التقت الحوار نت السيد العجمي الوريمي عضو المكتب المكتب التنفيذي لحركة النهضة والمسؤول عن مكتب الإعلام أثناء زيارته لمدينة بون بألمانيا. وقد تحدث السيد العجمي الوريمي عن مسار الانتقال الديمقراطي في تونس وما تحقق فيه من انجازات، وبين رؤية حركة النهضة للدستور الجديد و ما يليه من خطوات توصل تونس إلى انتخابات حرة نزيهة وتضع دعائم المؤسسات الدائمة للدولة. "الدستور هو المرجع الذي يبطن إلغاء المراجع التي سبقتها وتعديل القوانين التي لا تتناسب معه، إلا ما كان أسمى منه كالقرآن الكريم مثلا، إذ لا سلطان للدستور على النص المقدس بل هو حارس له وعاصم له من كل اعتداء وكأني بالدستور جاء مصداقا للآية الكرية "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" "الدستور هو النص الوضعي المتواطأ عليه الجامع للقيم والحافظ للمقدس في مصالحة هي الأولى في الأزمنة الحديثة بين القيم الإسلامية والقيم الديمقراطية".
الحوار نت: سيد عجمي الوريمي، مرحبا بك ضيفا على الحوار نت. العجمي الوريمي: مرحبا بكم وبقراء الحوار نت. الحوارنت: كيف تقيم حركة النهضة هذا الجزء من المرحلة الانتقالية الذي توج بإنجاز الدستور وما هو رأيكم في هذا المنجز؟ العجمي الوريمي: الدستور مطلب من مطالب الثورة ومن مطالب شباب الثورة والقوى السياسية المناضلة المقاومة للدكتاتورية لعقود وسنوات. وقد أنجز في إطار الالتزام بتحقيق أهداف الثورة مثلما كانت في جانبها السياسي ثورة من أجل الانتخابات ومن أجل برلمان، فإن انتخاب المجلس التأسيسي كان من أجل الدستور. الجماهير التي نزلت إلى الشارع في القصبة 2 واعتصمت لأسابيع ، طالبت بالقطع مع الماضي. جسدت القطيعة في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وفي المجلس التأسيسي. قبل القصبة 2 بقيت الأوضاع تتأرجح بين منطق العمل ضمن الإطار الدستوري القديم، ومنطق العمل بمقتضيات الإنجاز الثوري المتمثل في الانتفاضة الشعبية المظفرة ضد استبداد النظام السياسي وما تمّ تسميته بالدكتاتورية ومنظومة الدكتاتورية. كانت القصبة 2 مرحلة أساسية من مراحل تفكيك الدكتاتورية. وكان الدستور محطة مهمة في بناء الأوضاع الجديدة وإفشال خطط ومحاولات الالتفاف على الثورة، ومنع عودة المنظومة القديمة برموزها وتشريعاتها. الدستور وهو انجاز توافقي لائتلاف واسع من قوى الثورة فتح الطريق نحو المستقبل وأعطى الدليل بأن التونسيين مصممون على النجاح في حل مشكل السلطة بشكل غير مسبوق وإدخال البلاد طور الحداثة السياسية، وهي دورة حضارية جديدة وفر فيها شعبنا شروط إمكان ماعجزت عنه النخب التقليدية والإصلاحية والتغريبية والحداثوية. وأعتقد بأن لحركة النهضة الدور الحاسم في جعل هذه النقلة النوعية أمر ممكن وحقيقة ملموسة إذ أن كل محاولات النخبة السابقة توجت بالإخفاق بسبب العوامل الذاتية والموضوعية والعوائق المعرفية والاجتماعية والسياسية، فكانت كل محاولاتها في النهوض إعادة لإنتاج الاستبداد. ففي كل مرة تتغير الواجهة واللافتة والشعار ولكن المضمون يظل هو نفسه. وبإنجاز الدستور تكون حركة النهوض المعاصر بمرجعيتها الثورية والتجديدية قد حققت اجتهادا موفقا، جعل تونس وشعبها ونخبتها تعلو في سماء المنطقة نجمة مضيئة تبشر بالحرية وميلاد فجر جديد وعصر جديد. الحوار نت: إن الانطباع الإيجابي العام الذي تلا ختم الدستور لا يمنع من بعض الهواجس المتمثلة في بقاء الدستور حبرا على ورق، أو أن يؤول بشكل ينافي روحه ومبادئه. فما هي مقاربة حركة النهضة للتعامل مع هذه المحاذير؟ العجمي الوريمي: مازلنا في مرحلة تأسيسية وانتقالية فيها التجربة والخطأ، وفيها السجال والتجاذب واالمراجعات المستمرة ولكن أهمية الدستور أنه يمثل حجر الأساس في البناء المنشود، فما سيتلوه سينبثق منه وينبني عليه وبما أنه يحتوى جماع القيم التي قامت لأجلها الثورة، كالحرية والعدالة والكرامة وجملة المبادئ الإنسانية التي تناضل من أجلها الشعوب في العالم. فإنه سيظل مشروعا ينفّذ على مراحل تفضي كل واحدة منها إلى الأخرى. لكنه جعل للتطبيق وليس للوضع في الرفوف ولا خشية من أن يبقى حبرا على ورق فهو قانون أساسي يستدعي ضرورة قوانين أخرى ونص يستدعي شروحه ويفرض تفعيله. فهو يتمتع بالحياة على الأقل منذ لحظة المصادقة والختم والنشر في الجريدة الرسمية. فهو المرجع الذي يبطن إلغاء المراجع التي سبقتها وتعديل القوانين التي لا تتناسب معه، إلا ما كان أسمى منه كالقرآن الكريم مثلا، إذ لا سلطان للدستور على النص المقدس بل هو حارس له وعاصم له من كل اعتداء وكأني بالدستور جاء مصداقا للآية الكرية "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فهو النص الوضعي المتواطئ عليه الجامع للقيم والحافظ للمقدس في مصالحة هي الأولى في الأزمنة الحديثة بين القيم الإسلامية والقيم الديمقراطية. الحوار نت: ما رأيكم في الفصول المتعلقة بالسلطة القضائية، التي أبدى عدد من القضاة عدم رضاهم عنها والتحفظ على نجاعة الفصول المذكورة في تحقيق استقلال السلطة القضائية ؟ العجمي الوريمي: أعتقد أن السادة القضاة حققوا ما كانوا يأملونه من التنصيص الصريح على استقلال القضاء. وما احتواه دستورنا فيه كل ما تشترطه المعايير الدولية لاستقلال القضاء. وماتضمنته دساتير أكثر البلدان عراقة في الديمقراطية. بالتأكيد أن منظومتنا القضائية مختلفة عن منظومات قضائية في بلدان أخرى، لذلك كان ينبغي ابتكار صيغ تعبر عنا وتحتوى عناصر من منظومات مغايرة لكنها معبرة عن نفس الروح، أي الفصل بين السلطات، والتوازن بين السلطات، والتكامل بين السلطات، ومبدإ استقلال القضاء. استقلال القضاء لا يعني بداهة أن القاضي غير مقيد أو أنه فوق القانون، فالسلطة القضائية الواسعة والمستقلة تحتاج إلى الحماية من الدستور وإلى التحديد بالقانون وهذا ما سعى إليه دستورنا. ويبقى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة، واحد في الجنة واثنان في النار" هو المعيار بأن غاية القضاء تحقيق العدل وتسوية الناس أمام القانون وضمان هيبة القانون والاحتكام إلى الضمير وكبح جماح الأهواء والمشاعر الذاتية عند النظر في النوازل والحكم فيها. الحوار نت: قدمت المعارضة رؤية لمهام الحكومة الجديدة تتمثل في تحييد الإدارة بمراجعة التعيينات وتوفير المناخ المناسب لإجراء الانتخابات المقبلة بحل روابط حماية الثورة ومقاومة الإرهاب والتهريب بأكثر نجاعة، فما هي رؤية حركة النهضة لمهام الحكومة الجديدة؟ العجمي الوريمي: لم يعد هناك ترويكا حاكمة بل هناك ترويكا سياسية قابلة للاستمرار والتوسع والانحسار وبالتالي لم تعد هناك معارضة لأحزاب في الحكم. فالمشهد الجديد ليس مشهد معارضة وأغلبية بل أحزاب منتافسة تجاه حكومة مستقلة غير معنية بالتجاذبات الحزبية لا يهمها من التوافق إلا ما ييسر لها تنفيذ برنامجها وتحسين المناخات الاجتماعية والسياسية والأمنية، وبالتالي فهي لا تنفذ مطالب طرف من الأطراف ولو كان هذا الطرف هو معارضة الأمس أو الطرف الحاكم قبل أن تأتي