نبيل عمار في زيارة لشركتيْن تونسيتيْن في الكامرون    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية بوزير الثقافة الإيطالي..    وفاة الصحفي كمال السماري    حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ بهذه الولاية..    تونس: إمضاء اتفاقية تمكن صغار مربي الماشية من إقتناء الأعلاف الخشنة    صفاقس : خطأ عند الانتاج أم تحيل على المستهلك    بطولة الرابطة المحترفة الأولى: النتائج والترتيب    دورة مدريد: أنس جابر تنتصر على الكندية ليلى فرنانديز    6 مليارات لتسوية ملفّات المنع من الانتداب…فهل هيئة المخلوفي قادرة على ذلك    طقس الليلة    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    وزير الثقافة الإيطالي: نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس    تامر حسني يعتذر من فنانة    ملكة جمال ألمانيا تتعرض للتنمر لهذا السبب    أمين قارة يكشف سبب مغادرته قناة الحوار التونسي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    مصر.. تصريحات أزهرية تثير غضبا حول الشاب وخطيبته وداعية يرد    وزيرة الاقتصاد والتخطيط تترأس الوفد التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    ملامحها "الفاتنة" أثارت الشكوك.. ستينيّة تفوز بلقب ملكة جمال    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    وزيرة التربية تطلع خلال زيارة بمعهد المكفوفين ببئر القصعة على ظروف إقامة التلاميذ    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات مواليد 2007-2008- المنتخب المصري يتوج بالبطولة    فرنسا تعتزم المشاركة في مشروع مغربي للطاقة في الصحراء    استقرار نسبة الفائدة الرئيسية في تركيا في حدود 50%    بي هاش بنك: ارتفاع الناتج البنكي الصافي إلى 166 مليون دينار نهاية الربع الأول من العام الحالي    بنزرت: الافراج عن 23 شخصا محتفظ بهم في قضيّة الفولاذ    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 27 أفريل    المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    عاجل/ نحو إقرار تجريم كراء المنازل للأجانب..    استشهاد شابين فلسطينيين وإصابة اثنين آخرين بنيران الاحتلال الصهيوني غربي "جنين"..#خبر_عاجل    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    تونس تسعى لتسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لليونسكو    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    تقلص العجز التجاري الشهري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العجمي الوريمي : الهوية من مطالب الثورة.. و هذا ما اريد قوله للشباب الاسلامي الذي مازال يؤمن بدولة الخلافة !

اطروحته المكتوبة بخط يده حول فلسفة ابن سينا هي الشيء الوحيد الذي استطاع العجمي الوريمي ان ينقذه من التلف بعد تجربة سجنية تجاوزت العشر سنوات. سقط بعض شعره ودخل مرحلة الاربعينات. لست متأكدا وانا اجلس مع من كان يلقب تنظيميا ب "هيثم" ان الثورة قد بعثت فيه روحا وفكرا جديدين بعد رحلة طويلة من السرية الى السجون وصولا الى السلطة.
الامر المؤكد ان العجمي يمثل أحد رموز مسيرة الحركة الاسلامية في تونس وحركة النهضة تحديدا بحلوها ومرها. فهو يربط بين جيلين لحركة النهضة، جيل المؤسسين والوافدين عليها من الشباب الجديد.ربما يكون من القيادات التاريخية القليلة التي يمكن ان تقدم تقييما لمسيرتها طوال اكثر من ربع قرن.
في هذا الحوار لمست ترددا فكريا وسياسيا في حسم امور اساسية وهو امر يعزى في اعتقادي الى تردد حركة النهضة ذانها في الحسم في عديد الملفات والاطروحات العالقة من قبيل، مقولة الدولة الاسلامية و العلمانية وموقفها خاصة من البورقيبية، ومن مؤسس الجمهورية الجبيب بورقيبة تحديدا.
