الأصناف التي عدّدها الحبيب صلّى الله عليه وسلّم ومنها المبطون!... أسأل الله لأخي محسن الفردوس الأعلى من الجنّة، وأن يخلفه في أهله ويعوّضهم فيه خيرا، وأن ينزل عليهم السكينة ويفرغ عليهم صبرا... وإنّا لله وإنّا إليه راجعون...