هي إلى الوجود، لكنها بكل تأكيد ملزمة تعاقديا بما جاء في خارطة الطريق مما لم يفقد مبرراته بتغير السياق وما لا يهدد التوافق الذي أعطانا الحكومة الجديدة وأعطانا الهيئة المستقلة للانتخابات، وسيعطينا القانون الانتخابي وبما لا يمس من صلاحيات المجلس التأسيسي بل أسمح لنفسي أن أضيف بما لا يمس السلم المدنية والأهلية. إذ أن الحوار الوطني ملزم لمن اشترك فيه وألزم نفسه به، غير ملزم إلا على وجه التعسف لمن لم ينخرط فيه ولم ير له مبررا وعارض مقاصده منذ الوهلة الأولى كمن رأى فيه انقلابا على الشرعية الانتخابية وابتزازا لطرف سياسيّ وإنفاذا لسيناريو انقلابي يقضي بإخراج النهضة من الحكم ولو كان الثمن نسف العملية السياسية بكاملها. هؤلاء الذين هادنوا مسار الحوار الوطني لن يقبلوا اشتراطاته إذا طالت وجودهم ودورهم ونالت من حريتهم وحقوقهم. ويبدو أن الحكومة الجديدة تعي دقّة المعادلة بين مستوجبات الحوار ومستوجبات السلم الأهلية ومدركة للرهانات المختلفة لكل طرف. وهذا ما يمكن استنتاجه من ردود رئيس الحكومة الجديدة على النواب أثناء الحديث عن بعض بنود خارطة الطريق. الحوار نت: هل تعتبر حركة النهضة أن الحوار الوطني قد استكمل مهامه في المرحلة الراهنة بعد إنجاز الدستور والهيأة العليا المستقلة للانتخابات والحكومة الجديدة، أم أنه سيبقى مرافقا للمسار الانتقالي حتى محطة الانتخابات القادمة؟ العجمي الوريمي: لاتزال هناك جولات أخرى من الحوار، من ذلك النظر في موعد الانتخابات، وهل تكون الانتخابات الرئاسية والتشريعية متزامنة أم لا. وأيضا القانون الانتخابي الذي تمّ ارجاء البتّ فيه وهو جزء من المسار الانتخابي المنصوص عليه في خارطة الطريق، ثمّ إرجاء النظر فيه إلى ما بعد المصادقة على الدستور ومنح الثقة للحكومة، وهو أمر بات مستعجلا حتى تؤدي الهيئة المستقلة للانتخابات دورها على أكمل وجه، وتبدأ استعداداتها الفعلية بتنفيذ المراحل الموصلة للانتخابات. كما أن الحوار الوطني سيرافق عمل الحكومة، ليس باعتباره سلطة رقابة فتلك مهمة المجلس التأسيسي وإنما باعتباره قوّة اقتراح وجهة إسناد. فالحوار يعتبر أن له التزام ذاتي مبدئي تجاه الحكومة التي فصّلها على منوال ما جاء في خارطة الطريق وانتزع لها صلاحيات أوسع مما كانت لسابقتها. إذ لم يعد سحب الثقة منها إلا بثلاثة أخماس نواب المجلس وليس بالأغلبية المطلقة. الحوار ليس وصيا على الحكومة، لكن من واجبه أن يمنع أيّ طرف حزبيّ أو اجتماعي من أن يملي عليها إرادته أو يمارس عليها الضغوط خارج إطار التفويض والثقة التي نالتها من الحوار الوطني والمجلس التأسيسي. الحوار نت: هل النهضة مع القانون الانتخابي المعتمد في انتخابات 23 أكتوبر 2011 أم هي مع تعديله أو اقتراح صيغة جديدة؟ العجمي الوريمي: القانون الانتخابي ينبغي أن يحقق تكافأ الفرص في المنطلق وأن يضمن تمثيل كل الأطراف وأن يعطينا برلمانا تعدديا، لا برلمان بلون واحد، وحكومة مستقرة قادرة على الحصول على قاعدة واسعة، فلا تكون حكومة الحزب الواحد، أو حكومة هشة عرضة للابتزاز أو فقدان الثقة لأبسط الأسباب. وهذا يتطلب وجود أقطاب سياسية كبيرة يمكن أن تحكم ضمن ائتلاف بين الكبار. أو ائتلاف بين حزب كبير ومجموعة أحزاب صغيرة، مع معارضة محترمة بما يكفل التوازن عند الاختلاف، والتضامن عند الأزمات. الحوار نت: أستاذ العجمي نشكرك على هذا الحوار ونتمنى أن يكون لنا معك لقاءات أخرى في مناسبات لاحقة. حاورته كوثر الزروي يوم 2 فيفري 2014