في ما يلي الحوار كاملا مع العجمي الوريمي:
*بعد 32 سنة من تأسيس النهضة، شهدت فيها الحركة تحولات وغيرت تسميتها ثلاث مرات , من الجماعة الاسلامية الى حركة الاتجاه الاسلامي الى النهضة.. و بعد رحلة السرية والقمع والسجون والمنافي تجد النهضة نفسها اليوم في هرم السلطة. فهل حققت الحركة الاسلامية ذروة مشروعها السياسي وطموحها الاكبر بوصولها الى السلطة؟
**العجمي الوريمي: بسم الله الرحمان الرحيم. لو كان مشروع النهضة هو الوصول الى السلطة لخلصنا في واقع الحال الى القول بان هذا المشروع توج بهدفه الاسمى. ولكني لا اعتقد ان مشروع النهضة هو الوصول الى السلطة. السلطة ليست غاية لنا في حد ذاتها ولا يمكن ان تكون غاية. ما يمكن ان نقوله الان ان حركة النهضة وحركة الاتجاه الاسلامي سابقا والجماعة الاسلامية قبل ذلك هي الان تعيش واقعا جديدا عن تجربة الحكم. اليوم نحن نعيش تجربة الحكم في فترة انتقال ديمقراطي في مناخ ثوري اهلنا للوصول الى الحكم بانتخابات حرة ونزيهة وشفافة بشهادة الجميع وبالتالي فان النهضة تعيش تجربة الحكم بعد تجربة سياسية مرة عاشها المجتمع التونسي ككل. و ازعم ان تجربة الحكم بالنسبة للنهضة هي احدى تجاربها العديدة و لعلها التجربة الاهم في تاريخها خاصة انها تتنزل في مناخ ثوري وظرف انتقالي ومرحلة تأسيسية لمستقبل الديمقراطية في البلاد ككل. ربما اهمية تجربة الحكم بالنسبة للنهضة انها تأتي والنهضة تخرج من محنة طويلة وقاسية تشتتت فيها الحركة على ثلاث دوائر هي الدائرة السجنية ودائرة المنفى وداخل الحصار الداخلي لمن بقي من اعضائها في حالة سراح. من المهم القول ان الحركة قد صمدت في مواجهة هذا الوضع ولم يتوقف نموها، ربما تقلص نموها الافقي ولكنها نجحت في استمرارية نموها العمودي والنوعي حيث واصلت الحركة انتاج نخبتها. صحيح ان نسق التطور داخل النهضة وقع قطعه وعمل النظام على كسر الرابطة بين اجيالها المتعاقبة. صحيح ان كياننا تعرض الى هزة كادت ان تؤدي بوحدة الكيان و وجودها ولكن الحركة نجحت في الخروج من عنق الزجاجة. حاول النظام شغل الحركة بمعركة الوجود عن حركة التجديد ولكننا رغم كل الظروف استطعنا ان نزاوج بين الطريقين وتأكد هذا بعد الثورة في المسار الذي اتخذته النهضة في بناء ذاتها بالتساوق مع بناء الدولة. اريد ان اعرج بالقول ان النهضة كانت مقبلة قبل محنة 1987 على احداث تغييرات جوهرية في بنائها التنظيمي والفكري والثقافي والسياسي ولكن وضعية الصدام الذي فرض عليها فرض عليها الانشغال بمعركة الحق في الوجود. و اعيقت طوال العشريات الاخيرة محاولات تطور النهضة وظلت الحركة مشغولة بمعركة الحق في وجودها.
*اعتقد ان معركة الوجود هذه التي تتحدث عنها انتهت الى ما يشبه الاستقالة عند البعض و الانسلاخ عند البعض الاخر … دعني اقول لك صراحة ان الثورة التي قام بها شباب الثورة في تونس انقذت النهضة. البعض فسر الامر بالتدخل الالهي و اخرون اعتبروها ارادة التاريخ. في كل الاحوال الا تعتقد معي ان النهضة كانت ستنتهي تماما لولا الثورة؟ اكثر من ذلك والمفارقة انكم كنتم الطرف الاكثر استفادة من الثورة في فترة اشرفت فيها الحركة على الاندثار!
** العجمي الوريمي: هذا تحليل غير صحيح.الثورة فتحت افاقا لكل فعاليات المجتمع التونسي.لم نكن المستفيدين الوحيدين منها. الثورة وفرت الشرط التاريخي لاحداث الاصلاحات الديمقراطية و وفرت الظروف الملائمة لتفكيك المنظومة القديمة وتأسيس اوضاع جديدة على اسس صحيحة. ما اريد تصحيحه في تحليلك ان النهضة كانت لا الطرف الاكثر استفادة ولكن الطرف الاكثر تهيؤا لاستيعاب اللحظة التاريخية.
*كيف ذلك والحال انكم كنتم الى غاية يوم 13 جانفي القوة السياسية الاقل حضورا في الشارع كما في مؤسسات المجتمع المدني , هذا اذا استثنينا بعض النقابات القليلة من قبيل عمادة المحامين وجمعية المحامين الشبان ؟
** العجمي الوريمي: خلافا لقولك هذا،نحن عدنا الى الساحة السياسية بشكل غير رسمي منذ تأسيس حركة 18 أكتوبر التي كانت تحالفا لجميع القوي التي سعت لتغيير حقيقي في البلاد. يعني خلافا لقولك نحن لم نعد يوم 14 جانفي. كانت عودتنا قبل تاريخ هروب بن علي بكثير.
*و لكنكم كنتم تقريبا الطرف الاضعف في حركة 18 أكتوبر. ومرة اخرى العديديون يعتبرون ان استحواذكم على الجزء الاكبر من ثمار الثورة لم يكن متساوقا مع مطالب ثورة الحرية والكرامة؟
العجمي الوريمي: لا يمكن النظر الى التغيير السياسي في البلاد فقط انطلاقا مما حدث يوم 14 جانفي تحديدا. انا ازعم ان هروب بن علي اسس لمرحلة ما بعد العلمانية في تونس اي ان كل المشاريع الاصلاحية والسياسية في البلاد استوفت اغراضها وانكشفت حدودها وبالتالي كان يجب ان يأخذ المكون الاسلامي وضعه في الخارطة السياسية وان يأخذ دوره في صياغة مستقبل البلاد وكان ثمة نوع من الشعور بان هناك ضرورة تاريخية وملحة حتى لا اقول بضرورة حتمية لكي يتم توسيع المنظومة السياسية لاستيعاب المكون الاسلامي. كانت بلادنا مع الثورة تحتاج الى نوع من المصالحة مع الذات ونوع من تجاوز الاخطاء التي وقعت في الماضي والتي استخدمت فيها ادوات الدولة من اجل تفكيك البنيات التقليدية او غربة الثقافة وعلمنة المجتمع والدولة بادوات الدولة نفسها، بينت هذه التجربة العلمانية على ضيق افقها محدوديتها. وكان عنوان هذه المرحلة الجديدة الاصلاحات السياسية الواسعة لكن باعطاء الاسلاميين دورهم الحقيقي.
*الحديث عن علمانية نظام بن علي امر غير دقيق في اعتقادي وهذا امر فيه جدل ليس هذا مجاله، و لكني اريد ان اعرج على فرضيتك التي تتحدث عن المطالب الثقافية للثورة على اعتبار انها في اعتقادك ثورة رفعت شعارات العودة الى الهوية والقيم العربية الاسلامية. الثورة كان اساسها المطالب الاجتماعية والاقتصادية في الخبز والكرامة والحريات السياسية فأين مطالب الهوية في كل ما حدث؟
** العجمي الوريمي: انا اقصد في حديثي ان تونس ما بعد الثورة تهيأت لدخول فترة ما بعد العلمانية، هذه العلمانية كما تخيلها الناس وكما تلبست بالسلطة وكما طبقت في الواقع وكما تم تكريسها والتي شوهت هوية البلاد في الصميم. كانت هناك ازمة هوية في تونس ولا يمكن ان ننكر ذلك.
*لكن اسمح لي ان اقاطعك .. يعني ان الشباب الذين خرجوا الى الشوارع يوم 14 جانفي كانوا يطالبون بالهوية؟!
** العجمي الوريمي: عنصر الهوية ليس هو عنصر ظاهر بالضرورة.
*هو عنصر باطني؟!
** العجمي الوريمي: هو عنصر ضمني متضمن في كل المطالب. كل المطالب الاخرى، الحرية والعدالة والكرامة لها خلفيات واساسها الهوية. الجانب الرمزي في الثورة كان حاضرا بقوة من حيث الشعارات والخروج يوم الجمعة وما ادراك ما يوم الجمعة، هذا اليوم الذي حمل رمزية في الربيع العربي ككل.
*على كل،الشباب الذين تجمعوا امام الداخلية لم يخرجوا من المساجد في المظاهرات .صحيح سمعنا "تكبيرا" لكنه كان ممزوجا بعبارات نابية تشتم العائلة المستشرية.
** العجمي الوريمي: في كل الحالات لا يمكن ان نفصل ما حدث عن اعماق الشعب وخلفيته الثقافية بل انا اجزم ان هذه الثورة احيت القيم الاصيلة في نفوسنا وهي قيم فطرية وحضارية ودينية ولقد عشنا لحظات شعرنا فيها بمعنى الاخاء ومعاني الانتماء و التضامن ومعاني الحرية و البذل .. كل هذه القيم كانت غائبة من قبل في علاقاتنا لكي لا اقول انه وقع نفض الغبار عليها وتم تفعيلها في الواقع. شهدنا لحظة توحد تاريخية مع هويتنا الثقافية والحضارية في بعدها القيمي والانساني. نعم عشنا ثورة اجتماعية ولكنها كانت كذلك ثورة قيم والا لكانت عملا عبثيا.
*على كل حال اعتقد اننا مجمعون على اننا لم نقم بثورة اسلامية في تونس!
** العجمي الوريمي: انا لم اقل انها ثورة ايديولوجية . انا قلت انها ثورة قيم.
*نعم انها ثورة قيم انسانية!
** العجمي الوريمي: على كل حال لم تكن ثورة عمياء، كانت ثورة تقودها قيم و مبادئ و اهداف كبرى. كانت ثورة مبادئ ضد الاستبداد وضد الظلم وضد التهميش وضد التبعية الذليلة وضد ما اصاب صورة البلاد جراء سياسات خاطئة.
* طيب دعني اعود بك الى نقطة البدء في حوارنا بأننا نتحدث عن هوية الثورة ودوافعها، حركة النهضة حركة اسلامية كما هو معلوم ولكن دعني اطرح عليك سؤال مباشرا : بعد 32 من التأسيس، هل تخلت النهضة عن مشروع اقامة الدولة الاسلامية؟!
** العجمي الوريمي : الفرصة التي اتاحتها الثورة، وربما الرسالة التي قرأتها النهضة من الثورة هي ان هذه الثورة ستبقى مرجعا ولا يمكن الحديث عن الماضي دون الحديث عن الثورة ولا يمكن الحديث عن المستقبل دون الحديث عن الثورة. الثورة اتاحت الفرصة التاريخية لحل مشكلة السلطة في البلدان والثقافة العربية وفي واقعنا بشكل عام. الثورة وفرت فرصة ان يكون المدخل الى الحداثة السياسية هو حل مشكلة السلطة او ان يكون المدخل الى النهوض الحقيقي. وبالتالي وعودا الى سؤالك اعتقد ان حل مشكلة السلطة يتيح المجال لتحقيق مشروع النهضة ومشروعنا الحقيقي هو هذا.
*لم افهم .. انا طرحت عليك سؤالا مباشرا، واكرره : هل تخلت حركة النهضة عن مشروع تحقيق الدولة الاسلامية.. انتم حركة اسلامية يا سي العجمي وتؤمنون بالدولة الاسلامية ؟
**العجمي الوريمي (يضحك) .. نعم نحن حركة اسلامية و ما الاشكال في ذلك ؟
*اذن هل تخليتم عن مشروع اقامة الدولة الاسلامية؟
**الدولة التي اسميتها الدولة الاسلامية ؟
*لا لست انا من اطلق التسمية.. كل الادبيات الاسلامية تتحدث عن هذا الامر والشيخ راشد الغنوشي له كتاب عنوانه" الحريات العامة في الدولة الاسلامية" .
**نعم.. الدولة في المخيال المناضل الاسلامي و في مخيال المنتسب للحركة الاسلامية هي التي تكون فيها المدينة فاضلة والحاكم عادلا و التي لا يظلم فيها احد والتي لا يقهر فيها احد .
*يعني الدولة الاسلامية هي دولة رمزية؟
**لا , هي دولة الكرامة ودولة الحرية ودولة العدالة وهي التي نسميها اليوم الدولة الحديثة , دولة القانون والمؤسسات. فالدولة الاسلامية ليست هي دولة ايديولوجية.
*اسمح لي بالمقاطعة، يعني لما تحدث الشيخ راشد الغنوشي في حي التضامن الشهر الماضي و قال لاتباع النهضة في اجتماع خاص بان الدولة التي نعيشها هي دولة اسلامية , توافقه في هذا المنحى؟
**الدولة الاسلامية هي دولة القانون والمؤسسات فالحريات العامة من المنظور الاسلامي تحمل نفس مضمون دولة القانون.
*يعني نحن اليوم نعيش دولة اسلامية؟
**نحن اليوم نعيش ظرفا انتقاليا .هذا الظرف يتسم باستمرارية الدولة ولكن الدولة تحتاج الى اصلاحات عميقة. والدولة هي تنظيم اجتماعي متطور حتى لو كانت قائمة من الاركان والثوابت والمؤسسات. ما الذي يحدث الان؟ نحن نعيش عملية التطوير باسسه القانونية والسياسية ومضامينه الاجتماعية. ولذلك انا اقول ان الصفة في حد ذاتها ليست مهمة ولكن المهم هو المضمون. المضمون لم يكن مضمونا ديمقراطيا ، الدولة كانت استبدادية بوليسية، لم تكن الدولة دولة قانون ومؤسسات . كانت دولة يتحكم فيها حزب وفرد ولم تكن معبرة عن ارادة شعبية. اليوم بدأنا في حل مشكلة السلطة بناء على قواعد معينة وعلى اساس دستوري توافقي وعلى اساس التداول.
*هذا نتفق فيه ولكن سؤالي تعلق اكثر تحديدا بالمسائل الاصولية في برنامج النهضة، و انا اكرر سؤالي : هل تخلت الدولة عن مقولة الدولة الاسلامية؟
**العجمي الوريمي: انا اقول لك ان النهضة لم تتخل عن مبادئها وعن ثوابتها ولكن اليوم نشهد في العالم بأسره فهما جديدا لمقتضيات المشروع الاسلامي ولمتطلباته ولمضمونه ولمفهوم الحركة الاسلامية كجزء من المجتمع و كجزء من حراك الامة بشكل عام.
*طيب دعنا من هذا السؤال المقلق حول الدولة الاسلامية، انت ماذا تقول للشباب الاسلامي وبعض شباب النهضة الذين ما يزالون يؤمنون بدولة الخلافة؟
** العجمي الوريمي: انا سئلت عن هذا في الماضي من قبل بعض الشباب الاسلامي ومازلت مقتنعا بنفس الاجابة .انا ساحاول استعارة مصطلح وقع استعمالة . بعد صياغة الاتحاد الاوربي كان الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان مكلفا باعداد الدستور انذاك وميز في هذا الدستور بين المواطنة القومية (citoyenneté nationale) والمواطنة الدستورية( constitutionnelle). فالمواطن الاروبي هو مواطن قومي باعتباره مواطنا فرنسيا ومواطنا المانيا او رومانيا او برتغاليا .. وهو مواطن مواطنة دستورية باعتباره ينتسب الى الاتحاد الاوربي وهذا الاتحاد هو مؤسسات قامت على دستور الاتحاد الذي جاء ليطور مؤسسات قائمة وليبعث مؤسسات جديدة. فاذا اخذنا هذا المعنى اي المواطنة الدستورية وطبقناه على واقعنا اعتقد ان معنى دولة الخلافة والدولة الاسلامية الذي يبحث عنه بعض الشباب متحقق في هذا الشكل من المواطنة الدستورية. طبعا هذه المواطنة ليست قائمة على اساس جغرافي فحسب بل قائمة على جملة قيم كبرى يقوم عليها الاتحاد الاوربي على سبيل المثال من قبيل قيمة الحرية وقيمة الديمقراطية والتضامن ومنهم من يضيف الى ذلك الارث الثقافي المسيحي للاتحاد الاوربي. فنحن ايضا اتحادنا كمسلمين ننتسب الى نفس المرجعية الاسلامية هو ايضا ينتسب الى نفس القيم مثل قيم الاخوة والتضامن.
*جيد ان تعيش بعض الحركات الاسلامية مثل هذا التطور ولكن دعنا نمضي في عملية تصنيف بناء على الواقع. هل تعتقد ان حركة النهضة اليوم هي اقرب الى النموذج التركي الاردوغاني منها الى تجارب اسلامية فاشلة من قبيل التجربة السودانية او التجربة الافغانية او غيرهما؟
** العجمي الوريمي: الفت نظرك الى ان اول من اهتم بالنموذج التركي ليس هم الاسلاميون. وعلى الرغم من ان كنت انذاك في السجن فاني تابعت من خلال ما توفر لي من وسائط ولاحظت ان الذين اهتموا للوهلة الاولى بوصول العدالة والتنمية الى السلطة وبما يترتب على ذلك على طبيعة الدولة التركية على طبيعة النظام السياسي وعلى وضع الحركة الاسلامية في الدولة والمجتمع ليس الاسلاميون بل خصوم الاسلاميين ومنافسوهم. وصاحبت التجربة تساؤلات من قبيل هل ستنجح هذه التجربة؟ وهل سيحصل الاثر المترقب المنتظر؟ هل ستحصل المصالحة الحقيقية ما بين الاسلام والديمقراطية؟ هل ستقطع تركيا مع ارثها العلماني؟ ام انها ستثري هذا الموروث بالعنصر الاسلامي؟ اسئلة كثيرة طرحت وبالتالي فان المشككين كانوا كثرا والمتفائلون كانوا ايضا كثرا.
*لم تجبني عن سؤالي ..؟
** العجمي الوريمي: بالنسبة الينا نحن كنا اول من اهتم بالتجربة التركية كما اهتممنا بتجارب سابقة مثل التجربة الايرانية والثورة الاسلامية فيها كما اهتممنا قبلهما بالقضية الافغانية والتجربة السودانية. نحن وجدنا في التجربة التركية نوعا من الدعم لاطروحاتنا باعتبار ان الكثير من تنظيراتها مأخوذ من ادبياتنا. كانت التجربة التركية مصدقة لاطروحاتنا وغير متعارضة وجاءت لتؤكد ما كان لنا من ثقة كبيرة وحتى مطلقة في ان الاسلام قادر بان يقدم حلولا لمشكلات مجتمعاتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية لاننا لم نكن مقتنعين بان هناك تعارضا بين الاسلام والعصر والاسلام والحداثة.
*و لكن اسمح بالقول ان احد اهم ميزات التجربة التركية انها تجربة تصالحت مع العلمانية. لا حاجة لنا للتذكير بتصريحات طيب رجب اردوغان الممجدة للعلمانية التركية ولا حاجة لي للقول لك بان الرجل كل صباح يدخل مكتبه ليجلس تحت صورة كبيرة لابي الاتراك مصطفى كمال اتاتورك ..
** العجمي الوريمي: ربما انا لا اقول مصالحة.. ربما يكون هناك مصطلح اخر انسب.
*وصف لي الامر؟
**العجمي الوريمي: انا اقول ان هناك استيعابا.
*من استوعب من في تركيا ؟ هل استوعب الاسلاميون العلمانية ام استوعبت العلمانية الاسلاميين؟!
**العجمي الوريمي: اعتقد ان اسلاميي العدالة والتنمية استوعبوا عناصر التجربة التركية بما فيها الجانب العلماني فيها وبالتالي واصلوا عملية التحديث السياسي لها وحاولوا ان يكملوا هذا البناء الذي ظل منقوصا.
*وانتم في حركة النهضة من جهتكم وبما انكم مغرمون بالتجربة التركية هل انتم على استعداد لاستيعاب عنصر العلمانية؟
**العجمي الوريمي: نحن نقول ان العلمانية هي علمانيات ونحن نقول ان النسخة التي وصلت الينا مع بن علي هي للاسف نسخة مشوهة..
*هذا طبعا اذا افترضنا ان بن علي كان علمانيا؟!
** العجمي الوريمي: انا لا اقصد التجربة السياسية فقط، انا اتحدث عن القناعات الموجودة عند النسخةالعلمانية التونسية التي اخذت من العلمانيات اسوأ الامثلة. وربما بشكل ادق اخذت مثالا ينطبق فقط على مجتمع خصوصي معين الذي هو المجتمع الفرنسي وهو مثال يفهم ويفسر في سياقه المخصوص ونحن لنا سياقنا المختلف. نحن لنا رؤيتنا و واقعنا التاريخي والثقافي الذي لا يجب تجاهله حتى لا يكون هناك تعسف. لهذا انا اقول ان الديمقراطية وقع استيعابها في فكرنا السياسي والاجرائي والثقافي والمؤسساتي و هذه كلها وقع استيعابها و مواءمتها مع واقعنا. هم مرجعهم اثينا ونحن مرجعيتنا المدينة وفي الوقت الذي كانت تجربة اثينا اقصائية وكانت حكرا على الاسياد دون العبيد والنساء كانت تجربتنا الاسلامية الشورية في المدينة استيعابية تشمل النساء وتحرر العبيد وكذلك لتحرر اهل الكتاب من اليهود والنصارى..
*هذا على كل حال تأصيل تاريخي وثقافي فيه نظر ويحتاج الى تدقيق وبحث.. دعني في نفس سياق الاعجاب بالتجربة التركية : الم يحن الوقت بالنسبة للنهضة للخروج من جبتها الاخوانية وما اصطلحت عليه انا في مقال سابق ب"تونسة النهضة" ؟ الم يحن الاوان لان تنعتقوا من الرابطة المشرقية الاخوانية المثقلة باتعاب وهموم الشرق التي ليست هي همومنا؟
**العجمي الوريمي: النهضة اخذت من تجارب مختلفة واخذت من ادبيات مختلفة ونحن استفدنا من تجربة الاخوان ومن منهجهم في التربية والدعوة ونحن نؤثر ونتأثر كما استفدنا من التجربة الاسلامية في ايران وتجربة الثورة وتجربة الحكم ومن سلبياتها وايجابياتها. وجوابا على سؤالك اقول بان النهضة حركة تونسية مما لاشك فيه.
*انا لا اتحدث عن تونسة النهضة بالمعنى الجغرافي .. انا اتحدث عن تونسة النهضة بالمعنى الفكري؟
**العجمي الوريمي: انا اعتقد ان النهضة اقل تأثر بالغرب من النخبة التغريبية ..
*يعني هذا من تحصيل الحاصل ؟
** العجمي الوريمي: ونحن ايضا اكثر قربا من المشرق من النخب التغريبية الموجودة في تونس. ولكن تبقى النهضة بنت البيئة التونسية اي منفتحة على الشرق والغرب في نفس الوقت ومعتزة بهذا. نحن على ابواب اروبا و لنا ارتباطات بها اقل من اندماج النخب الحداثية بها ولكن بالتأكيد نحن اكثر قربا من اروبا من اخواننا المشارقة ولا نعيش العديد من مشاكلهم على نفس الايقاع. نحن لنا خصوصية طبعا ليس على حساب الغرب فقط بل خصوصيتنا على حساب الشرق والخليج ايضا. بارادتنا او بغير ارادتنا نحن حركة تونسية.
*ولكنكم حركة تونسية مازالت لكم مشاكل مع رمز التونسة بحد ذاته واقصد الرئيس الاول للبلاد ومؤسس تونس الحديثة الحبيب بورقيبة؟
** العجمي الوريمي: نعم نحن حركة تونسية لها راي في التجربة التحديثية التونسية وتتعامل معها تعاملا نقديا.
*متى تتصالح النهضة مع ابرز رمز للتونسة وهو الرئيس الحبيب بورقيبة؟
**العجمي الوريمي: نحن بالثورة دخلنا طورا جديدا عنوانه ليس المصالحة او المخاصمة مع البورقيبية. الذي بدأنا فيه منذ الثورة هو صياغة مشروع وطني مستقبلي لكل فيه مكان . لا يمكن ان نتصور ان ليس فيه حداثة على حساب الحداثة او هوية منفصلة على العصر ولا يمكن ان تكون فيه حداثة منفصلة على الديمقراطية او ديمقراطية لا تلقي بالا لكل مكونات المجتمع.
*هذا متفق عليه ولكن سؤالي محدد: متى تتصالح النهضة مع الارث البورقيبي؟
**العجمي الوريمي: لا يمكن ان تفصل ارث الدولة ما بعد 56 على ما قبل هذا التاريخ. نحن في حركة النهضة ورثنا كل ذلك . لسنا بمفردنا ولكن مع غيرنا وبالتالي حركتنا تعمل على حل مشكلة السلطة وتطوير المضمون الديمقراطي وهي تعمل على تحديث الدولة بطبيعة الحال ..
*لماذا تتهرب من ذكر اسم الرئيس الحبيب بورقيبة؟!
** العجمي الوريمي: لا لا اتهرب .. لا تأخذ المسألة من زاوية المصالحة او القطيعة مع البروقيبية..الوضع ليس وضع مصالحة او وضع قطيعة. هذا وضع جديد قامت فيه الثورة وهذه الثورة وضعت كل ملفات الماضي على طاولة الحاضر ولكن نفكر في هذا كله بعقلية المستقبل. ولكن كل مشاكل الماضي هي موضوعة على طاولة الحاضر ونحن نتناقش هذا يوميا.
*انا اعتقد ان هناك مشكلة في ان المصالحة لم تقع بعد بين النهضة وبين بورقيبة خلافا للتجربة التركية الاسلامية التي تصالحت مع زعيمها العلماني مصطفى كمال اتاتورك. الاتراك تصالحوا مع مؤسس دولتهم و الامر لم يتم الى الان بالنسبة اليكم ..
**العجمي الوريمي: نحن لم نزل صورة بورقيبة لنضع صورة راشد الغنوشي. نحن اليوم وضعنا الراية التونسية بكل معانيها وبكل دلالاتها الرمزية والسياسية والدينية والثورية.. ومادمنا في هذا المستوى من عدم تأليه الاشخاص بالتأكيد ان هذا الحراك سيأتي بالافكار الجديدة وسيزيل الكثير من العقد وسيمكننا من ان نرى المسائل في حجمها الحقيقي.
*يعني انت العجمي الوريمي واريد ان اختم بهذا السؤال، كرمز من رموز الاتجاه الاسلامي وعضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة حاليا وقد تعرضت في السابق الى السجن في عهد بورقيبة: هل تكره الرئيس الحبيب بورقيبة ؟ ماذا تشعر تجاهه ؟
**العجمي الوريمي: ليست لي كراهية للناس. ولا اتصور ان الكراهية هي حل لاي مشكلة. انا من المتبنين للرأي القائل بان ندع الامور للمؤرخين.
*دعني اقول لك مباشرة : بماذا تشعر عندما تسمع بعض التونسيين يستعملون اسم الحبيب بورقيبة ؟
**العجمي الوريمي: انا مشغول بتقديم اجابات للقضايا التونسية بشكل عام. وبورقيية وغيره جزء من ماضي تونس. ودوري ان اجيب عن الاسئلة التي لم يجب عنها قبلنا اي طرف.
*هذه طروحات ثقافية يا سي العجمي ..و لم تجبني عن سؤالي ..؟
**العجمي الوريمي: ليست هذه المسائل ثقافية…
*اجبني ماذا تقول لبعض شباب حركة النهضة الذين يشوهون صورة بورقيبة ويعتبرونه شيطانا ؟
**العجمي الوريمي: انا اريد من شباب النهضة ان يعرفوا تاريخ بلادهم..
*انا اتحدث عن بورقيبة ..
**العجمي الوريمي: نعم هو جزء من تاريخ البلاد والحركة. والذي يتمعن في التاريخ بالتأكيد سينظر اليه نظرة موضوعية..
*بدون حقد؟
**العجمي الوريمي: كما قلت لا اعتقد ان الحقد او الكره يحل اي مشكلة. نحن لا نريد ان يشحن شبابنا ضد هذا التيار او ذاك او ضد هذا الشخص او ذاك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.